خطبة : ( موازنة بعد الموازنة )

عبدالله البصري
1438/03/24 - 2016/12/23 05:10AM
موازنة بعد الموازنة 24 / 3 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في سَنَوَاتٍ مَضَت وَخِلالَ عُقُودٍ خَلَت ، كَانَت مُوَازَنَةُ الدَّولَةِ تُعلَنُ ، فَيَسمَعُهَا النَّاسُ أَو يَقرَؤُونَهَا ، فَيَشكُرُونَ اللهَ وَيَحمَدُونَهُ عَلَى وَاسِعِ فَضلِهِ وَعَظِيمِ مِنَّتِهِ وَعَطَائِهِ ، وَكَانَ أَكثَرُهُم يَمُرُّ بِإِعلانِ المُوَازَنَةِ مُرُورَ الكِرَامِ ، غَيرَ مُهتَمٍّ بِهِ ذَاكَ الاهتِمَامَ ، لا لأَنَّهُم لم يَكُونُوا يَفرَحُونَ بِفَضلِ اللهِ ، وَلَكِنْ لإِيمَانِهِم بِأَنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ ، وَأَنَّهُ مَا مِن دَابَّةٍ في الأَرضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزقُهَا وَيَعلَمُ مُستَقَرَّهَا وَمُستَودَعَهَا ، وَلاتِّصَافِهِم بِالقَنَاعَةِ بِمَا قُسِمَ لَهُم ، وَرِضَا نُفُوسِهِم بِمَا تَيَّسَرَ لَهُم وَتَعَقُّلِهِم وَبُعدِ نَظَرِهِم ، وَتَركِهِم مَا لا يَعنِيهِم وَإِعرَاضِهِم عَنِ الخَوضِ فِيمَا لا يَنفَعُهُم ، لَقَد كَانَت تِلكَ الأُمُورُ وَغَيرُهَا تَمنَعُهُم مِن كَثِيرٍ مِمَّا نُشَاهِدُهُ الآنَ أَو نَقرَؤُهُ في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجتِمَاعِيِّ وَالإِعلامِ ، مِن تَعلِيقَاتٍ تَعقُبُ إِعلانَ المُوَازَنَةِ وَانتِقَادَاتٍ ، وَتَعَمُّقٍ في تَحلِيلِ الوَاقِعِ وَمُبَالَغَةٍ في استِشرَافِ المُستَقبَلِ ، وَخَوفٍ مِمَّا يَكُونُ قَدِ اعتَرَى الاقتِصَادَ مِن تَدَهوُرٍ أَوِ انهِيَارٍ ، وَهِيَ الأُمُورُ الَّتِي قَد تَدُلُّ فِيمَا تَدُلُّ عَلَيهِ ، عَلَى أَنَّ القُلُوبَ قَد تَعَلَّقَت بِالدُّنيَا تَعَلُّقًا كَبِيرًا ، وَغَفَلَت عَنِ الآخِرَةِ وَالمُستَقبَلِ الحَقِيقِيِّ كَثِيرًا ، وَجَعَلَت هَمَّهَا التَّكَثُّرَ وَالمُكَاثَرَةَ وَجَمَعَ الحُطَامِ .
وَالحَقُّ يَا عِبَادَ اللهِ ، أَنَّ المُؤمِنَ وَإِن كَانَ يَطمَحُ في مَزِيدٍ مِنَ الخَيرِ وَيَأمَلُ الغِنى ، وَيَفرَحُ بما يَقَعُ في يَدِهِ مِن مَالٍ يُغنِيهِ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ ، إِلاَّ أَنَّهُ لا يُعَلِّقُ قَلبَهُ بِغَيرِ خَالِقِهِ وَرَازِقِهِ الَّذِي بِيَدِهِ كُلُّ أَمرِهِ ، وَلا يَكُونُ غَايَةَ مَا يُفرِحُهُ أَو يُحزِنُهُ كَثرَةُ مَا بِيَدِهِ أَو قِلَّتُهُ ، دُونَ نَظَرٍ إِلى اعتِبَارَاتٍ أُخرَى ، هِيَ لَدَى أَهلِ الإِيمَانِ المِقيَاسُ الَّذِي بِهِ يَعرِفُونَ مِقدَارَ استِفَادَتِهِم مِمَّا في أَيدِيهِم وَإِن قَلَّ ، فَوُجُودُ البَرَكَةِ في الأَرزَاقِ ، وَانتِشَارُ الأَمنِ في الأَوطَانِ ، وَطُولُ العَافِيَةِ في الأَبدَانِ ، وَسَلامَةُ الدِّينِ وَالأَعرَاضِ ، وَاجتِمَاعُ الكَلِمَةِ وَاتِّحَادُ الصَّفِّ ، كُلُّ أُولَئِكَ مِمَّا يَجعَلُهُ المُؤمِنُونَ في أَولَوِيَّاتِ مَا يَهتَمُّونَ بِهِ ، وَيَسأَلُونَ اللهَ أَن يُتِمَّهُ عَلَيهِم وَيُدِيمَهُ فِيهِم ، إِذْ مَا قِيمَةُ المَالِ وَالغِنى ، في ظِلِّ غِيَابِ الأَمنِ وَانتِشَارِ الخَوفِ وَذَهَابِ الطُّمَأنِينَةِ ، وَأَيُّ شَيءٍ يُغنِي الثَّرَاءُ وَالرَّفَاهِيَةُ عَنِ النَّاسِ ، إِذَا ضَعُفَ دِينُهُم وَتَفَرَّقَ صَفُّهُم ، وَفَقَدُوا ثِقتَهُم في بَعضِهِم ، وَأَيُّ طَعمٍ لِلحَيَاةِ إِذَا احتَلَّ العَدُوُّ الدِّيَارَ وَانتَهَكَ الأَعرَاضَ ؟! وَصَدَقَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – حَيثُ قَالَ : " مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ ، مُعَافًى في جَسَدِهِ ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ – لَقَد شَغَلَ النَّاسُ في هَذِهِ الأَزمِنَةِ أَنفُسَهُم في مَسَائِلِ مَحسُومَةٍ وَأَرزَاقٍ مَقسُومَةٍ ، لَن يُعَجَّلَ شَيءٌ منها قَبلَ مَحِلِّهِ أَو يُؤَخَّرَ شَيءٌ عَن أَجَلِهِ ...
سَهِرَتْ أَعيُنٌ وَنَامَتْ عُيُونُ
في شُؤُونٍ تَكُونُ أَو لا تَكُونُ
فَدَعِ الهَمَّ مَا استَطَعتَ فحِمْـ
ـلانُكَ الهَمُومَ جُنُونُ
إِنَّ ربًّا كَفَاكَ مَا كَانَ بِالأَمـ
ـسِ سَيَكفِيكَ في غَدٍ مَا يَكُونُ
وَخَيرٌ مِن ذَلِكَ وَأَصدَقُ قَولُ الصَّادِقِ المَصدُوقِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ أَحَدَكُم يُجمعُ خَلقُهُ في بَطنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَومًا ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيُؤمَرُ بِأَربَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ : اُكتُبْ عَمَلَهُ وَرِزقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ ... " الحَدِيثَ أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
فَيَا للهِ ، كَم يَتَحَمَّلُ مِنَ الهَمِّ وَيَحمِلُ مِنَ الغَمِّ ، مَن جَعَلَ تَحصِيلَ هَذَا المَالِ وَتَكثِيرَهُ هُوَ غَايَةَ مَا يَصبُو إِلَيهِ وَتَتَطَلَّعُ إِلَيهِ نَفسُهُ ، وَكَم يَحرِمُ نَفسَهُ مِن طُمَأنِينَةِ القَلبِ وَانشِرَاحِ الصَّدرِ وَرَاحَةِ البَالِ ، مَن تَوَكَّلَ في رِزقِهِ عَلَى غَيرِ رَبِّهِ وَخَالِقِهِ ، وَاشتَغَلَ بِمُتَابَعَةِ الحَالَةِ الاقتِصَادِيَّةِ وَالأَسوَاقِ العَالَمِيَّةِ !! وَصَدَقَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – إِذ قَالَ : " مَن كَانَتِ الدُّنيَا هَمَّهُ ، فَرَّقَ اللهُ عَلَيهِ أَمرَهُ ، وَجَعَلَ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ ، وَلم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ ، وَمَن كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ ، جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمرَهُ ، وَجَعَلَ غِنَاهُ في قَلبِهِ ، وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَمَا لَم يَتَّصِفُ المَرءُ بِالقَنَاعَةِ وَالرِّضَا بما قُسِمَ لَهُ ، فَلا وَاللهِ فَلَن يَشبَعَ وَلَو مُلِئَت لَهُ الأَرضُ ذَهَبًا ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَيسَ الغِنى عَن كَثرَةِ العَرَضِ ، وَلَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَو كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِن مَالٍ لابتَغَى إِلَيهِمَا ثَالِثًا ، وَلا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن تَابَ "رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَمَن ثِمَّ فَقَد كَانَ مِن دُعَائِهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ ، وَمِن قَلبٍ لا يَخشَعُ ، وَمِن نَفسٍ لا تَشبَعُ ، وَمِن دَعوَةٍ لا يُستَجَابُ لَهَا" رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
إِنَّ الغِنى وَكَثرَةَ مَا في يَدِ الإِنسَانِ ، لَيسَت خَيرًا لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَقَد لا يَكتَسِبُ مِن وَرَائِهَا إِلاَّ الطُّغيَانَ وَالافتِتَانَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ ، وَقَد تَكُونُ هِيَ حَظَّهُ المُعَجَّلَ في الدُّنيَا ، ثم لا يَكُونُ لَهُ في الآخِرَةِ إِلاَّ الخَيبَةُ وَالخُسرَانُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " كَلاَّ إِنَّ الإنسَانَ لَيَطغَى . أَنْ رَآهُ استَغنَى "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَيَومَ يُعرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذهَبتُم طَيِّبَاتِكُم في حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا وَاستَمتَعتُم بِهَا فَاليَومَ تُجزَونَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنتُم تَستَكبِرُونَ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَبِمَا كُنتُم تَفسُقُونَ "
وقَالَ – تَعَالى – لِنَبِيِّهِ : " وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى "
وَلَمَّا دَخَلَ عَلَيهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - وَإِذَا هُوَ مُضطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ قَد أَثَّرَ في جَنبِهِ ، فَهَمَلَت عَينَا عُمَرُ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنتَ صَفوَةُ اللهِ مِن خَلقِهِ ، وَكِسرَى وَقَيصَرُ فِيمَا هُم فِيهِ ! فَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : أَوَفِي شَكٍّ أَنتَ يَابنَ الخَطَّابِ ؟! أُولَئِكَ قَومٌ عُجِّلَت لَهُم طَيِّبَاتُهُم في حَيَاتِهِمُ الدُّنيَا "
وَعَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : نَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِلى الجُوعِ في وُجُوهِ أَصحَابِهِ فَقَالَ : " أَبشِرُوا ؛ فَإِنَّهُ سَيَأتي عَلَيكُم زَمَانٌ يُغدَى عَلَى أَحَدِكُم بِالقَصعَةِ مِنَ الثَّرِيدِ وَيُرَاحُ عَلَيهِ بِمِثلِهَا " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، نَحنُ يَومَئِذٍ خَيرٌ . قَالَ : " بَل أَنتُمُ اليَومَ خَيرٌ مِنكُم يَومَئِذٍ " رَوَاهُ البَزَّارُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ .
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا طَلَعَت شَمسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ ، يُسمِعَانِ أَهلَ الأَرضِ إِلاَّ الثَّقَلَينِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلى رَبِّكُم ، فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى ، خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلهَى ..." الحَدِيثَ رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَإِيَّاكُم أَن تَكُونَ الدُّنيَا هِيَ شُغلَكُم وَهَمَّكُم ، وَاحذَرُوا أَن تَكُونُوا مِمَّن يَربِطُونَ رِضَاهُم عَن وُلاتِهِم بِالمَالِ ، فَقَد أَخرَجَ الشَّيخَانِ أَنَّهُ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُم اللهُ وَلا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضلِ مَاءٍ يَمنَعُهُ ابنَ السَّبِيلِ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً سِلعَةً بَعدَ العَصرِ فَحَلَفَ بِاَللهِ لَقَد أَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيرِ ذَلِكَ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لا يُبَايِعُهُ إلاَّ لِدُنيَا فَإِن أَعطَاهُ مِنهَا وَفى لَهُ ، وَإِنْ لم يُعطِهِ لم يَفِ لَهُ "
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " اِعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ . سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاذكُرُوهُ وَلا تَنسَوهُ ، فَقَد تَكَفَّلَ – سُبحَانَهُ - لِكُلِّ عَبدٍ بِرِزقِهِ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ ، فَمَا عَلَى العَبدِ إِلاَّ أَن يَتقِيَ رَبَّهُ بِفِعلِ أَوَامِرِهِ وَاجتِنَابِ نَوَاهِيهِ ، وَأَن يُحَافِظَ عَلَى شَعَائِرِ دِينِهِ وَخُصُوصًا الصَّلاةَ وَصِلَةَ الأَرحَامِ وَالبِرَّ بِالوَالِدَينِ ، وَأَن يُكثِرَ مِنَ التَّوبَةِ وَالاستِغفَارِ وَالشُّكرِ ، وَأَن يتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ في طَلَبِ الرِّزقِ حَقَّ التَّوَكُّلِ ، فَتِلكَ هِيَ وَاللهِ الأَسبَابُ الشَّرعِيَّةُ العَظِيمَةُ ، الَّتي يَجِبُ التَّمَسُّكُ بِهَا وَالتَّعَلُّقُ بِأَطرَافِهَا ، لِيَكُونَ النَّاسُ في سَعَةٍ وَيُسرٍ وَغِنًى ، وَلِيُبَارَكَ لَهُم في الرِّزقِ وَتَتَّسِعَ في وُجُوهِهِم أَبوَابُهُ ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ ، وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى "
وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا - : " وَأَنِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُمَتِّعْكُم مَتَاعًا حَسَنًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤتِ كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَهُ "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاء عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَل لَّكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَل لَّكُم أَنهَارًا "
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ له في رِزقِهِ ، وَيُنسَأَ له في أَثَرِهِ ، فَليَصِلْ رَحِمَه " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَو أَنَّكُم تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ ، لَرَزَقَكُم كَمَا يَرزُقُ الطَّيرَ ، تَغدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ .
المرفقات

1221.doc

موازنة بعد الموازنة.doc

موازنة بعد الموازنة.doc

موازنة بعد الموازنة.pdf

موازنة بعد الموازنة.pdf

المشاهدات 1546 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا