خطبة موافقة لتعميم الوزير عن المخدرات ( منقولة )
محمد خلف المطرفي
الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلَّمه البيان، وزيَّنه بالعقل، وشرَّفه بالإيمان، أحمده -سبحانه تعالى- وأشكره؛ أدَّبَنا بالقرآن، وزيَّننا بزينة الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالخير والإحسان، ونهانا عن الفسوق والعصيان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المبعوث بالحق وحسن البيان، صلى الله عليه ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله : أوصيكم ونفسي عظيمة التقصير بتقوى الله فقد فاز المطيع المتقي وخسر المذنب الشقي وهلك العاصي المعتدي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]
عباد الله، يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء:70]؛ لقد ميَّز الله الإنسان عن سائر مخلوقاته بالعقل؛ العقل الذي يميز به بين الخير والشر والحق والباطل والضار والنافع، ولذا جاءت الشرائعُ السماويةِ بالمحافظة على الضرورات الخمس، ومنها العقل، وحمايته عن كل داء وبليَّةٍ تؤثِّرُ فيه أو تُعطِّل فوائدَه؛ حفاظاً على كرامةِ الإنسان، فالعقل هو مناط التكليف.
إن العَبَثَ بالعقل وإفسادَهُ جريمة من أفظع الجرائم، وهو في الدين الإسلامي من الكبائر، ومن أعظم الوسائل التي تُفسِدُ العقلَ تعاطي المسكرات والمفترات والمخدرات؛ لذا جاءت نصوصُ الشرعِ بتحريم كلِّ مُسكِرٍ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة:90-91]، وفي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، وفي رواية مسلم: "وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ"، وفي رواية أخرى: "إِنَّ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"، وهي أم الخبائث فمن تعاطاها أو روَّجها فقد أدخل على نفسه النقص في دينه وماله وعقله، وربما انسلخ من ذلك كلِّه، نسأل الله العافية والسلامة.
أيها المسلمون: لقد حرصَ أعداءُ هذه الأمةِ على إفسادِها، وهدمِ كيانِها، وضربِها في أعزِّ ما تملك، وذلك بإفساد شبابها، وتدمير دينهم وعقولهم وأخلاقهم، وكانت المخدراتُ من أعظم أسلحتهم الفتاكةِ التي صدَّرُوها إلى المجتمعاتِ المسلمةِ؛ لأنها إذا انتشرت في المجتمع قضت على الدين والأخلاق والموارد، والمجتمع الذي تنتشر فيه المخدراتُ يسُودُهُ القلقُ والتَّوتُرُ، ويُخيِّمُ عليه العداوة والبغضاء.
أعداء الدين والوطن يتربصون بالمسلمين وبمجتمعاتهم الدوائر، وفيهم من لا يدين بدين، ولا يرقُبُ في المؤمنين إلاً ولا ذمَّة، ومطيتهم في بعض المجتمعات المجرمُ والمدمن والمهرب والمروج وضعيف الإيمان ممن يبحث عن المالِ والكسب الحرام ولو على حساب دينه ووطنه
عباد الله: وإن خطر المخدرات لأمر مجمع عليه بين العقلاء، ولذلك فإن جميع دول العالم تجرمها، وتمنع منها رسميا بما يترتب عليها من الأضرار العظيمة المدمرة لصحة الإنسان، وحينما نبحث أسباب تعاطي المخدرات في صفوف الشباب نجد أن من أعظم أسباب ذلك: ضعف الوازع الدين، وتدني مستوى التربية لدى كثير منهم، والخواء الروحي، والفراغ الكبير، والتقليد الأعمى، وجلساء السوء، وغير ذلك مما يجسد المسؤولية أولا وقبل كل شيء على الأسرة، وعلى ولي الأمر فيها، فعلى الآباء والأمهات عليهم مسؤولية عظيمة في رعاية أبنائهم، وحسن تربيتهم، والاهتمام بهم، ومتابعتهم، ومراقبة تحركاتهم، وإبعادهم عن قرناء السوء، وشغل أوقات فراغهم بما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، وغرس القيم والمبادئ الفاضلة في نفوسهم، وغرس كراهية هذه الأوبئة، وهذا السم الزعاف في نفوسهم.
عباد الله: إن تربية الأولاد تربية صعبة وشاقه، وتزداد صعوبة في هذا الزمن الذي نعيشه، والذي انفتح العالم فيه بعضه على بعض، ولكن مطلوب من الأب والأم أمران:
الأمر الأول: أن يبذل أسباب هداية الدلالة والإرشاد، فيدل ابنه ويغرس فيه القيم، والمبادئ الفاضلة، ويحذره من الشر.
الأمر الثاني: أن يسأل الله -تعالى- لأولاده هداية الإلهام والتوفيق؛ فإن هداية الإلهام والتوفيق لا يملكها إلا الله -تعالى- وحده: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)[القصص: 56].
والمطلوب أن يوجد الاهتمام من الآباء والأمهات بتربية أولادهم، فيبذلوا جميع الأسباب في سبيل هدايتهم، وصلاحهم، واستقامتهم، وإبعادهم عن مثل هذه المستنقعات التي تدمرهم، وتدمر المجتمع.
ونسأل الله تعالى أن يحمينا وإياكم من كل شر وبلاء وفتنة وأن يوفق رجال مكافحة المخدرات ويحفظهم بحفظه سبحانه وتعالى
الخطبة الثانية
اعلموا -عباد الله- أن من واجبات أفراد هذا المجتمع أن يكونوا فاعلين ومتعاونين مع أجهزة مكافحة المخدرات التي تقوم بدورها البطولي لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد مجتمعنا، وذلك بالإبلاغِ عمَّن يروِّجُ ويهرب وعن أوكارها، فهذا من إنكار المنكر وحفظ الأمن؛ ومن التعاون على البر والتقوى لكفّ الشر والأذى عن المسلمين، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "لا ريبَ أن مكافحةَ المسكراتِ والمخدرات من أعظم الجهاد في سبيل الله، ومن أهمِّ الواجبات التعاون بين أفراد المجتمع في مكافحة ذلك؛ لأن مكافحَتَهَا في مصلحةِ الجميع، ولأن فُشُوَّها ورَواجَها مَضَرَّةٌ على الجميع، ومن قُتِلَ في سبيل مكافحة هذا الشرِّ وهو حَسَنُ النية، فهو من الشهداء، ومن أعان على فضحِ هذه الأوكار وبيانها للمسؤولين، فهو مأجور، وبذلك يعتبر مجاهدًا في سبيل الحقِّ، وفي مصلحة المسلمين وحماية مجتمعهم مما يضرُّ بهم"ا. هـ.
نسأل الله -تعالى- أن يحفظ بلادنا من كيد الكائدين، وخطر المتربصين، وأن يحفظ شباب المسلمين من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلهم هداة مهتدين.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، اللهم ارض عن أبي بكر الصديق، وعن عمر بن الخطاب، وعن عثمان بن عفان، وعن علي بن أبي طالب، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين. وانصر عبادك الموحدين
اللهم احفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان لما فيه صلاح للبلاد والعباد ووفقهم لنصرة كتابك وسنة نبيك برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء، اللهم فأشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرا عليه، يا قوي يا عزيز، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.