خطبة: مَوْعِظَةُ مُوَدِّع
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: مَوْعِظَةُ مُوَدِّع
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
لقد أَرسلَ اللهُ رسولَه محمدًا صلى اللهُ عليه وسلم، ليُخرجَ النّاسَ من الظّلماتِ إلى النّور، فما تَرَكَ خيرًا إلا دلّهم عليه، ولا شرًّا إلا حذّرَهم منه، وكانَ يَتَخَوَّلُ أصحابَه بالموعظة، فعن العِرْبَاضِ بنِ ساريةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: وَعَظَنَا رسولُ اللهِ موعظةً وَجِلَتْ منها القلوبُ، وذَرَفَتْ منها العيونُ، فأَحَسَّ الصّحابةُ رضيَ اللهُ عنهم أنّه يُوَدِّعُهم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، كأنّها مَوْعظةُ مُوَدِّعٍ فأَوْصِنا، طلبُوا وَصِيَّةً يكونُ فيها نَجاتُهم وفلاحُهم، فقالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ. يا لَها مِنْ وصيةٍ جامعةٍ عظيمة، جَمَعَ فيها لهم وللأمّةِ كلِّها صلاحَ الدّنيا والآخرة، لقد أوصاهم بتقوى اللهِ، ففيها الهدايةُ والسّعادةُ والخيراتُ والبركاتُ لمنْ تَمَسَّكَ بها، وهي أنْ يَتَّخِذوا وقايةً لهم من عذابِ اللهِ بطاعتِه واجتنابِ معاصيه، وهي وصيّةُ اللهِ للأوّلينَ والآخِرين، قالَ تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) وأوصاهم بالسّمعِ والطّاعةِ بالمعروفِ لولاةِ أمورِ المسلمين، ففيها صلاحُ البلادِ، وبها تَنْتَظِمُ مصالحُ العباد، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) ثمّ أَخْبَرَ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه بما وَقَعَ بعدَه في أمّتِه من الفُرْقَةِ والأمورِ المُنكرة، ودَلَّ أمّتَه على ما يُنَجِّيهم من تلك الفتنِ والضّلالات، وذلك باتّباعِ سُنَّتِه وسُنّةِ الخلفاءِ الرّاشدينَ والسَّيْرِ على مَنْهَجِهم، ثمّ قالَ: وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، قالَ ابنُ رَجَبٍ رحمَه الله: فيه تحذيرٌ للأمّةِ من اتّباعِ الأمورِ المُحْدَثَةِ المُبتدعَة، وأَكَّدَ ذلك بقولِه: فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، والمُرادُ ما أَحْدَثَه النّاسُ من أمورٍ ما أَنزلَ اللهُ بها من سلطان، فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ واحذروا البِدَعَ والمُحدثاتِ في الدّين، فإنّها فسادٌ وضلالٌ مبين، وتَمَسّكوا بدينِكم وسُنّةِ نبيِّكم وخلفائِه الرّاشدين، فقد كانوا على الصّراطِ المستقيم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 10/ 4/ 1444هـ