خطبة ( نهاية العام مع التوبة وحكم التهنئة )

ZAIDMOHMAD ZAIDMOHMAD
1435/12/29 - 2014/10/23 16:37PM

الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد القهار، جعل في تعاقب الليل والنهار عبرةً لأولي الأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الغفار، حكم بفناء هذه الدار، وأمر بالتزود لدار القرار، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار، وصحبة الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.. أما بعد

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-: وتبصروا في هذه الأيام والليالي، فإنها مراحل تقطعونها إلى الدار الآخرة، حتى تنتهوا إلى آخر سفركم، وكل يوم يمر بكم فإنه يبعدكم من الدنيا ويقربكم من الآخرة.فطوبى لعبد اغتنم فرصها بما يقرب إلى مولاه.طوبى لعبد شغلها بالطاعات وتجنب العصيان.طوبى لعبد اتعظ بما فيها من تقلبات الأمور والأحوال.طوبى لعبد استدل بتقلباتها على ما لله فيها من الحكم البالغة والأسرار: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ)[النور: 44].إخواني: ألم تروا إلى هذه الشمس كل يوم تطلع من مشرقها وتغرب في مغربها، وفي ذلك أعظم الاعتبار، فإن طلوعها ثم غيوبها إيذان بأن هذه الدنيا ليست دار قرار، وإنما هي طلوع ثم غيوب وزوال. ألم تروا إلى هذه الشهور تهل فيها الأهلة صغيرة كما يولد الأطفال، ثم تنمو رويدا رويدا كما تنمو الأجسام، حتى إذا تكامل نموها أخذت بالنقص والاضمحلال، وهكذا عمر الإنسان سواء، فاعتبروا يا أولي الأبصار. ألم تروا إلى هذه الأعوام تتجدد عاما بعد عام، فإذا دخل العام الجديد نظر الإنسان إلى آخره نظر البعيد، ثم تمر به الأيام سراعا، فينصرم العام كلمح البصر، فإذا هو في آخر العام.وهكذا عمر الإنسان يتطلع إلى آخره تطلع البعيد، فإذا به قد هجم عليه الموت: (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)[ق: 19].
ربما يؤمل الإنسان بطول العمر، ويتسلى بالأماني، فإذا بحبل الأمل قد انصرم، وببناء الأماني قد انهدم. أيها الناس: إنكم في هذه الأيام تودعون عاما ماضيا شهيدا، وتستقبلون عاما مقبلا جديدا، فليت شعري ماذا أودعتم في العام الماضي، وماذا تستقبلون به العام الجديد، فليحاسب العاقل نفسه، ولينظر في أمره، فإن كان قد فرط في شيء من الواجبات، فليتب إلى الله وليتدارك ما فات، وإن كان ظالما لنفسه بفعل المعاصي والمحرمات، فليقلع عنها قبل حلول الأجل والفوات، وإن كان ممن من الله عليه بالاستقامة، فليحمد الله على ذلك، وليسأله الثبات عليها إلى الممات. إخواني: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، وليست التوبة مجرد قول باللسان من غير تخلي، إنما الإيمان ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال، وإنما التوبة ندم على ما مضى من العيوب، وإقلاع عما كان عليه من الذنوب، وإنابة إلى الله بإصلاح العمل، ومراقبة علام الغيوب.فحققوا -أيها المسلمون-: الإيمان والتوبة، فإنكم في زمن الإمكان. وعظ النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا، فقال: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
يا عبدَ الله: استدرِك من العمر ذاهبًا، ودع اللهو جانبًا، وقم في الدُّجى نادِبًا، وقف على الباب تائبًا، فعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله: "إنَّ الله عزّ وجلّ يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيء النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل، حتى تطلعَ الشمس من مغربها" أخرجه مسلم. فأحسِن فيما بقي يُغفَر لك ما مضى، فإن أسأتَ فيما بقِي أُخِذت بما مضَى وبما بقي.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُون)[يونس: 3 - 6].
بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآي والبيان، أقول ما تَسمَعون، وأستغفر الله لي ولَكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب وخطيئة فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.














الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ هَادِيَاً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرَاً , وَدَاعِيَاً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجَاً مُنِيرَاً .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : لَقَدْ كَثُرَتْ فِي السَّنَوَاتِ الأَخِيرَةِ بَعْضُ الأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ التِي يَقُولُهَا أَوْ يَفْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ بِمُنَاسَبَةِ نِهَايَةِ السَّنَةِ , وَالْغَالِبُ عَلَى هَؤُلاءِ أَنَّ غَايَاتِهِمُ جَمِيلَةٌ وَمَقَاصِدَهُم حَسَنَةٌ , وَلَكِنَّ هَذَا لا يَكْفِي لِتَكُونَ تِلْكَ الأَقْوَالُ صَحِيحَةً أَوْ تِلْكَ الأَفْعَالُ مَقْبُولَةً .
وَلِهَذَا فَاعْلَمُوا أَيَّهَا الإِخْوَةُ : أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُرَادُ بِهِ التَّقَرُّبُ إِلى اللهِ لابُدَّ فِيهِ مِنْ شَرْطَيْنِ لِيَكُونَ عِنْدَ اللهِ مَقْبُولا : وَهُمَا الإِخْلاصُ للهِ وَالْمُتَابَعَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)
فَالْعَمُلُ إِذَا فُقِدَ فِيهٍ الإِخْلاصُ كَانَ شِرْكَاً , وَإِذَا فُقِدَتِ الْمُتَابَعَةُ كَانَ بِدْعَةً , وَالشِّرْكُ ثُمَّ الْبِدْعَةُ هُمَا أَعْظَمُ الذُنُوبِ وَأَشَرُّ العُيُوبِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَبَعْضُ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ صِدْقَ نِيَّتِهِ وَحُبَّهُ للْخَيْرِ مُسَوِّغٌ لِكِلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ ! فَيُقَالُ لَهُ : لا , هَذَا لا يَكْفِي !!!بَلْ لابُدَّ مَعَ صِدْقِ النِّيَّةِ مِن صِحَّةِ الطَّرِيقَةِ , وَهِي الْمُتَابَعَةُ لِرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلِذَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِن الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَحْرِصُونَ أَشَدَّ الْحِرْصِ عَلَى تَحَرِّي السُّنَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ , قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ : اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفُيتُمْ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : تَعَالَوْا نَنْظُرُ فِي بَعْضِ مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ فِي آخِرِ الْعَامِ الْهِجْرِيِّ ثُمَّ نَعْرِضُهُ عَلَى السُّنَّةِ فَمَا وَافَقَهَا قَبِلْنَاهُ وَعَمِلْنَا بِهِ , وَمَا خَالَفَهَا رَدَدْنَاهُ وَنَاصَحْنَا مَنْ يَفْعَلُهُ أَوْ يَقُولُهُ !!!
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِم : اخْتِمْ سَنَتَكَ بِالاسْتِغْفَارِ , أَوْ اجْعَلْ فِي آَخِرِ صَحِيفَةِ هَذَا الْعَامِ عَمَلاً صَالِحَاً , وَرُبَّمَا أَمَرُوا بِالصَّدَقَةِ أَوْ الصَّيَامِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ !!! وَنَقُول ُلِهَؤُلاءِ : أَثَابَكُم اللهُ عَلَى حُسْنِ قَصْدِكُمْ وَلَكِنْ هَلْ عِنْدَكُمْ دَلِيلُ عَلَى مَا تَقُولُونَ ؟
هَلْ أرشد النَّبِيُّ صَلَىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَابَتَهُ وَحَثَّهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا تَقُولُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ ؟ هَلْ سَمِعْتُمْ عَنْ أَحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَوْ سَلَفِ الأُمَّةِ مِن الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّهُمْ رَغَّبُوا النَّاسَ فِيهَا مِثْلَمَا أَنْتُمْ تَفْعَلُونَ ؟
الْجَوَابُ طَبْعَاً : لا
إِذَنْ : فَلْيَسَعْنَا مَا وَسِعَهُم وَلْنَقِفْ مَع هَدْيِهِم فَلَنْ يُصْلِحَ آخِرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا مَا أصَلَحَ أَوَّلَهَا .
أَيَّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِن الْمُحْدَثَاتِ آخِرَ العَامِ قَوْلُ بَعْضِهِم : حَلِّلُونِي أَوْ بِيحُوا مِنِّي إِنْ حَصَلَ مِنِّي خَطَأ ! وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : إِنَّ صَحِيفَةَ العَمَلِ تُطْوَى آخِرَ العَامِ ! وَمِن الْمُنْكَرَاتِ : الاحْتِفَالُ بِرَأْسِ السَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ !
فَنَسْأَلُ اللهَ الْهِدَايَةَ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِن الذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ وَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ .
عِبَادَ اللهِ : صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسِولِ اللهِ , فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَاً , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد , اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ واتِّبَاعَهُ ظَاهِراً وَبَاطِناً , اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ , وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ . اللَّهُمَّ أَعَزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا حَيُّ يَا قَيُّوم . اللَّهُمَّ وَحِّدْ صُفُوفَهُم وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُم عَلَى الْقُرْآنِ والسُّنَّةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاحْفَظْهُم مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ , اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِم للْحَقِّ واهْدِهِم صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم .
اللهم ات نفوسنا تقواها .......
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا . رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار .
واخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين

المشاهدات 1899 | التعليقات 0