خطبة: نعمة المطر سنن وعبر
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: نعمة المطر سنن وعبر
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ، نَحمدُه ونَستعينُه ونَستهديه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهده اللهُ فلا مُضلَّ له، ومَن يُضللْ فلا هاديَ له، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأَشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ المطرَ نعمةٌ مِن نِعَمِ اللهِ الكبرى، وآيةٌ مِن آياتِه الكونيّةِ العظمى، والتي تدلُّ على عظمتِه وقوّتِه وغناهُ ورحمتِه بعبادِه. إنّه النّعمةُ التي يَفرحُ لها الكبيرُ والصّغير، وتَنشرحُ لها الصّدورُ وتَطيبُ النّفوسُ ويَنتفعُ بها الإنسانُ والحيوان، وتَنتعشُ بسببِها الأرضُ وتَدِبُّ بها الحياةُ مِن جديد، ولقد دعانا جَلَّ جَلالُه إلى التّفكّرِ في هذه النّعمةِ العظيمةِ فقالَ عَزَّ شأنُه: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ فما أعظمَ نعمةَ المطر، وكم فيها مِن الآياتِ والعِبَر، فإذا أَذِنَ اللهُ بالغيثِ أَرسلَ الرّياحَ مُبشّرات، ليَستبشرَ العبادُ بالمطرِ وقُرْبِ نُزولِه، وليَستعدُّوا له قبلَ هطولِه، قالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ فإذا انْعقدَ الغَمَام، وتَراكمَ السّحابُ الثّقال، أَنزلَ اللهُ غيثًا مُباركًا يَسقيهم برحمتِه وقُدرتِه وفضلِه المِدْرَار ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ﴾. فإذا اشْتَدَّ المطرُ صارَ النّاسُ بينَ خوفٍ وفرح (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ) كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمَه اللهُ فِي سَفَرٍ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ بِمطرٍ ورَعْدٍ وَبَرْقٍ وَظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ، حَتَّى فَزِعُوا لِذَلِكَ، وَجَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَضْحَكُ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَا ضَحِكُكَ يَا عُمَرُ؟ أَمَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! هَذَا صوتُ رَحمتِه فكيفَ بصوتِ عذابِه؟ فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وتَفكّروا في آياتِه، واشكروه على ما أَسبغَ عليكم مِن بركاتِه، واستعملوها في طاعتِه ومرضاتِه، فهذه نِعَمُ اللهِ علينا تَتْرَا، وآلاؤُه تَغْشانا سِرًّا وجَهْرا (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) سماؤُنا أَمْطَرَتْ، وأَشجارُنا أَثْمرَتْ، وثِمارُنا أَيْنَعتْ، وأَرضُنا أَزْهرَتْ، فجَرَتِ الأوديةُ وسالتِ الشّعاب، وارْتَوَتِ الوِهَادُ والقِفَار، وامْتلأتِ السّدودُ والآبار، فاللهمّ لك الحمدُ كما يَنبغي لجلالِ وجهِك ولعظيمِ سلطانِك، تَتابعَ بِرُّك، واتّصَلَ خيرُك، وكَمُلَ عطاؤُك، وعَمَّتْ فواضُلك، وتَمّتْ نوافلُك، وجَلَّ ثناؤُك، وعَظُمَ جاهُك، وتَقَدَّسَتْ أسماؤُك، مُطِرْنا بفضلِ اللهِ ورحمتِه.
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعد عبادَ الله
اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى (يا أيّها الذينَ آمنوا اتّقوا اللهَ حقَّ تقاتِهِ ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون)
وعندما يَنزلُ المطر، يُشرعُ للمسلمِ بعضُ السّنَنِ النّبويّة، والآدابِ الشّرعيّة، ومِن ذلك قولُه عندَ نزولِ المطر: اللهمّ صَيِّبًا نافعا، وبعدَ نزولِه: مُطِرْنا بفضلِ اللهِ ورحمتِه، وإذا زادَ المطرُ وخَشِيَ الضّرَرُ قال: اللهمّ حَوَالينا ولا علينا، اللهمّ على الآكامِ والضِّرابِ، وبُطونِ الأوديةِ ومَنابتِ الشّجر، وإذا هَبَّتِ الرّيحُ قال: اللهمَّ إنّي أَسألُك خيرَها وخيرَ ما فيها وخيرَ ما أُرسلتْ به، وأَعوذُ بك مِن شَرِّها وشَرِّ ما فيها وشَرِّ ما أُرْسِلَتْ به. وإذا سَمِعَ الرّعدَ يَقول: سُبحانَ الذي يُسبّحُ الرّعدُ بحمدِه والملائكةُ مِن خِيفتِه. ويُشرعُ الدّعاءُ عندَ نُزولِ المطرِ لقولِه صلى اللهُ عليه وسلم: ثِنتانِ ما تُرَدّان: الدّعاءُ عندَ النّداءِ وتحتَ المطر. ومِن السُّنّةِ عندَ نُزولِ المطر، أنْ يَحْسِرَ المسلمُ شيئًا مِن بَدَنِه حتى يُصيبَه المطرُ كرأسِه أو ذراعيْه أو ساقيْه، تَأسّيًا برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، ومِن الآدابِ أنْ لا يَخرجَ وقتَ اشْتدادِ المطر، فيُعرِّضَ نفسَه وأهلَه للخطر، وإذا هَدَأتِ الأجواءُ وخَرَجَ إنْ شاءَ معَ تَوَخِّي الحذر، ولا يُؤذي نفسَه وإخوانَه المسلمينَ بسرعةِ القيادة، أو بالجلوسِ في مجاري السّيول، أو بقطعِها بالسّيّارة، وأنْ يَتجنّبَ الانشغالَ بالتّصويرِ واستعمالَ الجوّالِ عندَ حدوثِ البرقِ والصّواعق، وأنْ يُكثرَ مِن ذكرِ اللهِ تعالى وشُكرِه على هذه النّعم، فهم أهلُ الفضلِ والكرم (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) فاللهمّ أّتِمَّ علينا نعمتَك، وأَسبغْ علينا عافيتَك، واحفظْنا بحفظِك وأنت خيرُ الحافظين، اللهمّ أَغِثْ قلوبَنا بالإيمان، وبلادَنا بالخيراتِ والأمطار، اللهمّ زِدْنا مِن فضلِك الكريم، وغَيْثِك العميم، واجعلْ ما أنزلتَه قوّةً لنا على طاعتِك، اللهمّ اجعلْها سُقْيَا رحمة، وأمطارَ خيرٍ وبَرَكة، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين، اللهمّ فَرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدَّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: مَن صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 2/ 11/ 1445هـ