خطبة: وقفةُ اتّعاظ أمامَ الرّكام والأنقاض

وليد بن محمد العباد
1444/07/25 - 2023/02/16 21:51PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة: وقفةُ اتّعاظ أمامَ الرّكام والأنقاض

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله                               

لقد أَسبغَ اللهُ عليكم نِعمَه ظاهرةً وباطنةً (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) أَطعمَكم وسقاكم، وكفاهم وآواهم، وعافاكم وهداهم، وبلطفِه وحفظِه تولّاكم، ومِن كلِّ ما سألتموه أعطاكم، أَمْنٌ في الأوطان، وصِحّةٌ في الأبدان، وهدايةٌ لذلك الدِّينِ العظيم (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) قالَ الحسنُ البصريُّ رحمَه اللهُ وهو يُردّدُ تلك الآية: إنّ فيها لمُعتبرًا، ما نَرفعُ طَرْفًا ولا نَرُدُّه إلا وَقَعَ على نِعمةٍ، وما لا نَعلمُه مِن نِعَمِ اللهِ أَكثر! رَفَعَ فوقَنا السّمواتِ وجعلَها سَقْفًا مَحفوظًا، وبَسَطَ تحتَنا الأرضَ وجعلَها قَرَارًا وذَلولًا، وسَخَّرَ لنا الكائناتِ، وخَلَقَنا في أحسنِ تقويم، وأَتَمَّ علينا العافية، قلبٌ يَنْبِضُ، ولسانٌ يَنْطِقُ، وعَيْنٌ تُبْصِرُ، وأُذُنٌ تَسْمَعُ، وأَنفاسٌ تَتَرَدَّدُ، ودِماءٌ تَجري، وعُروقٌ ساكنة، لو هاجَ منها عِرْقٌ لم نَهْنَأْ بِمَنام، ولا شَرابٍ ولا طعام، قالَ بعضُ السّلف: كمْ مِن نِعمةٍ في عِرْقٍ ساكن. فالحمدُ للهِ ربِّ العالمين. قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: سَلُوا اللهَ العافِيَة، فإنّه لم يُعطَ عبدٌ شيئًا أَفضلُ من العافِية. وقد تَجَلَّتْ هذه النِّعمةُ العظيمة، في ظلِّ ما شَهِدَه العالمُ ممّا حَلَّ في بعضِ البلادِ مِن الزّلازلِ المباغتةِ المدمِّرة، وما شاهدَه النّاسُ وما زالوا مِن قَصَصٍ وصورٍ وعِبَرٍ وآيات، تَقْشَعِرُّ منها الأبدان، وتَهُزُّ الوِجْدان، وتُحَرِّكُ الإيمان، فما بينَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وانتباهتِها، يُبَدِّلُ اللهُ مِن حالٍ إلى حال، لقد عَلِمْنا يقينًا ونحن أمامَ الرُّكامِ والأنقاض، أنّنا نَتَقَلّبُ بنعمٍ اللهِ وحفظِه ليلَ نهار، واستشعرتِ القلوبُ عمليًّا قولَه عليه الصّلاةُ والسّلام: مَنْ أَصبحَ منكم آمنًا في سِرْبِهِ، مُعافًى في جَسدِهِ عندَهُ قُوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حِيزَتْ لَهُ الدُّنيا. وعَرَفْنا حقيقةَ ما نَلْهَجُ به من ذِكْرٍ عندما نأوي إلى الفِراش: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ له وَلَا مُؤْوِيَ. واستحضَرْنا ما نَحمَدُ اللهَ به عندما نَستيقظُ آمنين: الحمدُ للهِ الذي عافانِى في جَسَدِي ورَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وأَذِنَ لي بذِكْرِه. قالَ بعضُ السّلفِ لابنِه: يا بُنَيَّ، إذا مَرَّ بك يومٌ وليلةٌ قد سَلِمَ فيهما دينُك وجسمُك ومالُك وعيالُك، فأَكثِرْ الشّكرَ للَّهِ تعالى، فكمْ مِن مَسلوبٍ دينُه، ومَنزوعٍ مُلكُه، ومَهتوكٍ سِترُه، ومَقصومٍ ظهرُه في ذلك اليوم، وأنت في عافية. لقد أَدركْنا أمامَ تلك المشاهدِ المؤلمة، عظيمَ حاجتِنا لمَا أَرشدَنا إليه رسولُنا الكريم، عليه أفضلُ الصّلاةِ والتّسليم، بأنْ نُردّدَ صباحًا ومساءً ذلك الذِّكْرَ العظيم: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ، اللَّهمَّ أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودُنيايَ وأَهلي ومالي، اللَّهمَّ استرْ عوراتى وآمِنْ رَوعاتي، اللَّهمَّ احفظْني مِن بينِ يَدىَّ ومِن خَلفي وعن يَميني وعَن شِمالي ومِن فَوقي وأَعوذُ بعظَمتِك أنْ أُغتالَ مِن تَحتي. فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، واشكروه على نِعمِه في السّراءِ والضّراء، كحالِ مَنْ سَبَقَكم مِن الأنبياءِ والأولياء (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ وحدَه، والصّلاةُ والسّلامُ على مَن لا نبيَّ بعدَه، وعلى آلِه وصحبِه، أمّا بعدُ عبادَ الله                                                                                 

اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)                                                                                  

اللهمَّ ما أَصبحَ ولا أَمسى بنا مِن نِعمةٍ أو بأحدٍ مِن خلقِك، فمنك وحدَك لا شريكَ لك فلك الحمدُ ولك الشّكر، اللهمّ لك الحَمْدُ حمدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غيرَ مَكْفِيٍّ ولَا مُوَدَّعٍ ولَا مُسْتَغْنًى عنْه رَبَّنَا، اللهمَّ أَوزعْنا شُكرَ نِعمتِكَ واستعمالَها في طاعتِك، اللهمّ أَعِنَّا على ذِكْرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك، اللهمّ إنّا نسألُك العفوَ والعافيةَ والمُعافاةَ الدّائمةَ في الدِّينِ والدّنيا والآخرة، ، اللهمّ وَفّقْنا لمَا يُرضيك وجَنِّبْنا أسبابَ سخطِك ومعاصيك، اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللهمّ احفظْنا بحفظِك، فاللهُ خيرٌ حافظًا وهو أَرحمُ الرّاحمين. ثمَّ اعلموا رحمَكم الله، أنّ اللهَ أمرَكم بأَمْرٍ بدأَ فيه بنفسِه، وثَنَّى بملائكتِه المُسبِّحةِ بقُدسِه، وثَلَّثَ بكم أيّها المؤمنونَ مِن جِنِّه وإِنسِه، فقالَ قولًا حكيمًا (إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا)، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: مَن صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ، صاحبِ الوجهِ الأنورِ، والجبينِ الأزهرِ، وارْضَ اللهمّ عن الأربعةِ الخلفاء، الأئمّةِ الحُنفاء، الذينَ كانوا يَقولونَ بالحقِّ وبه يَعدلون، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليّ، وعن سائرِ العشرةِ وأصحابِ الشّجرة، وعن صحابةِ نبيِّك أجمعين، وعن التّابعينَ ومَن تَبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين، وعَنّا معَهم بمَنِّك وجودِك وكرمِك يا أكرمَ الأكرمين، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونِعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبر، واللهُ يَعلمُ ما تَصنعون.                                                                                                                                                       

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين                                                                                                                    

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 26/ 7/ 1444هـ

المشاهدات 645 | التعليقات 0