خطبة : ( من أين نبدأ الإصلاح من الحكام أم من الشعوب ؟! )

عبدالله البصري
1432/04/26 - 2011/03/31 22:00PM
من أين نبدأ الإصلاح من الحكام أم من الشعوب ؟! 27 / 4 / 1432


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، هَذِهِ الثَّورَاتُ وَالمُظَاهَرَاتُ الَّتي عَمَّت وَطَمَّت ، وَابتُلِيَت بها مُجتَمَعَاتُ المُسلِمِينَ في كُلِّ جِهَةٍ وَبَلَدٍ ، وَاستَحَلَّ بها بَعضُ الطُّغَاةِ دِمَاءَ المُسلِمِينَ وَاستَبَاحَ أَعرَاضَهُم ، تَتَّحِدُ فِكرَةُ مُوقِدِيهَا وَيَتَّفِقُ مَبَدَأُ مُنَظِّمِيهِا ، وَيَكَادُونَ يُجمِعُونَ عَلَى أَنَّ الأَنظِمَةَ الحَاكِمَةَ هِيَ مَنشَأُ كُلِّ مَا تُعَانِيهِ الشُّعُوبُ مِن مَصَائِبَ وَمُشكِلاتٍ ، وَلا يَشُكُّونَ أَنَّهَا السَّبَبُ فِيمَا تُقَاسِيهِ مِن ظُلمٍ وَهَضمٍ ، وَتَبَعًا لِهَذِهِ الفِكرَةِ غَيرِ النَّاضِجَةِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الشُّعُوبَ تَسِيرُ في مُظَاهَرَاتِهَا بِإِقدَامٍ وَإِصرَارٍ ، وَتَتَمَادَى في الدَّعَوَةِ إِلى التَّجَمهُرِ وَتَردَادِ عِبَارَاتٍ تُنَادِي بِإِسقَاطِ الأَنظِمَةِ الحَاكِمَةِ ، وَهِيَ في كُلِّ هَذَا تَظُنُّ أَنْ لَيسَ بَينَهَا وَبَينَ استِقرَارِ الأَوضَاعِ وَتَحسُّنِ الأَحوَالِ إِلاَّ زَوَالُ أُولَئِكَ الحُكَّامِ مَعَ أَنظِمَتِهِم ، إِذْ هَذَا في نَظَرِهَا هُوَ الحَلُّ الأَمثَلُ لِكُلِّ مُشكِلَةٍ ، وَهُوَ في تَقدِيرِهَا العِلاجُ الناجِعُ لِكُلِّ مُعَانَاةٍ ، أَو عَلَى الأَقَلِّ هُوَ الدَّوَاءُ المُخَفِّفُ لِكَثِيرٍ مِنَ الأَوجَاعِ وَالآلامِ .
وَالصَّحِيحُ الَّذِي تَعضُدُهُ تَجَارِبُ الأُمَمِ مُنذُ القِدَمِ ، أَنَّ مُعَانَاتَهَا مَعَ حُكَّامِهَا لم تَكُنْ وَلِيَدَةَ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَقَطْ ، بَل كَانَ لَهَا سَبَبَانِ مَتَدَاخِلانِ : أَحَدُهُمَا السُّلطَةُ الحَاكِمَةُ ، وَالآخَرُ الشُّعُوبُ أَنفُسُهَا ، نَعَم ، لَقَد كَانَتِ الشُّعُوبُ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحوَالِ جُزءًا كَبِيرًا مِنَ المُشكِلَةِ ، بَل وَسَبَبًا رَئِيسًا في تَكَوُّنِ المُعَانَاةِ ، أَو عَلَى الأَقَلِّ مُشَجِّعَةً عَلَى ظُهُورِهَا وَمُسَاعِدَةً في نُمُوِّهَا ، وَمِن ثَمَّ استِحكَامُهَا حَتَّى لا يَقدِرُونَ في نِهَايَةِ الأَمرِ عَلَى التَّنَفُّسِ بِحُرِّيَّةٍ ، وَلا يَستَطِيعُونَ التَّعبِيرَ عَمَّا يَحُوكُ في صُدُورِهِم أَو تَجِيشُ بِهِ نُفُوسُهُم ، وَلِمُتَعجِّبٍ أَن يَسأَلَ : وَكَيفَ تَكُونُ الشُّعُوبُ سَبَبًا في جَلبِ المُعَانَاةِ لأَنفُسِهَا وَتَغدُو طَرَفًا في خَلقِ المُشكِلاتِ لِذَوَاتِهَا ؟! وَالجَوَابُ أَنَّ أُولَئِكَ الحُكَّامَ الطُّغَاةَ وَالرُّؤَسَاءَ المُستَبِدِّينَ وَالوُلاةَ الظَّلَمَةَ ، مَا كَانَ لَهُم أَن يَطغَوا وَيَتَكَبَّرُوا وَيَتَجَبَّرُوا ، وَيَتَمَادَوا في ظُلمِ النَّاسِ وَيَمنَعُوهُم حُقُوقَهُم ، وَيَبخَسُوهُم أَشيَاءَهُم وَيَعثَوا في الأَرضِ مُفسِدِينَ ، لَولا أَنَّ الشُّعُوبَ بِشُعُورٍ مِنهَا أَو مِن غَيرِ شُعُورٍ قَد أَعَانَتهُم عَلَى أَن يَظلِمُوهَا ، وَسَاعَدَتهُم عَلَى أَن يَهضِمُوهَا .
وَمِن أَسَفٍ أَنَّ تَظَلَّ الشُّعُوبُ إِلى اليَومِ غَيرَ مُدرِكَةٍ لِهَذِهِ الحَقِيقَةِ المُرَّةِ ، وَمِن ثَمَّ فَهِيَ لا تَزَالُ تَنظُرُ إِلى الإِصلاحِ وَالتَّغيِيرِ نَظرَةً عَورَاءَ قَاصِرَةً ، غَيرَ مُحِيطَةٍ بما حَولَهَا إِحَاطَةً كَامِلَةً ، وَلا مُتَصَوِّرَةً لِلوَضعِ كَمَا يَنبَغِي وَيَجِبُ ، وَلِذَا فَهِيَ تَظَلُّ هَامِشِيَّةً خَامِلَةً ، مُتَكَاسِلَةً مُتَوَاكِلَةً ، ضَعِيفَةَ الأَثَرِ مَحدُودَةَ التَّأثِيرِ ، ثُمَّ تُلقِي بِاللَّومِ بَعدَ ذَلِكَ عَلَى الحَاكِمِ وَتَندُبُ حَظَّهَا فِيهِ ، ثُمَّ لا تَلبَثُ أَن تَجِدَ نَفسَهَا مُضطرَّةً لِمُجَابَهَتِهِ يَومًا مَا ، وَهِيَ لا تَملِكُ السِّلاحَ الكَافيَ لِمُوَاجَهَتِهِ وَلا العُدَّةَ الكَامِلَةَ لِمُنَاجَزَتِهِ ، وَلم تَسلُكِ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ الَّذِي قَد يَكُونُ هُوَ الأَهَمَّ في مَعرَكَةِ الإِصلاحِ وَالتَّغييرِ ، أَلا وَهُوَ إِصلاحُ بِنَائِهَا الدَّاخِلِيِّ وَتَقوِيَةُ قَاعِدَتِهَ وَإِرسَاءُ أَسَاسِهِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، هَل كَانَ لِلحُكَّامِ وَمَن دُونَهُم مِنَ المَسؤُولِينَ أَنَّ يَطغَوا لَو لم يَجِدُوا مَن يُزَيِّنُ لَهُم طُغيَانَهُم وَيُعِينُهُم عَلَيهِ مِمَّن حَولَهُم ؟! هَل كَانَ لَهُم أَن يَتَجَاوَزُوا حُدُودَهُم لَو لم يَجِدُوا مَن يَحُولُ بَينَهُم وَبَينَ كُلِّ مُخلِصٍ نَاصِحٍ ، وَيصُدُّ عَنهُم كُلَّ مُصلِحٍ بِالحَقِّ صَادِحٍ ؟ بَل أَكَانَ لَهُم أَن يَطغَوا لَو لم يَجِدُوا مَن يَرضَخُ لِفَسَادِهِم وَيَستَسلِمُ وَلا يُحَاوِلُ الإِصلاحَ بِالطُّرُقِ المَشرُوعَةِ وَيَسلُكُ إِلَيهِ السُّبُلَ المُمكِنَةَ الوَاضِحَةَ ؟! وَاللهِ لَو لم يَجِدِ الحُكَّامُ وَالمَسؤُولُونَ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ وَيُسَوِّغُ لَهُم مَا هُم فِيهِ مِن تَعَدٍّ وَتَجَاوُزٍ ، لَمَا عَدَوا قَدرَهُم وَخَرَجُوا عَمَّا يَحِقُّ لَهُم ، لَكِنَّهُم لَمَّا لم يَجِدُوا مَن يَنصَحُ لَهُم وَيَردَعُهُم عَن بَاطِلِهِم ، وَيُنكِرُ عَلَيهِم المُنكَرَ وَيُصَحِّحُ مَفَاهِيمَهُم الفَاسِدَةَ ، جَانَبُوا الصَّوَابَ وَتَنَكَّبُوا الرَّشَادَ ، وَاتَّخَذُوا سَبِيلَ الغَيِّ وَالعِنَادِ ، وَزُيِّنَ لَهُم سُوءُ عَمَلِهِم فَرَأَوهُ حَسَنًا ، وَعَمُوا عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ وَاتَّبَعُوا السُّبُلَ المُتَفَرِّقَةَ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَمَّا سَادَت في المُسلِمِينَ مَفَاهِيمُ الحُرِّيَّةِ المَنكُوسَةِ ، وَفَهِمُوهَا عَلَى غَيرِ وَجهِهَا ، وَصَارَ هَمُّ كُلٍّ مِنهُم نَفسَهُ ، وَعَادَ الفَردُ لا يَهتَمُّ بِشَأنِ غَيرِهِ ، إِذْ ذَاكَ وَجَدَ كُلُّ مَن عِندَهُ استِعدَادٌ لِلظُّلمِ وَالطُّغيَانِ مَجَالاً لِتَنفِيذِ مَا يُملِيهِ عَلَيهِ شَيطَانُهُ الرَّجِيمُ ، وَالعَمَلِ بما تُحَدِّثُهُ بِهِ نَفسُهُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ ، نَعَم ـ إِخوَةَ الإِيمَانِ ـ مَا طَغَى مَن طَغَى إِلاَّ يَومَ وَجَدَ مَن يُطغِيهِ ، وَمَا غَوَى مَن غَوَى إِلاَّ حِينَ وَجَدَ مِن أَعوَانِهِ مَن يُمِدُّونَهُ في الغَيِّ ثُمَّ لا يُقصِرُونَ ، وَانظُرُوا اليَومَ عَن أَيمَانِكُم وَشَمَائِلِكُم ، تَجِدُوا أَنَّهُ مَا مِن رَئِيسٍ وَلا حَاكِمٍ وَلا أَمِيرٍ ولا وَزِيرٍ ، بَل وَلا رَئِيسُ دَائِرَةٍ أَو مُؤَسَّسَةٍ مَهمَا صَغُرَت ، إِلاَّ وَحَولَهُ فِئَةٌ مُنَافِقَةٌ وَعُصَابَةٌ مُخَادِعَةٌ ، يَمدَحُونَهُ بِغَيرِ مَا فِيهِ ، وَيَصِفُونَهُ بما لا يَستَحِقُّ نِصفَهُ ، وَيَخلَعُونَ عَلَيهِ مِن أَلقَابِ المَدحِ وَالثَّنَاءِ مَا يَعلَمُونَ أَنَّهُم فِيهِ كَاذِبُونَ ، وَأَحسَنُهُم حَالاً وَمَا حَالُهُ بِحَسَنَةٍ ، مَن يُسَوِّغُ لَهُ الظُّلمَ بِالسُّكُوتِ عَن أَخطَائِهِ وَالإِغضَاءِ عَن تَجَاوُزَاتِهِ ، فَلا يَنصَحُ لَهُ بِشَيءٍ ، وَلا يَرُدُّهُ عَمَّا يَشتَهِي ، وَلا يَثنِي عَزمَهُ عَمَّا يُرِيدُ ، ثُمَّ تَرَى الرَّعِيَّةَ مِن وَرَاءِ ذَلِكَ يُطِيعُونَ طَاعَةً عَميَاءَ خَوفًا عَلَى مَعَايِشِهِم ، فَيُذِلُّونَ نُفُوسَهُم وَيُهِينُونَ ذَوَاتَهُم ، وَيَرضَونَ حَيَاةَ الأَنعَامِ وَقَد أَكرَمَهُمُ اللهُ بِالإِسلامِ ، وَقَد ضَرَبَ اللهُ ـ تَعَالى ـ عَلَى هَذَا مَثَلاً بِفِرعَونَ وَقَومِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : "وَنَادَى فِرعَونُ في قَومِهِ قَالَ يَا قَومِ أَلَيسَ لي مُلكُ مِصرَ وَهَذِهِ الأَنهَارُ تَجرِي مِن تَحتِي أَفَلا تُبصِرُونَ . أَم أَنَا خَيرٌ مِن هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ . فَلَولا أُلقِيَ عَلَيهِ أَسوِرَةٌ مِن ذَهَبٍ أَو جَاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقتَرِنِينَ . فَاستَخَفَّ قَومَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُم كَانُوا قَومًا فَاسِقِينَ . فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمنَا مِنهُم فَأَغرَقنَاهُم أَجمَعِينَ . فَجَعَلنَاهُم سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ " إِنَّهُ لَمَثَلٌ ذُو عِبرَةٍ وَدَلالَةٍ ، وَفِيهِ تَجسِيدٌ لِسَبَبِ طُغيَانِ الحُكَّامِ وَتَعَالِيهِم ، إِنَّهَا الطَّاعَةُ العَميَاءُ وَالتَّسلِيمُ المُطلَقُ لِكُلِّ رَأيٍ وَلَو كَانَ بَاطِلاً ، وَهُوَ المَشهَدُ الَّذِي يَتكَرَّرُ مَعَ تَبَدُّلِ الأَشخَاصِ في كُلِّ قِصَصِ الطُّغيَانِ الَّتي تَحدُثُ بَينَ حِينٍ وَحِينٍ ، حَيثُ يَتَجَرَّأُ الحَاكِمُ فَيَنسِبُ لِنَفسِهِ فَضلاً كَاذِبًا ، وَيُمَتِّعُ نَفسَهُ بِإِذلالِ شَعبِهِ وَأَكلِ حُقُوقِهِم ، ثُمَّ لا يَقِفُ حَتى يَسُوقَهُم إِلى المُنكَرِ الجَلِيِّ سَوقًا ، فَيُصَادِفَ عَلَى ذَلِكَ مِنهُم قَبُولاً وَرِضًا ، وَيَجِدَ مِنهُم طَوَاعِيَةً وَانقِيَادًا ، بَل وَيَرَاهُم يُسَارِعُونَ في كُلِّ بَلِيَّةٍ وَجَرِيمَةٍ لأَجلِ رِضَاهُ وَالأَخذِ بِخَاطِرِهِ ، فَإِذَا أَطبَقُوا كُلُّهُم عَلَى ذَلِكَ وَأَجمَعُوا عَلَيهِ ، وَلم يُوجَدْ مَن يَقِفُ ضِدَّ الطُغيَانِ بِالأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ ، وَتَخوِيفِ ذَلِكَ المُتَمَادِي بِاللهِ وَوَعظِهِ بما حَدَثَ لِغَيرِهِ مِنَ المَثُلاتِ ، إِذْ ذَاكَ يَتَمَادَى الجَمِيعُ في الضَّلالِ وَالإِضلالِ ، وَيَعُمُّ التَساكُتُ عَنِ المُنكَرَاتِ ، وَلا يُعطَى صَاحِبُ حَقٍّ حَقَّهُ ، وَلا يُسمَعُ لِنَاصِحٍ وَلا يُطَاعُ صَادِقٌ ، فَمَا يَشعُرُونَ إِلاَّ وَقَد جَاءَهُم مِنَ العِقَابِ مَا أَتَى فِرعَونَ وَقَومَهُ وَإِنِ اختَلَفَت صُورَةُ العُقُوبَةِ ، أَمَّا إِذَا وُجِدَتِ الفِئَةُ المُؤمِنَةُ النَّاهِيَةُ عَنِ الفَسَادِ ، الوَاقِفَةُ لِلطُّغيَانِ بِالمِرصَادِ ، فَإِنَّ اللهَ يَدفَعُ بها عَنِ النَّاسِ العُقُوبَةَ ، كَمَا قَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَلَولا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبلِكُم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسَادِ في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّن أَنجَينَا مِنهُم وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُترِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجرِمِينَ . وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ "
وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَت عُقُوبَاتُ الأُمَمِ السَّابِقَةِ استِئصَالِيَّةً قَاضِيَةً ، بِرِيحٍ صَرصَرٍ عَاتِيَةٍ ، أَو صَيحَةٍ قَاتِلَةٍ ، أَو حِجَارَةٍ مِنَ السَّمَاءِ حَاصِبَةٍ ، أَو طُوَفَانٍ يُغرِقُ الجَمِيعَ ؛ فَإِنَّ العُقُوبَاتِ في هَذِهِ الأُمَّةِ وَإِنْ لم يَكُنْ فِيهَا عَذَابٌ يَستَأصِلُ النَّاسَ جَمِيعًا وَيُبِيدُهُم عَن بَكرَةِ أَبِيهِم ، إِلاَّ أنَّهُ قَد يَأتي بِأَشكَالٍ أُخرَى مُتَعَدِّدَةٍ : إِمَّا بِفَقرٍ وَقِلَّةٍ ، أَوِ اضطِهَادٍ وَذِلَّةٍ ، أَو شَقَاءٍ وَعَيلَةٍ ، أَو عَنَتٍ وَمَشَقَّةٍ ، أَو ضِيقٍ في الحَيَاةِ وَضَنكٍ في المَعِيشَةِ وَنَقصٍ في الأَرزَاقِ ، أَو سِجنٍ وَتَعذِيبٍ وَتَنكِيلٍ ، أَو تَسَلُّطِ ظَالِمٍ أوعُدوَانِ مُحتَلٍّ غَاشِمٍ ، وَشَرٌّ مِن هَذَا كُلِّهِ وَأَشَدُّ مِنهُ وَأَشُقُّ ، أَن يُسَلَّطَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ وَيَقتُلَ بَعضُهُم بَعضًا ، وَهُوَ مَا نَرَاهُ اليَومَ في هَذِهِ التَّظَاهُرَاتِ وَالثَّورَاتِ ، فَفِي الوَقتِ الَّذِي تَقُومُ طَائِفَةٌ تُنَدِّدُ بِالنِّظَامِ الحَاكِمِ وَتَسعَى لإِسقَاطِهِ ، تَبرُزُ أُخرَى تَرَى فِيهِ الزَّعِيمَ المُخَلِّصَ وَالقَائِدَ المُنقِذَ وَالبَطَلَ الهُمَامَ ، فَتُدَافِعُ عَنهُ وَتُنَافِحُ عَن سُلطَتِهِ ، وَقَد يَكُونُ هُوَ الرَّابِحَ الوَحِيدَ في هَذِهِ المَعرَكَةِ الخَاسِرِ كُلُّ أَطرَافِهَا ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مَا يُعَانِيهِ النَّاسُ اليَومَ مِن حُكَّامِهِم ، لَيسَ سَبَبُهُ الحُكَّامَ وَحدَهُم ، وَإِذَا كَانَ النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِم كَمَا يُقَالُ ، فَإِنَّهُم في المُقَابِلِ كَمَا يَكُونُونَ يُوَلىَّ عَلَيهِم ، وَهَذَا بَعضُ مَعنَى قَولِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعضَ الظَّالِمِينَ بَعضًا بما كَانُوا يَكسِبُونَ " وَصَدَقَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ : " إِنَّ اللهَ زَوَى ليَ الأَرضَ فَرَأيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، وَإِنَّ أُمَّتي سَيَبلُغُ مُلكُهَا مَا زُوِيَ لي مِنهَا ، وَأُعطِيتُ الكَنزَينِ الأَحمَرَ وَالأَبيَضَ ، وَإِنِّي سَأَلتُ رَبِّي لأُمَّتي أَلاَّ يُهلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ، وَأَلاَّ يُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أَنفُسِهِم فَيَستَبِيحَ بَيضَتَهُم ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِذَا قَضَيتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ ، وَإِنِّي أَعطَيتُكَ لأُمَّتِكَ أَلاَّ أُهلِكَهُم بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ، وَأَلاَّ أُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا سِوَى أَنفُسِهِم فَيَستَبِيحَ بَيضَتَهُم وَلَوِ اجتَمَعَ عَلَيهِم مَن بِأَقطَارِهَا ، حَتى يَكُونَ بَعضُهُم يُهلِكُ بَعضًا وَيَسبيَ بَعضُهُم بَعضًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِذا أَرَادَتِ الأُمَّةُ عِلاجَ مُشكِلَةِ تَسَلُّطِ الحُكَّامِ عَلَيهَا ، فَلا بُدَّ أَن تَعرِفَ أَنَّ الدَّاءَ مُتَوَلِّدٍ مِنَ الحَاكِمِ وَالمَحكُومِ ، نَاتِجٌ مِنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ ، وَسَبَبُهُ الرَّئِيسُ وَالمَرُؤُوسُ ؛ إِذِ اجتَمَعُوا عَلَى أَنوَاعٍ مِنَ المُنكَرَاتِ وَتَوَاطَؤُوا عَلَيهَا ، فَهَذَا أَمَرَ بها وَشَرَّعَ لها وَدَعَا إِلَيهَا ، وَذَاكَ اتَّبَعَ وَأَطَاعَ وَاستَجَابَ ، هَذَا زَيَّنَ وَأَمَدَّ وَمَدَحَ وَغَرَّرَ ، وَذَاكَ طَغَى وَبَغَى وَاستَكبَرَ ؛ لِتَسقُطَ أَوضَاعُ البِلادِ بَعدَ ذَلِكَ وَتَنحَطَّ وتَتَرَّدَى ، وَتُدَاسَ حُرِّيَّاتُ النَّاسِ الشَّرعِيَّةُ وَتُهَانَ كَرَامَتُهُمُ الإِنسَانِيَّةُ .
إِنَّ الحَاكِمَ مَهمَا كَانَت قُوَّتُهُ وَسُلطَتُهُ وَهَيبَتُهُ ، أَو ذَكَاؤُهُ وَسِيَاسَتُهُ وَفِطنَتُهُ ، أَو تَدَيُّنُهُ وَمَيلُهُ إِلى الصَّلاحِ وَمَحَبَّتُهُ لِلإِصلاحِ ، إِلاَّ أَنَّهُ مُحتَاجٌ إِلى عَونٍ عَلَى الحَقِّ وَأَلاَّ يُعَانَ عَلَى البَاطِلِ ، وَأَن تَصِلَ إِلَيهِ كَلِمَةُ الحَقِّ نَقِيَّةً وَلَو كَرِهَ وَسَخِطَ ، إِذ كُرسِيُّ الحُكمِ مُحَاطٌ بِالَّذِينَ يُفسِدُونَ عَلَى الحَاكِمِ قَلبَهُ وَيَدفَعُونَهُ إِلى البَاطِلِ بِنِفَاقِهِم وَخِدَاعِهِم ، وَمَعَ هَذَا فَلا بُدَّ مِن وُجُودِ طَائِفَةٍ مِن أَهلِ الحَقِّ وَالصِّدقِ وَالنُّصحِ ، يُقَاوِمُونَ مَدَّ النِّفَاقِ بإِخلاصِ النَّصِيحَةِ لِلحَاكِمِ ، وَيُقَوِّمُون اعوِجَاجَهُ بِإِقَامَةِ وَاجِبِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَن المُنكَرِ ، مَعَ الصَّبرِ وَتَحَمُّلِ مَا يُصِيبُهُم مِنَ الأَذَى ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا بَعَثَ اللهُ مِن نَبيٍّ وَلا استَخلَفَ مِن خَلِيفَةٍ إِلاَّ كَانَت لَهُ بِطَانَتَانِ : بِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بِالمَعرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيهِ ، وَبِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيهِ ، فَالمَعصُومُ مَن عَصَمَ اللهُ ـ تَعَالى ـ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاعلَمُوا أَنَّ مُجَرَّدَ تَغيِيرِ الحُكَّامِ قَد لا يُفِيدُ شَيئًا ذَا بَالٍ إِذَا كَانَتِ الشُّعُوبُ بَاقِيَةً عَلَى غَيِّهَا وَضَلالِهَا ، فَأَحيُوا فَرِيضَةَ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى عَلَى الوُلاةِ وَالوُزَرَاءِ وَالمَسؤُولِينَ ، نَعَم ، أَحيُوا وَاجِبَ النَّصِيحَةِ بِالطُّرُقِ المَشرُوعَةِ وَالسُّبُلِ الصَّحِيحَةِ الوَاضِحَةِ ، وَأَصلِحُوا القَواعِدَ وَالأَسَاسَ مَعَ التَّفكِيرِ في إِصلاحِ القَائِدِ أَوِ الرَّأسِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " ثَلاثًا . قُلنَا : لِمَن ؟ قَالَ : " للهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ وَعَامَّتِهِم " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ثَلاثُ خِصَالٍ لا يُغِلُّ عَلَيهِنَّ قَلبُ مُسلِمٍ أَبَدًا : إِخلاصُ العَمَلِ للهِ ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمرِ ، وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ دَعوَتَهُم تُحِيطُ مِن وَرَائِهِم " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
إِنَّ النُّصحَ لِلحُكَّامِ وَإِصلاحَ المَسؤُولِينَ وَإِنْ بَدَا صَعبًا أَو مُستَحِيلاً عَلَى مَن بَعُدُوا عَنِ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، فَلا يَعرِفُونَهُ إِلاَّ بِتَنظِيمِ المُظَاهَرَاتِ وَالثَّورَاتِ ، أَو رَفعِ الشِّعَارَاتِ وَالهُتَافَاتِ ، أَو تَصعِيدِ الاحتِجَاجَاتِ وَالاعتِصَامَاتِ ، إِلاَّ أَنَّهُ سَهلٌ وَمُمكِنٌ لِمَن صَدَقَ مَعَ اللهِ ، إِنَّهُم " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا "
وَإِنَّهُ لَو فَكَّرَ كُلُّ شَعبٍ ثَارَ وَتَظَاهَرَ ضِدَّ حُكَّامِهِ ، لَوَجَدَ أَن سَبِيلَ النُّصحِ وَالأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ ، أَسهَلُ عَلَيهِ وَأَيسَرُ لَهُ وَأَنفَعُ ، فَإِنَّ مَن عَرَّضَ نَفسَهُ لِلقَتلِ بِالثَّورَةِ وَالتَّظَاهُرِ ، هُوَ أَقدَرُ عَلَى مَا دُونَهُ مِن بَابِ أَولى ، وَبِاستِطَاعَتِهِ النُّصحُ بِوَسَائِلَ آمِنَةٍ وُطُرُقٍ مُؤَثِّرَةٍ مَتَى صَحَّتِ النِّيَّةُ وَطَهُرَتِ الطَّوِيَّةُ ، كَالكِتَابَةِ المُستَمِرَّةِ وَالزِّيَارَةِ المُنَظَّمَةِ ، وَالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالمَقَالَةِ الهَادِفَةِ ، وَالإِصلاحِ الرَّاتِبِ في مُؤَسَّسَاتِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ وَالإِعلامِ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ "


الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حِينَ تَفسُدُ عِلاقَةُ النَّاسِ بِرَبِّهِم وَيَحِيدُونَ عَن صِرَاطِهِ المُستَقِيمِ وَمَنهَجِ رَسُولِهِ الكَرِيمِ ، فَكَيفَ يَستَنكِرُونَ أَن يَتَوَلىَّ عَلَيهِم مَن لا يَرقُبُ فِيهِم رَبَّهُ وَلا يَخَافُ ذَنبَهُ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن أَهَمِّ وَسَائِلِ استِصلاحِ الرَّاعِي أَن تَصلُحَ الرَّعِيَّةُ ، وَأَن تُقَوِّيَ عِلاقَتَهَا بِرَبِّهَا ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَأَصلِحُوا أَنفُسَكُم ، وَقُومُوا بما يَجِبُ عَلَيكُم لِرَبِّكُم وَلِوُلاتِكُم وَلإِخوَانِكُم ، وَالجَؤُوا إِلى اللهِ أَن يُصلِحَ لَكُم الأَحوَالَ وَيُرَقِّقَ عَلَيكُمُ القُلُوبَ ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ سِلاحٌ مُجَرَّبٌ وَسَهمٌ نَافِذٌ ، أَهلَكَ اللهُ بِهِ العُتَاةَ وَالطُّغَاةَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ عَن قَومِ مُوسَى : " قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبلِ أَن تَأتِيَنَا وَمِن بَعدِ مَا جِئتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُم أَن يُهلِكَ عَدُوَّكُم وَيَستَخلِفَكُم في الأَرضِ فَيَنظُرَ كَيفَ تَعمَلُونَ " ثُمَّ قَالَ بَعدَ ذَلِكَ : " وَأَورَثنَا القَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُستَضعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتي بَارَكنَا فِيهَا وَتَمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسنَى عَلَى بَني إِسرَائِيلَ بما صَبَرُوا وَدَمَّرنَا مَا كَانَ يَصنَعُ فِرعَونُ وَقَومُهُ وَمَا كَانُوا يَعرِشُونَ "
فَادعُوا اللهَ أَن يُصلِحَ مَن عَلِمَ فِيهِ لِلأُمَّةِ خَيرًا وَعِزًّا ، وَأَن يُهلِكَ كُلَّ ظَالِمٍ عَلِمَ مِنهُ التَّمَادِيَ في الفَسَادِ وَالإِصرَارَ عَلَى الطُّغيَانِ ، وَخَطِّطُوا وَاعمَلُوا في الإِصلاحِ عَلَى هُدًى ، فَإِنَّهُ لَمِنَ المُؤسِفِ أَن يَتَّخِذَ أَقذَرُ خَلقِ اللهِ مِنَ اليَهُودِ وَالرَّافِضَةِ لأَنفُسِهِم خِطَطًا بَعِيدَةَ المَدَى لِلوُصُولِ إِلى مَا إِلَيهِ يَهدِفُونَ ، فَيَتَحَقَّقَ لهم بِذَلِكَ شَيءٌ ممَّا يَطلُبُونَ ، ثُمَّ يُحجِمَ أَهلُ السُّنَّةِ عَنِ العَمَلِ المُنَظَّمِ وَهُم عَلَى الحَقِّ المُبِينِ ، وَيَنطَلِقُوا في طَلَبِ الصَّلاحِ وَالإِصلاحِ بِشَكلٍ لا يَخلُو مِنَ العَشوَائِيَّةِ وَعَدَمِ التَّخطِيطِ ، بَلْ قَد يَكُونُ ضَرَرُهُ أَكثَرَ مِن نَفعِهِ ، غَافِلِينَ عَن أَنَّهُ لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ ، وَأَنَّ دَرءَ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلبِ المَصَالِحِ ، وَأَنَّهُ لا يُلقِي عَاقِلٌ بنَفسِهِ إِلى التَّهلُكَةِ ...
المشاهدات 4311 | التعليقات 4

رائعة من روائعك يا شيخ عبدالله أسأل الله أن يطرح فيها البركة


شكر الله مرورك ـ شيخنا مازن ـ
وما يكن في هذه الخطبة من أفكار أو فوائد فهي مستفادة من موضوع جميل عنوانه :
( ذنوب الحكام والشعوب )
للدكتور لطف الله خوجه ، وهذا رابطه :

http://www.saaid.org/Doat/khojah/125.htm

فجزى الله كاتبه خيرًا ولا حرمه الأجر والمثوبة ، وجعلنا وإياه من المتعاونين على البر والتقوى .


الشعوب والحكام : من يؤثر فيمن ؟!!
هل يكون هذا هو اللغز المشهور : الدجاجة قبل البيضة أم البيضة قبل الدجاجة ؟؟

الوضع محير فعلا والذي يسبر الواقع لا يدري من صاحب التأثير أهم الحكام أم الشعوب ؟؟
وهل الخلل في الحكام فقط أم أن الشعوب تشترك وتتحمل وزرا ؟؟

وهل الحكام هم الذين يصنعون الشعوب أم أن الشعوب هي التي تنتج الحكام ؟؟


والظاهر أن الأمر مشترك فلا بد من سعي الحاكم لإصلاح شعبه ولا بد للشعب إذا قصر الحاكم أن يوقفوه عند حده ولا يرضوا له وهو فرد واحد أن يتحكم بمصير ملايين من البشر ...

وما من شك أنه عندما يجتمع في بلد أو دولة حاكم مؤمن عادل صالح وشعب واع متفهم قائم بدوره فهذه هي المدينة الفاضلة التي لم يعرفها العالم إلا في دولة محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أو في فلسفات أفلاطون !!

فاللهم ول على المسلمين خيارهم يا قوي يا عزيز ...


مرور الكرام;6515 wrote:
الشعوب والحكام : من يؤثر فيمن ؟!!
هل يكون هذا هو اللغز المشهور : الدجاجة قبل البيضة أم البيضة قبل الدجاجة ؟؟

...quote]

ليس هذا هو لغز البيضة والدجاجة ـ أخي الكريم مرور ـ وإنما هي محاولة من الكاتب لموازنة الأمور ؛ إذ إن من الناس من يظن أنه بمجرد إزالة الحاكم فستؤول الأمور إلى صلاح وتغدو جنات وأنهارًا ، وأنت ترى الشعار الغالب على هذه المظاهرات : ( الشعب يريد إسقاط النظام )
في حين أنه قل من يتساءل منهم : وماذا بعد ؟
بل لقد كان بعضنا في أول هذه المظاهرات متفائلاً بأن هذه المظاهرات ستكون مغيرة لأنظمةٍ أكل عليها الزمان وشرب ، مزيلة لحكم الجور وسلطان الظلم ، ولكن ما إن جعلنا نسمع هذه الشعوب بعد إسقاط أنظمتها تنادي بالديمقراطية ونحوها من الأنظمة الوضعية حتى تبين لنا أنها ما زالت قاصرة عن التصور الذي يجب أن تكون عليه والحال التي يجب أن تطالب بالتغيير إليها .

نحن بمثل هذه الخطبة نريد أن نقول لهم : وما الذي أهلككم وجاء لكم بالمصائب وجر عليكم المشكلات إلا هذه الأنظمة الوضعية ديمقراطية كانت أو شعبية أو شيوعية أو فيدرالية أو ... إلخ .

لقد كان من الواجب على هذه الشعوب إذ تحاملت على أنفسها وفجرت الأوضاع أن تنادي بما يستحق أن تثور من أجله ، نعم ، كان من الواجب عليها ألا تزهق أنفسها وتريق دماءها إلا لطلب ما تعتذر به عند الله يوم تلقاه ، أما الزج بها في معارك كلامية وأوهام لا أول لها ولا آخر ، ثم تكون النتيجة : ( نريد الديمقراطية ) فيقال : قد هزلت وبدت كلاها !!

إننا نريد من الشعوب أن تعرف طريق الإصلاح الحقيقي ، وأن تكون على بينة أنه لن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أمر أولها ، بتطبيق الشريعة قولاً وعملاً وأخلاقًا وسلوكًا ، وأخذًا للكتاب بقوة ، وعضًا على السنة بالنواجذ ، وتمسكًا بالإسلام باطنًا وظاهرًا ، والعمل به على حقيقته لا مجرد الأخذ به صورةً رمزيةً أو تذكارًا تعود إليه متى ما أرادت ، وتبقيه حبيس النسيان والإغفال في أغلب شؤونها .

اللهم هيئ لأمة محمد ولاة صالحين مصلحين ، وارزقها فقهًا في الدين .