خطبة ( وقفات مع فصل الشتاء ) مختصرة .

سعيد الشهراني
1445/06/28 - 2024/01/10 10:57AM

الخطبة الأولى :

الحمد لله مدبر الليالي والأيام، ومصرف الشهور والأعوام، وَأَشْهَدُ أن لّا إِلَهَ إِلّا اللهُ الملك القدوس السلام؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم على الدوام، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}

أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ تَعَاقُب َالمواسِمِ والفصولِ، وتوالِي الأعوامِ، وتقلُّب الدهورِ، آيةٌ مِن آياتِ العزيزِ الغفورِ، فليلٌ يَتْبَعُهُ نهارٌ، ويُسْرٌ بعدَ إعْسَارٍ، وحَرُّ الصَّيْفِ اللاذِعِ، يَتْلُوهُ بردُ الشِّتاءِ القَارِس، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ.

ومِنَ المواعِظِ والآياتِ التي يَحْسُنُ التذكيرُ بهَا في فصلِ الشِّتَاءِ مَا يلي:

أولًا: تَصَرُّم الفصولِ والأعوامِ، علامَةٌ على انقضاءِ الأعمارِ، وتذكيرٌ للمؤمنِ بِقِصَرِ الأجلِ، وتحذيرٌ مِنَ الغفلةِ وطول الأمل، فالصيفُ والشِّتَاءُ، والليلُ والنهارُ، مراحل ومنازل يَنْزِلُهَا الناسُ حتَّى ينتهيَ سفرُهم، والعاقِلُ مَن يُقدِّمُ في كلِّ مرحلةٍ زادًا ينفعُه في ثَنِيِّاتِ الطريقِ، قالَ تعالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}.

ثانيًا: برد الشِّتَاءِ القَارِسِ تذكيرٌ للمؤمنِ بزمهريرِ جهنَّمَ، جَاءَ فِي الصَّحِيحين مِن حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن النبيَّ ﷺ  قالَ: {اشْتَكَتِ النّارُ إلى رَبِّها فَقالَتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَها بنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتاءِ ونَفَسٍ في الصَّيْفِ، فأشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ} أخرجه البخاري ومسلم ، ولذا كانَ من تمامِ نعيمِ أهلِ الجنَّةِ أنْ يَقِيهِم اللهُ من الحرَّ والبَرْدِ، ومِن عَذَابِ النَّارِ قالَ تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}.

ثالثًا: الشتاءُ غنيمةٌ باردةٌ، قالَ ﷺ: (الصَّومُ في الشِّتاءِ الغَنيمةُ الباردةُ) أخرجه الترمذي وأحمد وحسنه الألباني، وفي الأثرِ عنْ عمرَ رضي الله عنه أنه قالَ: (الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ العَابِدِينَ)  لقد كان سلفُنا الصالحُ ينظرُونَ إلى الشِّتَاءِ على أنَّهُ بستانٌ للطاعاتِ، وموسمٌ للاستكثارِ من العباداتِ، طالَ ليلُهُ للقيامِ وقَصُرَ نَهَارُه للصّيامِ، والمغبونُ من اتَّخَذَ مِنْ ليلِ الشِّتَاءِ مَرْتعًا للدِّفْء والنَّوْمِ، واللهو والعبث.

رابعا : الحذر من شِدَّةَ البردِ في فصلِ الشِّتَاءِ لأنه في فصل الشتاء تَكْثُرُ أمراضُ الزكامِ، والحُمَّى، ونزلاتِ البردِ، وآلامِ العظامِ لدى كبار السن، ويتأَذَّى من ذلك خَلْقٌ كثيرونَ، وبعضهم لا يُدْرِكونَ المِنَحَ والعَطَايَا المترتبة على هذهِ الأمراض، إذا واجهَهَا المسلمُ بالصَّبْرِ، واحْتِسَابِ الأجر، ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ دَخَلَ علَى أُمِّ السَّائِبِ -أَوْ أُمِّ المُسَيِّبِ- فَقالَ: ما لَكِ يا أُمَّ السَّائِبِ -أَوْ يا أُمَّ المُسَيِّبِ- تُزَفْزِفِينَ؟ قالَتِ: الحُمَّى، لا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا، فَقالَ ﷺ: لا تَسُبِّي الحُمَّى؛ فإنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كما يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ) أخرجه مسلم.

أعوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ}.

بَاركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم .

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .                                                          أما بعد :

‏ فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ واعلمُوا أَنَّ فِي الشِّتَاءِ أَسْبَابًا مَشْرُوعَةً تَقِى بِإِذْنِ اللَّهِ شَرَّ هَذَا الْبَرْدِ الْقَارِصِ مِنْ لِبَاسٍ أَوْ مِدْفَأَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ؛ قَالَ تَعَالَى : (( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ )) ، وَكَانَ عُمَرُ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا حَضَرَ الشِّتَاءُ تَعَاهَدَ عُمَّالَهُ ، وَكَتَبَ لَهُمْ بِالْوَصِيَّةِ : ( أَن الشِّتَاءَ قَدْ حَضَرَ ، وَهُوَ عَدُوٌ فَتَأَهَّبُوا لَهُ أُهْبَتَهُ مِنَ الصُّوفِ وَالْخِفَافِ وَالْـجَوارِبِ ، وَاتَّخِذُوا الصُّوفَ شِعَارًا وَدِثَاراً ، فَإِنَّ الْبَرْدَ عَدُوٌ سَرِيِعٌ دُخُولُهُ ، بَعِيدٌ خُرُوجُهُ) .

وَمِمَّا يَنْبَغِي التّنْبِيهُ عَلَيْهِ : أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْمَدُ إلَى إِشْعَالِ الْحَطَبِ للتَّدْفِئَةِ وَالاسْتِمْتَاعِ بِهَا ، وَهَؤُلَاءِ نُحَذِّرُهُمْ مِنَ النَّوْمِ وَتَرْكِ النَّارِ وَهِيَ مُشْتَعِلِةٌ ؛ قَالَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ ) متفق عليه.

 فَاِتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى عِبَادَ اللهِ وَتَفَقَّدُوُا فِي هَذَا الشِّتَاءِ مَنْ هُمْ فِي أَمْسِّ الْحَاجَةِ إِلَى مَدِّ يَدِ الْعَوْنِ وَالْمُسَاعَدَةِ مِنْ إِخْوَانِكُمْ الَّذِينَ اكْتَوَوْا بِصَقِيعِ الْبَرْدِ ، وَلَهِيبِ الزَّمْهَرِيرِ مَعَ قِلَّةِ الْيَدِ وَشِدَّةِ الْحَاجَةِ (( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )).. فنسألُ اللهَ أنْ يُوَفِّقَنَا لِتَدَبُّرِ آيَاتِهِ، وَشُكْر نِعَمِهِ، وأَنْ يَجْعَلَ الشِّتَاءَ عَلَيْنَا بَرْدًا وَسَلامًا..

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبيكم محمد ..

المرفقات

1704873418_خطبة بعنوان ( وقفات مع فصل الشتاء ) مختصرة..docx

المشاهدات 1037 | التعليقات 0