(خطبة ) من سن في الإسلام سنة حسنة ومن سن سنة سيئة

خالد الشايع
1445/02/22 - 2023/09/07 18:03PM

الخطبة الأولى ( من سن في الإسلام سنة حسنة ، ومن سنن سنة سيئة ) 23صفر 1445

أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله ، وسير في الإسلام سيرا حسنا ، فاتبعوا ولا تبتدعوا ، فقد كفيتم الأمر ، وتم الدين ، فما على العبد إلا أن يتعلم العلم ويعمل به ، ومن لم يتعلم سأل أهل العلم .

عباد الله : إن الدين كامل قال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم ) وقد نزلت هذه الآية في حجة الوداع في يوم عرفة ، فما مات النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل الرسالة .

أخرج أبو داود في سننه من حديث العرباض بن سارية قال وعظَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ مَوعظةً ذَرَفَتْ منها العيونُ ووجِلَتْ منها القلوبُ فقلنا يا رسولَ اللهِ إنَّ هذه لموعِظَةَ مُوَدِّعٍ فماذا تعهَدُ إلينا ؟ فقال : تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ ، ومن يَعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ . وعليكم بالطاعةِ وإن كان عبدًا حبشيًّا عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ فإنما المؤمنُ كالجملِ الأَنِفِ كلما قِيدَ انقَادَ

فلا مجال للزيادة في الدين ، فكل زيادة بدعة وضلالة مردودة على صاحبها ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قال صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )

عباد الله : إن حفظ الدين مطلب عظيم ، وعليه ثواب كبير ، وهو واجب على كل مسلم ومسلمة ، وذلك بنشر الدين ، وإحياء السنن التي أميتت ، ونبذ البدع والتحذير منها .

أخرج مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله أن ناسًا جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى سوء حالهم إذ أصابتهم حاجة؛ فحث الناس على الصدقة، فأبطؤوا عنه حتى رئي ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلًا من الأنصار جاء بصرَّة من وَرِقٍ، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء))

 فيا له من فضل عظيم ، أنك تدل على الخير ، فيكون لك أجر كل من عمل به ، من غير نقصان في أجورهم .

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أُبْدِعَ بي فاحملني، فقال: ((ما عندي))، فقال رجل: يا رسول الله، أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من دل على خير، فله مثلُ أجر فاعله))

 معاشر المسلمين : لابد أن نكون أنصارا للدين ، بأي طريقة صحيحة ، وأن لا نكون عبئا على الدين ، وربما منفرين ومشوهين له .

وإن إحياء السنن ، سهل ميسر ، فإذا جئت أهل بلد ورأيتهم قد تركوا سنة وهجروها ، فاحرص على إحيائها بينهم ، يكتب لك أجر من عمل بها إلى قيام الساعة ، فمثلا جئت في مكان عمل ووجدهم لا يصلون جماعة ، ويصلي كل عامل لوحده ، فاحرص على جمعهم على إمام واحد ، تكون أحييت بذلك سنة ، وإذا جئت لقوم لا صومون التطوع مثلا ، فأحييته بينهم ، كان لك مثل أجورهم ، أو انتقلت لمسكن جديد وصليت في المسجد ووجدتهم لا يجلسون بعد الفجر حتى تشرق الشمس فأحييته بينهم ، أو الجلوس في المسجد بين الصلاتين ، وكذلك اعدد ما شئت من الخير والسنن تحييها بين قوم أهملوها .

فهذه الأحاديث - وفقنا الله وإياك لمرضاته - جميعها يدل على أن من عمل بسنة قد قل العمل بها أو أميتت، أو دعا إلى سنةٍ أو عملِ خيرٍ، أو أعان على عمل خير من أعمال الشريعة الغراء - فإن له مثل أجور من تبعه وعمل بما دعا إليه.. وعلى الجانب الآخر من أمات سنة أو ابتدع في الدين أي بدعةٍ محدثةٍ زائدةٍ على ما شرعه الله ورسوله، فإنه يحمل أوزاره وأوزار من اتبعه في بدعته ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25].

 والسنَّة السيئة: هي كل ما أُحدِثَ من العبادات والاعتقادات التي لم تعرف عن السلف الأوائل - وهم ﴿ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴾ - والتي لم يجئ فيها نص ولا برهان؛ بدلالة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((وإياكم ومحدَثاتِ الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))؛ فـ "كل" من ألفاظ العموم؛ فتعم جميع المحدثات والبدع، سواء كانت حسنةً في نظر من ابتدعها، أو سيئة ظاهرة المعارضة للشرع؛ إذ كل ما خالف نص الوحيين فليس بحسن، وكل ما زاد عنهما من العبادات والاعتقادات فليس بشرع.

 اللهم اجعلنا ممن يعمل للدين ، ويهمل هم الدين ، أقول قولي هذا ..............

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : إن حمل هم الدين ونصره ، من علامات قوة الإيمان ، وإن هذه الصفة قد قلت في قلوب كثير من الناس هذه الأيام ، عافانا الله وإياكم ، وعلى المسلم الناصح لنفسه أن يحييها في قلبه ، وذلك بقراءة ماورد في فضل ذلك ، وقراءة سير السلف الذين حملوا لنا هذا الدين غضا طريا ، فلهم في ذلك أروع الأمثلة ، وفي زمننا هذا كذلك قصص في حمل هم الدين ونصره من علماء وغيرهم ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، فشيخنا ابن باز قدس الله روحه ، لما مات ، توقفت مشاريع عظيمة ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وفقده الصغير  والكبير ، والغني والفقير ، والعربي والعجمي ، وكلما مات من أمثال الشيخ  ، فقده الناس ، كما قال عبدة بن الطبيب في رثاء قيس بن عاصم التميمي :

وما كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ وَاحِدٍ
وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا

معاشر المسلمين : وننبه على مسألة مهمة في هذا الموضوع ، وهي أن السنة التي تحيا بين الناس ، وكذلك السيئة هي بميزان الشرع ، وليست بالتشهي والآراء .

فمعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة)) في الحديث الأول: هو إحياء سنة من الدين، منصوصٍ عليها في الكتاب والسنة، ومعمولٍ بها عند السلف الأول؛ بدلالة قوله في الحديث : ((من دعا إلى هدى))، والهُدى لا يكون إلا من الشرع؛ إذ الهدى هو ما جاء به الله عز وجل في كتابه أو على لسان أنبيائه عليهم السلام؛ إذ يقول تعالى في موضعين من كتابه: ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ﴾ [البقرة: 120، الأنعام: 71].. ومن السنة الحسنة أيضًا: كل ما كان له أصلٌ في الشرع من الطاعات، "وإن لم يكن مثاله موجودًا؛ كنوعٍ من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهذا فعله من الأفعال المحمودة، وإن لم يكن الفاعل قد سبق إليه".

 قال الشاطبي - غفر الله له -: "ليس المراد بالحديث الاستنان [سنة حسنة] بمعنى الاختراع، وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية .

 قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة".

 وقال حذيفة - رضي الله عنه -: "كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تَعَبَّدُوها؛ فإن الأول لم يَدَعْ للآخِرِ مقالًا؛ فاتقوا الله يا معشر القراء، وخُذوا طريق مَن كان قبلكم". 

 قال القرطبي - رحمه الله - في تفسيره شارحًا حديث: ((وكل بدعة ضلالة)): "يريد ما لم يوافق كتابًا أو سنَّةً أو عمل الصحابة رضي الله عنهم"؛ [الآية: ١١٧ من سورة البقرة].

 اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك ....

 

 

 

 

المشاهدات 1828 | التعليقات 0