خطبة : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين - مع موقف محرج

حاطب خير
1435/10/24 - 2014/08/20 18:46PM


خطبة : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين - مع موقف محرج*

عباد الله كم تسربت للنفوس جرعات من اليأس والتشاؤم، وهي ترى ضعف المسلمين واستطالة الكافرين، وكم تحطم قلب وجزعت نفس وهي ترى أعداء الإسلام يتطاولون على ثوابت الإسلام ومقدساته، ويستبيحون بلاد المسلمين، فالكرامة مسلوبة، والحقوق منهوبة، ضعف الإيمان في القلوب وقلّت التقوى وتفرّقت كلمتهم، وتنازعوا أمرهم بينهم، فنزع الله مهابتهم من صدور أعدائهم وذهبت ريحهم. فتكالب الأعداء عليهم من كل ناحية، واجتمعوا لحربهم من كل صوب، وتداعت عليهم الأمم كما تتداعى الأَكَلة على قَصْعَتها وهذا الاستضعاف الذي عليه الأمة جعل الهزيمة النفسية تضرب قلوب كثير من المسلمين، وهم يرون أعداء الأمة ظاهرين قاهرين متجبرين على المسلمين، وجعلهم يظنون أن أعداء الأمة قوة باطشة لا تقهر، وأن قوتهم أكبر من السقوط والانهزام قال الله تعالى : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ). أما عباد الله المؤمنون، فهم على ربهم متوكّلون، قلوبهم به متعلّقة، ونفوسهم بفضله مطمئنة، قد علموا أن القوة لله جميعًا، وأنه هو الرزاق ذو القوة المتين، وأنه يدافع عن الذين آمنوا، وأنه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، لا يخيفهم مكر ماكر أو تهديد كافر، قال الله تعالى:
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) لقد بعث الله محمداً  بالهدى ودين الحق، إلى أهل الأرض ، إنسهم وجنهم، فما كان منهم إلا أن أنكروا دعوته، وكذّبوه وناصبوه العداوة، فكان الإسلام إذ ذاك غريباً، فالأعداء كثيرون، والمستجيبون قليل، حاول الكفار في عصره أن يمكروا به، وبذلوا لذلك ما في وسعهم من الوسائل، فخابوا بحمد الله وخسروا،قال الله تعالى : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فأذن الله له بالهجرة فهاجر إلى المدينة وفي المدينة فرضت الفرائض، وشرعت الأحكام والحدود، قال الله تعالى : (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وقال تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) وما توفي رسول الله  إلا وجزيرة العرب قد انقادت له بأسرها، وعمّها الإسلام، واختفى الشرك والضلال، وأصبح الإسلام قوياً عزيزاً، ثم حمله أصحابه بعده إلى أرجاء المعمورة، فنصر الله دينه،وأعلى كلمته، وتحقق قول الله تعالى : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ )
عباد الله لا شك أن الأمة تجني ثماراً نكدة تحصدها اليوم، يوم أن قصرت في طاعة ربها قال الله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) وقال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) إن المؤمنين ما لم يجاهدوا أنفسهم على تحقيق الإيمان و الإتيان بمقومات النصر على الأعداء, لن يتحقق لهم النصر؛ بل يتسلط عليهم أعداؤهم بسبب ذنوبهم وتقصيرهم , قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) وقال تعالى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم نصرهم الله كما قال تعالى : (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) فيحتاج العباد للانتصار على العدو الظاهر أن يجاهدوا العدو الباطن من النفس الأمارة بالسوء و الشيطان فما لم ينتصروا على هذا العدو فلا نصر لهم قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). وقال تعالى : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم و أعمالهم التي هي جند من جنود الله يحفظهم بها, ) أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ )

الخطبة الثانيـة

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
عباد الله اتقوا الله واعلموا أن قوة هذه الأمة في إيمانها,وعزها في إسلامها, والتمكين لها في صدق عبادتها,وإن من سنن الله أن العاقبة للمتقين, وأن الأرض يرثها عباد الله الصالحون, قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ) فما أحوج المسلمين في زمن الحوادث والكوارث إلى أن يراجعوا دينهم، وينظروا في مواقع الخلل، ومواطن الزلل، ويصلحوا ما فسد، قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فليس للمسلمين عز ولا شرف، ولا حق ولا كرامة إلا بالإسلام.إن تغير أحوال المسلمين مرهون بتغيير أنفسهم إلى ما يرضي الله تعالى فمتى غير المسلمون أحوالهم وأصلحوا شؤونهم بدّل الله حالهم إلى أحسن حال، ورفع شأنهم وأعلى مكانتهم. كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) فالعودة إلى الله سببٌ في الفلاح وسر في النجاح ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واستمسكوا بدينكم، وأحسنوا الظن بربكم (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)


* الموقف المحرج حصل لي عندما أردت طباعة الخطبة قبيل إلقائها بنصف ساعة حيث لم يتعرف الجهاز على الطابعة بسبب عدم تعريف الطابعة عقب فرمتة الجهاز ، وقد حاولت تعريف الطابعة بإدخال قرص التعريف لكن خرجت رسالة تفيد بأن التعريف فشل بسبب فقد أحد ملفات التعرييف عندها رأيت أنني بين خيارين :
1- كتابة الخطبة يدويا
2- نقل الخطبة لجهاز الجوال
لكنني آثرت إعادة محاولة التعريف مع ضيق الوقت فقمت بإعادة تشغيل الجهاز وبحمد الله تعرف الجهاز على الطابعة وقمت بطباعة الخطبة فلله الحمد والشكر
المشاهدات 11902 | التعليقات 5

سلمت يمينك شيخ حاطب خير وبورك فيك على ما كتبته وصغته في بعث الأمل وإحياء الروح في قلوب القارئين لهذه الخطبة.

المهم أنك تخارجت من الموقف المحرج هههههه

كنا نود شيخ حاطب أن تفصح عن اسمك بحيث يعدل لقبك من صديق الخطباء إلى خطيب


- وإياك شيخنا الفاضل ، والخطبة من منقولي مع شيء يسير من التصرف ليس إلا

- والحمد لله الذي أعان على طباعة الخطبة

- بالنسبة لي لست خطيبا رسميا وإنما أخطب بناء على طلب أحد الأحبة الخطباء عندما يكون مسافرا بمعدل خطبة إلى خطبتين في السنة


جزاك الله خيرا


وإياك شيخنا الفاضل / شبيب القحطاني


بارك الله بكم 

يقول ابن كثير رحمه الله

قال تعالى مسليا للمؤمنين "ولا تهنوا" أي لا تضعفوا بسبب ما جرى "ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون.