خطبة وما ضَرَّهُم ألاَّ يعرِفهُم أحدٌ!..  

أحمد بن عبدالله الحزيمي
1439/04/10 - 2017/12/28 12:05PM

وما ضَرَّهُم ألاَّ يعرِفهُم أحدٌ!  

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، إلهِ الأولينَ والآخرينَ وقَيومِ السماواتِ والأَرضِينَ، سبحانَه بَهَرَتْ عظمتُهُ قُلوبَ العارفينَ، وظَهَرتْ بدائِعُهُ لنواظِرِ المتأمِّلينَ، نَصبَ الجبالَ فأَرسَاهَا، وأرسلَ الرياحَ فأجْرَاهَا، ورفعَ السماءَ فأعلاهَا وبَسطَ الأرضَ فدَحَاهَا، الملائكة ُمِن خَشيتِهِ مُشفقونَ، والرُّسلُ مِن هَيبتِهِ خاَئفونَ، والجبَابرةُ لعظمَتِهِ خَاضِعونَ.

ونَشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَه الوَاحِدُ الأحدُ، القيُّومُ الصَّمدُ، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ النبيُّ المصطفَى والرسولُ المجتَبَى، الرحمةُ المُهداةُ والنِّعمةُ المسدَاةُ، صاحبُ المَقامِ المحمودِ والحَوضِ الموْرودِ، سيِّدُ الأولينَ والأخرينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آلِه وأصحابِه الطيبينَ الأبرارِ، وعن التابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، أما بعدُ: 

فأُوصِيكُم ونفسِي بتقوَى اللهِ تعَالى؛ فإنَّها وصيَّةُ اللهِ لكُم ولِمن كانَ قبلَكُم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ}.

عبادَ اللهِ:

تَذكُرُ لنَا كُتبُ السِّيَرِ والسُّنَّةِ قصَّةَ ذلكَ الرجلِ الذي نَوَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهِ, فبعدَ أنْ وَضَعَتِ الحَرْبُ أوزَارَهَا في إِحدى غَزواتِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ لأصحابِهِ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ» فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ. رواهُ مُسلمٌ.

وذكَرَ الطَّبريُّ في "تَاريخِه" قصَّةً مؤثِّرةً, وهِيَ أنَّه لمَا أَتمَّ اللهُ فَتحَ "نَهَاوَنْدَ" في سَّنةِ إِحدَى وعشرينَ للهِجرةِ والتي يُسمِّيها المسلمونَ "فَتحَ الفُتُوحِ"، جاءَ السَّائبُ بنُ الأقرعِ إلى الفاروقِ رضي اللهُ عنه فقال: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِفَتْحٍ أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَأَذَلَّ بِهِ الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ قَالَ: فَحَمَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: النُّعْمَانُ بَعَثَكَ؟ قَالَ: احْتَسَبِ النُّعْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَبَكَى عُمَرُ وَاسْتَرْجَعَ قَالَ: وَمَنْ وَيْحَكَ! قَالَ: فُلانٌ وَفُلانٌ، حَتَّى عَدَّ لَهُ نَاسًا كَثِيرًا، ثُمَّ قَالَ: وَآخَرِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا تَعْرِفُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ وَهُوَ يَبْكِي: لا يَضُرُّهُمْ أَلا يَعْرِفَهُمْ عُمَرُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَعْرِفُهُمْ.

عبادَ اللهِ:

جُيوشُ المسلمينَ التي كَانتْ تَخرُجُ للغَزوِ والجهادِ بأُلُوفٍ مُؤلَّفَةِ لا تَذكُرُ كتبُ التاريخِ لنَا مِنهُم إلاَّ القَادةَ والأُمَرَاءَ وأهلُ الرَّأيِ، فماذا عنْ بَقيةِ الجيشِ؟ ماذا عن بقيَّةِ النَّاسِ, الذَّين هُم "أَفْنَادُ النَّاسِ" الذين ليسوا بأهلِ حِلٍّ ولا عَقْدِ ولا رَأيٍ ولا إمارةٍ بل كانوا أُناساً وَسَطاً, يعمَلُونَ للهِ وحدَه, حيثُ ضَحَّوْا بأرواحِهِم.. ضحوا بشبابِهِم ضحوا بأموالِهِم, وهَزَمُوا أقوَى قِوَى الأرضِ وَقْتَئِذٍ، لقد أَعَادوا للإسلامِ هَيبَتَه وتَوَهُّجَهُ, وتمَدَّدَ هذا الدينُ العظيمُ، هذا النورُ المبينُ في أَصقَاعِ الدُّنيا، فللهِ مَا أعظَمَ أَجرَهُم وما أعلى قَدرَهُم؛ قَاموا بأشْرَفِ الأعمالِ وأَجَلِّهَا، لَم يُسَطِّرِ التاريخُ أسماءَهُم ولا أسماءَ قَبائِلِهِم، وإنما أَسمَاؤُهُم مُسطَّرةٌ في الملإِ الأعلَى، لَقد أَبْلَوْا بلاءً حسنًا، وبَذلُوا جُهداً عَظِيماً في خِدمةِ هذا الدِّينِ العظيمِ.

إِذًا مَا الذي يُضِيرُ أولئكَ إنْ لَم يَعْرِفْهُمْ أَحَدٌ؟ ولَكِنْ يَكفِيهِم أنَّ اللهَ يَعرِفُهُم وَيَعلَمُ سِرَائِرَهُمْ.

مَا اشتَرطَ أحدُهُم يَوماً لِعمَلِهِ أنْ يكونَ رَئِيساً مُوجِّهاً ولا أميراً مُطاعاً، بل كَان هَمُّهُ : رِضَا اللهِ، والشَّهادَةَ في سَبيلِهِ. وأولئكَ النَّفرُ مِنَ النَّاسِ هُم مِمَّن عَناهُمْ رسولُ الهُدَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقولِهِ: «طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الحِرَاسَةِ -أي مُقدَّمةَ الجيشِ-، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ -أي مؤخَّرةَ الجيشِ-، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ»، رواهُ البخاريُّ، والشَّاهدُ مِنه قَولُه: "إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ".

ويُعَبِّر ابنُ الجَوزِيِّ رحمه اللهُ عن صِفةِ هذا الرَّجُلِ المذكُورِ، بقولِهِ: "خَامِلُ الذِّكرِ، لا يَقصِدُ السُّموَّ، فأينَ اتَّفقَ لَه كَانَ فيهِ".

وروى الإمامُ مُسلمٌ عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ أبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، وَهُوَ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ»، فَقَامَ رَجُلٌ رَثُّ الْهَيْئَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، آنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ، ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ، ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ إِلَى الْعَدُوِّ فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ".. فمَنْ يَعرِفُ ذلكَ الرَّجُلَ؟ إنَّ كُتُبَ السِّيَرِ والمغَازِي لَم تُشِرْ إلى اسْمِهِ, لَكِنْ مَا ضَرَّهُ إِنْ لَمْ يَعرِفْهُ أَحدٌ.

هلْ سَطَّرَ التَّاريخُ -أيها المؤمنونَ- الرَّجُلَ الذي تَكبَّدَ عَناءَ السَّفرِ وأَخْطَارَهُ وقطعَ مَسافَاتٍ طَويلَةً في مَفاوِزَ وصَحَاري الأَناضُولِ بتُركِيا وذهبَ إلى الخَليفةِ المُعتَصِمِ في بَغدَادَ لِيُبَلِّغَهُ مَقولَةَ المرأةِ المسلِمةِ التي تَأَذَّتْ في "عَمُّورِيَّةَ" مِن رُومِيٍّ وَضِيعٍ، فتَأثَّرَ المعتَصِمُ لهذا الموقِفِ فقَادَ جَيشاً أوَّلُهُ في عَمُّورِيَّةَ وآخِرُهُ في بَغدَادَ.

الإمامُ مَالكٌ والشافعيُ, والبخاريُّ، والنوويُّ, وابنُ تيميةَ، وابنُ عبدِالوهابِ، كلُّ هؤلاءِ المشَاهِيرِ والقاماتِ العَظيمةِ, تَعلَّمُوا على يَدِ أُنَاسٍ, لا نَعرِفُهُمْ, وتَرَبَّوْا على يَدِ نِسوَةٍ لَم يَذكُرُهُمُ التَّاريخُ في صَفحَاتِهِ, ومَا ضَرَّهُم أَلاَّ يَعرِفُهُمْ أَحدٌ.

يَا تُرَى مَن الذي رَغَّبَ ابنَ حَجَرٍ في طَلبِ العِلمِ, ومَن الذي أَلْهَبَ حَمَاسَ النَوَوِيِّ لُيخرِجَ لَنا كُتبَه العظِيمةَ التي مَلَئَتِ الدُّنيا.

ومَن الذي تَسبَّبِ في تَعَلُّمِ أَشهرِ قُرَّاءِ القرآنِ الكريمِ في العالَمِ الإسلاميِّ "الشيخُ عبدُ الباسطِ عبدُ الصَّمد"؟ مَن الذي حَفَّزَه ليكونَ قَارئاً للكتابِ العَزِيزِ؟!, مَن الذي صَرَفَ جَمالَ صَوتِه وأسلوبَه الفريدَ إلى القرآنِ الكريمِ، ولم يُحَرِّفْهُ للمزمارِ والطَّبل!

ومَن الذي عَلَّمَ القراءةَ والكتابةَ للشيخِ عبدِالرحمنِ بنِ قاسِمٍ الذي جَمَعَ لنا "فتَاوَى ابنِ تيميةَ" في سَبعٍ وثلاثينَ مُجلَّداً خَلالَ أربعينَ سنةً.

ومَن الذي أَشْعَلَ جَذْوَةَ الحَمَاس في قَلبِ الدكتورِ عبدِالرحمنِ السِّميط، الإنسانِ الذي كَرَّسَ حياتَه للعملِ الخيريِّ في أفريقيا، قَدَّم فيها الكَثيرَ من أجلِ خِدمةِ الأمَّةِ عبرَ بِناءِ المئاتِ مِن دُورِ الأَيتامِ والمدارسِ والمساجدِ, وقد اعتنقَ الإسلامَ على يَدِه حَوالي أَحدَ عَشرَ مِليونًا من الأَفارِقَةِ.

ويا تُرَى مَن الذي كانَ ورَاءَ إنشاءِ حَلقاتِ تَعلِيمِ وتحفيظِ القرآنِ الكريمِ, التي انتَشَرتْ في مَساجِدِ العَالَمِ وخَرَّجَتِ الحُفَّاظَ, وعَلَّمَتِ الملايينَ.

ومَن الذي كان وَراءَ ابتكَارِ بعضِ تطبيقاتِ أَجهزَةِ التواصلِ الاجتماعيِّ والتي كانَ لَها نَفعٌ عظيمٌ كتطبيقِ القرآنِ الكريمِ والتذكيرِ بأوقاتِ الصلاةِ.

إنَّهُم أُناسٌ لا نَعْرِفُهُمْ!

وللهِ دَرُّ رِجالٍ بذَلُوا أوقَاتَهُم وأموالَهُم في سبيلِ نَشرِ الدَّعوَةِ إلى اللهِ وتَوعِيةِ الناسِ وإحياءِ جَذوَةِ الإيمانِ في القلوبِ، حتى انتَشَرَ الوَعيُ ليسَ في العالَمِ الإسلاميِّ فحسب، بل في العالَمِ أَجْمَع.

ويَا تُرى مَن الَّذِين كانوا وراءَ نَهضَةِ بعضِ الدولِ الإسلاميةِ التي كان أهلُهَا مِن قَبلُ يعيشونَ في الغَابَاتِ، ويعملونَ في الزِّراعةِ وصَيدِ الأسماكِ وكان بَلداً مُثقلاً بالدُّيونِ, مُتخَلِّفاً في كلِّ شَيء, لتَتَرَبَّع بعدَ إِذٍ على قِمةِ الدُّولِ التي يُشارُ إليها بالبَنانِ، في جميعِ المجالاتِ.

إنَّهم رِجالٌ أَفذَاذٌ قَدَّمُوا تَضحِيَّاتِهم مِن غَيرِ رَغبةٍ في مَغْنَمٍ ولا مَكْسَبٍ، ولا يَبغُونَ مِن وَرائِهَا حَظًّا دُنيوِيًّا ولا يَنتظِرونَ مِن أَحدٍ جَزاءً ولا شُكُورًا.

نسألُ اللهَ أنْ يَرزقَنَا الإخلاصَ في القولِ والعملِ، وأنْ يُعِينَنَا على أنفُسِنَا إنَّه على كلِّ شيءٍ قَديرٌ وبالإجابةِ جَديرٌ.

بارك الله...


 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ للمتقينَ، وَلَا عُدْوَانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وأَشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَه، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آلِه وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، أما بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللَّهِ- وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.  عبادَ اللهِ:

كَمْ نَحنُ بحاجةٍ إلى هَذِه النُّفوسِ الكَبيرةِ في مَيَادِينِ العَملِ لهذَا الدِّينِ! تِلكَ النُّفوسُ التي لا تَعنِيهَا التصنيفاتُ الإداريةُ، ولا بَرِيقُ الكَاميراتِ، ولا تُردُّدُ أسمَائِهَا في الحفلاتِ الخِطابيَّةِ، أو مَنصَّاتِ التَّتوِيجِ، ولا يَضِيقُ صَدرُه إذَا لَمْ يُقَدَّم، ولا تَجزَعُ نفسُه إذا لَم يُشْتَهَرْ، ولا يَعنِيهَا أنْ تَكونَ في صَدرِ المجلِسِ أو طَرفِهِ، أو في مَوقِعِ القِيادَةِ أو الصُّفوفِ الأَماميَّةِ, أو في الصَّفحاتِ الأُولَى مِن الجَرائِدِ, بلْ الأَهمُّ عِندَها أنْ تَخدِمَ دِينَ اللهِ، ولو كَانَتِ المصلَحةُ تَقْتَضِي أَلا يَعرِفُهُ أَحَدٌ.

إنَّنا مُطَالبونَ دَوماً وأبداً بتجوِيدِ البَاطنِ وتَحسينِ السَّرِيرةِ، والنَّظَرِ إلى ما عِندَ اللهِ فَقط, وعَدَمِ العَجلةِ والتَّطلُّعِ إلى الدُّنيا وحظوظِ النَّفسِ فإنَّ البقاءَ فيها قَليلٌ، يقولُ الإمامُ ابنُ القَيِّمِ: (لا شَيءَ أَفسَدُ للأعمالِ مِنَ العُجْبِ ورؤيةِ النَّفسِ). وكانَ الحسنُ رضي اللهُ عنه يقولُ: (رَحِمَ اللهُ رَجلاً لَم يُغْرِهِ كَثرةُ ما يَرى مِنَ النَّاسِ).

ابنَ آدمَ.. إنَّكَ تَموتُ وَحدَكَ، وتَدخُلُ القَبرُ وحْدَكَ، وتُبعَثُ وَحدَكَ، وتُحاسَبُ وَحدَكَ. فتنبه!

اللهمَّ إنَّا نسأَلُك رَحمةً مِن عندِك تَهدِي بهَا قُلوبَنَا، وتَجمَعُ بها أَمرَنَا، وتُزَكِّي بها أعمَالَنَا، وتُلهِمُنَا بِهَا رُشْدَنَا، وتَعصِمُنا بها مِن كلِّ سُوءٍ, اللهمَّ لا تَكِلْنَا إلى أنفسِنَا فنَعْجَز، ولا إلى الناسِ فَنَضِيع.

صَلّوا يا عباد الله وسلموا على البشيرِ النذيرِ...فقد امركم ربكم بذلك....

المرفقات

ضرهم-الا-يعرفهم-أحد

ضرهم-الا-يعرفهم-أحد

المشاهدات 1483 | التعليقات 0