خطبة واجبنا نحو كبار السن كما جاء في تعميم الوزارة

محمد آل مداوي
1440/01/24 - 2018/10/04 18:02PM

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له.  وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه،  بلّغ الرسالة وأدّى الامانة ونصحَ الأمّةَ وجاهد في الله حق جهاده حتى اتاه اليقين. فصلواتُ اللهِ وسلامه ماتعاقب الليل والنهار إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾

عباد الله

إنّ من الأداب العظيمة والخصال الكريمة التي دعا اليها الشرع ورغب فيها الإحسان إلى كبار السن وإكرامهم ومعرفة سابقتهم وحقوقهم روى ابو داود في سننه من حديث

أَبي موسى الاشعري أن النبي   قال : إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ، وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ

وروى البخاري ومسلم من حديث سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا فِي حَوَائِجِهِمَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا،

فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ » وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَحْلِفُونَ بِخَمْسِينَ يَمِينًا مِنْكُمْ، وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نَشْهَدْ، وَلَمْ نَرَ؟ فَقَالَ: «أَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ

 قال القاضي عياض وفي الحديث مراعاة السن والتقديم للأشياخ والكبراء في الكلام، وفي الجماعة في محافل الناس وأمورهم، وكذلك يجب في التقديم في الأمور والولايات وغيرها مع استواء الأحوال

 

وروى البخاري ومسلم من حديث ابن ابنِ عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: «أَرَانِي في المنامِ أتسوَّكُ بسِواكٍ، فجاءني رجلان أحدهما أكبرُ منَ الآخرِ فجَذَبَني، فنَاوَلتُ السِّواكَ الأصغرَ منهما، فقيلَ لي: كبِّرْ، فدفعتُهُ إلى الأكبرِ». 

قال ابن بطال وفيه تقديم ذي السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام

أيها المسلمون : لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على احترام الكبير وتوقيره فروى ابو داوود في سننه من حديث عمروا ابن شعيب عن ابيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا

 وفي فتح مكة لما جاء ابو بكر بوالده قحافة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شيخاً كبيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه  رواه احمد

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البركة في الأكابر فروى ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال البركة مع أكابرهم

أيها المسلمون : مما لاشك فيه أن الكبير بحاجة إلى عناية ومساعدةً في كبره قال تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً  يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ  وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ

وعمل الأنبياء والصحابة ومن بعدهم على ذالك قال تعالى عن نبي الله موسى عليه السلام وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ

 

روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةً، وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ، فَادْعُهُ لِي، قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا، فَقَالَ: «خَبَأْنَا هَذَا لَكَ»، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «رَضِيَ مَخْرَمَةُ»

ومخرمة والد المسور وكان كبيراً في السن قال ابن بطال وفيه استئلاف أهل السن ومن في معناهم بالعطية والكلام الطيب

 

وكان عمر رضي الله عنه يتعاهد الأرامل بسقي الماء لهن ليلاً ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأه فدخل عليها طلحة نهارا فإذا عجوزٌ عمياء مقعدة فسألها مايصنع هذا الرجل عندك قالت : إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ، ويخرج عني الأذى 

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا. وبعد: 

 

أيها المسلمون : ويعظم الأمر ويستند إذا كان كبير السن والداً او والدة فالحق هنا أعظم قال تعالى وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا 

 

وفي الصحيحين من حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال : أحي والداك ؟ قال نعم قال ففيهما فجاهد وفي رواية لأبي داوود قال جئت أبايعك على الهجرة وتركت ابويّ يبكيان فقال ارجع عليهما فأضحكهما كما أبكيتهما

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخسارة من أدرك والديه عند الكبر فلم يدخلاه الجنة روى مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رغِم أَنف ثم رغِم أَنف ثم رغِم أَنف مَنْ أَدرْكَ أَبَويْهِ عِنْدَ الْكِبرِ أَحدُهُمَا أَوْ كِلاهُما فَلمْ يدْخلِ الجَنَّةَ

 

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وبر الوالدين يكون ببذل المعروف والإحسان إليهما بالقول والفعل والمال أما الإحسان بالقول فأن تخاطبهما باللين واللطف مستصحبًا كل لفظ طيب يدل على اللين والتكريم وأما الإحسان بالفعل فأن تخدمهما ببدنك ما استطعت من قضاء الحوائج والمساعدة على شؤونهما وتيسير أمورهما وطاعتهما في غير ما يضرك في دينك أو دنياك وأما الإحسان بالمال فأن تبذل لهما من مالك كل ما يحتاجان إليه طيبة به نفسك منشرحًا به صدرك غير متبع له بمنة ولا أذى بل تبذله وأنت ترى أن المنة لهما في ذلك في قبوله والانتفاع به.

أيها المسلمون ومن فوائد بر الوالدين أن من بر والديه رزقه الله اولاداً بررة والجزاء من جنس العمل الى غير ذالك من الفضائل الأخرى الكثيرة من سعة الرزق والتوفيق وغير ذالك

ثم اعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه، فقال قولا كريما: : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).  

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشدِين المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بكرمِك يا أكرمَ الأكرمين.

 اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، وانصُر عبادَك الموحدين، واجعَل اللهم هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلادِ المسلمين.

اللهم آمنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا.

اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا بتوفيقك، وأيِّده بتأييدك، وأعزَّ به دينَك، اللهم وفِّقه وولي عهده لما فيه خيرٌ للإسلام والمسلمين، ولما فيه صلاحُ العبادِ والبلاد يا رب العالمين.

 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وأوله وآخره، ونسألك الدرجات العلا من الجنة يا رب العالمين، الله إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى

 (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكُرُوا اللهَ يذكُركُم، واشكُرُه على نعمِه يزِدكُم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعُون.

المرفقات

25-1-1440هـ

25-1-1440هـ

المشاهدات 1580 | التعليقات 0