خطبة : ( ولم يصروا على ما فعلوا )

عبدالله البصري
1431/02/21 - 2010/02/05 07:19AM
( ولم يصروا على ما فعلوا ) الجمعة 21 / 2 / 1431


الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن نِعَمِ اللهِ عَلَى العَبدِ وَتَوفِيقِهِ لَهُ وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُ لِلرَّشَادِ ، أَن يُحَبِّبَ إِلَيهِ الإِيمَانَ وَيُسَهِّلَ لَهُ فِعلَ الطَّاعَةِ ، وَأَن يُكَرِّهَ إِلَيهِ الفُسُوقَ وَيُبَغِّضَ إِلَيهِ العِصيَانَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ . فَضلاً مِنَ اللهِ وَنِعمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "
وَإِذَا رَأَيتَ العَبدَ لا يَزدَادُ بِطُولِ العُمُرِ إِلاَّ تَقَرُّبًا إِلى رَبِّهِ وَتَخَلُّصًا مِن ذَنبِهِ ، فَاعلَمْ أَنَّهُ مَهدِيٌّ مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ ، وَإِذَا أَلفَيتَهُ يَتَمَادَى في غَيِّهِ وَيُصِرُّ عَلَى مَعَاصِيهِ ، فَاعلَمْ أَنَّهُ ضَالٌّ مَخذُولٌ مَصرُوفٌ ، وَ" خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ، وَشَرُّ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ "
وَإِذَا كَانَ الخَطَأُ مِن طَبِيعَةِ النَّفسِ البَشَرِيَّةِ ، وَلازِمٌ مِن لَوَازِمِ ضَعفِ الإِنسَانِ الَّتي لا تُفَارِقُهُ وَلا يَنفَكُّ عَنهَا ، فَإِنَّ لِلمُتَّقِينَ مَعَ كُلِّ خَطَأٍ تَوبَةً وَإِقلاعًا ، وَمَعَ كُلِّ زَلَّةٍ تَرَاجُعًا وَنُزُوعًا ، إِذْ هُم دَائِمًا مَا يَتَذَكَّرُونَ وَيُبصِرُونَ ، وَسَرِيعًا مَا يَتُوبُونَ وَيَرجِعُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُم طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبصِرُونَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " كُلُّ ابنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ "
نَعَمْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ سُرعَةَ الرُّجُوعِ إِلى اللهِ وَالمُبَادَرَةَ بِالتَّوبَةِ مِنَ الذَّنبِ ، إِنَّهَا لَصِفَةُ المُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ ، المَوعُودِينَ بِالمَغفِرَةِ مِن رَبِّهِم وَالجَنَّةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم وَجَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعمَ أَجرُ العَامِلِينَ "
وَأَمَّا الإِصرَارُ عَلَى الذُّنُوبِ وَالاستِمرَارُ في طَرِيقِهَا ، وَالتَّمَادِي في المَعَاصِي وَالتَّشَعُّبُ في سُبُلِ الضَّلالِ ، فَإِنَّمَا هُوَ دَيدَنُ الكَذَّابِينَ الأَفَّاكِينَ ، وَعَادَةُ المُترَفِينَ المُتَكَبِّرِينَ ، وَصِفَةٌ مِن صِفَاتِ المُعرِضِينَ عَنِ الحَقِّ المُستَهزِئِينَ ، بها استَحَقُّوا الخَسَارَةَ وَالبَوَارَ ، وَبِسَبَبِهَا تَعَرَّضُوا لِلعَذَابِ وَالنَّارِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَيلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يَسمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتلَى عَلَيهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُستَكبِرًا كَأَن لم يَسمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذَا عَلِمَ مِن آيَاتِنَا شَيئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ . مِن وَرَائِهِم جَهَنَّمُ وَلا يُغنِي عَنهُم مَا كَسَبُوا شَيئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ أَولِيَاءَ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَأَصحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصحَابُ الشِّمَالِ . في سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِن يَحمُومٍ . لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ . إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذَلِكَ مُترَفِينَ . وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحِنثِ العَظِيمِ " وَصَحَّ عَنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَنَّهُ قَالَ : " وَيلٌ لأَقمَاعِ القَولِ ، وَيلٌ لِلمُصِرِّينَ ، الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ .
وَلَمَّا أَذنَبَ الأَبَوَانِ آدَمُ وَزَوجُهُ وَأَمَرَهُمَا رَبُّهُمَا بِالتَّوبَةِ ، بَادَرَا إِلَيهَا وَسَارَعَا ، وَ" قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وَإِن لم تَغفِرْ لَنَا وَتَرحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ " فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا في رَحمَةِ اللهِ لهما ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " وَأَمَّا قَومُ نُوحٍ فَقَد دَعَاهُم نَبيُّ اللهِ " قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوتُ قَومي لَيلاً وَنَهارًا . فَلم يَزِدْهُم دُعائِي إِلاَّ فِرارًا . وَإِنِّي كُلَّما دَعَوتُهُم لِتَغفِرَ لَهُم جَعَلُوا أَصابِعَهُم في آذانِهِم وَاستَغشَوا ثِيابَهُم وَأَصَرُّوا وَاستَكبَرُوا استِكبارًا " وَقَد كَانَ مِن عَاقِبَتِهِم أَن أَغرَقَهُمُ اللهُ وَأَهلَكَهُم بِسَبَبِ إِصرَارِهِم وَاستِكبَارِهِم .


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِنَ النَّاسِ في زَمَانِنَا وَمِنَّا وَمِن بَينِنَا ، مَن زَيَّنَ لَهُ الشَّيطَانَ سُوءَ عَمَلِهِ ، فَأَصَرَّ عَلَى خَطَئِهِ وَمَضَى في غَيِّهِ ، وَلم يُفَكِّرْ يَومًا أَن يَتَرَاجَعَ عَنهُ أَو يَؤُوبَ ، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ مِن قَسوَةِ القُلُوبِ وَقِلَّةِ الفِقهِ وَالمَعرِفَةِ بِاللهِ ، وَالَّتي بُلِيَ بها مَنِ ابتَعَدَ عَنِ العِلمِ وَأَعرَضَ عَن ذِكرِ اللهِ " أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ " " وَلَكِنْ قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لهم الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ "
وَإِنَّنَا عِندَمَا نَتَحَدَّثُ عَنِ الإِصرَارِ عَلَى المَعَاصِي ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّنَا لا نَقصِدُ مَخلُوقَاتٍ تَسكُنُ كَوكَبًا آخَرَ أَو أُنَاسًا يَقطُنُونَ أَرضًا أُخرَى ، بَل إِنَّنَا لَنَتَحَدَّثُ عَن مَعَاصٍ كَثِيرٌ مِنَّا وَاقِعُونَ فِيهَا لَيلاً وَنَهَارًا ، وَفِئَامٌ مِنَّا مُوَاقِعُوهَا سِرًّا وَجَهَارًا ، وَمِنَ المَصَائِبِ أَنَّهَا لَيسَت مِن صَغَائِرِ السَّيِّئَاتِ أَو لَمَمِ الذُّنُوبِ فَحَسبُ ، وَإِنَّمَا فِيهَا مَا هُوَ مِنَ الكَبَائِرِ وَالبَوَاقِعِ ، وَلَكِنَّ كَثرَةَ المُرُورِ بها والمِسَاسِ ، قَلَّلَتِ الشُّعُورَ وَأَذهَبَتِ الإِحسَاسَ ، وَإِذَا كَانَ الإِصرَارُ عَلَى الصَّغَائِرِ يَجعَلُهَا في مَرتَبَةِ الكَبَائِرِ ، فَمَا بَالُكُم بِالإِصرَارِ عَلَى الكَبَائِرِ وَالتَّهَاوُنِ بها ، وَمُرُورِ السِّنِينَ وَالعَبدُ عَاكِفٌ عَلَيهَا مُستَمرِئٌ لها ؟!
كَم مِنَ المُسلِمِينَ اليَومَ مَن يَترُكُ الصَّلاةَ وَيَتَهَاوَنُ بها !! كَم مِنهُم مَن تَمُرُّ عَلَيهِ الأَسَابِيعُ وَلم يَشهَدْ صَلاةَ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ !!
وَكَم مِنهُم مَن يَعُقُّ وَالِدَيهِ وَيَقطَعُ أَرحَامَهُ ، فَيَعمَلُ وَيَجتَهِدُ وَعَمَلُهُ غَيرُ مَرفُوعٍ !!
وَكَم مِنهُم مَن يَأكُلُ الرِّبَا وَيَتَنَاوَلُ الحَرَامَ ، فَيَرفَعُ يَدَيهِ وَيَدعُو وَدُعَاؤُهُ غَيرُ مَسمُوعٍ !!
وَكَم مِنَهم مَن يَغُشُّ وَيَرتَشِي وَيَخُونُ الأَمَانَةَ !!
وَكَم مِنَّا مَن يَقَعُ في الغِيبَةِ وَيُمَزِّقُ أَعرَاضَ النَّاسِ !!
وَكَم مِنَّا مَن يَنظُرُ إِلى النِّسَاءِ في الأَسوَاقِ وَالمَجَلاَّتِ وَالقَنَوَاتِ وَشَبَكَةِ المَعلُومَاتِ !!
وَكَم مِنَ الشَّبَابِ مَن يُصِرُّ عَلَى سَمَاعِ الأَغَانِيِّ وَشُربِ الدُّخَانِ وَالمُجَاهَرَةِ بها في المَجَامِعِ وَالأَسوَاقِ !!
وَكَم وَكَم وَكَم !!
مَعَاصٍ نَقَعُ فِيهَا وَنُعَاقِرُهَا لَيلَ نَهَارَ ، ثم لا نُفَكِّرُ بِالرُّجُوعِ عَنهَا وَالفِرَارِ إِلى العَزِيزِ الغَفَّارِ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْنَحذَرِ اتِّبَاعَ الهَوَى وَالانقِيَادَ وَرَاءَ شَهَوَاتِ النُّفُوسِ ، وَلْنُجَاهِدْ أَنفُسَنَا وَلْنَكُفَّهَا عَنِ الضَّلالِ وَالمَعَاصِي ، ولْنَرُدَّهَا إِلى حِيَاضِ الحَقِّ وَالطَّاعَةِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ " " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُم وَأَسلِمُوا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ . وَاتَّبِعُوا أَحسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ بَغتَةً وَأَنتُم لا تَشعُرُونَ . أَن تَقُولَ نَفسٌ يَا حَسرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ اللهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَو تَقُولَ لَو أَنَّ اللهَ هَدَاني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقِينَ . أَو تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَو أَنَّ لي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُحسِنِينَ . بَلَى قَد جَاءَتكَ آيَاتي فَكَذَّبتَ بِهَا وَاستَكبَرتَ وَكُنتَ مِنَ الكَافِرِينَ . وَيَومَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُم مُسوَدَّةٌ أَلَيسَ في جَهَنَّمَ مَثوًى لِلمُتَكَبِّرِينَ . وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُم يَحزَنُونَ "


الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الإِصرَارَ عَلَى الذُّنُوبِ وَاستِصغَارَهَا وَعَدَمَ الاكْتِرَاثِ بها ، لا يَصدُرُ مِن مُؤمِنٍ عَمَرَ الإِيمَانُ قَلبَهُ وَامتَلأ فُؤَادُهُ بِخَشيَةِ رَبِّهِ ، قَالَ ابنُ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : إِنَّ المُؤمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَن يَقَعَ عَلَيهِ ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا .

وإِنَّ انتِشَارَ المَعَاصِي ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ حَتى تَألَفَهَا النُّفُوسُ المَرِيضَةُ وَتَستَمرِئَهَا القُلُوبُ القَاسِيَةُ وَتَعتَادَهَا الفِطَرُ المُنتَكِسَةُ ، لَيسَ بِمُشَرِّعٍ لها أَو مُهَوِّنٍ مِن شَأنِهَا عِندَ اللهِ أَو مُقَلِّلٍ مِن خَطَرِهَا ، أَو مُجِيزٍ لِلوُقُوعِ فِيهَا دُونَ خَوفٍ وَلا وَجَلٍ وَلا استِنكَارٍ وَلا إِنكَارٍ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عَلَينَا أَن نُرَاجِعَ أَنفُسَنَا وَنَرجِعَ إِلى كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا ، وَنَعرِضَ أَعَمَالَنَا عَلَى هَذَينِ المِيزَانَينِ ، فَمَا كَانَ مِنهَا صَوَابًا مُوَافِقًا دَاوَمنَا عَلَيهِ وَازْدَدْنَا مِنهُ ، وَإِلاَّ تَرَاجَعْنَا عَنهُ وَتُبْنَا وَأَنَبْنَا ، أَمَّا التَّمَادِي وَعَدَمُ التَّرَاجُعِ ، فَإِنَّهُ مَدعَاةٌ إِلى مَوتِ القُلُوبِ وَانتِكَاسِهَا ، وَمِن ثَمَّ تَكُونُ الخَاتِمَةُ السَّيِّئَةُ عِيَاذًا بِاللهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودَا ، فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ ، حَتى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ : عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ ، وَالآخَرُ أَسوَدَ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
المشاهدات 5257 | التعليقات 7

بارك الله فيك على هذه الخطب وحبذا لو أدرجت المحامد


Quote:
وحبذا لو أدرجت المحامد


في رأيي أن المحامد ترجع للخطيب يكتبها أو يختارها كما يشاء ... وقد يكون البدء بخطبة الحاجة يكفي والله أعلم ...


نعم ، إن الأمر لكذلك ، فأنا أترك المحامد لأني غالبًا أبدأ بخطبة الحاجة ، ولا داعي لتكرار كتابتها ، وأمر آخر هو ترك المجال للخطيب ليجتهد ويكتب المقدمة المناسبة له ولجماعته ونحو ذلك .


{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [57/16]
"فقسوة القلب وطول الأمد والتسويف هي العوامل الأساسية للغفلة وإيثار الدنيا, والخشية والذكر هي العوامل الأساسية لإيثار الآخرة " أضواء البيان - (8 / 506)


أشكرك كثير على هذه الخطبة الرائعة التى كنت بحاجة لها في هذا الوقت بارك الله فيك وفي علمك ونفع الله بك الإسلام والمسلمين شيخنا الفاضل الكريم


جزاك الله خير ياشخينا

انتفعنا بخطبك المفيدة نسأل الله أن يعينك ويوفقك لكل خير.


جزاك الله خيرا خطبه قيمه لمن يتفكر فيها