خطبة : ( وأعوذ بك من العجز والكسل )

عبدالله البصري
1437/12/21 - 2016/09/22 16:39PM
وأعوذ بك من العجز والكسل 21 / 12 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ثَمَّةَ صِفَتَانِ غَيرُ حَمِيدَتَينِ ، بَل مَرَضَانِ خَطِيرَانِ وَدَاءَانِ فَتَّاكَانِ ، انتَشَرَا مُؤَخَّرًا في مُجتَمَعِنَا وَاستَشرَيَا في أُمَّتِنَا ، وَبُلِي بِهِمَا كَثِيرُونَ مِنَّا كِبَارًا وَصِغَارًا وَآبَاءً وَأَبنَاءً ، وَأُصِيبَ بِهِمَا فِئَامٌ مِمَّنَ حَولَنَا قَادَةً وَمَقُودِينَ وَرُؤَسَاءَ وَمَرؤُوسِينَ ، هُمَا مِن أُصُولِ الشُّرُورِ وَمَفَاتِيحِ البَلايَا ، وَمِنهُمَا تَنبَعِثُ كَثِيرٌ مِنَ المَصَائِبِ وَالرَّزَايَا ، تَعَوَّذَ مِنهُمَا نَبِيُّنَا – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – ، وَحَذَّرَ مِنهُمَا وَأَمَرَ بِضِدِّهِمَا وَحَثَّ عَلَيهِ .
وَإِذَا أَرَدتُم أَن تَعرِفُوا هَاتَينِ الصِّفَتَينِ وَتَستَجلُوا ذَينِكُمُ الدَّاءَينِ ، فَانظُرُوا إِلى النَّاسِ عِندَ إِقبَالِ كُلِّ إِجَازَةٍ وَبَعدَ رَحِيلِهَا ، لِتَرَوا كَم يَفرَحُونَ بِقُدُومِهَا وَيُسَرُّونَ ، وَكَم يَسُوؤُهُم رَحِيلُهَا وَيَثقُلُ عَلَيهِم وَدَاعُهَا !! ثُمَّ كَم مِنَ الوَقتِ يَحتَاجُونَهُ بَعدَهَا لِيُصَدِّقُوا أَنَّهُم بَدَؤُوا مَرحَلَةَ عَمَلٍ وَجِدٍّ وَإِنتَاجٍ ، وَخَاصَّةً في المُؤَسَّسَاتِ التَّعلِيمِيَّةِ وَالتَّربَوِيَّةِ ، وَالَّتي كَانَت هِيَ المَشَافِيَ الَّتي يُعَالَجُ في أَروِقَتِهَا كَثِيرٌ مِنَ الأَمرَاضِ ، فَأَصبَحَت تُعَانِي مِن هَذَينِ الدَّاءَينِ ، بَل وَتَشَبَّعَت بِهِمَا أَجسَادُ كَثِيرِينَ مِن أَهلِهَا ، وَسَكَنَا قُلُوبَهُم وَخَالَطَا دِمَاءَهُم !! أَخرَجَ مُسلِمٌ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ زَيدِ بنِ أَرقَمَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ ، وَالجُبنِ وَالبُخلِ ، وَالهَرَمِ وَعَذَابِ القَبرِ ، اللَّهُمَّ آتِ نَفسِي تَقوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنتَ خَيرُ مَن زَكَّاهَا ، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَولاهَا ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ ، وَمِن قَلبٍ لا يَخشَعُ ، وَمِن نَفسٍ لا تَشبَعُ ، وَمِن دَعوَةٍ لا يُستَجَابُ لَهَا "
لَقَدِ استَعَاذَ نَبِيُّنَا – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – في هَذَا الحَدِيثِ مِن عِدَّةِ صِفَاتٍ غَيرِ حَمِيدَةٍ ، غَيرَ أَنَّهُ بَدَأَ بِصِفَتَينِ مَقِيتَتَينِ ، فِيهِمَا جِمَاعٌ لأَبوَابٍ كَثِيرَةٍ مِن أَبوَابِ الشَّرِّ وَالبَلاءِ ، تَانِكُم هُمَا العَجزُ وَالكَسَلُ ؛ وَمَا ذَاكَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِلاَّ لأَنَّهُمَا لا تَتَمَكَّنَانِ مِن مُجتَمَعٍ إِلاَّ وَضُيِّعَت فِيهِ وَاجِبَاتٌ وَفُعِلَتِ مُحَرَّمَاتٌ ، وَنُسِيَتِ حُقُوقُ أُنَاسٍ وَظُلِمُوا وَهُضِمُوا .
وَإِذَا كَانَ العَجزُ هُوَ عَدَمُ قُدرَةِ المَرءِ عَلَى فِعلِ الشَّيءِ لأَنَّهُ قَد لا يَملِكُ أَدَوَاتِهِ ، وَمِن ثَمَّ فَالأَصلُ أَلاَّ يُلامَ عَلَيهِ وَلا يُذَمَّ ، فَإِنَّ الكَسَلَ هُوَ تَركُ الشَّيءِ مَعَ القُدرَةِ عَلَى الأَخذِ بِهِ ، وَهُوَ الَّذِي يَستَحِقُّ صَاحِبُهُ اللَّومَ وَالذَّمَّ ؛ حَيثُ تَرَكَ بِرَغبَتِهِ مَا يُدرِكُ بِهِ الخَيرَ وَيَنَالُ به المَكَارِمَ ، وَيَحظَى فِيهِ بِالأَجرِ وَالثَّوَابِ وَمَحَبَّةِ الخَالِقِ – عَزَّ وَجَلَّ – لَهُ وَإِعَانَتِهِ إِيَّاهُ عَلَيهِ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفي كُلٍّ خَيرٌ ، اِحرِصْ عَلَى مَا يَنفَعُكَ وَاستَعِنْ بِاللهِ وَلا تَعجِزْ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
لَقَد تَعَدَّدَت فِينَا صُوَرُ العَجزِ وَالكَسَلِ حَتَّى بَلَغَت بِبَعضِنَا إِلى تَركِ فَرَائِضَ وَاجِبَةٍ ، وَالوُقُوعِ في كَبَائِرَ مُوبِقَةٍ ، وَالتَّهَاوُنِ بِحُقُوقٍ لِلنَّاسِ لازِمَةٍ ، فَهَذَا التَّسَاهُلُ بِأَدَاءِ حُقُوقِ الوَالِدَينِ مِن قِبَلِ الأَبنَاءِ ، وَقَضَاءُ السَّاعَاتِ الطِّوَالِ في تَقلِيبِ عَشَرَاتِ المَوَاقِعِ في الشَّبَكَاتِ لِتَتَبُّعِ الأَخبَارِ وَأَحوَالِ الآخَرِينَ ، مَعَ هِجرَانِ كِتَابِ اللهِ وَدِرَاسَةِ السُّنَّةِ وَكُتُبِ العِلمِ المُفِيدَةِ ، وَنُزُوعُ النُّفُوسِ إِلى رِحلاتِ الصَّيدِ وَالنُّزهَةِ وَأَسفَارِ السِّيَاحَةِ وَمَجَالِسِ القِيلِ وَالقَالِ وَالسَّهَرَاتِ في الاستِرَاحَاتِ ، مَعَ عُزُوفِهَا في المُقَابِلِ عَنِ المُشَارَكَةِ في الأَعمَالِ الدَّعَوِيَّةِ وَبَذلِ النُّفُوسِ وَالأَوقَاتِ في مُتَابَعَةِ المَشرُوعَاتِ الخَيرِيَّةِ ، وَزُهدِهَا في الجُلُوسِ لِتَعَلُّمِ كِتَابِ اللهِ وَتَعلِيمِهِ وَحُضُورِ مَجَالِسِ الذِّكرِ وَحَلَقَاتِهِ ، وَتَفرِيطُ كَثِيرِينَ في الحُضُورِ المُبَكِّرِ لاستِمَاعِ الذِّكرِ في خُطَبِ الجُمُعَةِ ، وَالتَّثَاقُلُ في الحُضُورِ لِصَلاةِ الجَمَاعَةِ ، نَاهِيكُم عَنِ التَّسَاهُلِ في فِعلِ النَّوَافِلِ المَندُوبَاتِ وَالرَّغبَةِ عَنِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَالقُرُبَاتِ ، وَالانشِغَالُ في أَغلَبِ الأَوقَاتِ عَن ذِكرِ اللهِ مَعَ سُهُولَتِهِ وَتَيَسُّرِهِ عَلَى اللِّسَانِ ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَهُوَ مِن نَتَائِجِ الكَسَلِ أَوِ العَجزِ الَّذِي بُلِيَ بِهِمَا المُجتَمَعُ ، وَنَجَحَ الشَّيطَانُ في الاستَيلاءِ بِهِمَا عَلَى القُلُوبِ ، فَكَسِلَتِ الجَوَارِحُ وَضَعُفَتِ الأَجسَادُ ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – حَيثُ قَالَ : " يَعقِدُ الشَّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أَحَدِكُم إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ ، يَضرِبُ عَلَى كُلِّ عُقدَةٍ عَلَيكَ لَيلٌ طَوِيلٌ فَارقُدْ ، فَإِنِ استَيقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انحَلَّت عُقدَةٌ ، فَإِن تَوَضَّأَ انحَلَّت عُقدَةٌ ، فَإِنْ صَلَّى انحَلَّت عُقَدُهُ كُلُّهَا ، فَأَصبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفسِ ، وَإِلاَّ أَصبَحَ خَبِيثَ النَّفسِ كَسلاَنَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَإِنَّهُ لَمِنَ الخَسَارَةِ أَن يَستَسلِمَ امرُؤٌ لِلكَسَلِ أَوِ العَجَزِ ، فَيَقعُدَ عَن طَلَبِ رِزقِه وَالسَّعيِ في مَنَاكِبِ الأَرضِ لِتَحصِيلِهِ ، وَأَشَدُّ مِن ذَلِكَ أَلاَّ يُبالِيَ بِأَخَذِهِ رَاتِبًا أَو أُجرَةً دُونَ إِتمَامِ عَمَلٍ وَلا إِتقَانِهِ ، في أَيَّامٍ وَشُهُورٍ يَقضِيهَا ذَاهِبًا إِلى مَقَرِّ عَمَلِهِ وَآيِبًا ، في تَضيِيعٍ لِلوَقتِ عَلَى جَوَّالِهِ ، أَو في الحَدِيثِ مَعَ مَن حَولَهُ ، أَو في الخُرُوجِ قَبلَ اكتِمَالِ وَقتِ عَمَلِهِ ، أَو في الغِيَابِ المُتَكَرِّرِ بِلا عُذرٍ ، مَعَ التَّحَايُلِ عَلَى مَن يُحَاسِبُهُ بِتَقَارِيرَ مُزَوَّرَةٍ ، تَجمَعُ لهُ مَعَ أَكلِ الحَرَامِ أَوِ المُشتَبِهِ ، تَسَاهُلَهُ بِالكَذِبِ المُحَرَّمِ ، وَمُخَادَعَتَهُ المَسؤُولَ عَنهُ بِالحِيَلِ ، وَخَيَانَتَهُ العُهُودَ وَعَدَمَ وَفَائِهِ بِالعُقُودِ .
وَيَا لَخَسَارَةِ المُجتَمَعِ وَالأُمَّةِ حِينَ يَكسَلُ فِتيَانُهَا وَشَبَابُهَا عَن طَاعَةِ رَبِّهِم ، وَيَتَرَاخَونَ عَن نَفعِ مَن يَحتَاجُ إِلَيهِم ، ثم لا يَنشَطُونَ مِمَّا هُم فِيهِ مِنَ فَرَاغٍ قَاتِلٍ ، إِلاَّ في الشَّوَارِعِ وَالأَسوَاقِ وَالمُجَمَّعَاتِ ، لِلاستِعرَاضِ بِالسَّيَّارَاتِ ، وَالتَّضيِيقِ عَلَى النَّاسِ في الطُّرُقَاتِ ، أَو إيذَاءِ النِّسَاءِ بِالمُعَاكَسَاتِ ، عِندَ المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ وَالكُلِّيَّاتِ .
إِنَّ الكَسَلَ آفَةٌ قَلبِيَّةٌ مُقعِدَةٌ ، وَعَائِقٌ نَفسِيٌّ شَدِيدٌ ، يُوهِنُ الهِمَّةَ وَيُضعِفُ العَزِيمَةَ ، وَيَقتُلُ الإِرَادَةَ وَيَقُودُ إِلى الفُتُورِ ، وَحِينَمَا تَقعُدُ النُّفُوسُ عَنِ الخَيرِ وَلا تَنبَعِثُ إِلى بَذلِهِ مَعَ قُدرَتِهَا عَلَيهِ ، فَإِنَّهَا بِذَلِكَ إِنَّمَا تُظهِرُ لِمَن حَولَهَا أَنَّهَا نُفُوسٌ ضَعِيفَةٌ دَنِيئَةٌ ، جَبَانَةٌ خَوَّارَةٌ ، رَاكِنَةٌ إِلى الرَّاحَةِ وَالدَّعَةِ وَالخُمُولِ ، زَاهِدَةٌ فِيمَا عِندَ اللهِ مِنَ المَثُوبَةِ وَمُضَاعَفِ الأُجُورِ ، فَاقِدَةٌ لِرُوحِ الشَّجَاعَةِ وَحَرَارَةِ الإِقدَامِ ، مُتَلَبِّسَةٌ بِثِيَابِ الفَشَلِ وَالإِحجَامِ ، وَأَصلُ ذَلِكَ وَسَبَبُهُ هُوَ عَدَمُ الرَّغبَةِ في ثَوَابٍ وَلا الرَّهبَةِ مِن عِقَابٍ ، وَهُوَ نَوعٌ مِن ضَعفِ اليَقِينِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِاللهِ ، وَخَلَلٌ في العُقُولِ وَعَمًى في البَصَائِرِ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ المُؤمِنَ المُصَدِّقَ بِمَا عِندَ اللهِ ، المُوقِنَ بِأَنَّ عَلَيهِ مِن رَبِّهِ حَسِيبًا وَرَقِيبًا ، لا يَستَبدِلُ الأَدنى بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ ، وَالنُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ الكَبِيرَةُ لا تَرضَى بِالدُّونِ وَلا الهُونِ ، وَلا تَستَسلِمُ لِلخُمُولِ وَالرَّاحَةِ ، بَل تَجهَدُ في طَلَبِ الأَمجَادِ وَتَتعَبُ في اكتِسَابِ المَكَارِمِ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَجِدُّوا وَجَاهِدُوا ، وَاحذَرُوا النُّفُوسَ ؛ فَإِنَّهَا مَيَّالَةٌ إِلى الكَسَلِ مُحِبَّةٌ لِلرَّاحَةِ ، وَذَاكَ مَدخَلٌ كَبِيرٌ لِلشَّيطَانِ لِلاستِيلاءِ عَلَيهَا بِوَسَاوِسِهِ ، فَيُضعِفَ إِيمَانَهَا وَيَقِينَهَا ، وَيَصُدَّهَا عَن عِبَادَةِ رَبِّهَا ، وَيُثَبِّطَهَا عَنِ التَّزَوُّدِ لِلِقَائِهِ بِصَالِحِ العَمَلِ ، وَمِن ثَمَّ يَجُرُّهَا مِنَ الفُتُورِ وَالكَسَلِ ، إِلى الشُّعُورِ بِالسَّآمَةِ وَالمَلَلِ ، ثم كَرَاهِيَةِ العَمَلِ حَتى الصَّالِحِ مِنهُ ، وَمِن ثَمَّ يَتَّصِفُ المَرءُ بِصِفَاتِ المُنَافِقِينَ ، الَّذِينَ قَالَ اللهُ - تَعَالى - فِيهِم : " إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إِلى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً "
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبنِ وَالبُخلِ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن غَلَبَةِ الدَّينِ وَقَهرِ الرِّجَالِ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لَعَجِيبٌ أَن يَستَولِيَ الكَسَلُ عَلَى نُفُوسٍ تَقرَأُ صَحِيحَ النُّصُوصِ وَصَرِيحَهَا ، وَتَعلَمُ مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلعَامِلِينَ الجَادِّينَ ، ثم تَقعُدُ وَلا تَحتَسِبُ خَطوَةً في طَاعَةٍ ، وَلا كَلِمَةَ خَيرٍ تُعَلِّمُ بها مَن يَحتَاجُهَا ، وَلا تَبذُلُ جُهدًا وَلا وَقتًا في خِدمَةِ عِبَادِ اللهِ أَو قَضَاءِ حَاجَاتِهِم ، أَو دَعوَتِهِم لِخَيرٍ أَو أَمرِهِم بِمَعرُوفٍ أَو نَهيِهِم عَن مُنكَرٍ .
وَإِنَّهُ مَهمَا سَاغَ لأَحَدٍ أَن يَتَكَاسَلَ - وَمَا ذَاكَ بِسَائِغٍ وَلا مَقبُولٍ - فَمَا أَقبَحَ الكَسَلَ مِن أَهلِ العِلمِ مُعَلِّمِينَ أَو طُلاَّبًا ، وَمَا أَشَدَّهُ عَلَى النَّفسِ أَن يَبدَأَ العَامُ الدِّرَاسِيُّ بِكَسَلٍ وَعُزُوفٍ عَنِ العِلمِ وَالعَمَلِ ، وَتَزجِيَةٍ لِلأَوقَاتِ الغَالِيَةِ بِلا اشتِغَالٍ بِالبَذرِ وَسَقيِ الزَّرعِ ، كَيفَ وَهُم يَقرَؤُونَ قَولَ الحَقِّ – سُبحَانَهُ - : " قُلْ هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ "
وَقَولَ الصَّادِقِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – فِيمَا رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ : " إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّملَةُ في جُحرِهَا وَحَتى الحَوتُ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ "
وَقَولَهُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ : " وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلتَمِسُ فِيهِ عِلمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلى الجَنَّةِ "
أَلا فَخَالِفُوا النُّفُوسَ وَاحتَسِبُوا الأُجُورَ ، وَاعلَمُوا أَنَّ الرَّاحَةَ لا تُنَالُ بِالرَّاحَةِ ، بَل لا بُدَّ لِمَن أَرَادَ الفَلاحَ وَالنَّجَاحَ مِنَ الصَّبرِ وَالمُصَابَرَةِ وَالمُجَاهَدَةِ ، وَاستِبَاقِ الخَيرَاتِ وَاحتِسَابِ الحَسَنَاتِ ، وَاغتِنَامِ الأَعمَارِ قَبلَ أَن تَقُولَ نَفسٌ يَا حَسرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ اللهِ ، وَقَد حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ ، وَالمُحسِنُونَ الَّذِينَ امتَدَحَهُمُ اللهُ – عَزَّ وَجَلَّ – " كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ . وَبِالأَسحَارِ هُم يَستَغفِرُونَ " " تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا " " يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَهُم لها سَابِقُونَ "
وَقَد أَمَرَ – تَعَالى – نَبِيَّهُ بِمُصَاحَبَةِ الجَادِّينَ وَحَذَّرَهُ مِنَ الرُّكُونِ إِلى المُتَكَاسِلِينَ المُفَرِّطِينَ ، فَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَاصبِرْ نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلا تُطِعْ مَن أَغفَلْنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا "
المرفقات

وأعوذ بك من العجز والكسل.pdf

وأعوذ بك من العجز والكسل.pdf

وأعوذ بك من العجز والكسل.doc

وأعوذ بك من العجز والكسل.doc

المشاهدات 1978 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا