خطبة : (نعوذ بالله من المأثم والمغرم)

عبدالله البصري
1435/01/26 - 2013/11/29 04:10AM
نعوذ بالله من المأثم والمغرم 19 / 1 / 1435


الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، خَلَقَ اللهُ ـ تعالى ـ البَشَرَ مُختَلِفِينَ في أَرزَاقِهِم ، وَفَاوَتَ بَينَهُم فِيمَا آتَاهُم وَأَعطَاهُم ، وَلَهُ ـ تَعَالى ـ في ذَلِكَ الحِكَمُ البَالِغَةُ " وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا في الأَرضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ " " أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَةُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ "
وَإِنَّ مِن وَاجِبِ النَّاسِ مَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ وَالاختِلافِ الَّذِي لا مَنَاصَ مِنهُ ، أَن يَتَسَلَّحُوا بِالقَنَاعَةِ ، فَهِيَ خَيرُ مُعِينٍ لَهُم عَلَى الرِّضَا عَن رَبِّهِم ، وَأَقوَى سَبَبٍ لاطمِئنَانِ قُلُوبِهِم ، وَنَيلِهِمُ الرَّاحَةَ في أَنفُسِهِم ، وَتَحصِيلِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِهِم ، لا أَن يُخَالِفُوا حِكمَةَ اللهِ وَيَتَطَلَّعُوا إِلى أَن يَكُونُوا سَوَاءً في كُلِّ شَيءٍ ، فَيَقَعُوا فِيمَا يُهِمُّهُم وَيُقلِقُهُم وَيَذهَبُ بِسُرُورِهِم ، وَقَد كَانَ مِن دُعَائِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ ، وَالعَجزِ وَالكَسَلِ ، وَالبُخلِ وَالجُبنِ ، وَضَلَعِ الدَّينِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

ضَلَعُ الدَّينِ وَمَشَقَّتُهُ ، وَثِقَلُهُ وَغَلَبَتُهُ ، مُشكِلَةٌ كَبِيرَةٌ ، وَقَعَ فِيهَا النَّاسُ مُنذُ القِدَمِ ، إِذِ اضطُرُّوا إِلى الدَّينِ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحوَالِ وَأُلجِئُوا إِلَيهِ ، وَلَكِنَّ هَذِهِ المُشكِلَةَ لم تَظهَرْ في زَمَانٍ كَمَا هِيَ في زَمَانِنَا ، حَيثُ دَخَلَت كُلَّ بَيتٍ وَشَغَلَت كُلَّ أُسرَةٍ ، وَلم يَكَدْ يَسلَمُ مِنهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ صَغُرَ أَو كَبُرَ ، إِذْ تَسَاهَلُوا في الدُّيُونِ وَتَنَافَسُوا في القُرُوضِ ، وَصَارُوا يَقعَونَ فِيهَا بِوَعيٍ وَبِلا وَعيٍ ، وَيَأتُونَها بِحَاجَةٍ وَبِلا حَاجَةٍ ، بَل تَقلِيدًا لِغَيرِهِم وَتَنَافُسًا في دُنيَاهُم ، وَحُبًّا لِلظُّهُورِ بِالمَظَاهِرِ البَرَّاقَةٍ الخَدَّاعَةٍ ، فَلا يَشعُرُ أَحدُهُم إِلاَّ وَقَد رَكِبَتهُ الدُّيُونُ وَغَلَبَتهُ الهُمُومُ ، وَضَاقَت بِهِ السُّبُلُ وَقَلَّت في يَدَيهِ الحِيَلُ ، وَلَو أَنَّهُم أَخَذُوا بِأَسبَابِ الرِّزقِ المُتَهَيِّئَةِ ، وَسَدَّدُوا أَحوَالَهُم وَلَو بِالقَلِيلِ المُتَيَسِّرِ ، وَرَضُوا بِالكَفَافِ مِنَ العَيشِ وَقَنِعُوا بما أُوتُوا ، لَمَا أَثقَلَتِ الدُّيُونُ كَوَاهِلَهُم ، وَلَمَا أَلجَأَتهُم إِلى مَدِّ أَيدِيهِم بِمَسأَلَةٍ ، أَو خَفضِ رُؤُوسِهِم في مَسكَنَةٍ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الدَّينَ هَمٌّ بِاللَّيلِ وَذُلٌّ بِالنَّهارِ ، فَهُو يُزعِجُ القَلبَ وَيُشَتِّتُ الذَّهنَ ، وَكَثِيرًا مَا يَعزِلُ صَاحِبَهُ عَنِ المُجتَمَعِ وَيُكَرِّهُهُ العَيشَ بَينَ النَّاسِ ، فَيُصبِحُ طُولَ وَقتِهِ هَارِبًا غَائِبًا ، وَيُضطَرُّ أَلاَّ يُرَى إِلاَّ مُرَاوِغًا كَاذِبًا ، بَل قَد تَصِلُ بِهِ الحَالُ إِلى قَتلِ نَفسِهِ وَالانتِحَارِ . وَقَد كَانَ مِن دُعَائِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأثَمِ وَالمَغرَمِ " فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : مَا أَكثَرَ مَا تَستَعِيذُ مِنَ المَغرَمِ ! فَقَالَ : " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ ، وَوَعَدَ فَأَخلَفَ " أَخرَجَهُ الشَّيخَانِ .
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ المَدِينَ مَهمُومٌ وَلَو رَآهُ النَّاسُ فَرِحًا ، مَغمُومٌ وَلَو بَدَا لَهُم مَسرُورًا ، لا يَرتَاحُ في نَفسِهِ ، وَلا يَطمَئِنُّ في بَيتِهِ ، وَلا يَجِدُ طَعمًا لِحَيَاتِهِ ، ولا يَستَمتِعُ بِزَوجٍ وَلا يَهنَأُ مَعَ أَولادٍ ، وَهُوَ في بَلاءٍ وَإِنْ رَآهُ النَّاسُ في نِعمَةٍ ، يُصَبِّحُهُ دَائِنٌ وَيُمَسِّيهِ آخَرُ ، وَلَهُ في كُلِّ يَومٍ مَوعِدٌ في شُرطَةٍ ، أَو جَلسَةٌ في مَحكَمَةٍ ؛ وَلِذَلِكَ فَقَد تَنَوَّعَ تَحذِيرُ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ الدَّينِ وَتَقبِيحُ شَأنِهِ ، وَبَيَانُ خَطَرِهِ عَلَى صَاحِبِهِ ، فَنَجِدُهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ يَستَعِيذُ مِنَ ضَلَعِ الدَّينِ وَقَهرِ الرِّجَالِ ، وَيُخبِرُ أَنَّ اللهَ يَغفِرُ لِلشَّهِيدِ كُلَّ شَيءٍ إِلاَّ الدَّينَ ، وَأَنَّ ذِمَّةَ المُؤمِنِ مَرهُونَةٌ بِدَينِهِ حَتى يُقضَى عَنهُ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تُخِيفُوا أَنفُسَكُم بَعدَ أَمنِهَا " قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " الدَّينُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
بَل كَانَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لا يُصَلِّي عَلَى مَن عَلَيهِ دَينٌ ، فَعَن جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلَنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ وَحَنَّطنَاهُ ، ثم أَتينَا بِهِ رَسُولَ اللهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيهِ فَقُلنَا : تُصَلِّي عَلَيهِ ؟! فَخَطَا خُطوَةً ثُمَّ قَالَ : " أَعَلَيهِ دَينٌ ؟! " قُلنَا : دِينَارَانِ ، فَانصَرَفَ ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ ، فَأَتَينَاهُ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ : الدِّينَارَانِ عَلَيَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : " قَد أَوفَى اللهُ حَقَّ الغَرِيمِ وَبَرِئَ مِنهُمَا المَيِّتُ " قَالَ : نَعَم ، فَصَلَّى عَلَيهِ ، ثُمَّ قَالَ بَعدَ ذَلِكَ بِيَومَينِ : " ما فَعَلَ الدِّينَارَانِ ؟! " قُلتُ : إِنَّمَا مَاتَ أَمسِ . قَالَ : فَعَادَ إِلَيهِ مِنَ الغَدِ فَقَالَ : قَد قَضَيتُهُمَا ، فَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " الآنَ بَرَّدتَ جِلدَتَهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ يُؤتَى بِالرَّجُلِ المَيِّتِ عَلَيهِ الدَّينُ ، فَيَسأَلُ : " هَل تَرَكَ لِدَينِهِ قَضَاءً ؟! " فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيهِ ، وَإِلاَّ قَالَ : " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
هَذَا فِعلُهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ مَعَ أَصحَابِ الدُّيُونِ المُتَوَفَّينَ وَهُم مِن أَصحَابِهِ وَمُلتَزِمُونَ بِالوَفَاءِ بما عَلَيهِم ، وَلم يَكُونُوا يُمَاطِلُونَ وَلا يُخلِفُونَ ، وَلم تَكُنْ دُيُونُهُم بِتِلكَ الكَثرَةِ ، فَمَا بَالُكُم بِمَن يُمَاطِلُ بِالآلافِ وَالمَلايِينِ ؟ مَا بَالُكُم بِمَن يَجحَدُ الحُقُوقَ وَيُنكِرُ الدُّيُونَ ؟! وَوَاللهِ لَو عُمِلَ في زَمَانِنَا بِمَا كَانَ يَعمَلُهُ رَسُولُ الهِ؟ مِن عَدَمِ الصَّلاةِ على أَصحَابِ الدُّيُونِ ، لَمَا صَلَّى الأَئِمَّةُ في مَسَاجِدِنَا إِلاَّ عَلَى القَلِيلِ مِنَ النَّاسِ .

مَعشَرَ المَدِينِينَ ، مَن نَزَلَت بِهِ حَاجَةٌ فَاضطُرَّ لِلدَّينِ اضطِرَارًا ، وَأُلجِئَ إِلَيهِ وَلم يَجِدْ عَنهُ مَحِيصًا ، فَلْيتَوَكَّلْ عَلَى مَن بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَلْيُحسِنِ الظَّنَّ بِهِ ، وَلْتَكُنْ لَهُ عَزِيمَةٌ صَادِقَةٌ عَلَى الوَفَاءِ ، وَنِيَّةٌ جَادَّةٌ في القَضَاءِ ، وَلْيَحذَرْ مِن تَبيِيتِ النَّوَايَا السَّيِّئَةِ أَو إِخفَاءِ المَقَاصِدِ الخَبِيثَةِ ، أو سُلُوكِ مَسَالِكِ المُرَاوَغَةِ وَالمُخَادَعَةِ ؛ فَإِنَّ مَن نَوَى السَّدَادَ وَالقَضَاءَ أَعَانَهُ اللهُ وَأَدَّى عَنهُ وَقَضَى دَينَهُ ، وَمَن بَيَّتَ نِيَّةً سَيِّئَةً أَو أَضمَرَ مَقصِدًا خَبِيثًا بِعَدَمِ الوَفَاءِ بِحُقُوقِ العِبَادِ ، فَقَد عَرَّضَ نَفسَهُ لِلتَّلَفِ وَنَقصِ البَرَكَةِ ، فَضلاً عَن عَذَابِ الآخِرَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن أَخَذَ أَموَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنهُ ، وَمَن أَخَذَ أَموَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتلافَهَا أَتلَفَهُ اللهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ . ثم احذَرُوا ـ مَعشَرَ المُسلِمِينَ ـ ممَّا اعتَادَهُ بَعضُ النَّاسِ مِن تَكرَارِ الدَّينِ مَرَّةً بَعدَ أُخرَى ، مُعتَمِدًا عَلَى مَسأَلَةِ الآخَرِينَ وَالإِلحَافِ في استِعطَائِهِم ، فَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا تَزَالُ المَسأَلَةُ بِأَحَدِكُم حَتى يَلقَى اللهَ ـ تَعَالى ـ وَلَيسَ في وَجهِهِ مُزعَةُ لَحمٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاحذَرُوا الاغتِرَارَ بِالدُّنيَا وَالتَّسَاهُلَ بِالدُّيُونِ ، وَاحرِصُوا عَلَى السَّدَادِ وَلا تَتَسَاهَلُوا ، فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَدرِي مَتى يَأتِيهِ المَوتُ ، وَإِيَّاكُم وَالإِسرَافَ وَتَقلِيدَ المُسرِفِينَ ، فَإِنَّهُ مِن أَكبَرِ دَوَاعِي الاقتِرَاضِ وَأَسبَابِ تَرَاكُمِ الدُّيُونِ ، وَ" لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجعَلُ اللهُ بَعدَ عُسْرٍ يُسْرًا " اللَّهُمَّ اكفِنَا بِحَلالِكَ عَن حَرَامِكَ ، وَأَغنِنَا بِفَضلِكَ عَمَّن سِوَاكَ ، اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ ممَّن تَشَاءُ ، وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ، بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلَّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، رَحمَنَ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا ، تُعطِيهِمَا مَن تَشَاءُ وَتَمنَعُ مِنهُمَا مَن تَشَاءُ ، اِرحمْنَا رَحمَةً تُغنِينَا بها عَن رَحمَةِ مَن سِوَاكَ .



الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهَ لَمِن أَعجَبِ العَجَبِ ، أَنَّ كَثِيرًا مِمَّن يَقعُونَ في الدُّيُونِ وَيَتَحَمَّلُونَ هُمُومَهَا ، إِنَّمَا يَحصُلُ ذَلِكَ مِنهُم بِسَبَبِ الإِغرَاقِ في الكَمَالِيَّاتِ وَالبَذخِ في المُنَاسَبَاتِ ، وَكَثرَةِ شِرَاءِ مَا لا يَحتَاجُونَهُ مِنَ مَلابِسَ وَأَثَاثٍ بل وَهَوَاتِفَ وَجَوَّالاتٍ . وَثَمَّةَ مَن يَستَدِينُ لِيَشتَرِي سَيَّارَةً فَارِهَةً يُبَاهِي بها ، وَهُنَاكَ مَن يَستَدِينُ لِيُسَافِرَ لِلسِّيَاحَةِ وَيَفخَرَ عَلَى مَن حَولَهُ ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِن أَسبَابٍ وَاهِيَةٍ وَدَوَاعٍ غَيرِ نَبِيلَةٍ . وَلَو رَضِيَ كُلٌّ بما قُسِمَ لَهُ وَعَرَفَ قَدرَ نَفسِهِ ، وتَدَثَّرَ بِالقَنَاعَةِ بما في يَدِهِ وَالرِّضَا عَن رَبِّهِ ، لَمَا احتَاجَ إِلى الدَّينِ إِلاَّ نَادِرًا ، وَلَكِنَّهُ نَظرُ كُلِّ أَحَدٍ إِلى مَن هُوَ فَوقَهُ ، يَحمِلُهُ عَلَى تَقلِيدِهِ وَلَو لم تَكُنْ لَهُ قُدرَةٌ عَلَى ذَلِكَ ، فَيُضطَرُّ إِلى أَن يَشغَلَ ذِمَّتَهُ بِالدُّيُونِ وَيَغرَقَ في القُرُوضِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عبادَ اللهِ ـ وَاحذَرُوا حُقُوقَ الآخَرِينَ مَهمَا قَلَّت ، فَإِنَّ حُقُوقَ اللهِ مَبنَاهَا عَلَى المُسَامَحَةِ مِنهُ ـ سُبحَانَهُ ـ وَأَمَّا حُقُوقُ العِبَادِ فِيمَا بَينَهُم ، فَمَبنَاهَا عَلَى المُشَاحَّةِ ، وَلَرُبَّمَا وَافَى بَعضُ النَّاسِ يَومَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ وَأَعمَالٍ صَالِحَاتٍ ، فَذَهَبَت بَينَ يَدَيهِ هَبَاءً مَنثُورًا ، لا لأَنَّهَا غَيرُ مَقبُولَةٍ في ذَاتِهَا ، وَلَكِنْ لِكَثرَةِ مَن يُطَالِبُهُ مِنَ الغُرَمَاءِ وَالدَّائِنِينَ ، فَتُفَرَّقُ عَلَيهِم عِندَ مَن لا يُظلَمُ عِندَهُ أَحَدٌ وَلا يَضِيعُ لَدَيهِ حَقٌّ ، فَيَخرُجُ مُفلِسًا خَاسِرًا ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ ، وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
المرفقات

نعوذ بالله من المأثم والمغرم.doc

نعوذ بالله من المأثم والمغرم.doc

نعوذ بالله من المأثم والمغرم.pdf

نعوذ بالله من المأثم والمغرم.pdf

المشاهدات 2441 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا