خطبة: وَجَاءَ رَمَضَان.

وليد بن محمد العباد
1444/09/02 - 2023/03/24 01:40AM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة: وَجَاءَ رَمَضَان

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله

وجاءَ رمضانُ ونحنُ أحياءٌ نَستطيعُ الصّيامَ والقيامَ فالحمدُ لله، فإنّ بلوغَ رمضانَ مِن أعظمِ النّعم، وصيامَه وقيامَه مِن أَتَمِّ المِنَن، فكم ممّن هم في القبورِ كانوا يَأملونَ أنْ يُدركوه، ويَتمنّونَ الآنَ لو يَعيشونَ يومًا واحدًا معكم ليصوموه، وبالذّكرِ والتّلاوةِ والتّراويحِ والصّدقةِ يَعمروه، ولكنْ حالَ بينهم هادِمُ اللذّات، وأنتم تَصومونَ وتَقومونَ وتَتْلونَ وتَتَصدّقونَ فالحمدُ لله، قَدِمَ رجلانِ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكانَ إِسْلامُهُما جَمِيعًا، وكانَ أحدُهُما أَشَدَّ اجْتِهادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا المُجْتَهِدُ مِنْهُما فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بعدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قالَ طلحةُ فَرأيْتُ في المنامِ، بَيْنا أنا عندَ بابِ الجنّةِ إذا أنا بِهما، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجنّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُما، ثُمَّ خرجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجعَ إِلَيَّ فقالَ ارْجِعْ فإنَّكَ لمْ يَأْنِ لكَ بَعْدُ، فَأصبحَ طلحةُ يُحَدِّثُ بهِ النّاسَ، فَعَجِبُوا لِذلكَ فَبَلَغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ فقالَ مِن أَيِّ ذلكَ تَعْجَبُونَ؟ فَقَالوا يا رسولَ اللهِ هذا كانَ أَشَدَّ الرّجُلَيْنِ اجْتِهادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، ودَخلَ هذا الآخِرُ الجنّةَ قبلَهُ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَليسَ قد مَكَثَ هذا بعدَهُ سَنَةً؟ قالوا بلى، قالَ وأدرَكَ رَمَضانَ فصامَه؟ قالوا: بلى. قالَ وصلَّى كذا وكذا سَجدةً في السَّنةِ؟ قالوا: بلى. قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فما بينَهُما أَبْعَدُ مِمَّا بينَ السَّماءِ والأرضِ. وجاءَ رمضانُ وأنتم في صحّةٍ وعافية، ولكم إخوةٌ على الأَسِرَّةِ البيضاءِ، يَتمنّونَ لو يُطيقونَ يومًا يُشاركونَكم فيه الصّيام، أو يُؤْذَنُ لهم ليلةً يَقفونَ معكم في صلاةِ التّراويحِ والقيام، ولكنْ حالَ بينهم المرض، وأنتم تَصومونَ وتَقومونَ وتَدْعونَ وتُسبّحونَ وتَستغفرونَ فالحمدُ لله. وجاءَ رمضانُ وغيرُكم تَتخطُّفُهم الحروبُ والفتنُ والبلايا وأنتم في أمنٍ وأمانٍ فالحمدُ لله، وجاءَ رمضانُ والقلوبُ عَطْشَى والعيونُ جَدْبَى والنّفوسُ بحاجةٍ للتّقوى، فجاءَ رمضانُ يُزكّيها ويَرويها ويُسعدُها ويَهديها. فالحمدُ لله. وجاءَ رمضانُ وقد كَتَبَ اللهُ عليكم فيه الصّيامَ فقالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فقلتم سمعنا وأطعنا فصمتم وقمتم إيمانًا واحتسابًا ورضًا وتسليمًا، ليغفرَ اللهُ لكم ما تَقدّمَ مِن ذنوبِكم ويُعتقَ رقابَكم مِن النّارِ فالحمدُ لله. وجاءَ رمضانُ وأنتم في نِعَمٍ غامرةٍ وفضلٍ هدايةٍ وتوفيقٍ وسِتْرٍ مِن اللهِ فالحمدُ لله. وجاءَ رمضانُ ليَغسلَ النّفوسَ مِن أدرانِها، ويُطهّرَ القلوبَ مِن أضغانِها، ويُنقّيَ الصّحائفَ مِن أدناسِها. فالحمدُ لله. وجاءَ رمضانُ ليَفتحَ بابَ التّوبةِ للمذنبين، وبابَ الأملِ للقانطين، وبابَ الفرجِ لليائسين، وبابَ العفوِ والصّفحِ للمتشاحنين، وبابَ الوصالِ للمتقاطعين، وبابَ الحُبِّ والصّفاءِ للمتباغضين. فالحمدُ لله. وجاءَ رمضانُ ليُضمّدَ الجراح، ويُشرقَ الصّباح، ويَبعثَ التّفاؤلَ ويَنشرَ الأفراح، ولتَستجيبَ القلوبُ لداعي الحقِّ حيَّ على الصّلاةِ حيَّ على الفلاح فالحمدُ لله. فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وصوموا وقوموا وتوبوا فقد جاءَ رمضان، وتفاءلوا وأبشروا ولا تيأسوا مِن روحِ اللهِ فقد جاءَ رمضان، فلو بَلغَتْ ذنوبُكم عَنانَ السّماءِ فإنّ اللهَ يَغفرُها فالحمدُ لله (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فاللهمّ لك الحمدُ على بلوغِ رمضان، اللهمّ أتمّه علينا بالعفوِ والعافيةِ والقبولِ والمغفرةِ والرّحمةِ والعتقِ من النّيران، اللهمّ أَتِمَّ علينا نعمتَك، وأَسبغْ علينا عافيتَك، وزدْنا مِن فضلِك العظيم، وارزقْنا شكرَ نعمتِك، واستعمالَها في طاعتِك، وباركْ لنا فيها واحفظْها مِن الزّوال، اللهمّ إنّا نسألُك طولَ العُمُرِ في صحّةٍ وعافية، مع صلاحِ العملِ وحُسْنِ الخاتمة، اللهمّ ارحمْ موتانا، واشْفِ مرضانا، وأصلحْ أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، وردّنا جميعًا إليك ردًّا جميلا، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله

اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.

اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين

عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 2/ 9/ 1444هـ

المشاهدات 841 | التعليقات 0