خطبة : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله )
عبدالله البصري
1433/01/28 - 2011/12/23 06:57AM
ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله 28 / 1 / 1433
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في الوَقتِ الَّذِي تُحَثُّ فِيهِ الخُطَا نَحوَ تَحصِيلِ أَعلَى الشَّهَادَاتِ وَنَيلِ أَعلَى الأَوسِمَةِ ، وَتَتَلَهَّفُ الأَكبُدُ وَالأَنفُسُ عَلَى الجُلُوسِ فَوقَ كَرَاسِيِّ القِيَادَةِ ، يَتَوَجَّهُ أُنَاسٌ مُوَفَّقُونَ إِلى طَرِيقٍ آخَرَ ذِي بِدَايَاتٍ مُحرِقَةٍ وَهُمُومٍ مُؤَرِّقَةٍ ، غَيرَ أَنَّ نِهَايَاتِهِ مُشرِقَةٌ وَغَايَاتَهُ مُورِقَةٌ ، إِنَّهُ طَرِيقُ الأَنبِيَاءِ مِن أَوَّلِهِم إِلى آخِرِهِم ، وَسَبِيلُ الرُّسُلِ وَمَن سَارَ عَلَى دَربِهِم وَاتَّبَعَهُم ، إِنَّهَا الدَّعوَةُ إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَالقِيَامُ لِتَبلِيغِ الدِّينِ وَالدِّفَاعِ عَنهُ وَالذَّبِّ عَن حِيَاضِهِ : " يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنذِرْ " " اُدعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ " قَالَ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : فَالدَّعوَةُ إِلى اللهِ ـ تَعَالى ـ هِيَ وَظِيفَةُ المُرسَلِينَ وَأَتبَاعِهِم .
وَحِينَ تُذكَرُ الدَّعوَةُ إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ تَتَقَاصَرُ هِمَمُ الكَثِيرِينَ وَتَنقَطِعُ عَزَائِمُهُم ، وَيَتَلَفَّتُونَ بَاحِثِينَ عَن طَالِبِ عِلمٍ أَو مُعَلِّمٍ ، أَو إِمَامِ مَسجِدٍ أَو خَطِيبِ مِنبَرٍ ؛ لِيُلقُوا بِهَذَا الحِملِ عَلَى ظَهرِهِ ، وَيَمضُوا هُم في سُبُلِ دُنيَاهُم غَافِلِينَ ، وَعَلَى شَهَوَاتِهَا مُقبِلِينَ ، نَاسِينَ أَو مُتَنَاسِينَ أَنَّ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ كَبُرَ أَو صَغُرَ مِن هَذَا الهَمِّ الشَّرِيفِ جُزءًا وَلَهُ مِنهُ نَصِيبًا ، وَأَنَّ مَن أَمَرَ بِمَعرُوفٍ أَو نَهَى عَن مُنكَرٍ ، أَو ذَكَّرَ بِآيَةٍ أَو بَلَّغَ حَدِيثًا ، أَو قَدَّمَ كِتَابًا أَو أَهدَى شَرِيطًا ، أَو عَلَّمَ جَاهِلاً أَو نَبَّهَ غَافِلاً ، أَو دَلَّ عَلَى خَيرٍ أَو سَاعَدَ عَلَى بِرٍّ ، فَهُوَ دَاعِيَةُ خَيرٍ وَلَهُ مِنَ الأَجرِ عَلَى قَدرِ حُسنِ نِيَّتِهِ وَصَلاحِ طَوِيَّتِهِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الدَّعوَةَ إِلى اللهِ شَرَفٌ عَظِيمٌ وَمَنهَجٌ كَرِيمٌ " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي " وَإِنَّ حَقًّا عَلَى كُلِّ مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ فَاتَّبَعَ نَبيَّ الهُدَى ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَسَارَ عَلَى دَربِهِ ، أَن يَدعُوَ إِلى مَا دَعَا إِلَيهِ ، وَأَن يُذَكِّرَ بما ذَكَّرَ بِهِ ، وَأَن يَعِظَ بما مَعَهُ مِنَ العَلمِ ؛ فَلَعَلَّهُ بِذَلِكَ أَن يَنَالَ أَعلَى شَهَادَةٍ وَيَتَقَلَّدَ أَفخَمَ وِسَامٍ ، وَيَدخُلَ فِيمَن أَثنى اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَيهِم حَيثُ قَالَ : " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالحًا وَقَالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمِينَ "
إِنَّهَا أُجُورٌ عَظِيمَةٌ وَحَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ ، وَآثَارٌ مَكتُوبَةٌ وَمَوَازِينَ ثَقِيلَةٌ ، مَعَ عَمَلٍ قَد يَكُونَ قَلِيلاً ضَئِيلاً ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن دَعَا إِلى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ ، لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن سَنَّ في الإِسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجرُهَا وَأَجرُ مَن عَمِلَ بها مِن بَعدِهِ مِن غَيرِ أَن يَنقُصَ مِن أُجُورِهِم شَيءٌ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو وَلَدٍ صَالحٍ يَدعُو لَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَالدَّعوَةُ إِلى اللهِ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ مَاضِيَةٌ ، وَعِلمٌ نَافِعٌ وَفَضلٌ مِنَ اللهِ وَاسِعٌ ، وَالمُهتَدُونَ بِسَبَبِهَا أَبنَاءٌ صَالِحُونَ بَرَرَةٌ .
وَمَعَ مَا يَنَالُ الدَّاعِيَ إِلى الخَيرِ مِن أُجُورِ مَن تَبِعَهُ وَمَا يَدخُلُ عَلَيهِ مِن حَسَنَاتٍ جَزَاءَ كُلِّ مَا عَمِلُوا بِهِ مِن خَيرٍ تَعَلَّمُوهُ مِنهُ ، فَإِنَّ لَهُ أُجُورًا أُخرَى وَبَرَكَاتٍ وَخَيرَاتٍ ، تَشمَلُهُ وَتَنَالُهُ بِسَبَبِ تَعلِيمِهِ الخَيرَ وَدَعوَتِهِ إِلَيهِ ، مِن صَلاةِ اللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَأَهلِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ عَلَيهِ ، وَدُعَاءِ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لَهُ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّ مَا يُبَلِّغُهُ إِنَّمَا هُوَ العِلمُ المَورُوثُ مِن قَولِ اللهِ ـ تَعَالى ـ وَقَولِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ حَتى النَّملَةَ في جُحرِهَا وَحَتى الحُوتَ لِيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " نَضَّرَ اللهُ عَبدًا سَمِعَ مَقَالَتي فَوَعَاهَا ثم بَلَّغَهَا عَني ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ غَير فَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ إِلى مَن هُوَ أَفقَهُ مِنهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " رَحِمَ اللهُ مَن سَمِعَ مِنِّي حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ ، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوعَى لَهُ مِن سَامِعٍ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنَا اليَومَ في زَمَنٍ قَد تَوَفَّرَت فِيهِ وَسَائِلُ كَثِيرَةٌ لِتَبلِيغِ دِينِ اللهِ ، وَتَهَيَّأَت طُرُقٌ مُتَنَوِّعَةٌ لِلدَّعوَةِ إِلى سَبِيلِهِ ، فَمَعَ الكِتَابِ المَقرُوءِ وَالشَّرِيطِ المَسمُوعِ وَالمَطوِيَّةِ النَّافِعَةِ ، هُنَالِكَ وَسَائِلُ حِفظِ المَعلُومَاتِ وَنَشرِهَا في الحَوَاسِيبِ وَشَبَكَاتِ المَعلُومَاتِ ، وَثَمَّةَ الهَوَاتِفُ وَالجَوَّالاتُ ، وَمَا تَحوِيهِ مِن بَرَامِجَ وَتَطبِيقَاتٍ ، وَمِن نِعمَةِ اللهِ عَلَى النَّاسِ في هَذِهِ البِلادِ أَن فُتِحَت فِيهَا مَكَاتِبُ الدَّعوَةِ وَمُؤَسَّسَاتُ الخَيرِ ، وَأُسِّسَت جَمعِيَّاتُ التَّحفِيظِ وَالبِرِّ ، وَأُتِيحَت لِبَاغِي الخَيرِ الفُرَصُ لِيُقبِلَ عَلَى مَا يَنفَعُهُ عِندَ رَبِّهِ ، بِمُشَارَكَةٍ جَسَدِيَّةٍ أَو فِكرِيَّةٍ ، أَو إِعَانَةٍ بما يَتَيَّسَرُ لَهُ مِن مَالٍ ، سَوَاءٌ بِدَعمٍ مَقطُوعٍ أَوِ استِقطَاعٍ مَتبُوعٍ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَادعُوا إِلى اللهِ عَلَى عِلمٍ وَبَصِيرَةٍ ، قُومُوا بِذَلِكَ لَيلاً وَنَهَارًا ، وَأَعلِنُوا بِهِ جِهَارًا أَو أَسِرُّوا بِهِ إِسرَارًا ، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا ، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَاصبِرُوا ، وَكُونُوا مِن أَنصَارِ دِينِ اللهِ وَلا تَفتَرُوا ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلفَوزِ وَالفَلاحِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَمَا دُونَهُ إِلاَّ الخَيبَةُ وَالخَسَارَةُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلْتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . وَادعُوا إِلى سَبِيلِهِ وَلا تَحرِمُوا أَنفُسَكُم لَذَّةَ العَمَلِ لِدِينِهِ ، وَلا تَتَقَاصَرَنَّ أَنفُسُكُم عَن ذَلِكَ الشَّرَفِ العَظِيمِ ، فَإِنَّ لِلدَّعوَةِ إِلى اللهِ حَلاوَةً وَلَذَّةً ، وَلأَهلِهَا شَرَفٌ وَمَنزِلَةٌ وَمَكَانَةٌ ، لا تُدَانِيهَا مَكَانَةُ مُلُوكٍ عَلَى عُرُوشِهِم ، وَلا تَصِلُ إِلَيهَا لَذَّةُ أَصحَابِ أَموَالٍ بِأَموَالِهِم ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّهَا مُهِمَّةُ خَيرِ خَلقِ اللهِ ، وَالأَجرُ عَلَيهَا وَالجَزَاءُ مِنَ اللهِ . قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى لِسَانِ عَدَدٍ مِن أَنبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ : " وَمَا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالمِينَ "
وَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قُلْ مَا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ . إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكرٌ لِلعَالمِينَ . وَلَتَعلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعدَ حِينٍ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، هَل سَمعِتُم بِذَلِكَ الطَّبِيبِ المُسلِمِ المُوَفَّقِ ، الَّذِي تَرَكَ الإِقَامَةَ الدَّائِمَةَ في بِلادِهِ الغَنِيَّةِ وَبَينَ أَهلِهِ وَأَبنَائِهِ ، وَطَلَّقَ حَيَاةَ الغِنى وَالرَّفَاهِيَةِ وَنَبَذَ عِيشَةِ الرَّغَدِ وَالرَّاحَةِ ، وَآثَرَ أَن يَخرُجَ إِلى أَدغَالِ أَفرِيقِيَّةَ وَيَتَنَقَّلَ بَينَ بِلادِهَا الفَقِيرَةِ ، يَدعُو إِلى اللهِ وَيَنشُرُ دِينَهُ ، فَيَبقَي عَلَى ذَلِكَ مَا يُقَارِبُ ثَلاثِينَ عَامًا ، حَتى يَتَجَاوَزُ عَدَدُ مَن أَسلَمَ عَلَى يَدَيهِ أَحَدَ عَشَرَ مليونَ شَخصٍ ، وَتُبنى بِفَضلِ جُهُودِهِ آلافُ المَسَاجِدِ ، وَتُفتَتَحُ مِئَاتُ المَدَارِسِ ، وَتُحفَرُ آلافُ الآبَارِ ، وَتُشَادُ المُستَوصَفَاتُ وَالمُستَشفَيَاتُ ؟!
هَل سَمِعتُم بِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي هَضَمَتهُ وَسَائِلُ الإِعلامِ وَلم تَرفَعْ لَهُ ذِكرًا إِلا مَا شَاءَ اللهُ ؟!
إِنَّهُ الدَّاعِيَةُ المُوَفَّقُ وَالرَّجُلُ المُبَارَكُ عَلَى نَفسِهِ بَل وَزَوجَتِهِ وَدَولَتِهِ ، إِنَّهُ الدُّكتُورُ عَبدُالرَّحمنِ السُّميطُ ، مِن إِخوَانِنَا في دَولَةِ الكُوَيتِ ، وَالَّذِي قَد يَكُونُ بَعضُنَا سَمِعَ عَنهُ أَو بُعِثَت إِلَيهِ رِسَالَةٌ بِطَلَبِ الدُّعَاءِ لَهُ ، حَيثُ يَرقُدُ هَذِهِ الأَيَّامَ عَلَى سَرِيرِ المَرَضِ ، بَعدَ أَن أَنهَكَهُ وَهُوَ الشَّيخُ الكَبِيرُ ، فَنَسأَلُ اللهَ أَن يَختِمَ لَهُ بِالصَّالحَاتِ ، وَأَن يُهَيِّئَ لَهُ مِن أَمرِهِ رَشَدًا ، وَيَجزِيَهُ خَيرًا عَلَى مَا بَذَلَهُ لِدِينِهِ .
وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَأَمثَالَهُ مِن دُعَاةِ المُسلِمِينَ وَرِجَالِ العِلمِ ، الَّذِينَ أَفنَوا أَعمَارَهُم وَبَذَلُوا أَوقَاتَهُم ، وَصَرَفُوا أَموَالَهُم وَأَفكَارَهُم لِنَشرِ الدِّينِ وَنُصرَةِ إِخوَانِهِمُ المُسلِمِينَ وَإِغَاثَتِهِم ، إِنَّهُم لَهُمُ الَّذِينَ يَنبَغِي أَن تَتَّخِذَهُمُ الأُمَّةُ قُدُوَاتٍ لها وَهِيَ تَسِيرُ في دُرُوبِ حَيَاتِهَا ، وَأَن تَجعَلَ مِنهُم أُسوَةً لأَبنَائِهَا وَرُمُوزًا لِحَضَارتِهَا ، لا مَا دَرَجَت عَلَيهِ وَسَائِلُ الإِعلامِ مِن تَلمِيعِ أَهلِ الفَنِّ وَالرِّيَاضَةِ وَالأَفكَارِ العَفِنَةِ وَالآرَاءِ المُنتِنَةِ .
إِنَّ أُولَئِكَ المُبَارَكِينَ ، هُمُ الَّذِينَ يَجِبُ أَن تَسِيرَ الأَجيَالُ عَلَى نَهجِهِم وَتَتَرَسَّمَ خُطَاهُم ، بَل يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ كُلِّهَا أَن تَحذُوَ حَذوَهُم في نَصرِ دِينِ اللهِ ؛ لِيَنصُرَهَا اللهُ وَيُمَكِّنَ لها ، وَهُوَ القَائِلُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم "
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في الوَقتِ الَّذِي تُحَثُّ فِيهِ الخُطَا نَحوَ تَحصِيلِ أَعلَى الشَّهَادَاتِ وَنَيلِ أَعلَى الأَوسِمَةِ ، وَتَتَلَهَّفُ الأَكبُدُ وَالأَنفُسُ عَلَى الجُلُوسِ فَوقَ كَرَاسِيِّ القِيَادَةِ ، يَتَوَجَّهُ أُنَاسٌ مُوَفَّقُونَ إِلى طَرِيقٍ آخَرَ ذِي بِدَايَاتٍ مُحرِقَةٍ وَهُمُومٍ مُؤَرِّقَةٍ ، غَيرَ أَنَّ نِهَايَاتِهِ مُشرِقَةٌ وَغَايَاتَهُ مُورِقَةٌ ، إِنَّهُ طَرِيقُ الأَنبِيَاءِ مِن أَوَّلِهِم إِلى آخِرِهِم ، وَسَبِيلُ الرُّسُلِ وَمَن سَارَ عَلَى دَربِهِم وَاتَّبَعَهُم ، إِنَّهَا الدَّعوَةُ إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَالقِيَامُ لِتَبلِيغِ الدِّينِ وَالدِّفَاعِ عَنهُ وَالذَّبِّ عَن حِيَاضِهِ : " يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنذِرْ " " اُدعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ " قَالَ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : فَالدَّعوَةُ إِلى اللهِ ـ تَعَالى ـ هِيَ وَظِيفَةُ المُرسَلِينَ وَأَتبَاعِهِم .
وَحِينَ تُذكَرُ الدَّعوَةُ إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ تَتَقَاصَرُ هِمَمُ الكَثِيرِينَ وَتَنقَطِعُ عَزَائِمُهُم ، وَيَتَلَفَّتُونَ بَاحِثِينَ عَن طَالِبِ عِلمٍ أَو مُعَلِّمٍ ، أَو إِمَامِ مَسجِدٍ أَو خَطِيبِ مِنبَرٍ ؛ لِيُلقُوا بِهَذَا الحِملِ عَلَى ظَهرِهِ ، وَيَمضُوا هُم في سُبُلِ دُنيَاهُم غَافِلِينَ ، وَعَلَى شَهَوَاتِهَا مُقبِلِينَ ، نَاسِينَ أَو مُتَنَاسِينَ أَنَّ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ كَبُرَ أَو صَغُرَ مِن هَذَا الهَمِّ الشَّرِيفِ جُزءًا وَلَهُ مِنهُ نَصِيبًا ، وَأَنَّ مَن أَمَرَ بِمَعرُوفٍ أَو نَهَى عَن مُنكَرٍ ، أَو ذَكَّرَ بِآيَةٍ أَو بَلَّغَ حَدِيثًا ، أَو قَدَّمَ كِتَابًا أَو أَهدَى شَرِيطًا ، أَو عَلَّمَ جَاهِلاً أَو نَبَّهَ غَافِلاً ، أَو دَلَّ عَلَى خَيرٍ أَو سَاعَدَ عَلَى بِرٍّ ، فَهُوَ دَاعِيَةُ خَيرٍ وَلَهُ مِنَ الأَجرِ عَلَى قَدرِ حُسنِ نِيَّتِهِ وَصَلاحِ طَوِيَّتِهِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الدَّعوَةَ إِلى اللهِ شَرَفٌ عَظِيمٌ وَمَنهَجٌ كَرِيمٌ " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي " وَإِنَّ حَقًّا عَلَى كُلِّ مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ فَاتَّبَعَ نَبيَّ الهُدَى ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَسَارَ عَلَى دَربِهِ ، أَن يَدعُوَ إِلى مَا دَعَا إِلَيهِ ، وَأَن يُذَكِّرَ بما ذَكَّرَ بِهِ ، وَأَن يَعِظَ بما مَعَهُ مِنَ العَلمِ ؛ فَلَعَلَّهُ بِذَلِكَ أَن يَنَالَ أَعلَى شَهَادَةٍ وَيَتَقَلَّدَ أَفخَمَ وِسَامٍ ، وَيَدخُلَ فِيمَن أَثنى اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَيهِم حَيثُ قَالَ : " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالحًا وَقَالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمِينَ "
إِنَّهَا أُجُورٌ عَظِيمَةٌ وَحَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ ، وَآثَارٌ مَكتُوبَةٌ وَمَوَازِينَ ثَقِيلَةٌ ، مَعَ عَمَلٍ قَد يَكُونَ قَلِيلاً ضَئِيلاً ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن دَعَا إِلى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ ، لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن سَنَّ في الإِسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجرُهَا وَأَجرُ مَن عَمِلَ بها مِن بَعدِهِ مِن غَيرِ أَن يَنقُصَ مِن أُجُورِهِم شَيءٌ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو وَلَدٍ صَالحٍ يَدعُو لَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَالدَّعوَةُ إِلى اللهِ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ مَاضِيَةٌ ، وَعِلمٌ نَافِعٌ وَفَضلٌ مِنَ اللهِ وَاسِعٌ ، وَالمُهتَدُونَ بِسَبَبِهَا أَبنَاءٌ صَالِحُونَ بَرَرَةٌ .
وَمَعَ مَا يَنَالُ الدَّاعِيَ إِلى الخَيرِ مِن أُجُورِ مَن تَبِعَهُ وَمَا يَدخُلُ عَلَيهِ مِن حَسَنَاتٍ جَزَاءَ كُلِّ مَا عَمِلُوا بِهِ مِن خَيرٍ تَعَلَّمُوهُ مِنهُ ، فَإِنَّ لَهُ أُجُورًا أُخرَى وَبَرَكَاتٍ وَخَيرَاتٍ ، تَشمَلُهُ وَتَنَالُهُ بِسَبَبِ تَعلِيمِهِ الخَيرَ وَدَعوَتِهِ إِلَيهِ ، مِن صَلاةِ اللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَأَهلِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ عَلَيهِ ، وَدُعَاءِ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لَهُ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّ مَا يُبَلِّغُهُ إِنَّمَا هُوَ العِلمُ المَورُوثُ مِن قَولِ اللهِ ـ تَعَالى ـ وَقَولِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ حَتى النَّملَةَ في جُحرِهَا وَحَتى الحُوتَ لِيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " نَضَّرَ اللهُ عَبدًا سَمِعَ مَقَالَتي فَوَعَاهَا ثم بَلَّغَهَا عَني ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ غَير فَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ إِلى مَن هُوَ أَفقَهُ مِنهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " رَحِمَ اللهُ مَن سَمِعَ مِنِّي حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ ، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوعَى لَهُ مِن سَامِعٍ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنَا اليَومَ في زَمَنٍ قَد تَوَفَّرَت فِيهِ وَسَائِلُ كَثِيرَةٌ لِتَبلِيغِ دِينِ اللهِ ، وَتَهَيَّأَت طُرُقٌ مُتَنَوِّعَةٌ لِلدَّعوَةِ إِلى سَبِيلِهِ ، فَمَعَ الكِتَابِ المَقرُوءِ وَالشَّرِيطِ المَسمُوعِ وَالمَطوِيَّةِ النَّافِعَةِ ، هُنَالِكَ وَسَائِلُ حِفظِ المَعلُومَاتِ وَنَشرِهَا في الحَوَاسِيبِ وَشَبَكَاتِ المَعلُومَاتِ ، وَثَمَّةَ الهَوَاتِفُ وَالجَوَّالاتُ ، وَمَا تَحوِيهِ مِن بَرَامِجَ وَتَطبِيقَاتٍ ، وَمِن نِعمَةِ اللهِ عَلَى النَّاسِ في هَذِهِ البِلادِ أَن فُتِحَت فِيهَا مَكَاتِبُ الدَّعوَةِ وَمُؤَسَّسَاتُ الخَيرِ ، وَأُسِّسَت جَمعِيَّاتُ التَّحفِيظِ وَالبِرِّ ، وَأُتِيحَت لِبَاغِي الخَيرِ الفُرَصُ لِيُقبِلَ عَلَى مَا يَنفَعُهُ عِندَ رَبِّهِ ، بِمُشَارَكَةٍ جَسَدِيَّةٍ أَو فِكرِيَّةٍ ، أَو إِعَانَةٍ بما يَتَيَّسَرُ لَهُ مِن مَالٍ ، سَوَاءٌ بِدَعمٍ مَقطُوعٍ أَوِ استِقطَاعٍ مَتبُوعٍ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَادعُوا إِلى اللهِ عَلَى عِلمٍ وَبَصِيرَةٍ ، قُومُوا بِذَلِكَ لَيلاً وَنَهَارًا ، وَأَعلِنُوا بِهِ جِهَارًا أَو أَسِرُّوا بِهِ إِسرَارًا ، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا ، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَاصبِرُوا ، وَكُونُوا مِن أَنصَارِ دِينِ اللهِ وَلا تَفتَرُوا ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلفَوزِ وَالفَلاحِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَمَا دُونَهُ إِلاَّ الخَيبَةُ وَالخَسَارَةُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلْتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ . وَادعُوا إِلى سَبِيلِهِ وَلا تَحرِمُوا أَنفُسَكُم لَذَّةَ العَمَلِ لِدِينِهِ ، وَلا تَتَقَاصَرَنَّ أَنفُسُكُم عَن ذَلِكَ الشَّرَفِ العَظِيمِ ، فَإِنَّ لِلدَّعوَةِ إِلى اللهِ حَلاوَةً وَلَذَّةً ، وَلأَهلِهَا شَرَفٌ وَمَنزِلَةٌ وَمَكَانَةٌ ، لا تُدَانِيهَا مَكَانَةُ مُلُوكٍ عَلَى عُرُوشِهِم ، وَلا تَصِلُ إِلَيهَا لَذَّةُ أَصحَابِ أَموَالٍ بِأَموَالِهِم ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّهَا مُهِمَّةُ خَيرِ خَلقِ اللهِ ، وَالأَجرُ عَلَيهَا وَالجَزَاءُ مِنَ اللهِ . قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى لِسَانِ عَدَدٍ مِن أَنبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ : " وَمَا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالمِينَ "
وَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قُلْ مَا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ . إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكرٌ لِلعَالمِينَ . وَلَتَعلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعدَ حِينٍ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، هَل سَمعِتُم بِذَلِكَ الطَّبِيبِ المُسلِمِ المُوَفَّقِ ، الَّذِي تَرَكَ الإِقَامَةَ الدَّائِمَةَ في بِلادِهِ الغَنِيَّةِ وَبَينَ أَهلِهِ وَأَبنَائِهِ ، وَطَلَّقَ حَيَاةَ الغِنى وَالرَّفَاهِيَةِ وَنَبَذَ عِيشَةِ الرَّغَدِ وَالرَّاحَةِ ، وَآثَرَ أَن يَخرُجَ إِلى أَدغَالِ أَفرِيقِيَّةَ وَيَتَنَقَّلَ بَينَ بِلادِهَا الفَقِيرَةِ ، يَدعُو إِلى اللهِ وَيَنشُرُ دِينَهُ ، فَيَبقَي عَلَى ذَلِكَ مَا يُقَارِبُ ثَلاثِينَ عَامًا ، حَتى يَتَجَاوَزُ عَدَدُ مَن أَسلَمَ عَلَى يَدَيهِ أَحَدَ عَشَرَ مليونَ شَخصٍ ، وَتُبنى بِفَضلِ جُهُودِهِ آلافُ المَسَاجِدِ ، وَتُفتَتَحُ مِئَاتُ المَدَارِسِ ، وَتُحفَرُ آلافُ الآبَارِ ، وَتُشَادُ المُستَوصَفَاتُ وَالمُستَشفَيَاتُ ؟!
هَل سَمِعتُم بِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي هَضَمَتهُ وَسَائِلُ الإِعلامِ وَلم تَرفَعْ لَهُ ذِكرًا إِلا مَا شَاءَ اللهُ ؟!
إِنَّهُ الدَّاعِيَةُ المُوَفَّقُ وَالرَّجُلُ المُبَارَكُ عَلَى نَفسِهِ بَل وَزَوجَتِهِ وَدَولَتِهِ ، إِنَّهُ الدُّكتُورُ عَبدُالرَّحمنِ السُّميطُ ، مِن إِخوَانِنَا في دَولَةِ الكُوَيتِ ، وَالَّذِي قَد يَكُونُ بَعضُنَا سَمِعَ عَنهُ أَو بُعِثَت إِلَيهِ رِسَالَةٌ بِطَلَبِ الدُّعَاءِ لَهُ ، حَيثُ يَرقُدُ هَذِهِ الأَيَّامَ عَلَى سَرِيرِ المَرَضِ ، بَعدَ أَن أَنهَكَهُ وَهُوَ الشَّيخُ الكَبِيرُ ، فَنَسأَلُ اللهَ أَن يَختِمَ لَهُ بِالصَّالحَاتِ ، وَأَن يُهَيِّئَ لَهُ مِن أَمرِهِ رَشَدًا ، وَيَجزِيَهُ خَيرًا عَلَى مَا بَذَلَهُ لِدِينِهِ .
وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَأَمثَالَهُ مِن دُعَاةِ المُسلِمِينَ وَرِجَالِ العِلمِ ، الَّذِينَ أَفنَوا أَعمَارَهُم وَبَذَلُوا أَوقَاتَهُم ، وَصَرَفُوا أَموَالَهُم وَأَفكَارَهُم لِنَشرِ الدِّينِ وَنُصرَةِ إِخوَانِهِمُ المُسلِمِينَ وَإِغَاثَتِهِم ، إِنَّهُم لَهُمُ الَّذِينَ يَنبَغِي أَن تَتَّخِذَهُمُ الأُمَّةُ قُدُوَاتٍ لها وَهِيَ تَسِيرُ في دُرُوبِ حَيَاتِهَا ، وَأَن تَجعَلَ مِنهُم أُسوَةً لأَبنَائِهَا وَرُمُوزًا لِحَضَارتِهَا ، لا مَا دَرَجَت عَلَيهِ وَسَائِلُ الإِعلامِ مِن تَلمِيعِ أَهلِ الفَنِّ وَالرِّيَاضَةِ وَالأَفكَارِ العَفِنَةِ وَالآرَاءِ المُنتِنَةِ .
إِنَّ أُولَئِكَ المُبَارَكِينَ ، هُمُ الَّذِينَ يَجِبُ أَن تَسِيرَ الأَجيَالُ عَلَى نَهجِهِم وَتَتَرَسَّمَ خُطَاهُم ، بَل يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ كُلِّهَا أَن تَحذُوَ حَذوَهُم في نَصرِ دِينِ اللهِ ؛ لِيَنصُرَهَا اللهُ وَيُمَكِّنَ لها ، وَهُوَ القَائِلُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم "
المرفقات
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله.doc
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله.doc
المشاهدات 4173 | التعليقات 7
جزاك الله خيراً
وبارك فيك ونفع بما سطرت يداك
وبارك فيك ونفع بما سطرت يداك
سلمت يمينك يا شيخ عبدالله
ووالله اني لنادم لأني لم اخطب هذا اليوم
خاصة بعد قرائتي لخطبتك الجميلة
ووالله اني لنادم لأني لم اخطب هذا اليوم
خاصة بعد قرائتي لخطبتك الجميلة
أبو اليسر;9262 wrote:
ما شاء الله لا قوة إلا بالله
بارك الله فيك وفي اختيارك للموضوع الموفق
فعلاً كم نحن بحاجة إلى التذكير والربط في الواقع ...
والدكتور السميط يحتاج إلى الدعاء والإلحاح بالدعاء بأن يشفيه الله
ليس لي ملاحظة على الموضوع إلا التأخير في إنزاله ولكن لعلنا نخطب هذه الخطبة الجمعة القادمة إن شاء الله ...
وفيك ـ أخي أبا اليسر ـ بارك الله ، ولا شك أن جعل الموضوع مناسبًا لما يدور في الواقع والنظر إلى ما يتعطش المستمع إليه ، مما يعطي الموضوع مزيدًا من القبول لدى ذلك المستمع ويحمسه للاستماع إليه وتفهمه ، حتى وإن لم يكن وافيًا بالمقصود ، ذلك أن الأمة تنظر في كل واقعة أو حدث إلى ما يقوله الخطيب ، وهذا في الحقيقة من هدي الإمام الأعظم محمد بن عبدالله ـ عليه الصلاة والسلام ـ في خطبه ، فقد كان يراعي فيها مقتضى الحال وما يتطلبه الواقع ، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ وهو يصف خطبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ : وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته ، فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة وحض عليها ... وقال في موضع آخر : وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم ... ا.هـ
إرشاد;9263 wrote:
جزاك الله خيراً
وبارك فيك ونفع بما سطرت يداك
وبارك فيك ونفع بما سطرت يداك
وفيك بارك الله ـ أخي إرشاد ـ وأجاب المولى دعاءك ونفع بك .
سعيد المفضلي;9264 wrote:
سلمت يمينك يا شيخ عبدالله
ووالله اني لنادم لأني لم اخطب هذا اليوم
خاصة بعد قرائتي لخطبتك الجميلة
ووالله اني لنادم لأني لم اخطب هذا اليوم
خاصة بعد قرائتي لخطبتك الجميلة
وسلمت يمينك ـ أخي الشيخ سعيد ـ ولا تندمن ، فلعل في الأمر خيرًا ، وتحيا وتسلم إن شاء الله وتعوض هذه الخطبة بخير منها .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
أبو اليسر
بارك الله فيك وفي اختيارك للموضوع الموفق
فعلاً كم نحن بحاجة إلى التذكير والربط في الواقع ...
والدكتور السميط يحتاج إلى الدعاء والإلحاح بالدعاء بأن يشفيه الله
ليس لي ملاحظة على الموضوع إلا التأخير في إنزاله ولكن لعلنا نخطب هذه الخطبة الجمعة القادمة إن شاء الله ...
تعديل التعليق