خطبة : ( هل تفرح بالعيد وحدك ؟ )
عبدالله البصري
أَلا تَدرُونَ أَنَّ ثَمَّةَ آبَاءً فُقَرَاءَ وَأُمَّهَاتٍ مُمَلِقَاتٍ ، يَفرَحُ النَّاسُ بِالعِيدِ وَلا يَفرَحُونَ ، وَيَهنَأُ غَيرُهُم بِالجَدِيدِ وَلا يَهنَؤُونَ ، لَهُم أَبنَاءٌ وَبُنَيَّاتٌ لا يَدرُونَ مَا الفَقرُ وَلا الغِنَى ، وَلا يُدرِكُونَ مَا العَجزُ وَلا القُدرَةُ ، وَلا يَشعُرُونَ مَا المُمكِنُ وَلا المُستَحِيلُ ، يَرَى أَحَدُهُم أَقرَانَهُ وَأَخدَانَهُ مُبتَهِجِينَ بما لَبِسُوهُ وَاسَتَجَدُّوهُ ، فَيُرِيدُ أَن يَعِيشَ كَمَا يَعِيشُ الآخَرُونَ ، فَيَفزَعُ لأُمِّهِ وَأَبِيهِ رَاجِيًا ، وَقَد يُصِرُّ عَلَيهِمَا بَاكِيًا شَاكِيًا ، فَتَنقَلِبُ المَرأَةُ عَلَى زَوجِهَا بِاللَّومِ ، وَتُلِحُّ عَلَيهِ أَن يَقُومَ فَيُصلِحَ شَأنَهَا وَشَأنَ أَبنَائِهَا وَبُنَيَّاتِهَا ، فَلَم يَبقَ وَقتٌ لِلتَّرَدُّدِ وَالتَّلَبُّثِ ، فَيتَلَفَّتُ الأَبُ المَكلُومُ يَمِينًا وَشِمَالاً ، فَلا يَجِدُ في حِسَابٍ مَالاً ، وَلا يَذكُرُ في مَصرِفٍ رَصِيدًا وَلا في صُندُوقٍ كَنزًا ، فَيَضرِبُ كَفًّا عَلَى كَفٍّ وَيَنطَلِقُ عَلَى وَجهِهِ ، لِيَصِلَ دُيُونَ الأَمسِ الفَادِحَةَ بِدَينٍ آخَرَ مُثقِلٍ أَو قَرضٍ غَيرِ حَسَنٍ ، في حِينِ تَغُصُّ حِسَابَاتُ كَثِيرِينَ بِالمَلايِينِ ، حَتَّى لا يَكَادُ أَحَدُهُم يُحصِي مَا في خَزَائِنِهِ وَلا يُدرِكُ لَهُ عَدًّا ، أَلا فَيَا مَن أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِوَفرَةِ المَالِ وَسَعَةِ الغِنى ، أَتَحسَبُونَ ذَلِكَ لِمَزِيدِ فَضلٍ لَكُم أَو لِوَفرَةِ حَظٍّ أَو عُلُوِّ دَرَجَةٍ ؟!
" أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَةُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ "
أَلا فَاعلَمُوا أَنَّ مِن حُسنِ الإِسلامِ وَتَمَامِ الإِيمَانِ وَكَمَالِ الإِحسَانِ ، أَن تَتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم فِيمَا آتَاكُم ، وَأَن تَتَذَكَّرُوا الرُّجُوعَ إِلَيهِ إِذْ فَتَنَكُم بِالخَيرِ وَابتَلاكُم ، وَأَن تَبذُلُوا لأَهلِ الحُقوُقِ في أَموَالِكُم مَا لَهُم ، وَلا تَبخَسُوهُم شَيئًا أَحَلَّهُ اللهُ لَهُم ، فَـ" لَيسَ المُؤمِنُ الَّذِي يَشبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ "
وَ" المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا "
وَ" المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ ، وَمَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ "
وَ" السَّاعِي عَلَى الأَرمَلَةِ وَالمِسكِينِ كَالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ ، أَو كَالقَائِمِ لا يَفتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفطِرُ "
وَ" مَن لا يَرحَمِ النَّاسَ لا يَرحَمْهُ اللهُ "
وَقَالَ : " مَن أَحَبَّ أَن يُزَحزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدخَلَ الجَنَّةَ ، فَلْتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، وَلْيَأتِ إِلى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَن يُؤتَى إِلَيهِ "
إِنَّ في الزَّكَاةِ لَتَفرِيجًا لِكُرُبَاتِ كَثِيرِينَ وَقَضَاءً لِحَاجَاتِهِم ، وَإِدخَالاً لِلسُّرُورِ عَلَيهِم وَإِسعَادًا لِقُلُوبِهِم ، وَدَفعًا لَهُم وَلأَبنَائِهِم لِتَذَوُّقِ العَيشِ الكَرِيمِ وَلَو في أَيَّامٍ العِيدِ ، ذَلِكُم أَنَّهَا لَيسَت مَورِدًا يَسِيرًا وَلا قَلِيلاً أَو ضَّئِيلاً ، بَل هِيَ العُشرُ أَو نِصفُ العُشرِ أَو رُبعُ العُشرِ ، فَضلاً عَن زَكَاةِ الفِطرِ الَّتي تَجِبُ عَلَى كُلِّ فَردٍ مِنَ المُسلِمِينَ ، فَلَو أُضِيفَ كُلُّ ذَلِكَ إِلى الصَّدَقَاتِ بِأَنوَاعِهَا وَالنُّذُورِ وَالكَفَّارَاتِ وَالأَوقَافِ وَالهِبَاتِ وَالمَوَارِيثِ وَالنَّفَقَاتِ ، وَغَيرِهَا مِن حُقُوقِ المَالِ في الإِسلامِ ، لَتَحَقَّقَ التَّكَافُلُ المَادِّيُّ بِأَجَلى صُوَرِهِ وَأَجمَلِهَا ، وَلَمَا بَقِيَ فَقِيرٌ وَلا مِسكِينٌ وَلا مُحتَاجٌ ، وَإِنَّ المُتَابِعَ لِلحَرَكَةِ الاقتِصَادِيَّةِ لَيَرَى أَنَّ ثَمَّةَ بِحَارًا زَاخِرَةً مِنَ الأَغنِيَاءِ المُوسِرِينَ ، وَجِبَالاً شَاهِقَةً مِنَ الأَثرِيَاءِ المُقتَدِرِينَ ، لَو أَدَّوا مَا للهِ عَلَيهِم مِن حَقٍّ في المَالِ وَهِيَ الزَّكَاةُ خَاصَّةً ، لَدَفَنُوا فَقرَ الفُقَرَاءِ وَأَزَالُوا بُؤسَهُم ، فَأَينَ أُولَئِكَ المُمتَلِئُونَ ؟!
أَلا يُعَجِّلُونَ بِالزَّكَاةِ طَاعَةً للهِ وَتَفرِيجًا عَن عِبَادِ اللهِ ؟!
أَلا يَغتَنِمُونَ مَا بَقِيَ مِن أَيَّامِ هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ لِيَجمَعُوا بَينَ شَرَفِ الزَّمَانِ وَفَضِيلَةِ تَفرِيجِ الكُرَبِ ؟
إِنَّ مَنعَ الزَّكَاةِ وَالشُّحَّ بها وَالتَّلَكُّؤَ في إِخرَاجِهَا وَالتَّحَايُلَ في ذَلِكَ ، إِنَّهُ لَمُصِيبَةٌ وَأَيُّ مُصِيبَةٌ ، يَكتَوِي بِنَارِهَا الفُقَرَاءُ في الدُّنيَا ، ثُمَّ يَصلَى حَرَّهَا مَانِعُوهَا في الآخِرَةِ .
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَومَ يُحمَى عَلَيهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بها جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم هَذَا مَا كَنَزتُم لأَنفُسِكُم فَذُوقُوا مَا كُنتُم تَكنِزُونَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا مِن صَاحِبِ كَنزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلاَّ أُحمِيَ عَلَيهِ في نَارِ جَهَنَّمَ فَيُجعَلُ صَفَائِحَ فَيُكوَى بها جَنبَاهُ وَجَبِينُهُ حَتَّى يَحكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ في يَومٍ كَانَ مِقدَارُهُ خَمسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلى النَّارِ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيهِ مِن مَالِهِ ؟ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيهِ . قَالَ : " فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ "
قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا . إِلاَّ المُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُم عَلى صَلاتِهِم دَائِمُونَ . وَالَّذِينَ في أَموَالِهِم حَقٌّ مَعلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ . وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ . وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَلا يَجتَمِعُ الشُّحُّ وَالإِيمَانُ في قَلبِ عَبدٍ أَبَدًا "
وَقَالَ : " كُلِّ امرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقضَى بَينَ النَّاسِ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ "
وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَيثُ قَالَ : " إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلوٌ ، فَمَن أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَن أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفسٍ لم يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلا يَشبَعُ ، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا ابنَ آدَمَ ، إِنَّكَ أَنْ تَبذُلَ الفَضلَ خَيرٌ لَكَ ، وَأَن تُمسِكَهُ شَرٌّ لَكَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَاتَّقُوا الشُّحَّ ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم وَحَمَلَهُم عَلَى أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُم وَاستَحَلُّوا مَحَارِمَهُم "
اُطلُبُوا أُولَئِكَ وَدُلُّوا عَلَيهِم وَأَوصِلُوا الخَيرَ إِلَيهِم ، فَـ"الدَّالُ عَلَى الخَيرِ كَفَاعِلِهِ " وَقَد قَالَ أَجوَدُ النَّاسِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ابغُوني ضُعَفَاءَكُم فَإِنَّمَا تُرزَقُونَ وَتُنصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم "
المشاهدات 3827 | التعليقات 5
وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ " الأعراف
اخي الشيخ عبد الله حفظك الله
والله اني من المحبين لخطبك والمتابع لها
لكن اخي
الا ترى ان العيد يشرع فيه الفرح والسرور وضبط ذلك بضابط الدين
وتوجيه الناس الى صلة الارحام....................
وما ذكرته من المآسي نستطيع ذكره في غير هذه المناسبة
فأننا نحزن غاية الحزن عندما نسمع ذلك من خطبائنا
ونرجع الى بيوتنا ونحمل الهم وننسى فرحة العيد
واعذرني شيخنا فهذا رأي لي
جزيت خيرًا ـ أخي الكريم ـ على ما لحظته ، فهو ملحظ كريم .
ولكن هذه الخطبة ـ أخي العزيز ـ ليست خطبة العيد ، هذه خطبة آخر جمعة من رمضان ، وفيها حث على دفع الزكاة .
وذكر هذه المآسي ـ كما عبرت ـ إنما هو لهدف نبيل وهو أن يعيش الناس هموم إخوانهم فيرفدوهم ويعطوهم ويحنوا عليهم ، فيحبهم إخوانهم ، فيشعروا هم بالسرور لمحبة إخوانهم إياهم ، وهذا يعود على المجتمع كله بالسرور في العيد .
والراحمون يرحمهم الرحمن .
وليس من الإيمان ولا من كرم الأخلاق أن تفرح بالعيد وحولك أناس تتقطع قلوبهم أسىً وحزنًا لأنهم لم يجدوا ألف ريال أو ألفين ليوفروا لأنفسهم الملابس الجديدة ويفرحوا مع إخوانهم ، في حين أن هذه الألف أو الألفين قد لا تمثل لك شيئًا يذكر .
عودًا على بدء أقول : جزيت خيرًا على ما لحظت ووُفِّقتَ وَسُدِّدتَ .
عبدالله البصري
أولاً/ جزاك الله خيرًا ـ أخي الكريم أبا البراء ـ على التنبيه .
ثانيًا/ لا أدري كيف مر الخطأ في آيةٍ على جمعٍ ممن قرؤوا فلم ينتبهوا . اللهم إلا أن يكونوا مثلي وقد قرأتها مرات ومرات قبل إنزالها هنا .
والنقد موهبة ، وقد يمنع منه أو يضعفه :
اللهم ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
تعديل التعليق