خطبة : ( واذكروا الله في أيام معدودات )
عبدالله البصري
1433/12/09 - 2012/10/25 05:52AM
واذكروا الله في أيام معدودات 10 / 12 / 14333
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَتَعظِيمِ حُرُمَاتِهِ وَشَعَائِرِهِ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ " " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَبَعدَ أَن خُتِمَتِ الأَيَّامُ العَشَرَةُ المَعلُومَاتُ بِيَومِ الحَجِّ الأَكبَرِ وَهُوَ يَومُكُم هَذَا ، تَبدَأُ يَومَ غَدٍ أَيَّامُ التَّشرِيقِ ، الأَيَّامُ الثَّلاثَةُ المَعدُودَاتُ ، الَّتي قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِيهَا : " وَاذكُرُوا اللهَ في أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ " وَقَالَ فِيهَا النَّبيُّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرِ اللهِ " وَفي هَذَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ تَوجِيهٌ نَبَوِيٌّ كَرِيمٌ ، وَهُوَ أَنَّ نِعَمَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَى عِبَادِهِ ، يَنبَغِي أَن تُقَابَلَ بما تَستَحِقُّهُ ، مِنَ التَّقَوِّي بها عَلَى طَاعَتِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ والاستِعَانَةِ عَلَى ذِكرِهِ ، وَهَذَا هُوَ مُنتَهَى الشُّكرِ وَغَايَتُهُ وَأَكمَلُهُ ، وَالَّذِي لا يُوَفَّقُ إِلَيهِ إِلاَّ القَلِيلُ مِن عِبَادِ اللهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ " وَفي وَصفِ هَذِهِ الأَيَّامِ بِأَنَّهَا أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِشَارَةٌ إِلى أَنَّهُ لا بَرَكَةَ في أَكلٍ وَشُربٍ يُنسِي ذِكرَ اللهِ ، وَلا فَرَحَ حَقِيقِيًّا إِلاَّ بِطَاعَةِ اللهِ ، فَمَعَ أَنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ أَيَّامُ عِيدٍ وَأَكلٍ وَشُربٍ ، وَمَعَ أَنَّهُ قَد أُذِنَ فِيهَا بِشَيءٍ مِنَ اللَّهوِ المُبَاحِ وَاللَّعِبِ البَرِيءِ ، إِلاَّ أَنَّ الفَرَحَ الحَقِيقِيَّ وَالسُّرُورَ الكَامِلَ وَالأُنسَ التَّامَّ ، لا يَكُونُ إِلاَّ بِطَاعَةِ اللهِ وَكَثرَةِ ذِكرِهِ وَدَوَامِ شُكرِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " وَنِعَمُ اللهِ إِذَا شُكِرَت قَرَّت وَزَادَت ، وَإِن كُفِرَت فَرَّت وَزَالَت ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنْ تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنكُم وَلَا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِنْ تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ . وَلَقَد جَاءَهُم رَسُولٌ مِنهُم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وَهُم ظَالمُونَ . فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشكُرُوا نِعمَةَ اللهِ إِنْ كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ في هَذِهِ الأَيَّامِ العَظِيمَةِ مِن ذِكرِ اللهِ ـ تَعَالى ـ أَنوَاعًا مُتَعَدِّدَةً وَأَلوَانًا مُختِلَفَةً ، مِن ذَلِكَ ذِكرُهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَاتِ بِالتَّكبِيرِ في أَدبَارِهَا وَبَعدَ الفَرَاغِ مِنهَا ، وَهُوَ مَشرُوعٌ إِلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشرِيقِ عِندَ جُمهُورِ العُلَمَاءِ . وَمِنهُ ذِكرُهُ ـ جَلَّ اسمُهُ ـ بِالتَّسمِيَةِ وَالتَّكبِيرِ عِندَ ذَبح ِالنُّسُكِ مِن هَديٍ وَأَضَاحِيَ ، وَوَقتُ هَذِهِ الذَّبَائِحِ يَمتَدُّ كَذَلِكَ إِلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَبَشِّرِ المُحسِنِينَ " وَمِن ذِكرِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ في أَيَّامِ التَّشرِيقِ ذِكرُهُ عَلَى الأَكلِ وَالشُّربِ بِتَسمِيَتِهِ في أَوَّلِهِ ، وَحَمدِهِ في آخِرِهِ ، وَفي الحَدِيثِ عَنهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَ ـ يَرضَى عَنِ العَبدِ أَن يَأكُلَ الأَكلَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيهَا ، وَيَشرَبَ الشَّربَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيهَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمَتَى اجتَمَعَ النَّاسُ عَلَى طَعَامِهِم وَذَكَرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهِ ، كَانَ هَذَا مِن دَوَاعِي تَكثِيرِ الخَيرِ وَأَسبَابِ البَرَكَةِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اِجتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُم وَاذكُرُوا اسمَ اللهِ ـ تَعَالى ـ عَلَيهِ يُبَارَكْ لَكُم فِيهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَمِن ذِكرِ اللهِ ـ تَعَالى ـ في أَيَّامِ التَّشرِيقِ ذِكرُهُ بِالتَّكبِيرِ عِندَ رَميِ الجِمَارِ ، وَهَذَا يُختَصُّ بِهِ الحُجَّاجُ . وَمِنهُ ذِكرُهُ ـ تَعَالى ـ المُطلَقُ ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَإِذَا قَضَيتُم مَنَاسِكَكُم فَاذكُرُوا اللهَ كَذِكرِكُم آبَاءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرًا فَمَنِ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنا آتِنَا في الدُّنيَا وَمَالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ وَمِنهُم مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الدِّينُ أَمرٌ وَنَهيٌ وَإِبَاحَةٌ وَمَنعٌ ، وَالمُسلِمُ مُتَعَبَّدٌ للهِ بِفِعلِ المَأمُورِ بِهِ وَالحِرصِ عَلَى المَسنُونِ ، كَمَا هُوَ مُتَعَبَّدٌ لَهُ بِتَركِ المَنهِيِّ عَنهُ وَاجتِنَابِ المَكرُوهِ ، وَمَتى فَعَلَ العَبدُ ذَلِكَ طَاعَةً للهِ وَامتِثَالاً ، وَتَأسِيًا بِنَبِيِّهِ الكَرِيمِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَقَّقَ العُبُودِيَّةَ الكَامِلَةَ ، وَعَظُمَ أَجرُهُ وَحَسُنَ ثَوَابُهُ ، وَقَد نَهَى النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَن صِيَامِ أَيَّامِ التَّشرِيقِ فَقَالَ : " لا تَصُومُوا هَذِهِ الأَيَّامَ ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللهَ ذِكرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكُم وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤمِنِينَ رَحِيمًا . تَحِيَّتُهُم يَومَ يَلقَونَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُم أَجرًا كَرِيمًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَامتَثِلُوا أَمرَهُ وَاجتَنِبُوا نَهيَهُ وَاذكُرُوهُ وَاشكُرُوهُ ، وَاحذَرُوا أَسبَابَ سَخَطِهِ وَلا تَكفُرُوهُ .
عِبَادَ اللهِ ، إِنَّمَا سُمِّيَت أَيَّامُ التَّشرِيقِ بِهَذَا الاسمِ ، لأَنَّهُم كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الأَضَاحِي ، أَي يُقَدِّدُونَهُ وَيُمَلِّحُونَهُ وَيُيَبِّسُونَهُ ، لِيَأكُلُوهُ فِيمَا بَعدُ وَيَتَمَتَّعُوا به ، وَقَد كَانَ هَذَا إِذْ لا أَجهِزَةَ تَبرِيدٍ تَحفَظُ اللُّحُومَ ، وَحِينَ كَانُوا لا يَأكُلُونَ اللَّحمَ غَالِبًا إِلاَّ في الأَضَاحِي ، وَأَمَّا اليَومَ فَقَد وَسَّعَ اللهُ عَلَى النَّاسِ بِهَذِهِ الثَّلاَّجَاتِ ، الَّتي يَحفَظُونَ فِيهَا مَا يَخَافُونَ فَسَادَهُ المُدَدَ الطَّوِيلَةَ ، حَتى إِنَّ أَحَدَهُم لَيَأكُلُ مِن لُحُومِ الأَضَاحِي الشَّهرَينِ وَالثَّلاثَةَ وَأَكثَرَ مِن ذَلِكَ ، وَمَعَ هَذَا ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ فَإِنَّ المُسلِمَ الوَاعِيَ ، المُقَدِّرَ لِلنِّعمَةِ حَقَّ قَدرِهَا ، لا يَنظُرُ إِلى مَا ذَبَحَ أَو أُهدِيَ إِلَيهِ في هَذِهِ الأَيَّامِ مَعَ وُجُودِ مَا يَحفَظُهُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَسبٌ وَحِمَايَةٌ لِمَالِهِ لِئَلاَّ يُنفَقَ فِيمَا بَعدُ في شِرَاءِ اللَّحمِ ، وَلَكِنَّهُ يَنظُرُ إِلى مَا هُوَ أَبعَدُ مِن ذَلِكَ ، إِذْ يَعلَمُ أَنَّ ثَمَّةَ مَن هُم أَحوَجُ مِنهُ إِلى هَذِهِ اللُّحُومِ ، وَمِن ثَمَّ يَحرِصُ عَلَى إِطعَامِ إِخوَانِهِ وَلا سِيَّمَا الفُقَرَاءُ وَالمَسَاكِينُ ، سَوَاءٌ دَاخِلَ البِلادِ أَو خَارِجَهَا ، فَاحرِصُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّ في بِلادِ المُسلِمِينَ مَن قَد يَمُرُّ بِهِمُ الشَّهرُ وَالشَّهرَانِ وَأَكثَرُ مِن ذَلِكَ ، لا يَدخُلُ بُيُوتَهُم لَحمٌ وَلا يَذُوقُونَهُ ، وَإِنَّ إِطعَامَ أَمثَالِ هَؤُلاءِ عَن طَرِيقِ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةِ وَجَمعِيَّاتِ البِرِّ الَّتي تَعتَني بِهِم ، إِنَّهُ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ وَالتَّمَتُّعِ بِنَعِيمِهَا المُقِيمِ ، فَكَيفَ إِذَا اجتَمَعَ إِفشَاءٌ للسَّلامِ ، وَصِلَةٌ لِلأَرحَامِ ، وَإِطعَامٌ لِلطَّعَامِ ، وَطَاعَةٌ وَذِكرٌ وَشُكرٌ ، فَمَا أَسعَدَهُ مِن عِيدٍ وَأَبرَكَهُ ! وَقَد وَصَفَ ـ سُبحَانَهُ ـ الأَبرَارَ أَنَّهُم " يُوفُونَ بِالنَّذرِ وَيَخَافُونَ يَومًا كَانَ شَرُّهُ مُستَطِيرًا . وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُم جَزَاءً وَلَا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَومًا عَبُوسًا قَمطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَومِ وَلَقَّاهُم نَضرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُم بما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفشُوا السَّلامَ ، وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَتَعظِيمِ حُرُمَاتِهِ وَشَعَائِرِهِ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ " " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَبَعدَ أَن خُتِمَتِ الأَيَّامُ العَشَرَةُ المَعلُومَاتُ بِيَومِ الحَجِّ الأَكبَرِ وَهُوَ يَومُكُم هَذَا ، تَبدَأُ يَومَ غَدٍ أَيَّامُ التَّشرِيقِ ، الأَيَّامُ الثَّلاثَةُ المَعدُودَاتُ ، الَّتي قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِيهَا : " وَاذكُرُوا اللهَ في أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ " وَقَالَ فِيهَا النَّبيُّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرِ اللهِ " وَفي هَذَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ تَوجِيهٌ نَبَوِيٌّ كَرِيمٌ ، وَهُوَ أَنَّ نِعَمَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَى عِبَادِهِ ، يَنبَغِي أَن تُقَابَلَ بما تَستَحِقُّهُ ، مِنَ التَّقَوِّي بها عَلَى طَاعَتِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ والاستِعَانَةِ عَلَى ذِكرِهِ ، وَهَذَا هُوَ مُنتَهَى الشُّكرِ وَغَايَتُهُ وَأَكمَلُهُ ، وَالَّذِي لا يُوَفَّقُ إِلَيهِ إِلاَّ القَلِيلُ مِن عِبَادِ اللهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ " وَفي وَصفِ هَذِهِ الأَيَّامِ بِأَنَّهَا أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِشَارَةٌ إِلى أَنَّهُ لا بَرَكَةَ في أَكلٍ وَشُربٍ يُنسِي ذِكرَ اللهِ ، وَلا فَرَحَ حَقِيقِيًّا إِلاَّ بِطَاعَةِ اللهِ ، فَمَعَ أَنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ أَيَّامُ عِيدٍ وَأَكلٍ وَشُربٍ ، وَمَعَ أَنَّهُ قَد أُذِنَ فِيهَا بِشَيءٍ مِنَ اللَّهوِ المُبَاحِ وَاللَّعِبِ البَرِيءِ ، إِلاَّ أَنَّ الفَرَحَ الحَقِيقِيَّ وَالسُّرُورَ الكَامِلَ وَالأُنسَ التَّامَّ ، لا يَكُونُ إِلاَّ بِطَاعَةِ اللهِ وَكَثرَةِ ذِكرِهِ وَدَوَامِ شُكرِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " وَنِعَمُ اللهِ إِذَا شُكِرَت قَرَّت وَزَادَت ، وَإِن كُفِرَت فَرَّت وَزَالَت ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنْ تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنكُم وَلَا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِنْ تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ . وَلَقَد جَاءَهُم رَسُولٌ مِنهُم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وَهُم ظَالمُونَ . فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشكُرُوا نِعمَةَ اللهِ إِنْ كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ في هَذِهِ الأَيَّامِ العَظِيمَةِ مِن ذِكرِ اللهِ ـ تَعَالى ـ أَنوَاعًا مُتَعَدِّدَةً وَأَلوَانًا مُختِلَفَةً ، مِن ذَلِكَ ذِكرُهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَاتِ بِالتَّكبِيرِ في أَدبَارِهَا وَبَعدَ الفَرَاغِ مِنهَا ، وَهُوَ مَشرُوعٌ إِلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشرِيقِ عِندَ جُمهُورِ العُلَمَاءِ . وَمِنهُ ذِكرُهُ ـ جَلَّ اسمُهُ ـ بِالتَّسمِيَةِ وَالتَّكبِيرِ عِندَ ذَبح ِالنُّسُكِ مِن هَديٍ وَأَضَاحِيَ ، وَوَقتُ هَذِهِ الذَّبَائِحِ يَمتَدُّ كَذَلِكَ إِلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَبَشِّرِ المُحسِنِينَ " وَمِن ذِكرِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ في أَيَّامِ التَّشرِيقِ ذِكرُهُ عَلَى الأَكلِ وَالشُّربِ بِتَسمِيَتِهِ في أَوَّلِهِ ، وَحَمدِهِ في آخِرِهِ ، وَفي الحَدِيثِ عَنهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَ ـ يَرضَى عَنِ العَبدِ أَن يَأكُلَ الأَكلَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيهَا ، وَيَشرَبَ الشَّربَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيهَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمَتَى اجتَمَعَ النَّاسُ عَلَى طَعَامِهِم وَذَكَرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهِ ، كَانَ هَذَا مِن دَوَاعِي تَكثِيرِ الخَيرِ وَأَسبَابِ البَرَكَةِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اِجتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُم وَاذكُرُوا اسمَ اللهِ ـ تَعَالى ـ عَلَيهِ يُبَارَكْ لَكُم فِيهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَمِن ذِكرِ اللهِ ـ تَعَالى ـ في أَيَّامِ التَّشرِيقِ ذِكرُهُ بِالتَّكبِيرِ عِندَ رَميِ الجِمَارِ ، وَهَذَا يُختَصُّ بِهِ الحُجَّاجُ . وَمِنهُ ذِكرُهُ ـ تَعَالى ـ المُطلَقُ ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَإِذَا قَضَيتُم مَنَاسِكَكُم فَاذكُرُوا اللهَ كَذِكرِكُم آبَاءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرًا فَمَنِ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنا آتِنَا في الدُّنيَا وَمَالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ وَمِنهُم مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الدِّينُ أَمرٌ وَنَهيٌ وَإِبَاحَةٌ وَمَنعٌ ، وَالمُسلِمُ مُتَعَبَّدٌ للهِ بِفِعلِ المَأمُورِ بِهِ وَالحِرصِ عَلَى المَسنُونِ ، كَمَا هُوَ مُتَعَبَّدٌ لَهُ بِتَركِ المَنهِيِّ عَنهُ وَاجتِنَابِ المَكرُوهِ ، وَمَتى فَعَلَ العَبدُ ذَلِكَ طَاعَةً للهِ وَامتِثَالاً ، وَتَأسِيًا بِنَبِيِّهِ الكَرِيمِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَقَّقَ العُبُودِيَّةَ الكَامِلَةَ ، وَعَظُمَ أَجرُهُ وَحَسُنَ ثَوَابُهُ ، وَقَد نَهَى النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَن صِيَامِ أَيَّامِ التَّشرِيقِ فَقَالَ : " لا تَصُومُوا هَذِهِ الأَيَّامَ ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللهَ ذِكرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكُم وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤمِنِينَ رَحِيمًا . تَحِيَّتُهُم يَومَ يَلقَونَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُم أَجرًا كَرِيمًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَامتَثِلُوا أَمرَهُ وَاجتَنِبُوا نَهيَهُ وَاذكُرُوهُ وَاشكُرُوهُ ، وَاحذَرُوا أَسبَابَ سَخَطِهِ وَلا تَكفُرُوهُ .
عِبَادَ اللهِ ، إِنَّمَا سُمِّيَت أَيَّامُ التَّشرِيقِ بِهَذَا الاسمِ ، لأَنَّهُم كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الأَضَاحِي ، أَي يُقَدِّدُونَهُ وَيُمَلِّحُونَهُ وَيُيَبِّسُونَهُ ، لِيَأكُلُوهُ فِيمَا بَعدُ وَيَتَمَتَّعُوا به ، وَقَد كَانَ هَذَا إِذْ لا أَجهِزَةَ تَبرِيدٍ تَحفَظُ اللُّحُومَ ، وَحِينَ كَانُوا لا يَأكُلُونَ اللَّحمَ غَالِبًا إِلاَّ في الأَضَاحِي ، وَأَمَّا اليَومَ فَقَد وَسَّعَ اللهُ عَلَى النَّاسِ بِهَذِهِ الثَّلاَّجَاتِ ، الَّتي يَحفَظُونَ فِيهَا مَا يَخَافُونَ فَسَادَهُ المُدَدَ الطَّوِيلَةَ ، حَتى إِنَّ أَحَدَهُم لَيَأكُلُ مِن لُحُومِ الأَضَاحِي الشَّهرَينِ وَالثَّلاثَةَ وَأَكثَرَ مِن ذَلِكَ ، وَمَعَ هَذَا ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ فَإِنَّ المُسلِمَ الوَاعِيَ ، المُقَدِّرَ لِلنِّعمَةِ حَقَّ قَدرِهَا ، لا يَنظُرُ إِلى مَا ذَبَحَ أَو أُهدِيَ إِلَيهِ في هَذِهِ الأَيَّامِ مَعَ وُجُودِ مَا يَحفَظُهُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَسبٌ وَحِمَايَةٌ لِمَالِهِ لِئَلاَّ يُنفَقَ فِيمَا بَعدُ في شِرَاءِ اللَّحمِ ، وَلَكِنَّهُ يَنظُرُ إِلى مَا هُوَ أَبعَدُ مِن ذَلِكَ ، إِذْ يَعلَمُ أَنَّ ثَمَّةَ مَن هُم أَحوَجُ مِنهُ إِلى هَذِهِ اللُّحُومِ ، وَمِن ثَمَّ يَحرِصُ عَلَى إِطعَامِ إِخوَانِهِ وَلا سِيَّمَا الفُقَرَاءُ وَالمَسَاكِينُ ، سَوَاءٌ دَاخِلَ البِلادِ أَو خَارِجَهَا ، فَاحرِصُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّ في بِلادِ المُسلِمِينَ مَن قَد يَمُرُّ بِهِمُ الشَّهرُ وَالشَّهرَانِ وَأَكثَرُ مِن ذَلِكَ ، لا يَدخُلُ بُيُوتَهُم لَحمٌ وَلا يَذُوقُونَهُ ، وَإِنَّ إِطعَامَ أَمثَالِ هَؤُلاءِ عَن طَرِيقِ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةِ وَجَمعِيَّاتِ البِرِّ الَّتي تَعتَني بِهِم ، إِنَّهُ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ وَالتَّمَتُّعِ بِنَعِيمِهَا المُقِيمِ ، فَكَيفَ إِذَا اجتَمَعَ إِفشَاءٌ للسَّلامِ ، وَصِلَةٌ لِلأَرحَامِ ، وَإِطعَامٌ لِلطَّعَامِ ، وَطَاعَةٌ وَذِكرٌ وَشُكرٌ ، فَمَا أَسعَدَهُ مِن عِيدٍ وَأَبرَكَهُ ! وَقَد وَصَفَ ـ سُبحَانَهُ ـ الأَبرَارَ أَنَّهُم " يُوفُونَ بِالنَّذرِ وَيَخَافُونَ يَومًا كَانَ شَرُّهُ مُستَطِيرًا . وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُم جَزَاءً وَلَا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَومًا عَبُوسًا قَمطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَومِ وَلَقَّاهُم نَضرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُم بما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفشُوا السَّلامَ ، وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
المشاهدات 4393 | التعليقات 5
خطبة متميزة جدا مختصرة ومناسبة للحدث
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بك
جزاك الله خيرا ونفعنا وإياكم وأنار الله بصيرتك
خطبة مركزة وفي وقتها
جزاك الله كل خير
عبدالله البصري
وهنا ملف الخطبة (وورد)
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/واذكروا%20الله%20في%20أيام%20معدودات.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/واذكروا%20الله%20في%20أيام%20معدودات.doc
تعديل التعليق