خطبة وسائل ترك المعاصي (مستفادة)

د. ماجد بلال
1445/05/03 - 2023/11/17 11:27AM

خطبة وسائل ترك الذنوب والمعاصي

عرفنا فيما سبق اثار وعواقب الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع

ونتعرّف اليوم على الوسائل التي تساعد على ترك الذنوب والمعاصي

1.                      من وسائل ترك الذنوب والمعاصي الدعاء... وهو أعظم دواء، وأنفع علاج لكل بلاء... قال - تعالى -: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)

إسأل الله ان يصرف عنك المعاصي والاثام

إسأل الله ان يحبب اليك الايمان ويزينه في قلبك وان يكره اليك الفسوق والعصيان وان يجعلك من الراشدين

قال الله عن يوسف عليه السلام لمّا خاف فتنة النساء (قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ) (٣٣)  يوسف

وقال ابراهيم عليه السلام (رب اجنبني وبني ان نعبد الاصنام)

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم (اللهم آتِ نفسي تقواها أنت خيرُ مَن زكَّاها أنت وليُّها ومولاها ) الراوي : زيد بن أرقم | المحدث : ابن جرير الطبري | المصدر : مسند عمر | الصفحة أو الرقم : 2/586 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

ادع ربك وقل ( اللهم ! طَهِّرْ قلبي من النفاقِ، وعملي من الرياءِ، ولساني من الكذبِ، وعيني من الخيانةِ ؛ فإنك تعلمُ خائنةَ الأعْيُنِ وما تُخْفِي الصدورُ) الراوي : أم معبد عاتكة بنت خالد الخزاعية | المحدث : الألباني | المصدر : هداية الرواة، الصفحة أو الرقم : 2435 | خلاصة حكم المحدث :إسناده ضعيف | أحاديث مشابهة |الصحيح البديل

2.                      ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي المجاهدة... والصبر والمصابرة، يقول الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، ويقول الله تعالى ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (٢٠٠)  آل عمران

3.                      ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي معرفة عواقب المعصية ونتائجها فمن عواقب الذنوب (الهم والغم والحزن والاكتئاب والضيق والوحشة بينك وبين الله وغيرها من عواقب الذنوب).

4.                      ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي البعد عن أسبابها ومقوياتها، فإن كل معصية لها سبب يدفع لها ويقويها، ويساهم في الاستمرار فيها، ومن أصول العلاج البعد عن كل سبب يقوي المرض.

 

5.                      ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي تذكر سوء الخاتمة  عافانا الله واياكم

6.                      ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي تذكر عاقبة المتقين يقول الله (وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ (٤٦)  ويقول جل وعلا: (وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ (٤٠)  فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ (٤١)  ويقول الله: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ (١٢) 

7.                       ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي معرفة حقارة الدنيا (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) فكيف تؤثر الدنيا الحقيرة على الآخرة الباقية، التي لانهاية لها، كيف تعمل معصية قد تحرمك من جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال r : (- لو كانت الدُّنيا تعدِلُ عند اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقَى كافرًا منها شرْبةَ ماءٍ) الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب | الصفحة أو الرقم : 4/158 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] | التخريج : أخرجه الترمذي (2320) واللفظ له، وابن ماجه (4110) مطولاً باختلاف يسير

8.                      ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي الاستحياء من الله وتذكر مراقبة الله لك والإحسان ان تعبد الله كانك تراه فان ام تكن تراه فانه يراك (وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا) فالله يراقبك... ويعلم بحالك... ويراقبك تحركاتك... ونظراتك... وسمعك... وقلبك (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) فإذا دفعتك نفسك للذنوب فقل لنفسك (إن الله يراني) (وَمَا تَكُونُ فِي شَأۡنٖ وَمَا تَتۡلُواْ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانٖ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ (٦١) يونس

9.                      ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي تذكر الشهود عليك يوم القيامة فالملائكة تشهد والجوارح تشهد (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ • كِرَامًا كَاتِبِينَ • يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) ،  (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

 

احذر يا عبد الله أن تكون ممن قال -صلى الله عليه وسلم- فيهم (ليأتين أقوام من أمتي بحسنات أمثال جبال تهامة يجعلها الله هباء منثورا... قال الصحابة: منهم يا رسول الله؟ قال: أما إنهم مثلكم يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون ولهم من الليل مثل مالكم ولكنهم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها).

10.             ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي الحذر من رفيق السوء، فإن بعض الناس يريد ترك المعصية ولكن صديقه يدفعه وفي الحديث الصحيح (المرء على دين خليله فلينظرأحدكم من يخالل). ويقول الله (وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا (٢٧)  يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا (٢٨)  لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا )(٢٩)  الفرقان –

11.             فالزم الصالحين وأهل الصلاة والصلاة وأهل القرآن وكل أولئك تجدهم في المسجد الذين تنتفع برؤيتهم قبل كلامهم، لأن الإنسان يتأثر بمن يجالس... و ﵟوَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم ‌بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا ٢٨ﵞ [الكهف: 28] 

12.             ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي أن تملأ فراغك بأي شيء نافع من أمور الدين أو الدنيا المباحة سواء، واعلم إن الفراغ سبب في بداية الضياع والانحراف فلابد من الحرص على استغلال الوقت بما ينفع.

13.             ومن وسائل ترك الذنوب والمعاصي تذكر الموت والآخرة وهو علاج ناجع فقد قال r  (كنتُ نهيتُكم عن زيارَةِ القبورِ ألا فزورُوها ، فإِنَّها تُرِقُّ القلْبَ ، و تُدْمِعُ العينَ ، وتُذَكِّرُ الآخرةَ ، ولا تقولوا هُجْرًا) الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 4584 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (13487)، وأبو يعلى (3707) مطولاً، والحاكم (1393) واللفظ له

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمّن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، والصلاة والسلام على نبينا محمد, إمام المتقين وقائد الغُرّ الميامين, صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

14.             عباد الله: ومما يسهل على الإنسان ترك المعاصي إذا عرف عظمة ربه وجلاله، وغزارة نِعَمه عليه وعلى خلقه، ولاحظ عفوه وإحسانه، فلا يليق بمن هذه عظمته، وهذه نعمه أن يعصيه، بل الواجب طاعته، وشكر نعمه، والتسبيح بحمده سراً وجهراً ليلاً ونهاراً.

15.             ومما يهون على العبد ترك الذنوب والمعاصي إذا علم أن في تركها مرضاة الرب, ومحبة الرب, ومحبة الخلق, وصلاح المعاش, وراحة البدن, وقوة القلب, وانشراح الصدر, ونعيم القلب, وحصول المروءة, وصون العرض, وقلة الهمّ والغمّ والحزن, وعز النفس عن احتمال الذل, وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعاصي.

16.             ويسهل عليه كذلك ترك الذنوب والمعاصي إذا علم أن في تركها تيسير الرزق عليه, ووصوله إليه من حيث لا يحتسب وحصول البركة فيه, وتسهيل الطاعات عليه, وكثرة الدعاء له, والحلاوة التي يكتسبها في وجهه, والمهابة التي تلقى له في قلوب الناس, وانتصارهم له إذا أوذي أو ظلم, وسرعة إجابة دعائه, وزوال الوحشة التي بينه وبين الله, وقرب الملائكة منه, وبعد الشياطين عنه, وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه, ورغبتهم في صحبته, وعدم خوفه من الموت, وصغر الدنيا في قلبه, وكبر الآخرة عنده, وذوق حلاوة الطاعات, ووجدان حلاوة الإيمان في قلبه, ودعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة له؛ فهذه بعض آثار ومنافع ترك المعاصي في الدنيا.

 

17.             أما في الآخرة فإذا مات تلقته الملائكة بالبشرى من ربه بالجنة, وانتقل من سجن الدنيا إلى روضة من رياض الجنة, ينعم فيها في قبره إلى أن تقوم الساعة, فإذا كان يوم القيامة كان الناس في الحر والعرق, وهو في ظل عرش الرحمن، فإذا انصرفوا بعد الحساب من بين يدي الله، أخذت به الملائكة ذات اليمين إلى جنات النعيم مع أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين، حيث النعيم المقيم: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 17].

 

18.             وفوق ذلك كله تمتع برؤية ربه، وفوزه برضوانه, كما قال -سبحانه-: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 72]، فهل يزهد في هذا النعيم من له أدنى مسكة من عقل؟! وهل يحرم نفسه منه بمعصية من يملكه إلا مارج العقل والدين؟! إنه ليس في الآخرة إلا نعيم أو عذاب, وإكرام أو إهانة, وسعادة أو شقاوة, مع الخلود والتأبيد, ولكل دار عمل وعمال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) [الروم: 14-16].

19.             ومما يساعد على ترك المعاصي كثرة الاستغفار فتكوم ممن يحبهم الله فيعصمهم : (ﵟإِنَّ ٱللَّهَ ‌يُحِبُّ ‌ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ ٢٢٢ﵞ [البقرة: 222] 

20.                        ومما يساعد على ترك المعاصي تذكر أن أهل المعاصي هم المفلسون يوم القيامة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟" قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ, وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا, وَقَذَفَ هَذَا, وَأَكَلَ مَالَ هَذَا, وَسَفَكَ دَمَ هَذَا, وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (مسلم), صلوا وسلموا ....

المرفقات

1700209642_خطبة وسائل ترك المعاصي.docx

1700209645_خطبة وسائل ترك المعاصي.pdf

المشاهدات 388 | التعليقات 0