خطبة : ( ولا تقربوا الزنا )

عبدالله البصري
1439/11/06 - 2018/07/19 18:28PM
ولا تقربوا الزنا     7 / 11 / 1439
 
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَعظَمُ الذُّنُوبِ عِندَ اللهِ – تَعَالى - الشِّركُ بِهِ ، ثُم قَتلُ النَّفسِ الَّتِي حَرَّمَ بِغَيرِ حَقٍّ ، ثُمَّ الزِّنَا ، قَالَ – تَعَالى – : " وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا " وعنِ ابنِ مَسعُودٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : سَأَلتُ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ عِندَ اللهِ ؟ قَالَ : " أَن تَجعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ " قُلتُ : إِنَّ ذَلِكَ لَعَظيمٌ ، قلتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : " وَأَن تَقتُلَ وَلَدَكَ تَخافُ أَن يَطعَمَ مَعَكَ " قُلتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : " أَن تُزانِيَ حَليلَةَ جَارِكَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَإِنَّهُ لَو تَأَمَّلْنَا في المَعَاصِي الَّتي أَوقَعَتِ المُجتَمَعَاتِ في غَضَبِ اللهِ – تَعَالى - وَمَقتِهِ ، وَجَلَبَت لَهَا سُخطَهُ وَعَذَابَهُ ، لَوَجَدنَاهَا إِمَّا مِن قَسوَةٍ وَشِدَّةٍ وَغِلظَةٍ ، تُوقِعُ في الغُلُوِّ وَالتَّكفِيرِ وَإِزهَاقِ النُّفُوسِ بِلا حَقٍّ وَالتَّدمِيرِ ، وَإِمَّا مِن مُيُوعَةٍ وَتَرَفٍ وَتَسَاهُلٍ ، تَنتَشِرُ بِهَا المَعَاصِي وَالمُنكَرَاتُ ، وَتَستَعِرُ فِيهَا الفَوَاحِشُ وَالشَّهَوَاتُ ، وَتُؤتَى بِسَبَبِهَا قَبَائِحُ الذُّنُوبِ وَالكَبَائِرُ المُوبِقَاتُ ، وَإِذَا استَطَاعَ الشَّيطَانُ بِمَكرِهِ وَتَزيِينِهِ وَتَسوِيلِهِ أَن يُغوِيَ الإِنسَانَ وَيُخرِجَهُ عَن الوَسَطِيِّةِ وَيُمِيلَهُ عَنِ الحَقِّ البَيِّنِ ، فَإِنَّهُ لا يُبَالِي بَعدَ ذَلِكَ في أَيِّ وَادٍ هَلَكَ ، وَلا أَيَّ طَرِيقٍ مِن طُرُقِ الغِوَايَةِ سَلَكَ ، غَلا وَكَفَّرَ وَخَرَجَ عَلَى وُلاةِ الأَمرِ وَقَتَلَ النَّاسَ وَرَوَّعَ الآمِنِينَ ، أَو تَفَلَّتَ مِن أَحكَامِ الشَّرعِ وَتَهَاوَنَ بِهَا وَأَغرَقَ في الشَّهَوَاتِ ، وَأَتَى الفَوَاحِشَ وَاعتَادَ الخَنَا وَالمُنكَرَاتِ .
وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَيلُ الرَّجُلِ إِلى المَرأَةِ وَالمَرأَةِ إِلى الرَّجُلِ قَوِيًّا ، وَكَانَ الشَّيطَانُ يَجرِي مِنِ ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ ، وَهُوَ أَحرَصُ ما يَكُونُ عَلَى أَن يَلتَقِيَ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ لِقَاءً غَيرَ شَرعِيٍّ ، فَيَحصُلُ مِن ذَلِكَ في النِّهَايَةِ الزِّنَا ، الَّذِي هُوَ شَرُّ الشَّهَوَاتِ الَّتي تَفتِكُ بِالمُجتَمَعَاتِ ، لِذَلِكَ كُلِّهِ فَقَد حَذَّرَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – مِن هَذِهِ الفِتنَةِ ، وَجَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِضَمَانَاتٍ كَثِيرَةٍ تَقِي مِنَ الزِّنَا ، وَتُبعِدُ كُلاًّ مِنَ الجِنسَينِ عَنِ الفُجُورِ وَالخَنَا ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَا تَرَكتُ بَعدِي فِتنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَمِنَ الضَّمَانَاتِ الَّتِي جَاءَت بِهَا الشَّرِيعَةُ لِتَطهِيرِ المُجتَمَعِ وَحِفظِهِ مِنَ الزِّنَا ، أَمرُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَضِّ البَصَرِ ، قَالَ – تَعَالى - : " قُلْ لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصنَعُونَ . وَقُلْ لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضْنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ " وَعَن أَبِي سَعِيدٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " لا يَنظُرُ الرَّجُلُ إِلى عَورَةِ الرَّجُلِ ، وَلا المَرأَةُ إِلى عَورَةِ المَرأَةِ ، وَلا يُفضِي الرَّجُلُ إِلى الرَّجُلِ في ثَوبٍ وَاحِدٍ ، وَلا تُفضِي المَرأةُ إِلى المَرأَةِ في الثَّوبِ الوَاحِدِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَكَمَا جَاءَ الأَمرُ بِغَضِّ البَصَرِ فَقَد جَاءَ النَّهيُ عَمَّا هُوَ أَعظَمُ ، وَهُوَ الخَلوَةُ بِالمَرأَةِ الأَجنَبِيَّةِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " لا يَخلُوَنَّ أَحَدُكُم بِامرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحرَمٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِيَّاكُم وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ : أَفَرَأَيتَ الحَموَ ؟ قَالَ : " الحَموُ المَوتُ " مَتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " لا يَخلُوَنَّ رَجُلٌ بِامرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيطَانُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَمِمَّا حُرِّمُ وَهُوَ أَعظَمُ مِن مُجَرَّدِ النَّظَرِ وَالخَلوةِ ، مَسُّ المَرأَةِ الأَجنَبِيَّةِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لأَن يُطعَنَ في رَأسِ أَحَدِكُم بِمِخيَطٍ مِن حَدِيدٍ خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَمَسَّ امرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَكَانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَتقَى خَلقِ اللهِ وَأَعلَمُهُم بِهِ وَأَخوَفُهُم مِنهُ لا يُصَافِحُ النِّسَاءَ حَتَّى في البَيعَةِ ، وَالَّتي مِن شَأنِهَا التَّصَافُحُ تَأكِيدًا لِلعَهدِ وَتَوثِيقًا لِلعَقدِ ، قَالَت عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - : لا وَاللهِ مَا مَسَّت يَدُ رَسُولِ اللهِ يَدَ امرَأَةٍ قَطُّ ، غَيرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بَالكَلاَمِ . رَوَاهُ الشَّيخَانِ . وَمِنَ الضَّمَانَاتِ الَّتي جَاءَت بِهَا الشَّرِيعَةُ لِلوِقَايَةِ مِنَ الزِّنَا نَهيُ المَرأَةِ أَن تُسَافِرَ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحرَمٍ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لا تُسَافِرِ المَرأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحرَمٍ ، وَلا يَدخُلْ عَلَيهَا رَجُلٌ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحرَمٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَمِنَ الضَّمَانَاتِ الوَاقِيَةِ مِنَ الزِّنَا ، نَهيُ المَرأَةِ عَنِ التَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ ، وَالخُضُوعِ في القَولِ ، وَالخُرُوجِ مِن بَيتِهَا لِغَيرِ حَاجَةٍ ، وَضَربِهَا بِرِجلِهَا لِيَظهَرَ صَوتُ خَلخَالِهَا ، وَإِبدَائِهَا زِينَتَهَا لِلأَجَانِبِ عَنهَا ، وَخُرُوجِهَا مُتَطَيِّبَةً وَلَو لِلمَسجِدِ ، قَالَ – تَعَالى - : " يَا نِسَاءَ النَّبيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي في قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفًا . وَقَرنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى " وَقَالَ – تَعَالى - : " وَلا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ " قَالَ – تَعَالى - : " وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنهَا " وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَيُّمَا امرَأَةٍ أَصَابَت بَخُورًا فَلا تَشهَدْ مَعَنَا العِشَاءَ الآخِرَةَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " أَيُّمَا امرَأَةٍ تَطَيَّبَت ثم خَرَجَت إِلى المَسجِدِ ، لم تُقبَلْ لَهَا صَلاةٌ حَتى تَغتَسِلَ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . بَلَ لَقَد بَلَغَ حِرصُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – عَلَى مَنعِ كُلِّ مَا يَدعُو إِلى الزِّنَا إِلى أَن شَرَعَ الفَصلَ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ حَتَّى في العِبَادَةِ وَالعِلمِ ، فَرَغَّبَ النِّسَاءَ في الصَّلاةِ في بُيُوتِهِنَّ ، وَأَن يَكُنَّ مِن وَرَاءِ الرِّجَالِ وَحدَهُنَّ إِذَا حَضَرنَ إِلى المَسجِدِ ، بَل وَقَالَ : " خَيرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : غَلَبَنَا عَلَيكَ الرِّجَالُ ، فَاجعَلْ لَنَا يَومًا مِن نَفسِكَ ، فَوَعَدَهُنَّ يَومًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ ... " الحَدِيثَ ، وَفي لَفظٍ قَالَ : جَاءَتِ امرَأَةٌ إِلى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَت : يَا رَسُولَ اللهِ ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ فَاجعَلْ لَنَا مِن نَفسِكَ يَومًا نَأتِيكَ فِيهِ ، تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ . فَقَالَ : " اجتَمِعْنَ في يَومِ كَذَا وَكَذَا في مَكَانِ كَذَا وَكَذَا " فَاجتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ " الحَدِيثَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَمِنَ الضَّمَانَاتِ الوِقَائِيَّةِ لِلمُجتَمَعِ مِن شُيُوعِ الفَاحِشَةِ فَرضُ الحِجَابِ عَلَى النِّسَاءِ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَلْيَضرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ " وَقَالَ – تَعَالى - : " يَا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ " أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِمَّا يَخدِشُ الأَعرَاضِ أَو يَهتِكُهَا ، فَقَد حُذِّرْنَا مِنَ الحَومِ حَولَ حِمَى الزِّنَا ، لِمَا يُرِيدُهُ اللهُ بِنَا مِن أَن نَكُونَ مُجتَمَعًا تَقِيًّا نَقِيًّا ، طَاهِرَ الأَعرَاضِ مَحفُوظَ الأَنسَابِ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " وَلا تَقرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً " وَقَالَ  : " يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبلِكُم وَيَتُوبَ عَلَيكُم وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا . يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا "
 
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِنَ الضَّمَانَاتِ الَّتي جَاءَت بِهَا الشَّرِيعَةُ لَكَفِّ الزِّنَا وَالبِغَاءِ ، تَحرِيمُ المَزَامِيرِ وَالغِنَاءِ ، إِذِ الغِنَاءُ هُوَ بَرِيدُ الزِّنَا ، وَرَائِدُ الفُجُورِ وَخَمرُ العُقُولِ ، وَهُوَ رُقيَةُ الشَّيطَانِ الَّتِي يَستَمِيلُ بِهَا القُلُوبَ لِلمُنكَرِ ، وَيُؤَجِّجُ فِيهَا الشَّهَوَاتِ وَيُهَيِّجُهَا ، وَيُثِيرُ كَوَامِنَ النُّفُوسِ وَيُوقِدُ فِيهَا لَوَاعِجَ الشَّوقِ وَالغَرَامِ ، وَيُحَرِّكُ سَاكِنَهَا وَيَبعَثُهَا عَلَى طَردِ الهَوَى حَتَّى يُصِيبَهَا الوَجدُ وَالعِشقُ وَالهُيَامُ ، وَمَا ذَاكُم إِلاَّ لِمَا اقتَرَنَ بِهِ الغِنَاءُ مِن قَصَائِدِ الغَزَلِ وَالتَّعرِيضِ بِالنِّسَاءِ وَوَصفِ مَحَاسِنِهِنَّ وَتَصوِيرِ أَجسَادِهِنَّ ، بَل وَذِكرِ مَا يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ مِن وَصفِ العِنَاقِ وَالتَّقبِيلِ وَغَيرِهِ ، مِمَّا تُنَزَّهُ المَنَابِرُ عَن ذِكرِهِ وَتُكرَمُ أَسمَاعُ المُؤمِنِينَ عَنِ التَّلَوُّثِ بِهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيرِ عِلمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ " قَالَ ابنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ - : وَيَكفِي تَفسِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لِلَهوِ الحَدِيثِ بِأَنَّهُ الغِنَاءُ ؛ فَقَد صَحَّ ذَلِكَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وَابنِ مَسعُودٍ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَيَكُونَنَّ مِن أُمَّتي أَقوَامٌ يَستَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمرَ وَالمَعَازِفَ ... " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحرِيمِ آلاتِ العَزفِ وَالطَّرَبِ مِن وَجهَينِ : أَوَّلُهُمَا : قَولُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " يَستَحِلُّونَ " فَإِنَّهُ صَرِيحٌ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فَيَستَحِلُّونَهَا . وَثَانِيهِمَا : قَرنُ المَعَازِفِ مَعَ الزِّنَا وَالخَمرِ وَالحَرِيرِ ، وَلَو لم تَكُنِ المَعَازِفُ مُحَرَّمَةً لَمَا قَرَنَهَا مَعَهَا . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – عِبَادَ اللهِ – وَاللهَ اللهَ بِالانتِهَاءِ عَن كُلِّ مَا نَهَانَا اللهُ عَنهُ وَرَسُولُهُ ، وَلْنَحفَظْ أَنفُسَنَا وَنِسَاءَنَا وَأَبنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا ، وَلْنُحَافِظْ عَلَى أَعرَاضِنَا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ "
المرفقات

تقربوا-الزنا-2

تقربوا-الزنا-2

تقربوا-الزنا-3

تقربوا-الزنا-3

المشاهدات 1372 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا