خطبة : ( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين )

عبدالله البصري
1437/04/26 - 2016/02/05 07:07AM
وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين 26 / 4 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الصَّلاةُ هِيَ عَمُودُ الدِّينِ وَأَعظَمُ أَركَانِهِ العَمَلِيَّةِ ، وَهِيَ الفَارِقَةُ بَينَ الإِسلامِ وَالكُفرِ وَالإِيمَانِ وَالنِّفَاقِ ، بِصَلاحِهَا تَصلُحُ سَائِرُ أَعمَالِ العَبدِ وَيُفلِحُ وَيُنجِحُ ، وَبِفَسَادِهَا تَفسُدُ أَعمَالُهُ وَيَخِيبُ وَيَخسَرُ ، وَهَذِهِ العِبَادَةُ العَظِيمَةُ الَّتي هَذَا شَأنُهَا ، لَهَا رُوحٌ لا تَحيَا إِلاَّ بِهِا ، وَلُبٌّ هُوَ أَصلُ الانتِفَاعِ بها ، بِهِ يَتَفَاوَتُ النَّاسُ في حُصُولِ ثَمَرَتِهَا ، وَبِسَبَبِهِ يَخرُجُونَ مِنها مُتَغَايِرِينَ في تَحصِيلِ أَجرِهَا ، ذَلِكُم هُوَ الخُشُوعُ فِيهَا وَالطُّمَأنِينَةُ في أَركَانِهَا ، وَالسُّكُونُ في رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا ، وَالتُّؤَدَةُ في قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا ، أَجَلْ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ شَأنَ الخُشُوعِ في الصَّلاةِ عَظِيمٌ جِدُّ عَظِيمٍ ، وَخَطَرَ ذَهَابِهِ جَسِيمٌ جِدُّ جَسِيمٍ ، وَلِذَا أُمِرَ بِهِ المُؤمِنُونَ ، وَجُعِلَ عُنوَانَ فَلاحِهِم في دُنيَاهُم وَأُخرَاهُم ، وَسَبَبًا لِنَيلِهِمُ الأَجرَ العَظِيمَ وَتَكفِيرِ سَيِّئَاتِهِم ، وَحُذِّرُوا مِنَ التَّهَاوُنِ بِهِ وَالتَّسَاهُلِ في شَأنِهِ ، وَأُخبِرُوا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُرفَعُ مِنهُم مِنَ الخَيرِ الَّذِي فِيهِم ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ " وَقَالَ – تَعَالى - :" قَد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ . الَّذِينَ هُم في صَلاتِهِم خَاشِعُونَ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " إِنَّ المُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُم وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظِيمًا "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " خَمسُ صَلَوَاتٍ افتَرَضَهُنَّ اللهُ - تَعَالى - ، مَن أَحسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقتِهِنَّ ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ ، كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ أَن يَغفِرَ لَهُ ، وَمَن لم يَفعَلْ فَلَيسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ ، إِن شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِن شَاءَ عَذَّبَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَا مِن مُسلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحسِنُ وُضُوءَهُ ، ثم يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكعَتَينِ يُقبِلُ عَلَيهِمَا بِقَلبِهِ وَوَجهِهِ ، إِلاَّ وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَعِندَهُ أَيضًا : " مَا مِنِ امرِئٍ مُسلِمٍ تَحضُرُهُ صَلاةٌ مَكتُوبَةٌ ، فَيُحسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا ، إِلاَّ كَانَت كَفَّارَةً لِمَا قَبلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لم تُؤتَ كَبِيرَةٌ ، وَذَلِكَ الدَّهرَ كُلَّهُ "
وَعَن أَبي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : قَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَسوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسرِقُ مِن صَلاتِهِ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيفَ يَسرِقُ مِن صَلاتِهِ ؟! قَالَ : " لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلا سُجُودَهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَعَن أَبي عَبدِاللهِ الأَشعَرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلاً لا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَيَنقُرُ في سُجُودِهِ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَو مَاتَ هَذَا عَلَى حَالِهِ هَذِهِ مَاتَ عَلَى غَيرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَثَلُ الَّذِي لا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَيَنقُرُ في سُجُودِهِ مَثَلُ الجَائِعِ يَأكُلُ التَّمرَةَ وَالتَّمرَتَينِ ، لا تُغنِيَانِ عَنهُ شَيئًا " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَوَّلُ شَيءٍ يُرفَعُ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ الخُشُوعُ ، حَتَّى لا تَرَى فِيهَا خَاشِعًا " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ ، وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَمَحَلُّ الخُشُوعِ وَمَكَانُهُ القَلبُ الَّذِي في الصَّدرِ ، غَيرَ أَنَّ ثَمرَتَهُ وَعَلامَتَهُ تَظهَرُ عَلَى الجَوَارِحِ ، وَالخَاشِعُ – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - عَبدٌ أَوَّابٌ مُنِيبٌ ، ذُو قَلبٍ مُخبِتٍ مُطمَئِنٍّ ، قَد أَشرَقَ في صَدرِهِ نُورُ التَّعظِيمِ لِخَالِقِهِ الَّذِي قَامَ بَينَ يَدَيهِ ، وَاستَشعَرَ بِمَوقِفِهِ في صَلاتِهِ وُقُوفَهُ لِلحِسَابِ يَومَ حَشرِهِ ، فَخَمَدَت بِذَلِكَ نِيرَانُ شَهَوَاتِهِ ، وَسَكَنَت نَفسُهُ وَهَدَأَت جَوَارِحُهُ ، وَخَشَعَ بَينَ يَدَي رَبِّهِ إِجلالاً لَهُ وَتَعظِيمًا ، وَذِلاًّ لَهُ وَانكِسَارًا ، بِخِلافِ القَلبِ المُتَكَبِّرِ المُختَالِ ، أَوِ المُتَعَلِّقِ بِالدُّنيَا وَالمَائِلِ إِلَيهَا ، فَإِنَّهُ في الصَّلاةِ كَالطَّائِرِ في القَفصِ ، يُحَاوِلُ الفِرَارَ مِنهَا بِأَسرَعِ مَا يُمكِنُهُ ، فَتَرَاهُ يَنقُرُهَا نَقرَ الغُرَابِ ، وَيَلتَفِتُ فِيهَا التِفَاتَ الثَّعلَبِ ، وَلا يَكَادُ يَعقِلُ مِنهَا شَيئًا ، نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ الخُشُوعَ في الصَّلاةِ إِنَّمَا يَحصُلُ لِمَن فَرَّغَ قَلبَهُ لَهَا ، وَاشتَغَلَ بها عَمَّا عَدَاهَا ، وَآثَرَهَا عَلَى غَيرِهَا ، وَهَذَا تَكُونُ الصَّلاةُ رَاحَةً لَهُ وَقُرَّةَ عَينٍ ، كَمَا قَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " وَجُعِلَت قُرَّةُ عَينِي في الصَّلاةِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَأَمَّا مَن تَرَكَ قَلبَهُ يَسرَحُ في مُشتَهَيَاتِ دُنيَاهُ ، وَأَطلَقَ لَهُ النَّظَرَ في زَخَارِفِهَا وَلَم يُصَبِّرْهُ عَنهَا ، فَيَا لَثِقَلِ الصَّلاةِ عَلَيهِ وَيَا لَطُولِهَا ! قَالَ – تَعَالى - : " وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ " وَمِن ثَمَّ كَانَ مِنَ الوَاجِبِ عَلَى المُسلِمِ الَّذِي يَرجُو الانتِفَاعَ بِصَلاتِهِ ، وَأَن تَكُونَ نَاهِيَةً لَهُ عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ ، مَقبُولَةً عِندَ رَبِّهِ ثَقِيلَةً في مِيزَانِهِ ، أَن يَبحَثَ في أَسبَابِ الخُشُوعِ فِيهَا ، وَأَن يَحرِصَ عَلى جَلبِ مَا يُوجِدُ ذَلِكَ الخُشُوعَ في قَلبِهِ وَيُقَوِّيهِ ، وَأَن يُدَافِعَ كُلَّ مَا يُذهِبُهُ وَيُضعِفُهُ ، وَأَعظَمُ ذَلِكَ وَأَصلُهُ وَأَسَاسُهُ أَن يَستَحضِرَ أَنَّهُ في صَلاتِهِ وَاقِفٌ بَينَ يَدَيِ اللهِ – تَعَالى - مُنَاجٍ لَهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ ، فَكَيفَ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ العَبدُ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ ، الوَاقِفُ بَينَ يَدَي مَلِكِ المُلُوكِ - سُبحَانَهُ - أَن يَشغَلَ قَلبَهُ عَنهُ ، أَو يَصرِفَهُ بِالتَّفَكُّرِ فِيمَا لا يَعنِيهِ وَلا يُنجِيهِ ، أَو يُعَلِّقَهُ عَنِ التَّلَذُّذِ بِأَعظَمِ العِبَادَاتِ وَأَفضَلِ القُرُبَاتِ وَأَقوَى الصِّلاتِ ، بِجَوَاذِبَ وَشَوَاغِلَ وَصَوَارِفَ ، لَيسَت في حَقِيقَتِهَا إِلاَّ مَتَاعَ دُنيَا لا تُسَاوِي عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، وَسَوفَ تَزُولُ عَنهُ أَو يَزُولُ عَنهَا يَومًا مَا ، ثم يَصِيرُ إِلى رَبِّهِ وَيُرَدُّ إِلى مَولاهُ الحَقِّ ، فَلا يَجِدُ أَوَّلَ مَا يَجِدُ أَمَامَهُ إِلاَّ صَلاتَهُ ، الَّتي عَلَيهَا مَدَارُ بَقِيَّةِ أَعمَالِهِ قَبُولاً وَرَدًّا وَصَلاحًا وَفَسَادًا ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ مِن عَمَلِهِ صَلاتُهُ ، فَإِن صَلَحَت فَقَد أَفلَحَ وَأَنجَحَ ، وَإِن فَسَدَت فَقَد خَابَ وَخَسِرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَمِن أَسبَابِ الخُشُوعِ في الصَّلاةِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - الاستِعدَادُ المُبَكِّرُ لَهَا ، وَالتَّهَيُّؤُ التَّامُّ لأَدَائِهَا ، بِالتَّردِيدِ مَعَ المُؤَذِّنِ ، وَالإِتيَانِ بِالدُّعَاءِ المَشرُوعِ بَعدَ الأَذَانِ ، وَالحِرصِ عَلَى الدُّعَاءِ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ ، مَعَ إِحسَانِ الوُضُوءِ قَبلَ ذَلِكَ ، وَالاعتِنَاءِ بِالسِّوَاكِ وَتَنظِيفِ الفَمِ وَتَطيِيبِ البَدَنِ ، وَأَخذِ الزِّينَةِ بِاللِّبَاسِ الحَسَنِ النَّظِيفِ ، قَالَ - تَعَالى - : " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ "
وَمِن أَسبَابِ الخُشُوعِ في الصَّلاةِ ، اجتِهَادُ العَبدِ في أَن يَعقِلَ مَا يَقُولُهُ في صَلاتِهِ وَمَا يَفعَلُهُ ، وَأَن يَتَدَبَّرَ مَا فِيهَا مِن القِرَاءَةِ وَالذِّكرِ وَالدُّعَاءِ ، مَعَ تَذَكُّرِ المَوتِ وَانقِطَاعِ العَمَلِ ، وَأَنَّ ثَمَّةَ صَلاةً سَوفَ يُصَلِّيهَا العَبدُ في يَومٍ مَا ، ثم تُقبَضُ رُوحُهُ بَعدَهَا وَيُحَالُ بَينَهُ وَبَينَ الصَّلاةِ مَرَّةً أُخرَى ، فَمَن يُصَلِّي عَنهُ حِينَئِذٍ ؟! وَمَن ذَا الَّذِي يَستَطِيعُ أَن يُمَكِّنَهُ مِن رَكعَةٍ للهِ أَو سَجدَةٍ ؟! وَلِذَا كَانَت هَذِهِ هِيَ وَصِيَّةَ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – لِرَجُلٍ جَاءَهُ وَقَالَ : عِظْنِي وَأَوجِزْ . فَقَالَ : " إِذَا قُمتَ في صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ ... " الحَدِيثَ أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَاخشَعُوا في صَلاتِكُم ؛ فَإِنَّما لَكُم مِن أَجرِهَا بِحَسَبِ خُشُوعِكُم وَحُضُورِ قُلُوبِكُم فِيهَا ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ العَبدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكتَبُ لَهُ مِنهَا إِلاَّ عُشرُهَا ، تُسعُهَا ، ثُمُنُهَا ، سُبُعُهَا ، سُدُسُهَا ، خُمُسُهَا ، رُبُعُهَا ، ثُلُثُهَا ، نِصفُهَا " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ شَيءٌ أَعظَمَ مِنَ الصَّلاةِ وَلا أَهَمَّ مِنهَا ، وَمِن ثَمَّ كَانَ حَالُ المُسلِمِ الصَّادِقِ هُوَ الاستِغرَاقَ فِيهَا وَالاشتِغَالَ بها عَمَّا سِوَاهَا ، وَالخُشُوعَ وَالخُضُوعَ وَالطُّمَأنِينَةَ ، وَنِسيَانَ مَا عَدَا ذَلِكَ ، وَقَد قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " إِنَّ في الصَّلاةِ شُغُلاً "
وَمَن تَيَقَّنَ أَنَّهُ في صَلاتِهِ مُقبِلٌ عَلَى رَبِّهِ ، فَكَيفَ يَرضَى بِالتِفَاتِ قَلبِهِ عَنهُ وَغَفلَتِهِ في دُنيَاهُ وَاشتِغَالِهِ بِحُطَامِهَا الفَاني ؟! أَلا يَعلَمُ أَنَّهُ بِذَلِكَ إِنَّمَا يَستَسلِمُ لِعَدُوِّهِ لِيَسرِقَ مِنهُ ؟! فَعَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت : سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الالتِفَاتِ في الصَّلاةِ فَقَالَ : " هُوَ اختِلاسٌ يَختَلِسُهُ الشَّيطَانُ مِن صَلاةِ العَبدِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
إِنَّ أَمرَ الخُشُوعِ كَبِيرٌ وَشَأنَهُ خَطِيرٌ ، وَلا يَتَأَتَّى إِلاَّ لِمَن وَفَّقَهُ اللهُ ، وَإِنَّ حِرمَانَهُ لَمُصِيبَةٌ كَبِيرَةٌ وَخَطبٌ جَلَلٌ ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِن دُعَائِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – كما في صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ ، وَمِن قَلبٍ لا يَخشَعُ ... " فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَسَلُوهُ أَن يَرزُقَكُم الخُشُوعَ في صَلاتِكُم لِتُفلِحُوا ، وَأَن يَجعَلَ لَكُم فِيهَا قُرَّةَ عَينٍ ، فَإِنَّ مَن قَرَّت عَينُهُ بِصَلاتِهِ في الدُّنيَا ، قَرَّت عَينُهُ بِقُربِهِ مِن رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - في الآخِرَةِ ، وَقَرَّت عَينُهُ أَيضًا بِهِ في الدُّنيَا ، وَمَن قَرَّت عَينُهُ بِاللهِ قَرَّت بِهِ كُلُّ عَينٍ ، وَمَن لم تَقَرَّ عَينُهُ بِاللهِ - تَعَالى - تَقَطَّعَت نَفسُهُ عَلَى الدُّنيَا حَسَرَاتٍ .
المرفقات

وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين.doc

وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين.doc

وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين.pdf

وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين.pdf

المشاهدات 1969 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا