خطبة موحدة حملة أهل حضرموت لإغاثة أهل سوريا
د مراد باخريصة
1433/06/05 - 2012/04/26 18:07PM
حملة أهل حضرموت لإغاثة أهل سوريا
خطبة الجمعة
الخطبة الأولى
الحمدُ لله مُعِزِّ الإسلامِ بنصرِه, ومُذِلِّ الشركِ بقهرِه, ومُصَرِّفِ الأمورِ بأمرِه, ومُدِيمِ النِّعَمِ بشكْرِه, ومستدرِجِ الكافرينَ بمكرِه ,الذي قدَّرَ الأيامَ دُوَلاً بعدلِه, وجَعَلَ العاقبةَ للمتقينَ بفضلِه, وأظْهَرَ دينَه على الدين ِكلِّه.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبدُهُ ورسولُهُ وعلى آله وصحبه ومن اتبعَ هديَه .
عبادَ الله : اتقوا الله تعالى وأطيعوه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
أيها المؤمنون : إنَّ الوضعَ في سوريا يعصِرُ القلوبَ أَلَماً، ويَفُتُّ الأكبادَ فتاً، تتمزقُ أفئدتُنا ونحن نرى ما يجرى لإخواننا من إبادةٍ جماعية, وقتلٍ بطرقٍ وحشيةٍ، لا يستثنى منها النساء، ولا يُرحم فيها الشيوخُ الركع, و لا الأطفالُ الرضعُ , حوصر الناسُ داخل منازلِهِم ومُنِعُوا الماءَ والكَهْرُباء, والغذاءَ والدواءَ, إنها جرائمُ قتلٍ وإبادةٍ جماعيةٍ منظمة, لأنفسٍ بريئةٍ معصومة ,وسرى الظلمُ حتى بلغَ بيوتَ الرحمن، ومحاريبَ القرآن، فضُرِبتِ المساجدُ بالمدافع ، واستهزئ بالخالقِ جلا وعلا جِهَاراً نَهَاراً ولا حولَ ولا قوة إلا بالله . كم من طفلٍ يُتِّم ؟ وكم من أمٍ فُجِعَت ؟ وكَمِ امْرأةٍ عفيفةٍ اغْتُصِبَتْ ؟ وكم حُرُمَاتٍ انتُهِكَت ؟ شُرِّدَ الضعفاءُ وأخرجوا من ديارِهم فارِّين بدينِهِم وأرواحِهِم من هَوْلِ ما رأَوا فأصبحوا لاجئينَ في مواطنِ الشّتات ,فأيُّ ضميرٍ بعد ذلك يَسْكُتْ ؟
عبادَ الله : لقد اجتمعَ على إخوانِكُمْ في بلادِ الشامِ, قوىً حاقدةٌ على الإسلامِ وأهلِه, تاريخُهم مليءٌ بالجرائمِ الوحشيةِ والعداواتِ الهَمَجِيةِ, تجمَّعَ علَيْهِمُ الحقدُ الفارسيُّ الإيرانيُّ الصَّفَوِيّ, الذي يُقدِّمُ المالَ والسلاحَ للنظامِ السوريِّ النُصَيْرِيّ, والتَّحَالُفُ الحاقدُ من حزبِ الشيطانِ اللبناني, وشيعةِ إبليسَ في العراق.
ولو كانَ سَهْماً واحداً لاتَّقَيْتُهُ ** ولكنَّهُ سَهْمٌ وثانٍ وثالثُ
أيها المسلمون: إنها بلادُ الشامِ المباركةُ , التي خصَّها اللهُ تعالى بفضائلَ عظيمةٍ, فجعل أرضَها مَدْرَجَ الرسلِ والأنبياء، هي أرضُ المحشَرِ والمَنْشَر، وحين يبعثُ اللهُ المسيحَ ابنَ مريمَ في آخر الزمانِ لا ينزلُ إلا فيها، إنها بلادٌ بارَكَها اللهُ بنصِّ الكتابِ والسنة, فهي ثَغْرُ الإسلامِ وحِصْنُه، ودُفِن على أرضِها جموعٌ من الصحابةِ ومن عُلماءِ الإسلام, وكم ذرَفَتْ على ثَرَاها عيونُ العُبَّاد، وعُقِدَت في أفيائِها ألوِيَةُ الجهاد، وكانت معاركُ الإسلامِ الكبرى الفاصلةُ في بلادِ الشام، ولقد أدركَ الصحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم- قولَه : "إذا فَسَدَ أهلُ الشامِ فلا خيرَ فيكم ". رواه الترمذي. فلم يلبَثُوا بعد رحيلِهِ -صلى الله عليه وسلم- إلا قليلاً، حتى توجَّهَت قلوبُهُم إلى الأرضِ التي بارَكَها اللهُ ، قال الوليدُ بنُ مُسلم: "دَخَلَتِ الشَّامَ عَشَرةُ آلافِ عينٍ رأَتْ رسولَ اللهِ " ولا عَجَبَ فقَدِ اختارَها النبيُّ لأصحابه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "سيَصِيرُ الأمرُ إلى أن تكونوا جنودًا مُجنَّدةً، جُندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق". قال ابنُ حَوَالَةَ -رضي الله عنه-: خِرْ لي -يا رسول الله- إنْ أدركتُ ذلك. فقال: "عليك بالشامِ؛ فإنها خِيرةُ الله من أرضِه، يَجتبِي إليها خِيرتَه من عبادِه .. فإنَّ اللهَ توكَّلَ لي بالشامِ وأهلِه". رواه أحمدُ، وعن زيدِ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ قال: سمعتُ رسولَ الله يقولُ: يا طوبى للشامِ! يا طوبى للشامِ ! يا طوبى للشام! قالوا: يا رسولَ الله وبِمَ ذلك ؟ قال: ( تلكَ ملائكةُ اللهِ باسطو أجْنِحَتِهَا على الشام) .
عبادَ اللهِ: إنَّ فَضْلَ الشامِ وكونَها حِصنَ الإسلامِ, يُحتِّمُ على المُسلمين التنادِيَ لنُصرةِ أَهْلِها ودفعِ البَغْيِ عنهم، وفاءً للصحابة الفاتحين، والعُلماءِ الربانيِّين الذين توسَّدوا ثَرَى الشامِ وماتوا فيها، وقِيامًا بواجبِ النصرةِ للمستضعَفين, ولْنَحْذَرْ من خِذْلانِ المُسلِمينَ المستضعَفين, ففي الحديثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :(مَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ ، وَتُسْتَحَلُّ حُرْمَتُهُ ، إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ ، إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ " .
بِقَدْرِ ما يَشْتَدُّ الكَرْبُ يَحْصُلُ اليقينُ بالفرَج، فالنصرُ معَ الصبر، وإنَّ معَ العُسرِ يُسرًا, وبالصبرِ يكونُ المَدَدُ منَ السماء, ولقد يُريدُ اللهُ لعباده نصرًا وفرَجًا أعظمَ مما يظُنُّون، وتمكينًا أدوَمَ مما ينتظِرون ورَغْمَ الجِرَاحِ والألمِ فالثقةُ بنصرِ الله وعدٌ غيرُ مكذوب، فاللهُ لا يهدي كيدَ الخائنين, ولا يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين، {ولَينْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُه} (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) .
أيها المؤمنون : هل يقِفُ المسلمون موقِفَ المتفرِّجِ؟! وقد قال الله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) أي إنْ لم يَنْصُرْ بعضُكُم بعضاً كانتِ الفتنةُ, وأيُّ فتنةٍ أعظمُ مما يجري في سوريا؟!! لقد استغاث بنا إخوانُنا الضعفاءُ في بلادِ الشام, ونصرةُ المسلمين في كلِّ مكانٍ واجبةٌ، ونصرةُ أهلِنا في سوريا الآنَ واجبٌ شرعي، ويتأكًّدُ إذا طلبوا النُصْرَة، يقول الله العليمُ الحكيم:{ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} أَلَا وإنَّ أهلَكم وإخوانَكم وأولادَكم وبناتِكم في سوريا قدِ استنصروكم في الدين. أبعد هذا الاستنصارِ سكوت؟! أم هل بعد هذا الأنينِ خِذْلان؟
يا أحفادَ أنصارِ رسولِ الله يا أهلَ حضرموت:
أجدادُكم نصروا رسولَ الله وآوَوْه, واقتسمُوا أموالَهم مع إخوانِهِمُ المهاجرينَ الذين أَوَوْا إليهم , فأثنى اللهُ تعالى عليهم بقوله :(وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ ولقد سجَّلَ التاريخُ لأهلِ اليمنِ ولأهلِ حضرموتَ خُصوصاً ,مواقفَ بطوليةً مشرفةً في البَذلِ والعطاء, ونصرةِ المستضعفينَ ونشرِ الدين, فهم أهلُ شهامةٍ ونخوةٍ, وأهلُ إغاثةٍ ونجدة .
عبادَ الله : هذا بابٌ من أبوابِ الجهادِ قد فُتِح , بابُ الإنفاقِ والإغاثة, فيَجِبُ علينا المسارعةُ لنُصْرَتِهم وعَوْنِهم,فلقد كان نبيُّنا يَحْزَنُ إذا رأى بلاءً ونكبةً على مسلم، ويدعو الناسَ للإنفاقِ في سبيلِ الله؛ وعلَّمَنا نبيُّنا كيفَ نتعاملُ مع المنكوبِين، فعندَ مسلمٍ عن جَرِيرِ بنِ عبدالله قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ، عُرَاةٌ، مُجْتَابِي النِّمَارِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، ..فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - أي تغيَّرَ - لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ .. تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». ترى كيفَ سيَكونُ حالُ المصطفى , لو رأى ما حلَّ بإخوانِنا في بلادِ الشام ؟ وماذا تراهُ سيقول ؟
أيها المؤمنون : لعل سائلاً يتساءلُ ويقولُ: وماذا عسايَ أَنْ أُقَدِّم ؟ وكم سيَبْلُغُ دعمُنا مقارنةً بدعمِ أهلِ الخليجِ مثلاً؟! والجوابُ : إن واجبَ الأُخُوَّةِ الإسلاميةِ, يُحتِّم علينا نصرةَ إخوانِنا حسبَ استطاعتِنا, وتأمَّلْ هذا الحديثَ, قال رسولُ الله ( سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ ألفِ دِرْهَم" قيل: وكيفَ ذلكَ يا رسولَ الله ؟"، قال"رَجُلٌ لهُ دِرْهَمَانِ فأخذَ أَحَدَهُمَا فتَصَدَّقَ به، ورَجُلٌ لهُ مالٌ كثيرٌ فأخذَ من عُرْضِ مالهِ مِائَةَ ألفِ دِرْهَمٍ فتصدَّق بها". أخرجهُ النَّسَائِيُّ , ننصرُ إخوانَنا ولو بالقليل, ومع إخلاصِنا وصدقِنا يباركُ اللهُ تعالى فيه, فيكونُ له من الأثرِ أضعافُ أضعافِ ما يتصوَّرُهُ إنسان، ويأتي ما قدَّمْنا وما أنفقْنا حجةً لنا بين يَدَيِ اللهِ تعالى
ولعلَّ آخرَ يتساءلُ: أَوَمَا يُعْفِينَا الذي فينا من غَلاءٍ وبَلاء, والجوابُ : إنَّ صاحبَ الصدقةِ والمعروفِ لا يُنْكَب، إذِ البلاءُ لا يتخطى الصدقة، فهي تدفعُ المصائبَ والكروبَ والشدائدَ والحروب، وترفعُ البلايا والآفاتِ, والأمراضَ والأزماتِ، دلت على ذلك النصوصُ المحكمات، وثبتْ ذلك بالحسِ والتَّجْرِبة، وما دَفَعَ قومٌ البلاءَ عنهم بمثل الإحسانِ إلى غيرهم, قال : "صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوء, والآفاتِ والهَلَكَات" وفي حديث رافعِ بنِ خَدِيجٍ ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً: (الصدقةُ تَسُدُّ سبعين باباً من السوء)
أعوذ بالله من الشيطان ((مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ))
أقولُ ما سمعتم وأستغفرُ الله
الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتنانِه، وصلى اللهُ وسلَّم على نبيِّه الداعي إلى رضوانِه، وعلى آلهِ وصحبِه وإخوانِه.
عبادَ الله: لقد قدَّمَ اللهُ تعالى الجهادَ بالمالِ في أكثرِ الآياتِ قال تعالى: (وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، ولقد أصبحَ الجهادُ بالمالِ علينا واجباً شرعياً، فَلْنَكُنْ من السبَّاقِينَ إليه, المسارِعينَ فيه ,ولا نَكُنْ من الذينَ قال الله فيهم )هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (
أيها المؤمنون : اقتَدُوا بأصحابِ رسولِ اللهِ فلقد ضربوا أروعَ الأمثلةِ , وتسابقوا بالإنفاق في سبيلِ الله تعالى, فعنْ أَسْلَمَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ ، فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً ، فَقُلْتُ : الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا ، قَالَ : فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ قُلْتُ : مِثْلَهُ ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ قَالَ : أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ.
ولما فتحَ الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم بابَ التبرُّعِ في غزوةِ تَبُوكَ كان أوَّلَ القائمينَ عثمانُ بنُ عفانَ رضي الله عنه، إذ قام فقال: عَلَيَّ مائةُ بعيرٍ بأحْلاسِها وأَقْتابِها في سبيلِ الله، فسُرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بذلكَ سروراً عظيماً، ومازال يزيدُ وفَرِحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَحاً عظيماً حتى إنه قال:( ما ضرَّ عثماَن ما عَمِلَ بعْدَ اليوم)، وقد وَصَلَ ما تبرَّعَ به إلى ثلاثِمائِةِ بعير، وفي رواية: تِسْعِمائِةِ بعيرٍ ومائةِ فرس عدا الأموال.
وكانت النساءُ على عهدِ رسولِ الله تُسابقُ الرجالَ في البذلِ والإنفاق ,عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : "أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقاً بي أطولُكُنَّ يداً" يعني أكْثَرَهُنَّ صدقة، وفي رواية الطبراني: "وكانت زينبُ تَغْزِلُ الغَزْلَ وتُعْطِيهِ سرايا النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يستعينون به في مغازيهم". ولَمَّا وَعَظَ النبيُّ النساءَ وأَمَرَهُنَّ بالصدقة, جَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ . رواه مسلم .
فهَلُمُّوا إلى نُصْرةِ إخوانِكُمْ بما تَجُودُ به أنفسُكُم , وكونوا من المسارعين في الخيرات, المسابِقِين للطاعاتِ وسيَتِمُّ جَمْعُ التبرعاتِ بَعْدَ الصلاة .
ألا صلوا وسلموا على رسولِ الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليت على إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيد، وارْضَ عن آلِ بَيْتِهِ الطيبينَ وأصحابِهِ أجْمَعِينَ والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ والحمدُ لله ربِّ العالمين .
اللهم إنا نشكو إليك ضَعْفَ قُوَّتِنَا وقِلَّةَ حِيلَتِنَا أَنْتَ ربُّ المستضعفين , اللهمَّ إنا نشكو إليك دماءً سُفِكَتْ بغيرِ حق, ونشكو إليك أَعْرَاضاً هُتِكَتْ وحُرُمَاتٍ انْتُهِكَتْ وأطفالاً يُتِّمَتْ ونساءً رُمِّلَتْ، وأُمَّهَاتٍ ثُكِّلَتْ، ومساجدَ خُرِّبَتْ وبيوتاً دُمِّرَتْ ، اللهم يا رب إنَّ عِصَابَةَ الأَسَد قد طَغَوْا في البلادِ فـأكثروا فيها الفسادَ فصبَّ عليهم يا ربَّنا سَوْطَ عذاب, وكُنْ لهم بالمرصاد, اللهم حوِّلْ قوَّتَهُمْ ضَعْفاً, وصِحَّتَهُمْ سَقَماً, وسلِّطْ عليهم بلاءً من عندك, اللهم شَتِّتْ شَمْلَهُمْ وفرق جمعَهُم وخالف بين قلوبِهم وَأْتِهِمْ من حيثُ لم يحتسبوا, وردَّ شرَّهُمْ إلى نُحُورِهِمْ , واجْعَلْ تدبيرَهم تدميراً عليهم .
اللهم يا منتقمُ انتقِمْ لدينِكَ وكتابِكَ وحُرُمَاتِك, اللهم انتقمْ لكل أمٍ فُجِعَتْ, ولكلِّ طفلٍ وطفلةٍ قُتِلَتْ, اللهم انتصِرْ للمظلومين, وفرِّجْ كَرْبْ المستضْعَفين وتَقَبَّلْ أمواتَهُمْ في الشهداء , اشْفِ مرضاهم وعافِ مبتلاهُمْ وأبْدِلْهُمْ بعد الخوفِ أمناً, وبعد الذُّلِّ عزةً يا ربَّ العالمين .
اللَّهُمَّ يَا رَافِعَ السَّمَوَاتِ، وَيَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ، وَيَا كَاشِفَ الكُرُبَاتِ، أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي بِلادِ الشَّامِ، اللَّهُمَّ اكْشِفْ كَرْبَهُمْ، وَقَوِّ عَزْمَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عدوِّكَ وعدوِّهِمْ والحمدُ لله ربِّ العالمين.
قوموا إلى صلاتِكُمْ يَرْحَمُكُمُ الله .
إعداد مؤسسة الفجر الخيرية
خطبة الجمعة
الخطبة الأولى
الحمدُ لله مُعِزِّ الإسلامِ بنصرِه, ومُذِلِّ الشركِ بقهرِه, ومُصَرِّفِ الأمورِ بأمرِه, ومُدِيمِ النِّعَمِ بشكْرِه, ومستدرِجِ الكافرينَ بمكرِه ,الذي قدَّرَ الأيامَ دُوَلاً بعدلِه, وجَعَلَ العاقبةَ للمتقينَ بفضلِه, وأظْهَرَ دينَه على الدين ِكلِّه.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبدُهُ ورسولُهُ وعلى آله وصحبه ومن اتبعَ هديَه .
عبادَ الله : اتقوا الله تعالى وأطيعوه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
أيها المؤمنون : إنَّ الوضعَ في سوريا يعصِرُ القلوبَ أَلَماً، ويَفُتُّ الأكبادَ فتاً، تتمزقُ أفئدتُنا ونحن نرى ما يجرى لإخواننا من إبادةٍ جماعية, وقتلٍ بطرقٍ وحشيةٍ، لا يستثنى منها النساء، ولا يُرحم فيها الشيوخُ الركع, و لا الأطفالُ الرضعُ , حوصر الناسُ داخل منازلِهِم ومُنِعُوا الماءَ والكَهْرُباء, والغذاءَ والدواءَ, إنها جرائمُ قتلٍ وإبادةٍ جماعيةٍ منظمة, لأنفسٍ بريئةٍ معصومة ,وسرى الظلمُ حتى بلغَ بيوتَ الرحمن، ومحاريبَ القرآن، فضُرِبتِ المساجدُ بالمدافع ، واستهزئ بالخالقِ جلا وعلا جِهَاراً نَهَاراً ولا حولَ ولا قوة إلا بالله . كم من طفلٍ يُتِّم ؟ وكم من أمٍ فُجِعَت ؟ وكَمِ امْرأةٍ عفيفةٍ اغْتُصِبَتْ ؟ وكم حُرُمَاتٍ انتُهِكَت ؟ شُرِّدَ الضعفاءُ وأخرجوا من ديارِهم فارِّين بدينِهِم وأرواحِهِم من هَوْلِ ما رأَوا فأصبحوا لاجئينَ في مواطنِ الشّتات ,فأيُّ ضميرٍ بعد ذلك يَسْكُتْ ؟
عبادَ الله : لقد اجتمعَ على إخوانِكُمْ في بلادِ الشامِ, قوىً حاقدةٌ على الإسلامِ وأهلِه, تاريخُهم مليءٌ بالجرائمِ الوحشيةِ والعداواتِ الهَمَجِيةِ, تجمَّعَ علَيْهِمُ الحقدُ الفارسيُّ الإيرانيُّ الصَّفَوِيّ, الذي يُقدِّمُ المالَ والسلاحَ للنظامِ السوريِّ النُصَيْرِيّ, والتَّحَالُفُ الحاقدُ من حزبِ الشيطانِ اللبناني, وشيعةِ إبليسَ في العراق.
ولو كانَ سَهْماً واحداً لاتَّقَيْتُهُ ** ولكنَّهُ سَهْمٌ وثانٍ وثالثُ
أيها المسلمون: إنها بلادُ الشامِ المباركةُ , التي خصَّها اللهُ تعالى بفضائلَ عظيمةٍ, فجعل أرضَها مَدْرَجَ الرسلِ والأنبياء، هي أرضُ المحشَرِ والمَنْشَر، وحين يبعثُ اللهُ المسيحَ ابنَ مريمَ في آخر الزمانِ لا ينزلُ إلا فيها، إنها بلادٌ بارَكَها اللهُ بنصِّ الكتابِ والسنة, فهي ثَغْرُ الإسلامِ وحِصْنُه، ودُفِن على أرضِها جموعٌ من الصحابةِ ومن عُلماءِ الإسلام, وكم ذرَفَتْ على ثَرَاها عيونُ العُبَّاد، وعُقِدَت في أفيائِها ألوِيَةُ الجهاد، وكانت معاركُ الإسلامِ الكبرى الفاصلةُ في بلادِ الشام، ولقد أدركَ الصحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم- قولَه : "إذا فَسَدَ أهلُ الشامِ فلا خيرَ فيكم ". رواه الترمذي. فلم يلبَثُوا بعد رحيلِهِ -صلى الله عليه وسلم- إلا قليلاً، حتى توجَّهَت قلوبُهُم إلى الأرضِ التي بارَكَها اللهُ ، قال الوليدُ بنُ مُسلم: "دَخَلَتِ الشَّامَ عَشَرةُ آلافِ عينٍ رأَتْ رسولَ اللهِ " ولا عَجَبَ فقَدِ اختارَها النبيُّ لأصحابه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "سيَصِيرُ الأمرُ إلى أن تكونوا جنودًا مُجنَّدةً، جُندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق". قال ابنُ حَوَالَةَ -رضي الله عنه-: خِرْ لي -يا رسول الله- إنْ أدركتُ ذلك. فقال: "عليك بالشامِ؛ فإنها خِيرةُ الله من أرضِه، يَجتبِي إليها خِيرتَه من عبادِه .. فإنَّ اللهَ توكَّلَ لي بالشامِ وأهلِه". رواه أحمدُ، وعن زيدِ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ قال: سمعتُ رسولَ الله يقولُ: يا طوبى للشامِ! يا طوبى للشامِ ! يا طوبى للشام! قالوا: يا رسولَ الله وبِمَ ذلك ؟ قال: ( تلكَ ملائكةُ اللهِ باسطو أجْنِحَتِهَا على الشام) .
عبادَ اللهِ: إنَّ فَضْلَ الشامِ وكونَها حِصنَ الإسلامِ, يُحتِّمُ على المُسلمين التنادِيَ لنُصرةِ أَهْلِها ودفعِ البَغْيِ عنهم، وفاءً للصحابة الفاتحين، والعُلماءِ الربانيِّين الذين توسَّدوا ثَرَى الشامِ وماتوا فيها، وقِيامًا بواجبِ النصرةِ للمستضعَفين, ولْنَحْذَرْ من خِذْلانِ المُسلِمينَ المستضعَفين, ففي الحديثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :(مَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ ، وَتُسْتَحَلُّ حُرْمَتُهُ ، إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ ، إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ " .
بِقَدْرِ ما يَشْتَدُّ الكَرْبُ يَحْصُلُ اليقينُ بالفرَج، فالنصرُ معَ الصبر، وإنَّ معَ العُسرِ يُسرًا, وبالصبرِ يكونُ المَدَدُ منَ السماء, ولقد يُريدُ اللهُ لعباده نصرًا وفرَجًا أعظمَ مما يظُنُّون، وتمكينًا أدوَمَ مما ينتظِرون ورَغْمَ الجِرَاحِ والألمِ فالثقةُ بنصرِ الله وعدٌ غيرُ مكذوب، فاللهُ لا يهدي كيدَ الخائنين, ولا يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين، {ولَينْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُه} (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) .
أيها المؤمنون : هل يقِفُ المسلمون موقِفَ المتفرِّجِ؟! وقد قال الله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) أي إنْ لم يَنْصُرْ بعضُكُم بعضاً كانتِ الفتنةُ, وأيُّ فتنةٍ أعظمُ مما يجري في سوريا؟!! لقد استغاث بنا إخوانُنا الضعفاءُ في بلادِ الشام, ونصرةُ المسلمين في كلِّ مكانٍ واجبةٌ، ونصرةُ أهلِنا في سوريا الآنَ واجبٌ شرعي، ويتأكًّدُ إذا طلبوا النُصْرَة، يقول الله العليمُ الحكيم:{ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} أَلَا وإنَّ أهلَكم وإخوانَكم وأولادَكم وبناتِكم في سوريا قدِ استنصروكم في الدين. أبعد هذا الاستنصارِ سكوت؟! أم هل بعد هذا الأنينِ خِذْلان؟
يا أحفادَ أنصارِ رسولِ الله يا أهلَ حضرموت:
أجدادُكم نصروا رسولَ الله وآوَوْه, واقتسمُوا أموالَهم مع إخوانِهِمُ المهاجرينَ الذين أَوَوْا إليهم , فأثنى اللهُ تعالى عليهم بقوله :(وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ ولقد سجَّلَ التاريخُ لأهلِ اليمنِ ولأهلِ حضرموتَ خُصوصاً ,مواقفَ بطوليةً مشرفةً في البَذلِ والعطاء, ونصرةِ المستضعفينَ ونشرِ الدين, فهم أهلُ شهامةٍ ونخوةٍ, وأهلُ إغاثةٍ ونجدة .
عبادَ الله : هذا بابٌ من أبوابِ الجهادِ قد فُتِح , بابُ الإنفاقِ والإغاثة, فيَجِبُ علينا المسارعةُ لنُصْرَتِهم وعَوْنِهم,فلقد كان نبيُّنا يَحْزَنُ إذا رأى بلاءً ونكبةً على مسلم، ويدعو الناسَ للإنفاقِ في سبيلِ الله؛ وعلَّمَنا نبيُّنا كيفَ نتعاملُ مع المنكوبِين، فعندَ مسلمٍ عن جَرِيرِ بنِ عبدالله قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ، عُرَاةٌ، مُجْتَابِي النِّمَارِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، ..فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - أي تغيَّرَ - لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ .. تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». ترى كيفَ سيَكونُ حالُ المصطفى , لو رأى ما حلَّ بإخوانِنا في بلادِ الشام ؟ وماذا تراهُ سيقول ؟
أيها المؤمنون : لعل سائلاً يتساءلُ ويقولُ: وماذا عسايَ أَنْ أُقَدِّم ؟ وكم سيَبْلُغُ دعمُنا مقارنةً بدعمِ أهلِ الخليجِ مثلاً؟! والجوابُ : إن واجبَ الأُخُوَّةِ الإسلاميةِ, يُحتِّم علينا نصرةَ إخوانِنا حسبَ استطاعتِنا, وتأمَّلْ هذا الحديثَ, قال رسولُ الله ( سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ ألفِ دِرْهَم" قيل: وكيفَ ذلكَ يا رسولَ الله ؟"، قال"رَجُلٌ لهُ دِرْهَمَانِ فأخذَ أَحَدَهُمَا فتَصَدَّقَ به، ورَجُلٌ لهُ مالٌ كثيرٌ فأخذَ من عُرْضِ مالهِ مِائَةَ ألفِ دِرْهَمٍ فتصدَّق بها". أخرجهُ النَّسَائِيُّ , ننصرُ إخوانَنا ولو بالقليل, ومع إخلاصِنا وصدقِنا يباركُ اللهُ تعالى فيه, فيكونُ له من الأثرِ أضعافُ أضعافِ ما يتصوَّرُهُ إنسان، ويأتي ما قدَّمْنا وما أنفقْنا حجةً لنا بين يَدَيِ اللهِ تعالى
ولعلَّ آخرَ يتساءلُ: أَوَمَا يُعْفِينَا الذي فينا من غَلاءٍ وبَلاء, والجوابُ : إنَّ صاحبَ الصدقةِ والمعروفِ لا يُنْكَب، إذِ البلاءُ لا يتخطى الصدقة، فهي تدفعُ المصائبَ والكروبَ والشدائدَ والحروب، وترفعُ البلايا والآفاتِ, والأمراضَ والأزماتِ، دلت على ذلك النصوصُ المحكمات، وثبتْ ذلك بالحسِ والتَّجْرِبة، وما دَفَعَ قومٌ البلاءَ عنهم بمثل الإحسانِ إلى غيرهم, قال : "صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوء, والآفاتِ والهَلَكَات" وفي حديث رافعِ بنِ خَدِيجٍ ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً: (الصدقةُ تَسُدُّ سبعين باباً من السوء)
أعوذ بالله من الشيطان ((مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ))
أقولُ ما سمعتم وأستغفرُ الله
الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتنانِه، وصلى اللهُ وسلَّم على نبيِّه الداعي إلى رضوانِه، وعلى آلهِ وصحبِه وإخوانِه.
عبادَ الله: لقد قدَّمَ اللهُ تعالى الجهادَ بالمالِ في أكثرِ الآياتِ قال تعالى: (وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، ولقد أصبحَ الجهادُ بالمالِ علينا واجباً شرعياً، فَلْنَكُنْ من السبَّاقِينَ إليه, المسارِعينَ فيه ,ولا نَكُنْ من الذينَ قال الله فيهم )هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (
أيها المؤمنون : اقتَدُوا بأصحابِ رسولِ اللهِ فلقد ضربوا أروعَ الأمثلةِ , وتسابقوا بالإنفاق في سبيلِ الله تعالى, فعنْ أَسْلَمَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ ، فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً ، فَقُلْتُ : الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا ، قَالَ : فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ قُلْتُ : مِثْلَهُ ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ قَالَ : أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ.
ولما فتحَ الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم بابَ التبرُّعِ في غزوةِ تَبُوكَ كان أوَّلَ القائمينَ عثمانُ بنُ عفانَ رضي الله عنه، إذ قام فقال: عَلَيَّ مائةُ بعيرٍ بأحْلاسِها وأَقْتابِها في سبيلِ الله، فسُرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بذلكَ سروراً عظيماً، ومازال يزيدُ وفَرِحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَحاً عظيماً حتى إنه قال:( ما ضرَّ عثماَن ما عَمِلَ بعْدَ اليوم)، وقد وَصَلَ ما تبرَّعَ به إلى ثلاثِمائِةِ بعير، وفي رواية: تِسْعِمائِةِ بعيرٍ ومائةِ فرس عدا الأموال.
وكانت النساءُ على عهدِ رسولِ الله تُسابقُ الرجالَ في البذلِ والإنفاق ,عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : "أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقاً بي أطولُكُنَّ يداً" يعني أكْثَرَهُنَّ صدقة، وفي رواية الطبراني: "وكانت زينبُ تَغْزِلُ الغَزْلَ وتُعْطِيهِ سرايا النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يستعينون به في مغازيهم". ولَمَّا وَعَظَ النبيُّ النساءَ وأَمَرَهُنَّ بالصدقة, جَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ . رواه مسلم .
فهَلُمُّوا إلى نُصْرةِ إخوانِكُمْ بما تَجُودُ به أنفسُكُم , وكونوا من المسارعين في الخيرات, المسابِقِين للطاعاتِ وسيَتِمُّ جَمْعُ التبرعاتِ بَعْدَ الصلاة .
ألا صلوا وسلموا على رسولِ الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليت على إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيد، وارْضَ عن آلِ بَيْتِهِ الطيبينَ وأصحابِهِ أجْمَعِينَ والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ والحمدُ لله ربِّ العالمين .
اللهم إنا نشكو إليك ضَعْفَ قُوَّتِنَا وقِلَّةَ حِيلَتِنَا أَنْتَ ربُّ المستضعفين , اللهمَّ إنا نشكو إليك دماءً سُفِكَتْ بغيرِ حق, ونشكو إليك أَعْرَاضاً هُتِكَتْ وحُرُمَاتٍ انْتُهِكَتْ وأطفالاً يُتِّمَتْ ونساءً رُمِّلَتْ، وأُمَّهَاتٍ ثُكِّلَتْ، ومساجدَ خُرِّبَتْ وبيوتاً دُمِّرَتْ ، اللهم يا رب إنَّ عِصَابَةَ الأَسَد قد طَغَوْا في البلادِ فـأكثروا فيها الفسادَ فصبَّ عليهم يا ربَّنا سَوْطَ عذاب, وكُنْ لهم بالمرصاد, اللهم حوِّلْ قوَّتَهُمْ ضَعْفاً, وصِحَّتَهُمْ سَقَماً, وسلِّطْ عليهم بلاءً من عندك, اللهم شَتِّتْ شَمْلَهُمْ وفرق جمعَهُم وخالف بين قلوبِهم وَأْتِهِمْ من حيثُ لم يحتسبوا, وردَّ شرَّهُمْ إلى نُحُورِهِمْ , واجْعَلْ تدبيرَهم تدميراً عليهم .
اللهم يا منتقمُ انتقِمْ لدينِكَ وكتابِكَ وحُرُمَاتِك, اللهم انتقمْ لكل أمٍ فُجِعَتْ, ولكلِّ طفلٍ وطفلةٍ قُتِلَتْ, اللهم انتصِرْ للمظلومين, وفرِّجْ كَرْبْ المستضْعَفين وتَقَبَّلْ أمواتَهُمْ في الشهداء , اشْفِ مرضاهم وعافِ مبتلاهُمْ وأبْدِلْهُمْ بعد الخوفِ أمناً, وبعد الذُّلِّ عزةً يا ربَّ العالمين .
اللَّهُمَّ يَا رَافِعَ السَّمَوَاتِ، وَيَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ، وَيَا كَاشِفَ الكُرُبَاتِ، أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي بِلادِ الشَّامِ، اللَّهُمَّ اكْشِفْ كَرْبَهُمْ، وَقَوِّ عَزْمَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عدوِّكَ وعدوِّهِمْ والحمدُ لله ربِّ العالمين.
قوموا إلى صلاتِكُمْ يَرْحَمُكُمُ الله .
إعداد مؤسسة الفجر الخيرية