(خطبة) من هم أهل الأعراف ؟

خالد الشايع
1442/01/08 - 2020/08/27 16:15PM

خطبة ( أصحاب الأعراف ) 9/1/1442

أما بعد فيا أيها الناس : إن من عقيدة أهل السنة والجماعة ، الإيمان بالبعث والنشور وباليوم الآخر ، وهو من أركان الإيمان التي لا يقبل الله من عبد عملا حتى يؤمن به ، فمن أنكر البعث فقد كفر ، قال تعالى ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ) ، ثم إذا بعث الناس انقسموا إلى فريقين ، كما قال تعالى ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) وقال ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون )

غير أن هنالك فئةً تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم يرجح بعضها ببعض ، فهؤلاء هم أهل الأعراف ، الذين ذكرهم الله في سورة الأعراف ، وسميت السورة باسمهم ، يقول تعالى (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ(46)وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(47)وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ(48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ(49))

لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار ، نبه أن بين الجنة والنار حجابا ، وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة .
قال ابن جرير : وهو السور الذي قال الله تعالى : ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) [ الحديد : 13 ] وهو الأعراف الذي قال الله تعالى : ( وعلى الأعراف رجال ) .
قال ابن جرير : والأعراف جمع " عرف " ، وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى " عرفا " ، وإنما قيل لعرف الديك عرفا لارتفاعه .
واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم ، وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد ، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم . نص عليه حذيفة ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وغير واحد من السلف والخلف ، رحمهم الله .

وقال عبد الله بن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي قال : قال سعيد بن جبير ، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال يحاسب الناس يوم القيامة ، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار . ثم قرأ قول الله : ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) [ المؤمنون : 102 ، 103 ] ثم قال : إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ، قال : ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف ، فوقفوا على الصراط ، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا : سلام عليكم ، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أصحاب النار قالوا : ( ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ) فتعوذوا بالله من منازلهم . قال : فأما أصحاب الحسنات ، فإنهم يعطون نورا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ، ويعطى كل عبد يومئذ نورا ، وكل أمة نورا ، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة . فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا : ( ربنا أتمم لنا نورنا ) [ التحريم : 8 ] . وأما أصحاب الأعراف ، فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع ، فهنالك يقول الله تعالى : ( لم يدخلوها وهم يطمعون ) فكان الطمع دخولا . قال : وقال ابن مسعود : على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر ، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة . ثم يقول : هلك من غلبت واحدته أعشاره .
رواه ابن جرير وقال أيضا :
وقال معمر ، عن الحسن : إنه تلا هذه الآية : ( لم يدخلوها وهم يطمعون ) قال : والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم ، إلا لكرامة يريدها بهم .
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، أقول قولي هذا ........

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : إن أصحاب الأعراف في منزلة قد يتمناها البعض ، ويقول طالما أنهم سلموا من النار فهذا فوز عظيم ، ونقول إن هذا الكلام صحيح ، فالله جل جلاله يقول ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) غير أن نبينا صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى علو الهمة ، وطلب الفردوس الأعلى من الجنة ، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، مابين الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، فوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة )

وأهل الأعراف يصيبهم ما يكفر بعض ذنوبهم وهم على الأعراف ، وهو ذلك الهم والحزن والخوف ، إذا اطلعوا على أهل الجنة والنار ، فهم بين خوف ورجاء ، فإذا اطلعوا على أهل الجنة سلموا عليهم ، وإذا اطلعوا على أهل النار ، تعوذوا بالله من مآلهم .

عباد الله : إن المتأمل في حال أهل الأعراف ، يجد أن نفسه المطمئنة تدعوه للتشمير عن ساعد الجد في جمع الحسنات ، حتى تثقل موازينه يوم القيامة ، فلنستكثر من كل عمل صالح ولنخلص النية لننتفع به يوم القيامة في الميزان ، كما تدعوه للتوبة من الذنوب والموبقات ، حتى ينجو يوم القيامة ، كما يحذر من النار التي هي مصير أهل الذنوب والشهوات ، ويعلم العبد أن هذه الدنيا لا تساوي شيئا عند الآخرة ، وأن المفرط في كسب الحسنات ، سيندم يوم لا ينفع الندم ، كما نعلم من ذلك حال ومآل المستكبرين والرؤساء ، فإن أهل الأعراف يخاطبون أهل النار بقولهم ( ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)

فالتكاثر والتفاخر لا يغني عن العبد شيئا يوم القيامة ، فلا ينفع العبد إلا عمله الصالح ، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسيئة بمثلها أو تغفر بالتوبة والعفو ، فقلي بربك كيف يخسر العبد في الميزان إلا من حقت عليه كلمة العذاب والعياذ بالله .

اللهم بارك لنا في العمل الصالح ...

المشاهدات 2530 | التعليقات 0