خطبة : ( وصف الجنة وشيء من نعيمها )

عبدالله البصري
1438/01/12 - 2016/10/13 18:49PM
وصف الجنة وشيء من نعيمها 13 / 1 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم – أَيُّهَا النَّاسُ – وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " وَلَقَد وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَإِيَّاكُم أَنِ اتَّقُوا اللهَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كُلُّ مَا رَأَيتُم في هَذِهِ الدُّنيَا مِن نَعِيمٍ وَمَا لم تَرَوا ، وَمَا سَمِعتُم بِهِ وَمَا لم تَسمَعُوا ، اِعلَمُوا أَنَّهُ لا يُسَاوِي شَيئًا يُذكَرُ ، إِذَا وُضِعَ أَمَامَ مَا أَعَدَّهُ اللهُ لأَولِيَائِهِ المُتَّقينَ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ ، مِنَ النَّعِيمِ المُقِيمِ وَالجَزَاءِ العَظِيمِ ، وَاسمَعُوا إِلى قَولِ رَبِّكُم - تَبَارَكَ وَتَعَالى - في الحَدِيثِ القُدسِيِّ المُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ حَيثُ يَقُولُ : " أَعدَدتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَينٌ رَأَت ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَت ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ " ثم قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " اِقرَؤُوا إِنْ شِئتُم : " فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ "
وَإِذَا أَرَدتُم أَن تَظهَرَ لَكُم عَظَمَةُ ذَلِكَ النَّعِيمِ المُقِيمِ قِيَاسًا بِمَتَاعِ الدُّنيَا الحَقِيرِ الزَّائِلِ ، فَاسمَعُوا إِلى مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ أَنَّهَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " مَوضِعُ سَوطٍ في الجَنَّةِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا "
هَذَا مَوضِعُ سَوطٍ قَد لا يُجَاوِزُ ذِراعًا وَاحِدًا ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا كُلِّهَا وَمَا فِيهَا ، أَلا فَمَا أَحقَرَ الدُّنيَا وَأَتَفهَ مَتَاعَهَا وَأَقَلَّهُ ؛ وَلِهَذَا كَانَتِ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ وَدُخُولُ الجَنَّةِ هُمَا الفَلاحَ العَظِيمَ وَالفَوزَ الكَبِيرَ ، قَالَ - سُبحَانَهُ : " فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَعَدَ اللهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدنٍ وَرِضوَانٌ مِنَ اللهِ أَكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ "
وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ ذَلِكَ الفَوزُ الكَبِيرُ "
إِنَّ الحَدِيثَ عَنِ الجَنَّةِ – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - حَدِيثٌ عَن أَعظَمِ النَّعِيمِ وَأَكمَلِهِ ، فَمَاذَا عَسَى أَن نَقُولَ ؟! وَلَكِنْ تَعَالَوا بِنَا نُعَرِّجْ عَلَى بَعضٍ مِن نَعِيمِ هَذِهِ الدَّارِ ، الَّذِي يَبدَأُ مِن عِظَمِهِ وَكَمَالِهِ قَبلَ دُخُولِهَا ، حِينَمَا يُسَاقُ المُتَّقَونَ إِلَيهَا جَمَاعَاتٍ مُعَزَّزِينَ مُكَرَّمِينَ ، فَتُفتَحُ لَهُم أَبوَابُهَا ، وَيَستَقبِلُهُم خَزَنَتُهَا ، يُهَنِّئُونَهُم بِسَلامَةِ الوُصُولِ بَعدَمَا عَانَوهُ مِنَ الكُرُبَاتِ وَشَاهَدُوهُ مِنَ الأَهوَالِ في العَرَصَاتِ ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : " وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُم إِلى الجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَت أَبوَابُهَا وَقَالَ لَهُم خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيكُم طِبتُم فَادخُلُوهَا خَالِدِينَ "
وَمِن نِعمَةِ اللهِ عَلَى المُؤمِنِينَ وَتَمَامِ نَعِيمِهِم وَرَاحَةِ نُفُوسِهِم أَنَّهُم لا يَدخُلُونَ الجَنَّةَ حتى يُهَذَّبُوا وَيُنَقَّوا مِن كُلِّ مَا يُسَبِّبُ الغِلَّ وَالحِقدَ ؛ لِيَسكُنُوهَا إِخوَانًا أَطهَارًا أَبرَارًا ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَنَزَعنَا مَا في صُدُورِهِم مِن غِلٍّ إِخوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ . لا يَمَسُّهُم فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِنهَا بِمُخرَجِينَ "
وَرَوَى البُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " يَخلُصُ المُؤمِنُونَ مِنَ النَّارِ ، فَيُحبَسُونَ عَلَى قَنطَرَةٍ بَينَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيُقتَصُّ لِبَعضِهِم مِن بَعضٍ مَظَالِمَ كَانَت بَينَهُم في الدُّنيَا ، حَتى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُم في دُخُولِ الجَنَّةِ ..." الحَدِيثَ .
وَمِن فَضلِ اللهِ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا أَوَّلُ أُمَّةٍ تَدخُلُ الجَنَّةَ ، وَأَنَّهَا أَكثَرُ النَّاسِ دُخُولاً فِيهَا ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " نَحنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَومَ القِيَامَةِ ، وَنَحنُ أَوَّلُ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَالَ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " أَرجُو أَن تَكُونُوا نِصفَ أَهلِ الجَنَّةِ "
وَأَمَّا أَوَّلُ مَجمُوعَةٍ تَدخُلُ الجَنَّةِ ، فَهُمُ الصَّفوَةُ مِنَ المُؤمِنِينَ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَوَّلُ زُمرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ ، صُورَتُهُم عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ ، لا يَبصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمتَخِطُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ ، آنِيَتُهُم فِيهَا الذَّهَبُ ، أَمشَاطُهُم مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُم الأَلُوَّةُ ، وَرَشْحُهُم المِسكُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنهُم زَوجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِن وَرَاءِ اللَّحمِ مِنَ الحُسنِ ، لا اختِلافَ بَينَهُم وَلا تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُم قَلبُ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكرَةً وَعَشِيًّا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . إِنَّهُمُ السَّابِقُونَ " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ . في جَنَّاتِ النَّعِيمِ " إِنَّهُمُ الَّذِينَ حَقَّقُوا التَّوحِيدَ وَتَحَلَّوا بِاليَقِينِ ، وَتَخَلَّصُوا مِنَ الشِّركِ بِاللهِ وَالشَّكِّ ، وَسَبَقُوا في هَذِهِ الدُّنيَا إِلى كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ وَلم يَتَكَاسَلُوا وَلم يَتَبَاطَؤُوا وَلم يَتَخَلَّفُوا ، فَكَانَ جَزَاؤُهُم مِن جِنسِ عَمَلِهِم ، فَأُدخِلُوا الجَنَّةَ أَوَّلَ الدَّاخِلِينَ .
وَأَمَّا آخِرُ النَّاسِ دُخُولاً الجَنَّةَ ، فَتَعَالَوا لِتَسمَعُوا خَبَرَهُ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " إِنِّي لأَعلَمُ آخِرَ أَهلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنهَا وَآخِرَ أَهلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ : رَجُلٌ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ حَبوًا ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ : اذهَبْ فَادخُلِ الجَنَّةَ ، فَيَأتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهَا مَلأَى ، فَيَرجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، وَجَدتُهَا مَلأَى ، فَيَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : اذهَبٍ فَادخُلِ الجَنَّةَ ؛ فَإِنَّ لَكَ مِثلَ الدُّنيَا وَعَشَرَةِ أَمثَالِهَا ، أَو إِنَّ لَكَ مِثلَ عَشَرَةِ أَمثَالِ الدُّنيَا ، فَيَقُولُ : أَتسخَرُ بي - أَو أَتضحَكُ بي - وَأَنتَ المَلِكُ ؟ ... " الحَدِيثَ . اللهُ أَكبَرُ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – هَذِهِ حَالُ آخِرِ دَاخِلٍ لِلجَنَّةِ وَذَاكَ مُلكُهُ ، لَهُ مِثلُ الدُّنيَا وَعَشَرَةُ أَضعَافِهِ ، فَكَيفَ سَيَكُونُ حَالُ السَّابِقِينَ وَمَاذَا سَيُعطَونَ ؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا أَقرَبَ أَن يَتَمَتَّعَ المُؤمِنُونَ بِنَسِيمِ الجَنَّةِ ، وَوَاللهِ مَا بَينَهُم وَبَينَ ذَلِكَ إِلاَّ أَن يَمُوتَ أَحَدُهُم ، فَيُعرَضَ عَلَيهِ مَقعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " إِنَّ أَحَدَكُم إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيهِ مَقعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ ، إِن كَانَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ فَمِن أَهلِ الجَنَّةِ ، وَإِن كَانَ مِن أَهلِ النَّارِ فَمِن أَهلِ النَّارِ ، يُقَالُ : هَذَا مَقعَدُكَ حَتَّى يَبعَثَكَ اللهُ إِلَيهِ يَومَ القِيَامَةِ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَاصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ، وَاحرِصُوا عَلَى أَن تُنَوِّعُوا الأَعمَالَ الصَّالِحَةَ قَدرَ مَا تَستَطِيعُونَ ؛ فَإِنَّ الجَنَّةَ أَبوَابٌ وَدَرَجَاتٌ ، قَالَ رَبُّكُم – تَعَالى - : " وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى "
وَقَالَ - تَعَالى - : " وَمَن أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعيَهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَشكُورًا . كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا . اُنظُرْ كَيفَ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكبَرُ تَفضِيلاً "
وَقَالَ – تَعَالى - : " لا يَستَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ غَيرُ أُولي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسنَى وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجرًا عَظِيمًا . دَرَجَاتٍ مِنهُ وَمَغفِرَةً وَرَحمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن أَنفَقَ زَوجَينِ في سَبِيلِ اللهِ مِن مَالِهِ ، دُعِيَ مِن أَبوَابِ الجَنَّةِ ، وَلِلجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبوَابٍ ، فَمَن كَانَ مِن أَهلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّلاةِ ، وَمَن كَانَ مِن أَهلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مَن بَابِ الصَّدَقَةِ ، وَمَن كَانَ مِن أَهلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِن بَابِ الجِهَادِ ، وَمَن كَانَ مِن أَهلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِن بَابِ الصِّيَامِ ..." الحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
فَاحرِصُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى أَن تَكُونُوا مِنَ السَّابِقِينَ المُسَابِقِينَ المُسَارِعِينَ ؛ فَقَد نَدَبَكُم رَبُّكَم – تَعَالى – إِلى ذَلِكَ فَقَالَ : " وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ . وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم وَجَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعمَ أَجرُ العَامِلِينَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ الحَدِيثَ عَنِ الجَنَّةِ لا تُوَفِّيهِ حَقَّهُ كَلِمَاتٌ وَلَو كَثُرَت ، وَكَيفَ يُقدَرُ قَدرُ دَارٍ غَرَسَهَا اللهُ بِيَدِهِ ، وَجَعَلَهَا مَقَرًّا لأَولِيَائِهِ وَأَحبَابِهِ ، وَمَلأَهَا مِن رَحمَتِهِ وَكَرَامَاتِهِ وَرِضوَانِهِ ، وَوَصَفَ نَعِيمَهَا بِالفَوزِ العَظِيمِ ، وَمُلكَهَا بِالمُلكِ الكَبِيرِ ، وَأَودَعَهَا جَمِيعَ الخَيرِ بِحَذَافِيرِهِ ، وَطَهَّرَهَا مِن كُلِّ عَيبٍ وَآفَةٍ وَنَقصٍ ، أَرضُهَا وَتُربَتُهَا مِسكٌ وَزَعفَرَانٌ ، وَسَقفَهُا عَرشُ الرَّحمَنِ ، وَحَصبَاؤُهَا اللُّؤلُؤُ وَالجَوهَرُ ، وَبِنَاؤُهَا لَبِنَةٌ مِن فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِن ذَهَبٍ ، مَا فِيهَا شَجَرَةٌ إِلاَّ وَسَاقُهَا مِن ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، وَثَمَرُهَا أَمثَالُ القِلالِ ، أَليَنُ مِنَ الزُّبدِ ، وَأَحلَى مِنَ العَسَلِ ، وَأَنهَارُهَا أَنهَارٌ مِن لَبَنٍ لم يَتَغَيَّرْ طَعمُهُ ، وَأَنهَارٌ مِن خَمرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ، وَأَنهَارٌ مِن عَسَلٍ مُصَفًّى ، وَطَعَامُ أَهلِهَا فَاكِهَةٌ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ، وَلَحمُ طَيرٍ مِمَّا يَشتَهُونَ ، وَشَرَابُهُم التَّسنِيمُ وَالزَّنجَبِيلُ وَالكَافُورُ ، وَآنِيَتُهُم مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ في صَفَاءِ القَوَارِيرِ ، مَا بَينَ المِصرَاعَينِ مِن مَصَارِيعِ البَابِ مِن أَبوَابِهَا مَسِيرَةُ أَربَعِينَ عَامًا ، فِيهَا شَجَرَةٌ وَاحِدَةٌ ، يَسِيرُ الرَّاكِبُ المُجِدُّ السَّرِيعُ في ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ لا يَقطَعُهَا ، أَمَّا وُجُوهُ أَهلِهَا وَحُسنُهُم فَعَلَى صُورَةِ القَمَرِ ، وَأَمَّا أَسنَانُهُم فَأَبنَاءُ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ ، عَلَى صُورَةِ آدَمَ - عَلَيهِ السَّلامُ - أَبي البَشَرِ ، حُلِيُّهُم أَسَاوِرُ الذَّهَبِ وَاللُّؤلُؤُ ، يَطُوفُ عَلَيهِم غِلمَانٌ مُخَلَّدُونَ ، كَأَنَّهُم لُؤلُؤٌ مَكنُونٌ ، وَأَمَّا عَرَائِسُهُم وَأَزوَاجُهُم فَهُنَّ الكَوَاعِبُ الأَترَابُ ، اللاَّتي جَرَى في أَعضَائِهِنَّ مَاءُ الشَّبَابِ ، يُرَى مُخُّ سَاقِ إِحدَاهُنَّ مِن وَرَاءِ اللَّحمِ ، كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَالمَرجَانُ ، لم يَطمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبلَهُم وَلا جَانٌّ ، وَلَوِ اطَّلَعَت إِحدَاهُنَّ عَلَى الدُّنيَا لَمَلأَت مَا بَينَ الأَرضِ وَالسَّمَاءِ رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا - أَي خِمَارُهَا - عَلَى رَأسِهَا خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا ، مُبَرَّأَةٌ مِنَ الحَبَلِ وَالوِلادَةِ وَالحَيضِ وَالنِّفَاسِ ، مُطَهَّرَةٌ مِنَ المُخَاطِ وَالبُصَاقِ وَالبَولِ وَالغَائِطِ وَسَائِرِ الأَدنَاسِ ، في الجَنَّةِ ... نَعِيمٌ وَعَافِيَةٌ ، وَعِيشَةٌ رَاضِيَةٌ ، في جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ، قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ، وَعَينٌ جَارِيَةٌ ، وَسُرُرٌ مَرفُوعَةٌ ، وَأَكوَابٌ مَوضُوعَةٌ ، وَنَمَارِقُ مَصفُوفَةٌ ، وَزَرَابِيُّ مَبثُوثَةٌ ، في الجَنَّةِ ... لا يَفنَى الشَّبَابُ ، وَلا تَبلَى الثِّيَابُ ، بل يَزدَادُ الحُسنُ وَالجَمَالُ ، وَلا يُمَلُّ اللِّقَاءُ وَالوِصَالُ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ في الجَنَّةِ لَسُوقًا يَأتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحثُو في وُجُوهِهِم وَثِيَابِهِم ، فَيَزدَادُونَ حُسنًا وَجَمَالاً ، فَيَرجِعُونَ إِلى أَهلِيهِم وَقَدِ ازدَادُوا حُسنًا وَجَمَالاً ، فَتَقُولُ لَهُم أَهلُوهُم : وَاللهِ لَقَدِ ازدَدتُم بَعدَنَا حُسنًا وَجَمَالاً ، فَيَقُولُونُ : وَأَنتُم وَاللهِ لَقَدِ ازدَدتُم بَعدَنَا حُسنًا وَجَمَالاً " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَأَمَّا أَعظَمُ نَعِيمٍ يَنَالُهُ أَهلُ الجَنَّةِ ، وَلا نَعِيمَ أَعظَمُ مِنهُ فَهُوَ نَظَرُهُم إِلى وَجهِ اللهِ – تَعَالى – قَالَ – سُبحَانَهُ - : " لِلَّذِينَ أَحسَنُوا الحُسنى وَزِيَادَةٌ " وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – قَالَ : " إِذَا دَخَلَ أَهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - : تُرِيدُونَ شَيئًا أَزِيدُكُم فَيَقُولُونَ : أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ أَلَمْ تُدخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : فَيَكشِفُ الحِجَابَ ، فَمَا أُعطُوا شَيئًا أَحَبَّ إِلَيهِم مِنَ النَّظَرِ إِلى رَبِّهِمْ - عَزَّ وَجَلَّ - " فَيَا لَذَّةَ الأَسمَاعِ بِتِلكَ المُحَاضَرَةِ ! وَيَا قُرَّةَ عُيُونِ الأَبرَارِ بِالنَّظَرِ إِلى وَجهِ الكَرِيمِ في الدَّارِ الآخِرَةِ ! وَيَا ذِلَّةَ الرَّاجِعِينَ بِالصَّفقَةِ الخَاسِرَةِ ! " وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . وَوُجُوهٌ يَومَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَن يُفعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ "
رَوَى مُسلِمٌ أَنَّ عُتبَةَ بنَ غَزوَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – خَطَبَ مَرَّةً فَقَالَ : وَلَقَد ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مِصرَاعَينِ مِن مَصَارِيعِ الجَنَّةِ بَينَهُمَا مَسِيرَةُ أَربَعِينَ سَنَةً ، وَلَيَأتِيَنَّ عَلَيهِ يَومٌ وَهُوَ كَظِيطٌ مِنَ الزِّحَامِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
اللهُ أَكبَرُ – يَا عِبَادَ اللهِ – سِعَةُ بَابِ الجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَربَعِينَ سَنَةً ، وَمَعَ هَذَا فَسَيَزدَحِمُ بِالمُؤمِنِينَ الدَّاخِلِينَ بِرَحمَةِ اللهِ ، فَأَبشِرُوا وَأَمِّلُوا خَيرًا ، وَاحذَرُوا ثُمَّ احذَرُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَلاَّ يَجِدَ أَحَدُكُم لَهُ مَكَانًا في هَذِهِ السَّعَةِ ، فَإِنَّ هَذَا حِرمَانٌ مَا بَعدَهُ حِرمَانٌ ! قَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّهُ مَن يُشرِكْ بِاللهِ فَقَد حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ وَمَأوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن أَنصَارٍ "
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " كُلُّ أُمَّتي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن أَبى " قَالُوا : وَمَن يَأبى ؟ قَالَ : " مَن أَطَاعَني دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَن عَصَاني فَقَد أَبى " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كَانَ في قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ عَبدٌ لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ : " مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ مُسلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَد أَوجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ جَسَدٌ غُذِيَ بِحَرَامٍ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ .
وَقَالَ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلا عَاقٌّ وَلا مُدمِنُ خَمرٍ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ : " مَن قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أَربَعِينَ عَامًا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وقال : "مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مِنَ المُحسِنِينَ ، وَاعمَلُوا صَالِحًا يُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ " لِلَّذِينَ أَحسَنُوا في هَذِهِ الدُّنيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيرٌ وَلَنِعمَ دَارُ المُتَّقِينَ . جَنَّاتُ عَدنٍ يَدخُلُونَهَا تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ لَهُم فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجزِي اللهُ المُتَّقِينَ . الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيكُمُ ادخُلُوا الجَنَّةَ بما كُنتُم تَعمَلُونَ "
المرفقات

1163.doc

وصف الجنة وشيء من نعيمها.doc

وصف الجنة وشيء من نعيمها.doc

وصف الجنة وشيء من نعيمها.pdf

وصف الجنة وشيء من نعيمها.pdf

المشاهدات 2208 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا ونفع بك الإسلام والمسلمين


جزاك الله خيرا