خطبة من أسباب الثبات وقت الفتن

حسين بن حمزة حسين
1446/02/08 - 2024/08/12 14:26PM

إخوة الإيمان: مشاهدٌ ملموسةٌ في واقع الناس، كنّا نرى رجالاً من أهلِ الخير والصلاح، من أرْبابِ التّقى والفلاح، متمسّكٌ بدين ربه، حافظٌ لحدوده، إذْ هو انْقلب على وجْهه، خسِر الدنيا والآخرة- نسأل الله السلامة- مصداق ذلك قول رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) رواه مسلم، بعد اليقين والإيمان، ترى أحدُهم يتقلّب كالمنافق بين الإيمانِ والكفرِ والفِسق والشك ، لعَرَض من الدنيا قليل، يبيعُ دينه لشهوةٍ عابرة، أو لمنصبٍ أو مالٍ زائل، يبيع دينه لأجْل كلام الناس، يبيع دينه بعَرَض من الدنيا قليل – نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى-.

إخوة الإيمان: لم تتزيّن الفتنُ وتتجمّلُ يوماً كمِثْل تزيُّنِها هذه الأيام، فتنٌ تعْصُفُ بالقلوبِ فتُعْميها وتُظْلِمُها، وقد تدمّر الدّين والإيمان من القلوب، وتُنْهيه-نسأل الله السلامة-، فتنٌ متَنوّعةٌ متكالبة من شبهات وشهوات، أعان على نشْرها وسائلَ إعلامٍ مفتوحةٍ من إنترنت وبرامج تواصل وبث فضائي هادم، يقودُها دعاةُ شرّ من شياطين الإنس من كافرين وملحدين ومن شابههم وفُتن بهم من المنافقين – نعوذ بالله منهم-، فتَنٌ تُعرضُ على الشيخِ الكبير فَتُرْديه، فما بالٌك بالطفل الصغير وشباب وشابات المسلمين، حتى أصبحت فتنٌ يصعب التحرّز منها إلا من حماه الله ووقاه.

إخوة الإيمان: إنّه لا نجاةَ من الفتن إلا بالثبات على دين الله تعالى، ألا وإنّ من أعظم أسباب الثبات، التزامُ تقوى الله عزوجل بالسّر والعلن، فمن اتقى الله وقاه، وكتب له الثبات والنجاة من شرور الدنيا والآخرة، ومن أعظم ذلك الاعتصام بكتابِ الله تعالى وسنّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أخذ بهما نجى وأفلح، ومن أعرضَ خاب وخسِر، قال صلى الله عليه وسلم (تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي) ، فعليكم بكتاب الله تمسّكوا به، اعملوا بأحكامه، داوموا على قراءته، أكثروا من ترداده وتدبّر آياته، احفظوه على ظهر قلب، حصّنوا به أنفسكم وأبناءكم، به يحفظُكم الله ويثبّت أقدامكم، قال تعالى( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)، حافظوا على سنّة نبيّكم صلى الله عليه وسلم، عَضّوا عليها بالنواجد، تعلّموها، اعملوا بها، عظّموها، أنشروها بين الناس، تعلّموا سيرة السلف الصالح، الخلفاء الراشدين المهديّين، العشرةِ المبشرين بالجنة، آلافِ الصحابة وآلافِ التابعين، تمسّكوا وتَثبّتوا بمنْهجِهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )، وفي قراءة قَصَصِ الأنبياءِ، رفعٌ للهمم، وتثبيتٌ للقلب، قال تعالى ( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ).

إخوة الإيمان: ومن أعظم أسباب الثبات على دين الله، أن يسأل المؤمنُ الله تعالى الثبات على دينه، فقد كان ديْدَنُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في السجود الإكثار من قوْل (اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك)، وأهل الإيمان يقولون (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).

إخوة الإيمان: عليكم بمجاهدة أنفُسِكم بالإكثار من الطاعاتِ، والبُعدُ عن المعاصي والمنكرات، فالمعاصي تُقْبِل على الإنسان متزيّنة، تأتيه صغارها فلا يهتم، ثم الأكبرُ فالأكبر، فيتدرجُ فيها، حتى يقَع في الكبائر وهو لا يشعر، قال صلى الله عليه وسلم (تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعروفًا، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه)، فمن وقع في المعاصي والآثام فعليه سرعة التوبة والإقلاع والندم والرجوع إلى الله فهذا سبيل الثبات، لا سبيل سواه

إخوة الإيمان: جالسوا العلماءِ ومجالس العلم، فإن لم تستطيعوا فاستمعوا لمحاضراتهم ودروسهم، أكثروا من سماعها، اجعلوا الجوالات وما يُعرض فيها نعْمة لا تجعلوها نقمة، اجعلوها تصْدع بكلام العلماء الربانيين، فكلامهم يُحيي القلوبَ، ويشحذُها بالإيمان والتقوى، فتُصبح بيضاء نقية لا تضرها فتنةٌ مادامت السموات والأرض.

ومن أسباب الثبات على دين الله تعالى: الدعوة إلى الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيدعو الإنسان إلى دين الله بما يَعلَمُه من أمور الحلال والحرام، فهو صمامٌ له من التردّي، ولمجتمعه من الهلاك، تمسّكوا بصحبة الكرام من أهل التقى والعفاف، كما وصّاكم الله جلّ جلاله بقوله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). نفعنا الله بالقرآن والسنة وبما فيهما من الآيات والحكمة....

: الخطبة الثانية

اتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ الله غنيُّ عن عبادتكم، وأنّكم أنْتم الفقراءُ إلى الله، والله هو الغنيّ الحميد، بل قال رسول الله موسى وهو يدعو قومه كما أخبر تعالى عنه (إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغنيٌ حميد)، أخلِصُوا لله أعمالكم، واسألوه الثبات على دينه، واستعيذوا بالله من الفتنِ ما ظهر منها وما بطن، أقيموا الصلاة كما أمرَكُم ربُّكم في المساجد، مروا بها أبناءكم، أدّوا زكاةَ أموالكم، وطيبوا بها نفساً، بُرُّوا آباءَكم، أحْسنوا لجيرانكم، حسّنوا أخلاقكم، جانبوا الربا والزنا والمسكرات وكبائر الذنوب من أكل الحرام والغش والرشوة وكلِّ ما توعّد الله فاعله باللعنة والغضب والنار، من أذنب فلْيعجّل بالتوبة، وكلّنا خطّاء، فمن تاب كمن لا ذنب له، جانبوا أصدقاء السوء، ومجالس السوء، إحذروا دعاة الشر من أهل الشبهات الذين يشكّكون في دين الله، يستهزؤون من دين الله، وهم متوافرون ما أكثرهم في برامج التواصل والإنترنت، ابتعدوا عنهم فمُجالسَتُهم أخطرُ على المؤمنين من مجالسة أهل الجرب والمرض، تذكروا أصعب لحظات العمر، لحظة خروج الروح من الجسد، الموْتُ إذا حضر، وغرغرت الروح، فمن أراد الثّبات في تلك اللحظة فليعمل لأجلها، (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، فيا من أراد الثبات غدًا أُثْبُت اليوم على دين الله، فالأمْر عظيم، والله خيٌر حافظًا وهو أرحم الراحمين.

 

المشاهدات 207 | التعليقات 0