خطبة : ( هل تسرك حسنتك وتسوؤك سيئتك ؟! )

عبدالله البصري
1438/02/25 - 2016/11/25 04:16AM
هل تسرك حسنتك وتسوؤك سيئتك ؟! 25 / 2 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ ، يُخطِئُ المُؤمِنُ كَمَا يُخطِئُ الفَاسِقُ ، وَيَزِلُّ المُسلِمُ كَمَا يَزِلُّ المُنَافِقُ ، غَيرَ أَنَّ الفَرقَ بَينَ الفَرِيقَينِ ، أَنَّ الأَوَّلِينَ لِحَيَاةٍ في قُلُوبِهِم وَصَفَاءٍ في نُفُوسِهِم ، يَحزَنُونَ وَيَستَاؤُونَ كُلَّمَا أَخطَؤُوا وَأَذنَبُوا ، وَيَخَافُونَ كُلَّمَا تَذَكَّرُوا سَيِّئَاتِهِم وَاستَحضَرُوا زَلاَّتِهِم ، في حِينِ أَنَّ الآخَرِينَ لِمَوتِ قُلُوبِهِم وَقَسوَتِهَا يَفرَحُونَ بِخَطَئِهِم وَيَستَصغِرُونَهُ ، أَو يُصِرُّونَ عَلَيهِ وَلا يَعبَؤُونَ بِهِ ، عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَا الإِيمَانُ ؟ قَالَ : " إِذَا سَرَّتكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنتَ مُؤمِنٌ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا الإِثمُ ؟ قَالَ : " إِذَا حَاكَ في نَفسِكَ شَيءٌ فَدَعهُ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ابنُ مَسعُودٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : إِنَّ المُؤمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَن يَقَعَ عَلَيهِ ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا ... رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَالَ الحَسَنُ البَصرِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - : إِنَّ المُؤمِنَ جَمَعَ إِحسَانًا وَشَفَقَةً ، وَإِنَّ المُنَافِقَ جَمَعَ إِسَاءَةً وَأَمنًا ...
إِنَّ شُعُورَ المُؤمِنِ بِعَظَمِ الذَّنبِ وَإِن كَانَ صَغِيرًا ، دَلِيلٌ عَلَى سَلامَةِ قَلبِهِ وَزِيَادَةِ مُستَوَى الإِيمَانِ فِيهِ ، فَإِذَا عَمِلَ المَرءُ سَيِّئَةً وَوَقَعَ في قَلبِهِ مِنهَا حُزنٌ وَاستِيَاءٌ وَوَجَلٌ ؛ حِيَاءً مِنَ اللهِ وَخَوفًا مِنَ العُقُوبَةِ ، فَهُوَ مُؤمِنٌ ، وَإِذَا فَعَلَ حَسَنَةً وَحَصَلَ لَهُ بها فَرَحٌ وَسُرُورٌ دُونَ عُجبٍ وَغُرُورٍ ، فَهُوَ مُؤمِنٌ ؛ ذّلِكُم أَنَّ المُؤمِنَ الحَيَّ القَلبِ يُمَيِّزُ بَينَ الطَّاعَةِ وَالمَعصِيَةِ ، فَيَفرَحُ بِالأُولى وَيُحِبُّهَا وَيَتَّسِعُ صَدرُهُ كُلَّمَا ازدَادَ مِنهَا ، وَيَحزَنُ لِلأُخرَى وَيَكرَهُهَا وَيَشعُرُ بِالضِّيقِ وَالحَرَجِ كُلَّمَا قَارَفَهَا ، بِخِلافِ الفَاسِقِ أَوِ المُنَافِقِ ؛ فَإِنَّهُمَا لا يُفَرِّقَانِ بَينَ طَاعَةٍ وَمَعصِيَةٍ ، بَل وَلا يُبَالِيَانِ بِفِعلِ المَعَاصِي وَاقتِرَافِهَا ، وَقَد يُجَاهِرَانِ بها وَيَتَبَجَّحَانِ بِفِعلِهَا ، وَقَد تَنحَطُّ حَالُهُمَا وَتَعظُمُ مُصِيبَتُهُمَا ، فَيَرَيَانِ الحَسَنَةَ سَيِّئَةً وَالسَّيِّئَةَ حَسَنَةً ، وَهَذَا – عِيَاذًا بِاللهِ - مِنَ البِلاءِ وَالعُقُوبَةِ المُعَجَّلَةِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " كُلُّ أُمَّتي مُعَافى إِلاَّ المُجَاهِرُونَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : " أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا "
وَقَالَ - سُبحَانَهُ - : " أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهوَاءَهُم "
وَقَد يَقُولُ قَائِلٌ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّنَا جَمِيعًا مُعتَرِفُونَ بِالخَطَأِ وَالتَّقصِيرِ ، وَنَشعُرُ بِسُوءِ مَا نَفعَلُ وَتُقلِقُنَا مُخَالَفَاتُنَا ، وَنُسَرُّ بِمَا نَفعَلُهُ مِنَ الخَيرِ وَمَا نَبذُلُهُ ، فَيُقَالُ هَذَا أَمرٌ حَسَنٌ وَشُعُورٌ جَمِيلٌ وَلا شَكَّ ، وَهُوَ نَاشِئٌ عَن حَيَاةِ قَلبٍ وَيَقظَةِ ضَمِيرٍ ، إِلاَّ أَنَّهُ لَيسَ النِّهَايَةَ في هَذَا الشَّأنِ وَلا غَايَةَ الكَمَالِ ، مَا لم يُتبَعْ بِالازدِيَادِ مِنَ الحَسَنَاتِ وَمُضَاعَفَةِ الصَّالِحَاتِ وَالثَّبَاتِ في الطَّاعَاتِ ، وَالإِقلاعِ عَنِ السَّيِّئَاتِ المُوبِقَاتِ وَالتَّقلِيلِ مِنَ الخَطَايَا وَالمُخَالَفَاتِ ، أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّ الحُزنَ الحَقِيقِيَّ وَالاستِيَاءَ الصَّادِقَ مِنَ السَّيِّئَةِ هُوَ أَن يَكرَهَهَا صَاحِبُهَا مَهمَا صَغُرَت ، ثمَ يُبَادِرَ بِالإِقلاعِ عَنهَا وَالتَّوبَةِ مِنهَا ، عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ إِلَيهَا ، خَائِفًا أَن تُورِدَهُ المَهَالِكَ وَتُوقِعَهُ في عِقَابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الاستِيَاءِ بِاللِّسَانِ لَحظَةً يَسِيرَةً عَابِرَةً ، مَعَ استِمرَارِ العَبدِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ دُونَ تَرَاجُعٍ ، فَهَذَا هُوَ الإِصرَارُ المَذمُومُ ، وَالَّذِي لا يَتَّصِفُ بِهِ المُتَّقُونَ لِرَبِّهِم ، الذَّاكِرُونَ لَهُ المُستَحضِرُونَ عَظَمَتَهُ ، المُسَارِعُونَ إِلى مَغفِرَتِهِ الرَّاجُونَ دُخُولَ جَنَّتَهُ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ . أُولَئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُم دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ "
وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا - : " وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم وَجَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعمَ أَجرُ العَامِلِينَ "
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنُسرِعْ في الإِنَابَةِ وَالتَّوبَةِ ، وَلْنَفرَحِ الفَرَحَ الحَقِيقِيَّ بِالحَسَنَةِ ، فَرَحَ مَن ذَاقَ لَذَّةَ الإِيمَانِ وَخَالَطَت بَشَاشَتُهُ قَلبَهُ ، فَدَاوَمَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَاستَكثَرَ مِنَ الحَسَنَاتِ ، وَبَذَلَ وَقتَهُ وَمَالَهُ فِيمَا يُرضِي رَبَّهُ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا . وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ إِنِّي تُبتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُم كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعتَدنَا لَهُم عَذَابًا أَلِيمًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاحرِصُوا عَلَى صَلاحِ قُلُوبِكُم وَزَكَاءِ نُفُوسِكُم ، وَاحذَرُوا مِن أَن تَستَوِيَ لَدَيكُمُ الحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ ، فَلا تُبَالُوا عَلَى أَيِّهِمَا أَصبَحتُم أَو أَمسَيتُم ، أَو أَن تَحتَقِرُوا المَعَاصِيَ وَالمُخَالَفَاتِ وَإِن صَغُرَت وَقَلَّت ، فَإِنَّ مَن كَانَ كَذَلِكَ ، فَهُوَ في الحَقِيقَةِ مَيِّتٌ هَالِكٌ ، وَإِن كَانَ يَمشِي عَلَى الأَرضِ وَيُخَالِطُ الأَحيَاءَ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِيَّاكُم وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ؛ فَإِنَّهُنَّ يُجتَمِعنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتى يُهلِكنَهُ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ .
وَإِذَا كَانَ المُؤمِنُ يَستَاءُ مِن ذُنُوبِهِ وَيَفرَحُ بِأَعمَالِهِ الصَّالِحَةِ الخَالِصَةِ ، الَّتي لم يَقصِدْ بها رِيَاءً وَلا سُمعَةً ، فَتِلكَ مِن عَاجِلِ بُشرَاهُ بِفَرَحِهِ بها يَومَ يَلقَى رَبَّهُ ، رَوَى مُسلِمٌ في صَحِيحِهِ عَن أَبي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : أَرَأَيتَ الرَّجُلَ يَعمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيرِ ، وَيَحمَدُهُ النَّاسُ عَلَيهِ !! قَالَ : " تِلكَ عَاجِلُ بُشرَى المُؤمِنِ "
وَقَد كَانَ إِمَامُ المُتَّقِينَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – يَجِدُ رَاحَتَهُ وَأُنسَهُ وَفَرَحَهُ في الصَّلاةِ ، فَكَانَ يَقُولُ لِبِلالٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : " يَا بِلالُ ، أَقِمِ الصَّلاةَ أَرِحْنَا بِهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
فَأَينَ مِن ذَلِكَ مَن يُصِرُّونَ عَلَى تَركِ الصَّلاةِ وَخَاصَّةً صَلاةَ الفَجرِ بِالأَيَّامِ وَالأَسَابِيعِ وَالشُّهُورِ ، وَلا يَكَادُونَ يُدرِكُونَهَا مَعَ الجَمَاعَةِ في المَسَاجِدِ إِلاَّ قَلِيلاً ؟!
وَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ مَن تَمُرُّ بِهِمُ الأَشهُرُ وَالسَّنَوَاتُ وَهُم عَلَى ذُنُوبِهِم مُصِرُّونَ ، غَيرَ مُقلِعِينَ وَلا نَادِمِينَ ، إِمَّا في عُقُوقٍ وَقَطِيعَةٍ رَحِمٍ وَهِجرَانِ أَقَارِبَ ، أَو في أَكلِ رِبًا وَتَنَاوُلِ حَرَامٍ ، أَو في تَطفِيفِ مَكَايِيلَ وَغِشٍّ وَخِدَاعٍ ، أَو خِيَانَةِ أَمَانَاتٍ وَالتَّهَاوُنِ في مَسؤُولِيَّاتِ ، أَو إِيذَاءِ جِيرَانٍ وَظُلمٍ لِزَوجَاتٍ ، أَو هَضمٍ لأَصحَابِ حُقُوقٍ وَبَخسٍ لأَشيَائِهِم ، أَو تَكَبُّرٍ وَعُلُوٍّ وَإِفسَادٍ في الأَرضِ ، أو في غَيرِ ذَلِكَ مِنَ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ ، وَكُلُّ امرِئٍ بِنَفسِهِ أَبصَرُ وَبِتَقصِيرِهَا أَخبَرُ " بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَو أَلقَى مَعَاذِيرَهُ " فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ " وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
المرفقات

هل تسرك حسنتك وتسوؤك سيئتك ؟؟.doc

هل تسرك حسنتك وتسوؤك سيئتك ؟؟.doc

هل تسرك حسنتك وتسوؤك سيئتك ؟؟.pdf

هل تسرك حسنتك وتسوؤك سيئتك ؟؟.pdf

المشاهدات 1996 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا