خطبة موافقة للتعميم -خطر المخدرات

عبدالرحمن السحيم
1444/10/14 - 2023/05/04 17:14PM

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَحَلَّ لِعِبَادِهِ الطَّيِّبَاتِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَالْمُنْكَرَاتِ، الْحَمْدُ للهِ الرَّحِيمِ التَّوَاب، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَاب، ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ –عباد الله- حَقَّ التَّقْوَى، فَأَعْمَارُكُمْ تَمْضِي، وَآجَالُكُمْ تَدْنُو (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فاتقوا الله وتأهّبوا ليومِ لقائِه، فهاهي الأيامُ تجري سِراعًا، والشهورُ تمضـي تِباعًا، والقبورُ مُشـرِعةٌ أفواهَها، والمصيرُ محتومٌ، والأجلُ مكتوب، فرحم اللهُ عبدًا تأهّبَ للخاتمةِ، وجعل دنياهُ لدينِه خادمةً.

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

معاشر المؤمنين:لقد كرَّم اللهُ الإنسانَ بالعقلِ، وجعلَه منَاطَ التكَّليفِ،به تميَّزَ الإنسانُ وتكرَّمَ، وترقّى في شأنِه وتعلَّم، وإذا أزال الإنسانُ عقلَه لم يكن بينه وبين البهائمِ فرقٌ، بل هو أضلُّ منها. وآفةُ كثير من المجتمعاتِ اليومَ: هي الخمر والمسكراتُ والمخدِّرات، أمُّ الخبائثِ والكبائرِ، وأصلُ الشرورِ والمصائبِ، أجمع على ذمِّها العقلاءُ منذ عهدِ الجاهليَّةِ، وترفَّعَ عنها النبلاءُ من قَبْلِ الإسلام، فلمّا جاء الإسلامُ ذمَّها وحرَّمها ولعنَها، ولعنَ شاربَها وعاصرَها ومعتصـرَها وحاملَها والمحمولةَ إليه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِـرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ). والخمرُ كلُّ ما خامرَ العقلَ مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه؛ قالﷺ: (كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ خمرٍ حرامٌ)رواه مسلم، وعن جابرٍ أن النبيَﷺ قال: (كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزَّ وجلَّ عهدًا لمن يشـربُ المسكرَ أن يَسْقيَه من طِيْنَةِ الخَبَالِ)، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: (عَرَقُ أهلِ النارِ) أو: (عُصَارةُ أهلِ النارِ). رواه مسلم.

عبادَ الله: والمخدّراتُ بأنواعِها شرٌّ من الخمر؛ فهي تُفسدُ العقلَ، وتدمَّرُ الجسدَ، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، فهي تشارك الخمرَ في الإسكارِ، وتزيدُ عليها في كثرةِ الأضْرَارِ، وقد أجمع الناسُ كلُّهم من المسلمين والكفَّار على ضررِ الـمُسْكِراتِ والمخدِّراتِ ووبالِها على الأفرادِ والمجتمعات، وتنادتْ لحربِها جميعُ الدولِ وتعاهدتْ، وأدرك الجميعُ مخاطرَها،ومع كلِّ ذلك فقد أبَى بعضُ التائهينَ إلاّ الانحطاطَ إلى دَرَكِ الذلِّةِ والانحِدارَ إلى الـمَهانةِ والقِلَّةِ؛ فأزالوا عقولَهم معارضين بذلك العقلَ والشرعَ والجِبِلَّة.

إِنَّهَا رِحْلَةٌ مَرِيرَةٌ مَعَ دَاءٍ عَاقِبَتُهُ اضْمِحْلَالُ الْإِيمَانِ وَإزِهْاَقُ النُّفُوسِ الْبَرِيئَةِ، وَانْتِهَاكِ الْأَعْرَاضِ الْعَفِيفَةِ، وَضَيَاعٌ لِلشَّبَابِ وَفُقْدَانٌ لِلْهَوِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، إِنَّهُ دَاءٌ يُؤَدِّي إِلَى فَقْدِ كُلِّ مَعَانِي الْإِنْسَانِيَّةِ، وَزَوَالِ كُلِّ مَعَالِمِ الرُّوحِ الْبَشَرِيَّةِ فَمَا أَخْطَرَهُ مِنْ دَاءٍ وَمَا أَشَدَّهُ مِنْ بَلاءِ.

بِهِ تَضِيعُ الْعُقُولُ، وَتُهْدَرَ الْأَمْوَالُ، وَتَتَرَدَّى الْأَخْلَاقُ، وَأَشَدُّ صَرْعَى هَذِهِ الآفَةِ، هُمُ الشَّبَابُ وَالْفَتَيَاتُ الذِينَ هُمْ هَدَفُ أَعْدَاءِ الْأُمَّةِ.

إِنَّ الْمُخَدِّرَاتِ بأنواعها –من حشيش وشبو وغيره- آفَةٌ تَبْدَأُ بِالاسْتِطْلَاعِ، وَمِنْ ثَمَّ التَّعَاطِي، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إِلَى الْإِدمَانِ، وَلَمَّا كَانَ التَّعَاطِي يَنْتَقِلُ إِلَى الشَّخْصِ مِنْ خِلَالِ الرُفَقَاءِ، فَإِنَّ عَلَى الشَّبَابِ أَنْ يَحْذَرُوا مُرَافَقَةَ أَهْلِ السُّوءِ.

إِنَّ الْبَعْضَ مِنَ الشَّبَابِ فِي الْبِدَايَةِ لا يَعرِفُونَ مَعْنَى الْمُخَدِّرَاتِ، لَكِنَّهُمْ يَنْحَرِفُونَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِذَا عَاشَرُوا قُرَنَاءَ السُّوءِ، وَتَصِلُ الْحَالُ بِهِمْ فِي النِّهَايَةِ إِلَى أَنْ يَعْتَزِلُوا أَهْلَهُمْ وَوَالِدَيْهِمْ نَتِيجَةَ تَعَاطِيهِمُ الْمُخَدِّرَات.

وتعاطيه سبب لأن يخسر الشَّابَّ مَالَهُ وَوَظيِفَتَهُ وَسُمْعَتَهُ، وَصِحَّتَهُ وَأَهْلَهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَمَا يَتَعَاطَى الْمُخَدِّرَ وَلا سُيُولَةَ فِي يَدِهِ، يُحَاوِلُ أَنْ يُوجِدَهَا مِنْ خِلَالِ السَّرِقَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الطُّرُقِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ.

وَإِنَّ بعض مُدْمِنَي الْمُخَدِّرَاتِ مُسْتَعِدٌّ أَنْ يَبِيعَ كَرَامَتَهُ وَشَرَفَهُ، لِيَحْصُلَ عَلَى لَذَّةِ سَاعَةٍ، ثُمَّ يَعُودَ لِيَعْرِضَ مَا تَبَقَّى مَا عِنْدَهُ مِنْ شَرَفٍ لِيَبِيعَهُ، أَوْ يَنْتَحِرَ فَيَلْحَقُهُ غَضَبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالانْتِحَارُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ"مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ، وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ واَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُمْهِلُ وَلَكِنَّهُ لا يُهْمِلُ، وَإِذَا أَخَذَ انْتَقَمَ، قَالَ اللهُ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}, فَبَادِرْ بِالتَّوَبَةِ يَا مَنْ قَدْ وَقَعْتَ فِي شِيء مِنْ ذَلِكَ, وَأَبْشِرْ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَابِينَ وَيُحِبُّ المتَطَهْرِينَ, وَيَقْبَلُ التَّائِبِينَ, قال سبحانه {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

عباد الله: لانتشارِ هذا البلاءِ أسبابٌ وبواعث، منها: ضَعفُ الإيمانِ، وضَعفُ الوازعِ الدينيّ، والأزمةُ الروحيَّةُ التي سبَّبتها كثرةُ المعاصي، فأبعدت كثيرا من الناس عن هديِ اللِه وذكِره، وهوَّنت عليهم ارتكابَ أيَّ محظورٍ، وأنتجت قلَّةَ الخوفِ من الله، ومن لم يكن له دينٌ صحيحٌ يمنعُه، فلا عقلَ ينفعُه، ولا زجرَ يردعُه.والفراغُ القاتلُ، والبطالةُ سوقٌ رائجةٌ للمخدِّراتِ والمسكراتِ، خاصةً عند مصاحبةِ أصدقاءِ السوءِ ورِفاقِ الشَّـرِّ، يهوَّنون عليه الأمرَ ويجرَّئونَه على المنكرِ.وتحمِلُ كثيرٌ من وسائلِ الإعلامِ عبئاً كبيرًا من مسؤوليَّةِ ذلك، حين تعْرِضُ البرامجُ والمسلسلاتُ شربَ الخمرِ وقواريرَها على أنَّه أمرٌ طبيعيٌّ، ومن خصائصِ المجتمعاتِ الراقِيةِ، وتُقْحِمُ ذلك في الدعاياتِ للَّهوِ والمتعةِ.

عباد الله:وإنّ من أنَجْعِ سُبُلِ مواجهةِ هذا البلاء: الوَعْيُ بحقائقِ الأمورِ، وإدراكِ حَجْمِ الخطرِ، ثم التكاتُفُ والتآزرُ بين أفرادِ المجتمعِ ومؤسّساته، وإبلاغ الجهات المختصة عن المروجين للمخدرات؛ للحدِّ من هذا الوباءِ وصدِّه قبل استفحالِ الداء، ولا بدَّ من تنميةِ الرقابةِ الذاتيِّةِ بالإيمانِ والخوفِ من اللهِ في قلوبِ الناسِ عامَّةً، والناشِئةِ والشَّبابِ خاصَّة، ولن يردع البشـرَ شيءٌ كوازعِ الدِّيانة، ولا بدَّ من تكثيفِ التوعيةِ بأضرارِ المسْكراتِ والمخدِّراتِ، والتركيزِ على ذلك في المناهجِ الدراسية، وفي وسائلِ الإعلامِ، مع التنْويعِ والتجْديدِ في طُرُقِ التوْعيةِ بأخطارِها.

نسأل الله أن يحفظنا وإياكم والمسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يهدي ضال المسلمين وأن يجعلنا وشبابنا صالحين مصلحين

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى فإنه من صلى عليَّه صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً.  اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وجودك يا أكرم الأكرمين..

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات،

اللهم آمنا في أوطاننا، واصلح أئمتنا وولاة أمورنا،واجعل عملهم في رضاك.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..

عباد الله! اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

1683209732_خطبة موافقة للتعميم عن المخدرات.pdf

1683209736_خطبة موافقة للتعميم عن المخدرات.doc

المشاهدات 1428 | التعليقات 0