خطبة ( نصلي ولكن .. ) في 29-2-1442
أحمد عبدالعزيز الشاوي
نصلي ولكن .... 29/2/1442
الحمد لله خلق فسوى وقدر فهدى وأشهد أن لإله إلا الله وحده لاشريك له يعلم السر والنجوى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله نبي لاينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اهتدى وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله
مابين حقيقة لاتقبل الشك ولاالمراء وواقع يناقضها يقف المتأمل حائرا
حقيقة نطق بها الكتاب المكنون فلاتتبدل ولاتتغير ونصها ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) وواقع يصدمك بصور مؤسفة تظهر مصلين يخرجون من المساجد قد أدوا فريضة من فرائض الله وأحدهم عند باب المسجد يشعل سيجارته وآخر يذهب لمحله ليغش ويغل وثالث يذهب إلى وظيفته فيقصر ويهمل ورابع يذهب إلى بيته فيسيء عشرة أهله وخامسة تخرج من صلاتها فلاتتورع عن تبرج واختلاط فأين أثر الصلاة على سلوكنا وأخلاقنا ومعاملاتنا ..
سؤال يطرحه كل من يقرأ الآية ويعايش الواقع .. والحق أنه لو نطقت الصلاة لقالت ( فلاتلوموني ولوموا أنفسكم ) فأي صلاة تصلونها .. وبأي مشاعر تأتونها .. وبأي هيئة تقيمونها ..
إن ربنا عز وجل قد أمرنا بإقام الصلاة وليس بأدائها ( وأقيموا الصلاة .. واقاموا الصلاة .. ويقيمون الصلاة .. والمقيمين الصلاة ) وثمت فرق بين الإقامة والأداء فمقيم الصلاة يقبل إليها بقلبه وروحه ونفسه ، يتذلل بها بين يدي الله ، إظهارا للعبودية واعترافا بالفقر بين يديه ، وهو في ذلك راغب فيما عنده عز وجل ، صادق التوبة والإنابة ، مخلص السريرة له سبحانه .
فمن لم تقم في قلبه هذه المعاني حين يقف بين يدي الله للصلاة ، لم تثمر صلاته الثمار الحقيقية المرجوة ، التي من أهمها التذكير بالله والنهي عن الفحشاء والمنكر ، ولم يكتب له من أجرها إلا بقدر ما حققه من معانيها ومقاصدها . ومؤدي الصلاة يؤديها حركات مجردة من كل المعاني يسرح فيها بخيالاته وتفكيراته ويخطط فيها لمشاريعه ويترقب انقضاءها ليواصل مشوار شهواته وملذاته
صلاتنا لم تنهنا عن الفحشاء والمنكر لأننا نقدم إليها بنفوس ثقيلة غير مشتاقة ونؤديها وكأننا طير في قفص ولانأتي إليها نسابق أنفاسنا غير مبادرين ونفارقها مع أول قوافل المغادرين
لم تثمر صلاتنا نهيا عن منكر لأننا لانخشع فيها ولانتدبر في معانيها ولافيما يتلى فيها ويردد في أركانها والصلاة تشغل كل بدن المصلي ، فإذا دخل المصلي في محرابه ، وخشع ، وأخبت لربه ، وادكر أنه واقف بين يديه ، وأنه مطلع عليه ويراه : صلحت لذلك نفسه ، وتذللت ، وخامرها ارتقاب الله تعالى ، وظهرت على جوارحه هيبتها ، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة .وهكذا صلاة المؤمن ينبغي أن تكون .لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله ، وهذا أبلغ في المقصود ، وأتم في المراد ، فإن الموت ليس له سن محدود ، ولا زمن مخصوص ، ولا مرض معلوم ، وهذا مما لا خلاف فيه .
وروي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه ، فكُلم في ذلك فقال : إني واقف بين يدي الله تعالى ، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا ، فكيف مع ملك الملوك ؟!
لم تعد صلاتنا تؤثر في سلوكنا وتعاملاتنا لأننا أشربت قلوبنا في هذا الزمن حب الدنيا، وشغل التفكير بها مجالا واسعا من عقولنا، بل انها سلبت عقولنا بالكامل، فأصبحنا نؤدي صلاتنا كجزء من الروتين اليومي، فنؤمن عند ختم الامام للفاتحة ونقوم ونقعد، وقلوبنا غارقة في أوحال الدنيا، وضائعة في متاهاتها التي لا نهاية لها.
لم نعد ندرك ما يقرأ الإمام في الصلاة، ولا كم عدد الركعات التي صلينا، ووصلت الحال ببعضنا للخلط بين وقت الفاتحة ووقت التحيات، فأصبحنا بذلك بحكم السكارى وما نحن بسكارى !!
لم تعد صلاتنا تضبط سلوكياتنا وتعاملاتنا لأننا صرنا ضحية الغزو الفكري الذي يفصل بين العبادات والسلوك .. تماما كما فعل قوم شعيب حينما قالوا له ( أصلاتك تأمرك أن نترك مايعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا مانشاء ) فكم في المسلمين اليوم من يردد : ماللصلاة والسلوك
الشحصي .. ماللصلاة وللاقتصاد .. ماللصلاة ولباس المرأة ولذا تجد من المنتسبين إلى الدين من تراهم مصلين ومحافظين ويظهرون في المجتمع العام بالحرص على إقامتها وهم في الوقت ذاته يرتكبون أعمالا يأباها الخلق الكريم والإيمان الحق. والمؤمن الذي يباشر بعض العبادات ويبقى بعدها بادي الشر كالح الوجه قريب العدوان كيفيحسب امرءأ تقيا..
لن تؤدي الصلاة دورها وتحقق اثرها في تزكية النفوس ونهيها عن المنكر مادامت تؤدى بلا خشوع ولا طمأنينة وتؤدى عادة لاعبادة بلاشعور بلذتها وراحتها ، حينما لم تقم الأمة الصلاة كثرت الفحشاء والمنكر لأن الله قال وهو أصدق القائلين ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) حينما تصارعنا الشهوات وتحاصرنا الخطايا فالدواء واحد هو أن نصلي ، فإن قلت ( إني اصلي ) فأقول لك ( صل فإنك لم تصل ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر .. صل فستجد أن ماكان يأسرك من المحرمات بالأمس ويملأ عليك قلبك نزوة ورغبة هو من أبغض الأشياء إليك اليوم
إن الصلاة سفر من الأرض إلى السماء فأنى لمنازل السلام أن تصطدم بنوازل الحرام
أقول هذا القول ....
الخطبة الثانية .. أما بعد :
فمن كان يرجو أن تكون صلاته رادعة له عن المثالب ناهية له عن الفحشاء والمنكر دافعة له إلى كل سلوك حسن فلتكن صلاته صلاة المؤمنين المفلحين الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم على صلواتهم يحافظون
لنكن كأسلافنا كلما صلوا صلاة اشتاقوا لما بعدها فكانت قلوبهم معلقة بالمساجد كما قال عُدَيُّ بْنُ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "مَا جَاءَ وَقْتَ صَلاَةٍ قَطُّ إِلاَّ وَقَدْ أَخَذْتُ لَهَا أُهْبَتَهَا، وَمَا جَاءَتْ إِلاَّ وَأَنَا إِلَيْهَا بِالأَشْوَاقِومَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مُنْذُ أَسْلَمَتُ إِلاَّ وَأَنَا عَلَى وَضُوءٍ
الصلاة المثمرة هي صلاة المبادرين الذين إذا سمعوا نداءها فزعوا إليها تاركين دنياهم خلف ظهورهم لاتلهيهم تجارة ولا بيع ولا سهر ولا سمر عن ذكر الله وإقام الصلاة
الصلاة الناهية عن المنكر هي صلاة من يستشعرون معنى الصلاة وأنه وقوف بين يدي الجبار جل جلاله كما كان علي -رضي الله عنه-، إذا حان وقت الصلاة، يضطرب ويتغير، فلما سئل -رضي الله عنه-، قال: "لقد آن أوان أمانتي، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها"
من أجل أن نجعل الصلاة مؤثرة في سلوكياتنا وأعمالنا وعلاقاتنا الإنسانية، لا بد ان تكون قلوبنا حاضرة في مقدمات الصلاة وفي كل فصولها، ولا بد أن نستشعر عظمة الله سبحانه وتعالى ونحن نقف بين يدي الله، ففي الصلاة أقوال من تكبير لله وتحميده وتسبيحه ودعائه واستغفاره ، وكلها تذكر بالتعرض إلى مرضاة الله ، والإقلاع عن عصيانه وما يفضي إلى غضبه ، فذلك صد عن الفحشاء والمنكر .وفي الصلاة أفعال هي خضوع وتذلل لله تعالى من قيام وركوع وسجود ، وذلك يذكر بلزوم اجتلاب مرضاته ، والتباعد عن سخطه . وكل ذلك مما يصد عن الفحشاء والمنكر .وفي الصلاة أعمال قلبية من نية واستعداد للوقوف بين يدي الله ، وذلك يذكر بأن المعبود جدير بأن تمتثل أوامره ، وتجتنب نواهيه .فكانت الصلاة بمجموعها كالواعظ الناهي عن الفحشاء والمنكر
وبالإجمال ياعباد الله فلن ينال من الصلاة ثمارها وآثارها إلا من جعلها أكبر همه وجعلها قرة عينه ومنبع راحته واستشعر فيها عبوديته لربه وأتى إليها بشوق وغادرها بشوق .. لن ينال من الصلاة ثمارها من أتاها يسابق أنفاسه لابسا لها مايستحي من لبسه أمام مسؤول مؤديا لها بقلب لاه مشغول لايسبقها بنفل ولايعقبها بذكر فياايها الذين آمنوا إن أردتم صلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر فلاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى .. قد غابت عقولكم وذهلت بالتعلق بالدنيا والرضا بها وعن الآخرة وأهوالها غافلون
اللهم صل وسلم
[1]