خطبة : ( من وحي الهجرة )

عبدالله البصري
1434/01/01 - 2012/11/15 18:58PM
من وحي الهجرة 2 / 1 / 1434


الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، المُؤمِنُ في هَذِهِ الدُّنيَا مُبتَلًى وَلا بُدَّ ، وَلَمَّا كَانَ الابتِلاءُ في الدِّينِ هُوَ أَشَدَّ أَنَوَاعِ الابتِلاءِ ، شَرَعَ اللهُ لِعِبَادِهِ الهِجرَةَ مِنَ المَنَازِلِ وَالأَوطَانِ ، وَالخُرُوجَ مِن دَارِ الكُفرِ إِلى دَارِ الإِيمَانِ .
وَقَد هَاجَرَ الأَنبِيَاءُ وَالمُرسَلُونَ ، وَالصَّحَابَةُ وَالعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ ، فَتَرَكُوا الدِّيَارَ وَفَارَقُوهَا ، وَخَلَّفُوا الأَهلَ وَالأَموَاَل وَفَرُّوا بِدِينِهِم ، فَعَلُوا ذَلِكَ رَغبَةً فِيمَا عِندَ اللهِ وَطَمَعًا في رَحمَتِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرجُونَ رَحمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "

وَقَد كَانَت هِجرَةُ نَبِيِّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن مَكَّةَ إِلى المَدِينَةِ أَشرَفَ الهِجرَاتِ وَأَشهَرَهَا وَأَعظَمَهَا ، وَمِن ثَمَّ فَقَدِ اختَارَهَا عُمَرُ الفَارُوقُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ لِتَكُونَ نُقطَةَ البِدَايَةِ لِتَأرِيخِ أَهلِ الإِسلامِ ، فَرَضِيَ اللهُ عَنهُ مَا كَانَ أَفقَهَهُ ! فَإِنَّ تِلكَ الهِجرَةَ المُبَارَكَةَ ، كَانَت فَاصِلَةً بَينَ زَمَنَينِ وَفَارِقَةٍ بَينَ عَهدَينِ ، عَهدٍ كَانَ المُسلِمُونَ فِيهِ قَلِيلِينَ مُستَضعَفِينَ خَائِفِينَ ، وَآخَرَ غَدَوا فِيهِ كَثِيرِينَ أَقوِياءَ مَنصُورِينَ .
وَقَد هَاجَرَ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن دِيَارِهِم وَمَنَازِلِهِم في مَكَّةَ ، كَرَاهَةً مِنهُم لِلنُّزُولِ بَينَ أَظهُرِ المُشرِكِينَ وَفي سُلطَانِهِم ، إِذْ كَانُوا لا يَأمَنُونَ فِتنَتَهُم لَهُم في دِيَارِهِم ، فَانتَقَلُوا إِلى المَدِينَةِ ، حَيثُ المَوضِعُ الَّذِي أَمِنُوا فِيهِ عَلَى أَنفُسِهِم ، وَالأَنصَارُ الَّذِينَ سَاعَدُوهُم عَلَى إِظهَارِ دِينِهِم ، ثم مَا زَالُوا حَتى لَحِقَ بِهِم إِمَامُهُم وَقَائِدُهُم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ، فَبَدَؤُوا مَرحَلَةَ الجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ لإِعلاءِ كَلِمَتِهِ وَمُقَاوَمَةِ أَعدَائِهِ ، فَجَمَعُوا إِيمَانًا وَهِجرَةً وَجِهَادًا ، فَانتَشَلُوا أَنفُسَهُم بِتِلكَ الأَعمَالِ الثَّلاثَةِ مِنَ الخُسرَانِ ، وَنَالُوا بها الرِّبحَ وَفَازُوا بِرَحمَةِ اللهِ .
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَقَد هَجَرَ أَسلافُكُم قَومَهُم مِن أَهلِ الكُفرِ وَالشِّركِ ، وَنَابَذُوا عَشِيرَتَهُمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَخَرَجُوا مِن دِيَارِهِم لأَنَّهُم لم يَستَطِيعُوا أَن يُظهِرُوا فِيهَا دِينَهُم ، وَفَارَقُوا الأَحبَابَ وَالخِلاَّنَ وَالإِخوَانَ وَالجِيرَانَ ، وَآوَوا إِلى إِخوَانِهِم مِن أَهلِ الإِيمَانِ بِاللهِ وَالتَّصدِيقِ بِرَسُولِهِ ، فَآوَوهُم في مَنَازِلِهِم ، وَوَاسَوهُم في أَموَالِهِم ، وَنَصَرُوا اللهَ وَرَسُولَهُ بِالقِتَالِ مَعَهُم ، فَحَصَلَ بِهَذَا بَينَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ عَقدُ مُوَالاةٍ وَمَحَبَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ ، وَصَارَ بَعضُهُم أَولِيَاءَ بَعضٍ في ذَاتِ اللهِ ، وَصَارُوا هُمُ المُؤمِنِينَ حَقًّا وَصِدقًا ، بِذَلِكَ امتَدَحَهُم رَبُّهُم حَيثُ قَالَ ـ تعالى ـ : " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولَـئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُم مَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ "
وَلأَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ قَد وَعَدَ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ فَقَالَ : " وَالَّذِينَ هَاجَرُوا في اللهِ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُم في الدُّنيَا حَسَنَةً وَلأَجرُ الآخِرَةِ أَكبَرُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ " فَقَد تَحَقَّقَ لأُولَئِكَ المُهَاجِرِينَ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا بِالأَذِيَّةِ وَالمِحنَةِ مِن قَومِهِم ، تَحَقَّقَ لهمُ الثَّوَابُ العَاجِلُ في الدُّنيَا مِنَ الرِّزقِ الوَاسِعِ وَالعَيشِ الهَنِيءِ ، فَرَأَوهُ عَيَانًا بَعدَمَا هَاجَرُوا وَانتَصَرُوا عَلَى أَعدَائِهِم ، وَافتَتَحُوا البُلدَانَ وَغَنِمُوا مِنهَا الغَنَائِمَ العَظِيمَةَ ، فَتَمَوَّلُوا وَتَوَسَّعَت أَرزَاقُهُم ، وَآتَاهُمُ اللهُ في الدُّنيَا حَسَنَةً ، " وَلأَجرُ الآخِرَةِ " الَّذِي وَعَدَهُمُ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ خَيرٌ لَهُم وَ" أَكبَرُ " مِن أَجرِ الدُّنيَا .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَمَّا هَاجَرَ المُسلِمُونَ الأَوَائِلُ طَمَعًا فِيمَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلمُهَاجِرِينَ مِن رَحمَةٍ وَنَصرٍ وَتَمكِينٍ ، نَالُوا مَا أَمَّلُوا وَحَصَّلُوا أَعظَمَ الثَّمَرَاتِ ، وَأَكرَمَهُمُ اللهُ بِخَصَائِصَ لم يَنَلْهَا غَيرُهُم ، فَقَد كَانَتِ الهِجرَةُ سَبَبًا لِلتَّوبَةِ عَلَيهِم وَغُفرَانِ ذُنُوبِهِم ، وَتَقَدُّمِهِم غَيرَهُم وَإِمَامَتَهُم مَن جَاءَ بَعدَهُم في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لِعَمرِو بنِ العَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : " أَمَا عَلِمتَ أَنَّ الإِسلامَ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ ؟! وَأَنَّ الهِجرَةَ تَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا ؟! وَأَنَّ الحَجَّ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ ؟! " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَؤُمُّ القَومَ أَقرَؤُهُم لِكِتَابِ اللهِ ، فَإِن كَانُوا في القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعلَمُهُم بِالسُّنَّةِ ، فَإِن كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقدَمُهُم هِجرَةً ... " الحَدِيثَ رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَنَا زَعِيمٌ لِمَن آمَنَ بي وَأَسلَمَ وَهَاجَرَ بِبَيتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ وَبِبَيتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لِعَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ : أَتعَلَمُ ؟ أَوَّلُ زُمرَةٍ تَدخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتي فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ ، يَأتُونَ يَومَ القِيَامَةِ إِلى بَابِ الجَنَّةِ وَيَستَفتِحُونَ فَيَقُولُ لَهُمُ الخَزَنَةُ : أَوَ قَد حُوسِبتُم ؟ قَالُوا : بِأَيِّ شَيءٍ نُحَاسَبُ وَإِنَّمَا كَانَت أَسيَافُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا في سَبِيلِ اللهِ حتى مِتنَا عَلَى ذَلِكَ ؟ فَيُفتَحُ لَهُم فَيَقِيلُونَ فِيهَا أَربَعِينَ عَامًا قَبلَ أَن يَدخُلَهَا النَّاسُ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعِندَ مُسلِمٍ أَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِلى المَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيهِ الطُّفَيلُ بنُ عَمرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ ، فَاجتَوَوُا المَدِينَةَ ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بها بَرَاجِمَهُ ، فَشَخَبَت يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ ، فَرَآهُ الطُّفَيلُ بنُ عَمرٍو في مَنَامِهِ ، فَرَآهُ وَهَيئَتُهُ حَسَنَةٌ ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيهِ ، فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : غَفَرَ لي بِهِجرَتي إِلى نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : مَا لي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيكَ ؟ قَالَ : قِيلَ لي لَن نُصلِحَ مِنكَ مَا أَفسَدتَ . فَقَصَّهَا الطُّفَيلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اللَّهُمَّ وَلِيَدَيهِ فَاغفِرْ "

عِبَادَ اللهِ ، مِن فَضلِ اللهِ عَلَى المُؤمِنِينَ أَنَّ الهِجرَةَ مَا زَالَت بَاقِيَةً إِلى يَومِ القِيَامَةِ ، بَل مَندُوبَةٌ في أَحوَالٍ وَوَاجِبَةٌ في أَحوَالٍ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تَنقَطِعُ الهِجرَةُ حَتى تَنقَطِعَ التَّوبَةُ ، وَلا تَنقَطِعُ التَّوبَةُ حَتى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِهَا " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ الهِجرَةَ لا تَنقَطِعُ مَا كَانَ الجِهَادُ " رَوَاهُمَا أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُمَا الأَلبَانيُّ .
وَأَمَّا قَولُهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : بَعدَ فَتحِ مَكَّةَ : " لا هِجرَةَ بَعدَ الفَتحِ " فَإِنَّمَا قَصَدَ الهِجرَةَ مِن مَكَّةَ إِلى المَدِينَةِ ، لأَنَّ مَكَّةَ صَارَت دَارَ إِسلامٍ وَإِيمَانٍ ، وَأَمَّا الهِجرَةُ مِن دَارِ الكُفرِ إِلى دَارِ الإِيمَانِ فَبَاقِيَةٌ ، إِمَّا وُجُوبًا عَلَى مَن لم يُمكِنْهُ إِظهَارُ دِينِهِ وَلا أَدَاءُ وَاجِبَاتِهِ ، وَإِمَّا استِحبَابًا في حَقِّ مَن أَمكَنَهُ إِظهَاُر دِينِهِ وَأَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ ، وَذَلِكَ لِتَكثِيرِ المُسلِمِينَ في بِلادِ الإِسلامِ ، وَلِمَعُونَتِهِم وَجِهَادِ الكُفَّارِ وَالأَمنِ مِن غَدرِهِم وَالرَّاحَةِ مِن رُؤيَةِ المُنكَرِ بَينَهُم ، أَلا وَإِنَّ أَولى النَّاسِ بِهَذِهِ الهِجرَةِ في زَمَانِنَا هُم أَبنَاءُ المُسلِمِينَ ، الَّذِينَ بُلُوا بِهَذِهِ البِعثَاتِ إِلى دِيَارِ الكُفَّارِ وَهُم صِغَارٌ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ أَكثَرَهُم تَأَثَّرَ بما عَلَيهِ أُولَئِكَ الكُفَّارُ وَأَخَذَ مِن أَخلاقِهِم ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّـاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَّالِمِى أَنفُسِهِم قَالُوا فِيمَ كُنتُم قَالُوا كُنَّا مُستَضعَفِينَ في الأرضِ قَالُوا أَلَم تَكُنْ أَرضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهَـاجِرُوا فِيهَا فَأُولَـئِكَ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَسَاءَت مَصِيرًا . إِلاَّ المُستَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلدانِ لاَ يَستَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهتَدُونَ سَبِيلاً . فَأُولَـئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعفُوَ عَنهُم وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا " فَمَا أَحرَاهُم أَن يَقَرُّوا في دِيَارِ الإِسلامِ وَلا تَكُونَ الدُّنيَا هِيَ أَكبَرَ هَمِّهِم ، فَيُضِيعُوا لأَجلِهَا دِينَهُم وَيَهدِمُوا أَخلاقَهُم ، فَإِنَّ مَن تَرَكَ شَيئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيرًا مِنهُ " وَمَن يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ في الأَرضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخرُجْ مِن بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدرِكْهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا "


الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمَعَ وُجُوبِ الهِجرَةِ مِن دَارِ الكُفرِ إِلى دَارِ الإِيمَانِ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ نَوعًا مِنَ الهِجرَةِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ مُكَلَّفٍ وَلَو كَانَ في دِيَارِ الإِسلامِ وَبَينَ أَظهُرِ المُسلِمِينَ ، ذَلِكُم هُوَ هَجرُهُ كُلَّ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ وَمَنَعَهُ مِنهُ ، وَالهِجرَةُ إِلى مَا أَحَلَّهُ لَهُ وَرَضِيَهُ ؛ لأَنَّ هَذَا هُوَ غَايَةُ خَلقِهِ وَهَدفُ استِخلافِ اللهِ لَهُ في الأَرضِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَعِندَ أَحمَدَ وَغَيرِهِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " المُؤمِنُ مَن أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم ، وَالمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ الخَطَايَا وَالذُّنُوبَ "
وَإِنَّ هَذَا المَعنى العَظِيمَ لِلهِجرَةِ ، هُوَ الَّذِي تَحتَاجُهُ الأُمَّةُ اليَومَ كَثِيرًا ، إِذْ إِنَّ فِيهَا مَن شَابَت لِحَاهُم في الإِسلامِ وَمَا زَالُوا مُقِيمِينَ عَلَى كَبَائِرَ وَمُخَالَفَاتٍ عَقَدِيَّةٍ ، أَو يَأتُونَ مُوبِقَاتٍ وَعَظَائِمَ جَاهِلِيَّةً ، وَآخَرِينَ تَمُرُّ بِهِمُ الأَيَّامُ وَتَختَرِمُ أَعمَارَهُمُ السَّنَوَاتُ ، وَهُم مَا زَالُوا مُصِرِّينَ عَلَى حِنثٍ عَظِيمٍ ، أَو مُتَسَاهِلِينَ بِارتِكَابٍ مَعَاصِيَ وَاقتِرَافِ سَيِّئَاتٍ ، مِمَّا حَرَمَ المُجتَمَعَاتِ كَثِيرًا مِنَ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ ، وَأَذهَبَ رَاحَةَ النُّفُوسِ وَطُمَأنِينَةَ القُلُوبِ ، وَمَلأَ الصُّدُورَ حَرَجًا وَجَعَلَ مَعِيشَةَ الكَثِيرِينَ ضيقًا وَضَنكًا .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَهَاجِرُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ ، إِيمَانًا بِهِ ـ تَعَالى ـ وَاتِّبَاعًا لِرَسُولِهِ ، وَتَحقِيقًا لِلتَّوحِيدِ وَاجتِنَابًا لِلشِّركِ ، وَنَبذًا لِلبِدَعِ وَاتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ ، وَمُجَانَبَةً لأَهلِ الأَهوَاءِ وَإِعرَاضًا عَنِ الجَاهِلِينَ ، وَتَوبَةً مِن جَمِيعِ المَعَاصِي وَالكَبَائِرِ " فَفِرُّوا إِلى اللهِ إِني لَكُم مِنهُ نَذِيرٌ مُبيِنٌ . وَلا تَجعَلُوا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ إِني لَكُم مِنهُ نَذِيرٌ مَبِينٌ "
المشاهدات 3651 | التعليقات 3

وتجدون في هذه المشاركة ملف الخطبة ( وورد )

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/من%20وحي%20الهجرة.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/من%20وحي%20الهجرة.doc


جزاك الله خيرا خطبة رائعة هادفة


جزاك الله خيرا
خطبة رائعة كما عودتنا شيخنا لكن لو ذكرت بصوم يوم عاشوراء