خطبة : ( وداعًا شهر الصوم )

عبدالله البصري
1435/09/27 - 2014/07/24 22:25PM
وداعًا شهر الصوم 27 / 9 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّمَا هِيَ يَومَانِ اثنَانِ فَحَسبُ ، نَعَم ، يَومَانِ في عِلمِ اللهِ أَو ثَلاثَةٌ ، وَإِذَا أَنتُم قَد وَدَّعتُم شَهرًا كَرِيمًا ، وَجَاوَزتُم مَوسِمًا عَظِيمًا ، كَأَنَّمَا استَقبَلتُمُوهُ قَبلَ يَومَينِ أَو ثَلاثَةٍ ... إِي وَاللهِ ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ لَقَد مَضَت أَيَّامُ شَهرِنَا الكَرِيمَةُ وَلَيَالِيهِ العَظِيمَةُ ، وَكَأَنَّمَا هِيَ سَاعَاتٌ مَعدُودَةٌ ، فَالحَمدُ للهِ عَلَى مَا بَلَّغَنَا مِنهُ ، وَالشُّكرُ لَهُ عَلَى مَا وَفَّقَنَا إِلَيهِ فِيهِ ، وَنَسأَلُهُ حُسنَ الخِتَامِ عَلَى الدَّوَامِ .
مَضَى رَمَضَانُ أَو كَأَنِّي بِهِ مَضَى ** وَغَابَ سَنَاهُ بَعدَمَا كَانَ أَومَضَا
فَيَا عَهدَهُ مَا كَانَ أَكرَمَ مَعهَدًا ** وَيَا عَصرَهُ أَعزِزْ عَلَيَّ أَنِ انقَضَى
أَلَمَّ بِنَا كَالطَّيفِ في الصَّيفِ زَائِرًا ** فَخَيَّمَ فِينَا سَاعَةً ثُمَّ قَوَّضَا
فَيَا لَيتَ شِعرِي إِذْ نَوَى غُربَةَ النَّوَى ** أَبِالسُّخطِ عَنَّا قَد تَوَلَّى أَمِ الرِّضَا
فَلِلهِ مِن شَهرٍ كَرِيمٍ تَعَرَّضَت ** مَكَارِمُهُ إِلاَّ لِمَن كَانَ أَعرَضَا
أَجَلْ يَا عِبَادَ اللهِ ، لَقَد مَضَى رَمَضَانُ وَكَادَ يُقَوِّضُ خِيَامَهُ ، وَهَا هُوَ ذَا يَتَهَيَّأُ لِيَحمِلَ زَادَهُ وَيَمضِيَ بِمَتَاعِهِ ، بَعدَ أَن لَبِثَ فِينَا أَو لَبِثنَا فِيهِ أَيَّامًا كَرِيمَةً ، وَقَضَى فِينَا أَو قَضَينَا فِيهِ لَيَالِيَ مُبَارَكَةً ، كَانَت فُرَصُ الأُجُورِ فِيهِ تُعرَضُ كُلَّ سَاعَةٍ وَدَقِيقَةٍ ، بَل تَمُرُّ مَعَ كُلِّ ثَانِيَةٍ وَلَحظَةٍ ، فَلِلهِ مِن شَهرٍ هُوَ خَيرُ الشُّهُورِ ، وَمَوسِمٍ مَحمُودِ الوُرُودِ وَالصُّدُورِ !! فِيهِ صِيَامٌ وَقِيَامٌ ، وَذِكرٌ وَقِرَاءَةُ قُرآنٍ ، وَتَفطِيرٌ وَصَدَقَاتٌ وَهِبَاتٌ ، وَعُمرَةٌ كَحَجَّةٍ وَاعتِكَافٌ وَدَعَوَاتٌ ، وَلَيلَةٌ مُبَارَكَةٌ هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، فَلَيتَ شِعرِي إِذْ كَانَ كُلُّ هَذَا الخَيرِ في شَهرِ الخَيرِ ، مَن مِنَّا كَانَ فِيهِ سَابِقًا بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ رَبِّهِ ، فَضَرَبَ في كُلِّ مَجَالٍ بِسَهمٍ رَغبَةً فِيمَا عِندَ اللهِ ، وَتَزَوَّدَ مِن كل زَادٍ بما استَطَاعَ طَمَعًا في جَزِيلِ الثَّوَابِ ؟! وَمَن مِنَّا كَانَ مُقتَصِدًا فَاقتَصَرَ عَلَى فِعلِ الوَاجِبَاتِ وَتَركِ المُحَرَّمَاتِ ؟! وَمَن هُوَ الَّذِي كَانَ ظَالِمًا لِنَفسِهِ ، فَخَلَطَ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ؟!
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَقَد كَانَ مِنَ المُسلِمِينَ مُحِبُّونَ مُوَفَّقُونَ ، مَا إِن حَلَّ بهم رَمَضَانُ حَتى نَظَرُوا مَا يُحِبُّهُ رَبُّهُم وَيَرضَاهُ ، فَقَدَّمُوهُ عَلَى جَمِيعِ مَا تَشتَهِيهِ نُفُوسُهُم وَتَهوَاهُ ، وَمَالُوا بِكُلِّيَّتِهِم عَلَى مَا يُرِيدُهُ مَولاهُم ، وَآثَرُوا مُرَادَهُ عَلَى مُرادِ نُفُوسِهِم ، فَأَتعَبُوا لَهُ الجَوَارِحَ وَالأَجسَادَ وَبَذَلُوا الأَوقَاتَ ، وَحَلَّقُوا بِأَروَاحِهِم في سَمَاءِ البِرِّ وَالطَّاعَاتِ ، وَسَافَرَت قُلُوبُهُم في طَلَبِ رِضَا خَالِقِهِم ، وَلَهَجَت أَلسِنَتُهُم بِذِكرِهِ عَلَى الدَّوَامِ ، وَعَمَرُوا بُيُوتَهُ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُونَ فَضلًا مِنَهُ وَرِضوَانًا .
لَقَد حَقَّقَ أُولَئِكَ المُوَفَّقُونَ أَصلَ التَّوحِيدِ وَرُوحَهُ وَلُبَّهُ ، فَأَخلَصُوا المَحَبَّةَ للهِ وَحدَهُ ، وَسَبَقَت مَحَبَّتُهُم لِرَبِّهِم جَمِيعَ المَحَابِّ وَغَلَبَتهَا ، فَوَجَدُوا رَاحَةَ أَجسَادِهِم وَأُنسَ قُلُوبِهِم في كُلِّ تَعَبٍ لأَجلِهِ ، فَهَؤُلاءِ هُمُ السَّابِقُونَ بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ رَبِّهِم ، جَنَّتُهُم في دُنيَاهُمُ العِبَادَةُ ، وَأُنسُهُم في حَيَاتِهِمُ الطَّاعَةُ ، وَغَايَةُ سُرُورِهِم وَحُبُورِهِم أَن يُدرِكُوا مَوَاسِمَ الإِيمَانِ ، فَيَعمُرُوهَا بِطَاعَةِ الرَّحِيمِ الرَّحمَنِ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ السَّابِقِينَ بِالخَيرَاتِ مُحِبُّونَ مُجتَهِدُونَ بَاذِلُونَ ، بِالنَّوَافِلِ مُتَقَرِّبُونَ ، وَمِنَ التَّقوَى مُتَزَوِّدُونَ ، في قُلُوبِهِم خَوفٌ مِنَ اللهِ وَتَوَقُّعٌ لِلعُقُوبَةِ عَلَى تَركِ الوَاجِبِ وَفِعلِ المَحظُورِ ، وَرَجَاءٌ وَرَغبَةٌ فِيمَا أَعَدَّهُ لِلمُحسِنِينَ ، وَطَمَعٌ في حُسنِ الجَزَاءِ لِلمُؤمِنِينَ ، وَقَد صَارَ هَذَا الرَّجَاءُ وَذَلِكَ الخَوفُ في قُلُوبِهِم كَالسِّرَاجِ المُنِيرِ ، بِهِ أَبصَرُوا الخَيرَ فَأَتَوهُ ، وَاستَبَانُوا الشَّرَّ فَاجتَنَبُوهُ ، وَتَوَرَّعُوا عَنِ الآثَامِ وَاجتَنَبُوا المَحَارِمَ ، وَانبَعَثَت هِمَمُهُم لِلطَّاعَاتِ وَنَشِطُوا في النَّوَافِلِ . فَلِلهِ دَرُّهُم مَا أَزكَى عُقُولَهُم وَأَعظَمَ حَظَّهُم !!
وَدُونَ أُولَئِكَ السَّابِقِينَ صَنفٌ هُمُ المُقتَصِدُونَ ، اقتَصَرُوا عَلَى فِعلِ الأَركَانِ وَالوَاجِبَاتِ ، مَعَ تَركِ المُحَرَّمَاتِ ، وَهُم عَلَى خَيرٍ عَظِيمٍ مَا استَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ وَصَبَرُوا وَصَابَرُوا ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن أَهلِ نَجدٍ ثَائِرُ الرَّأسِ يُسمَعُ دَوِيُّ صَوتِهِ وَلا يُفقَهُ مَا يَقُولُ ، حَتى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسأَلُ عَنِ الإِسلامِ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " خَمسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ وَاللَّيلَةِ " فَقَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهَا ؟ قَالَ : " لا إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ " قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَصِيَامُ رَمَضَانَ " قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهُ ؟ قَالَ : " لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ " قَالَ : وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الزَّكَاةَ . قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهَا ؟ قَالَ : " لا إِلاَّ أَن تَطَّوَّعَ " قَالَ : فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : وَاللهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنقُصُ . قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَفلَحَ إِن صَدَقَ "
وَأَمَّا الصَّنفُ الثَّالِثُ فَهُمُ الظَّالِمُونَ لأَنفُسِهِم ، لم يَجِدُوا طَعمَ المَحَبَّةِ وَلا ذَاقُوا حَلاوَتَهَا ، فَفَسَدَت لِذَلِكَ أَروَاحُهُم ، بَل مَاتَت قُلُوبُهُم في أَجسَادِهِم ، وَمِن ثَمَّ فَلَم تَنشَرِحْ صُدُورُهُم لِلعِبَادَةِ فَيَأتُوهَا وَهُم رَاغِبُونَ ، وَلَم يَذُوقُوا حَلاوَةَ الطَّاعَةِ فَيَستَكثِرُوا مِنهَا وَلا يَمَلُّوهَا ، وَلا مَرَارَةَ المَعصِيَةِ فَيَترُكُوهَا وَيَتَحَاشَوهَا ، وَلَكِنَّهُم بَقُوا مُفَرِّطُينَ مُتَكَاسِلِينَ ، يَتَرَدَّدُونَ وَيَتَلَفَّتُونَ ، وَيُخَلِّطُونَ وَيَتَمَنَّونَ ، وَيَظُنُّونَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُم يَرجُونَ رَحمَةَ اللهِ مَعَ الرَّاجِينَ ، وَمَا عَلِمُوا أَنَّ الرَّجَاءَ بِلا عَمَلٍ إِنَّمَا هُوَ خِدَاعٌ لِلنُّفُوسِ وغُرُورٌ بَاطِلٌ ، وَلِهَؤُلاءِ وَأَمثَالِهِم يُقَالُ : لَقَد بَقِيَت في هَذَا الشَّهرِ بَقِيَّةٌ مُبَارَكَةٌ ، قَد يَتَدَارَكَ فِيهَا المُسِيءُ نَفسَهُ فَيَتُوبُ إِلى اللهِ وَيُنِيبُ ، فَلَعَلَّهُ بِرَجَائِهِ رَحمَةَ رَبِّهِ الَّذِي يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِ التَّائِبِ إِلى حَسَنَاتٍ ، أَن يُدرِكَ رَجَاءَ المُحسِنِ ثَوَابَ إِحسَانِهِ ، وَاللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ، وَرَحمَتَهُ قَد سَبَقَت غَضَبَهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا . وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلى اللهِ مَتَابًا "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهتَدَى "
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَمَّا قَضَى اللهُ الخَلقَ ، كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِندَهُ فَوقَ عَرشِهِ : إِنَّ رَحمَتي سَبَقَت غَضَبي " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ مَن كَانَ أَحسَنَ وَاجتَهَدَ فَلْيَزدَدْ ، وَمَن كَانَ أَسَاءَ وَفَرَّطَ فَلْيُحسِنْ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فِيمَا بَقِيَ وَلْيُتَبْ ، فَإِنَّ الأَعمَالَ بِالخَوَاتِيمِ ، وَالعِبرَةَ بِكَمَالِ النِّهَايَاتِ لا بِنَقصِ البِدَايَاتِ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِنَّمَا يُؤمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بها خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمدِ رَبِّهِم وَهُم لَا يَستَكبِرُونَ . تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ . فَلَا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزَاءً بما كَانُوا يَعمَلُونَ . أَفَمَن كَانَ مُؤمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَستَوُونَ . أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُم جَنَّاتُ المَأوَى نُزُلًا بما كَانُوا يَعمَلُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخرُجُوا مِنهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُم ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَئِن شَارَفَ شَهرُنَا عَلَى الرَّحِيلِ وَآذَنَ بِالوَدَاعِ ، فَمَا زِلنَا نَتَقَلَّبُ في بَقِيَّةٍ صَالِحَةٍ مِن برَكَاَتِهِ وَنَفَحَاتِهِ ، وَقَد بَقِيَ فِيهِ خَيرٌ كَثِيرٌ لِمَنِ اغتَنَمَهُ وَأَسرَعَ في التَّوبَةِ وَعَجَّلَ الأَوبَةَ ، وَلَو لم يَبقَ مِنهُ سِوَى سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، لَكَانَت مُبَارَكَةً وَفِيهَا خَيرٌ كَثِيرٌ ، فَكَيفَ وَقَد بَقِيَ يَومَانِ أَو ثَلاثَةٌ . وَمَا يُدرِينَا ؟! فَلَرُبَّمَا كَانَت لَيلَةُ القَدرِ فِيمَا بَقِيَ ، وَرُبَّمَا قُبِلَت مِن تَائِبٍ تَوبَةٌ أَو أُجِيبَت مِن صَادِقٍ دَعوَةٌ ، فَفَازَ فَوزًا عَظِيمًا وَنَالَ أَجرًا كَرِيمًا ، وَسَعِدَ سَعَادَةً لا يَشقَى بَعدَهَا أَبَدًا ، فَتَدَارَكُوا هَذِهِ البَقِيَّةَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ وَلا تَتَكَاسَلُوا ، ﻻ تُبقُوا في المَآقي دُمُوعًا إِلاَّ ذَرَفتُمُوهَا ، وَلا في النُّفُوسِ حَاجَةً إِلاَّ بَثَثتُمُوهَا رَبَّكُم وَرَفَعتُمُوهَا ، وَلا ذُنُوبًا إِلاَّ سَأَلتُم رَبَّكُم أَن يَمحُوَهَا ، فَرَغِمَ أَنفُ عَبدٍ أَدرَكَ رَمَضَانَ فَلَم يُغفَرْ لَهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لِنَرجُ القَبُولَ مِنَ الغَفُورِ الشَّكُورِ ، وَلْنَستَغفِرْهُ مِنَ الزَّلَلِ وَالتَّقصِيرِ ، وَلْنَسأَلْهُ العَفوَ عَمَّا دَاخَلَ الأَعمَالَ مِن رِيَاءٍ أَو عُجبٍ ، وَلْنَحذَرِ المَنَّ عَلَى اللهِ بما عَمِلنَا أَو أَنفَقنَا ، فَإِنَّهُ لم يُوَفَّقْ مِنَّا مَن وَفِّقَ إِلاَّ بِفَضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ ، وَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنها ـ قَالَت : سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَن هَذِهِ الآيَةِ " وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ " قَالَت عَائِشَةُ : أَهُمُ الَّذِينَ يَشرَبُونَ الخَمرَ وَيَسرِقُونَ ؟! قَالَ : " لا ، يَا بِنتَ الصَّدِيقَ ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونُ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَهُم يَخَافُونَ أَلاَّ يُقبَلَ مِنهُم ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَهُم لها سَابِقُونَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَحسِنُوا خِتَامَ شَهرِكُم الكَرِيمِ ، وَوَدِّعُوا ضَيفَكُم بِخَيرِ مَا تَستَطِيعُونَ ، وَأَودِعُوهُ صَالِحَ الأَعمَالِ الَّتي شُرِعَت في خِتَامِهِ ، أَخرِجُوا زَكَاةَ الفِطرِ ، فَإِنَّهَا طُهرَةٌ لِصِيامِكُم ، وَمَن وَفَّقَهُ اللهُ مِنكُم ﻻستِكمِالِ العِدَّةِ فَلْيُكَبِّرْ لَيلَةَ العِيدِ وَصَبِيحَتَهُ ، وَاحرِصُوا عَلَى حُضُورِ صَلاةِ العِيدِ ، وَعَلَى ما سَنَّهُ نَبِيُّكُم مِن أَكلِ تَمَرَاتٍ وِترًا قَبلَ الخُرُوجِ ، وَتَجَمَّلُوا وَتَزَيَّنُوا بما أَحَلَّ اللهُ ، وَاحذَرُوا ما حَرَّمَ رَبُّكُم مِن إِسبالِ الثِّيَابِ أَو حَلقِ اللِّحِى ، وَاحرِصُوا عَلَى أَن تَخرُجَ نِسَاؤُكُم في سِترٍ وَحَيَاءٍ وحِشمَةٍ ، غَيرَ مُتَطَيِّبَاتٍ وَلا مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ؛ فَـ" كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ "
المرفقات

وداعًا شهر الصوم.doc

وداعًا شهر الصوم.doc

وداعًا شهر الصوم.pdf

وداعًا شهر الصوم.pdf

المشاهدات 2717 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا


جزاك الله خيرا


جزاك الله خيراً على ما كتبت, وكتب لك أجر من عمل بما كتبت