خطبة من آثار وأسباب الطلاق
حسين بن حمزة حسين
1446/01/17 - 2024/07/23 13:38PM
قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون)، قال ابن كثير رحمه الله: لا ألفة بين روحَيْن أعظم ما بين زوجين، الزوجة سكنٌ للزوج، وشريكة حياته، ورفيقة عمره، أهم ركن من أركان الأسرة. تُغْلَقُ أبوابُ الشرّ والشّقاقِ، وتسْكنُ السعادةُ البيوت، ما قام الزوجان على طاعة الله، وقام كلٌ من الزوجين بحق الآخر، وعند الاختلافِ كان الردُّ لكتابِ الله وسنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وما كان من الجميل والوفاء والإحسان، أما إذا عُصِيَ اللهُ عزّ وجل، وتَركَ كلُّ منهما حقوقَ الآخر، وتجاهلوا الوِدّ والإحسان والوفاء، تفتّحت أبوابُ الشرّ، وعظُم الشقاق والخلاف، وانتفخ الشرّ في النفوس، وعندها يَظْهَرُ ما لا يُحمَد عقباه. إخوة الإيمان: كلمةٌ أبكت عيون الأزواج والزوجات، وروّعتْ قلوبَ الأبناء والبنات، وقطعتْ أواصرَ الأسرِ والقرابات، كلمةٌ صغيرة، ولكنها جليلةٌ عظيمة خطيرة، إنها كلمةُ الطلاق، الطلاق، الوداع، الفراق، الجحيم الذي لا يطاق إذا لم تُستخدم هذه الكلمة في مكانها، فكم من زوْجٍ تعجّل وطلّق فتَبِعَ قلبُه ونفْسُه زوجتَه فمات كمَداً وقهْراً، وإن لم يمت عاش العمُر يتجرّع حسْرةَ وألمَ الفراق، ويا لها من ساعةٍ حزينةٍ عصيبةٍ أليمة، يوم سمعَتِ المرأةُ طلاقها، كيف تكون وهي تودّعُ بيتَها وزوجها، وهي تُلْقي آخر النظرات على بيْتٍ مليءٍ بالذكريات، وقد شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم عِظَم هذه الكلمة على المرأة، (كسْرها طلاقها)، كسْر قلبِها ونفْسِها، كسْرها الذي لا ينْجبر، فكم هدم الطلاقُ من بيْت، وفكّك من أُسر، وضيّع من أبناء وبنات، وأنزل العِداء بين الأرحام والمحبّين والأقربين. إخوة الإيمان: كَثُر الطلاقُ اليوم حينما استخف الأزواج بالواجبات والحقوق، وضيّعوا الأمانات، تراه شحيحاً بخيلا مع أهله وولده وأكرم الناس مع الغريب والبعيد، ترى عشرته مع أهله متكبرا عتلٍّ جوَّاظ مستكبر، وهيّنا ليّنا وخير أخلاقه للصديق والغريب، أكثَرُ وقتِه خارجُ البيت في النهار، وفي الليل سهرٌ إلى ساعات متأخرةٍ بالاستراحات، ضياعٌ لحقوق الزوجات والأبناء والبنات، ومن ضَعْف زوجته تستسلم للكبْت حتى يفيض فتطالبُ بحقّها وأبنائِها فيكون الطلاق. كَثُر الطلاقُ اليوم حينما فقدنا زوجاً يغفر الزلّة ويستر العورة، لا يعرف من الخصام سوى الطلاق وكلمات الفراق، يتبجّح بقُبْح وجهْل لولا الأبناءُ لما أبقيتٌك، يكبُر الأبناءُ وأطردِك ، يُكثِرُ على لسانه تردادَ زواج الثانيَةِ يقول أتزوّجُ وأطردِك وآخذُ الأبناء، ماذا يريد هذا الجاهل من هذا الكلام، ماذا يريد من زوجةٍ سُلِبَ أمنُها وثقتُها من بيتها، تنتظر هدْم حياتها، جروح وآلام غائرة، إن صبَرت فلا أمان بحياة نكيدة وعيشة مريرة، وإن لم تصبر فالخلع والطلاق والفراق، ومن الضحية حينذاك ؟!، أعز الناس إليه، إن لم تكن حياته، وليعلم الأزواج أنه لن يحلَ مكان أمّ الأبناء أحدٌ مهما كان، لا أم زوج ولا أخت زوج ولا خادمة ولا زوجة ثانية، والحياة من بيْننا أكبر برهان، واسألوا من عاش بين أبوين منفصلين، والسعيد من وُعظ بغيره. كَثُر الطلاقُ اليوم – عباد الله – لما كثرت المسكرات والمخدرات فذهبت العقول وزالت الأفهام، وتدنّت الأخلاق، وضاع الدين، وفسد الأبناء والبنات، وأصبح البيت في جحيم وألمٍ لا يطاق. إخوة الإيمان: من وجَد ابنته أو مُوليتَه في يد زوج مدمن للمخدرات، طويل اليد بالضرب سفيه بذيء اللسان، وهذه صفة أكثر من وقع في هذا الشر، فالأصل صعوبة شفاء مثل هذا الإنسان، فلا تتركوها تتجرع العذاب وتنفرد بالآلام، (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعا حكيما). كَثُر الطلاق اليوم حينما فقدنا الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، حينما أصبحت المرأة طليقة اللسان، طليقة العنان، تخرج متى شاءت، وتدخل متى أرادت، خرّاجةٌ ولاّجة، مضيّعةٌ لحقوق زوجها، مهملةٌ لحقوق أبنائها، مقصّرةٌ بحقوق ربها، ومن المؤسفِ المبكي، حينما تباشرُ المرأةُ بأنانيّتها هدْم بيْتها، وتخلعُ زوجها بِلَا سَبَبٍ صَحِيحٍ، تستبْدل حياة العزّ والشرف والعفاف بحياة التشرّد والضياع، تُرعي سمعَها للتافهات من المطلقات أو المشهورات بمواقع التواصل بدعوى الاستقلال والتحرر من مجتمع الذكور، وحُرِّيَّةِ السَّفَرِ مَعَ الصَّدِيقَاتِ، والْوَظِيفَة، أوَ التَّسَكُّعِ فِي الْمَقَاهِي وَالْمَطَاعِمِ وَالاسْوَاقِ، ثُمَّ إِذَا عَاشَتْ أَشْهُرًا فِي هَذَا التِّيهِ وَالضَّيَاعِ، وَأَفَاقَتْ مِنْ سَكْرَتِهَا، وَعَادَ إِلَيْهَا رُشْدُهَا، فإذا هي وحْدها منبوذة، وَإِذَا أَوْلَادُهَا يَكْرَهُونَهَا وَلَا يُرِيدُونَهَا؛ لِأَنَّهَا تَخَلَّتْ عَنْهُمْ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا، وَاسْتَبْدَلَتْ بِهِمْ قَرِينَاتِ السُّوءِ مِنْ صَدِيقَاتِهَا، وَإِذَا زَوْجُهَا قَدْ تَزَوَّجَ أُخْرَى غَيْرَهَا. وَخُلْعُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ صَحِيحٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
الخطبة الثانية:
يا من يريد الطلاق أصبر فإن الصبر جميلٌ، عواقبه حميدةٌ في الدنيا والآخرة، فإن كانت زوجتُك ساءتك يوماً فقد سرّتك أياماً، وإن أحزنتك عاماً فقد سرّتك أعواماً، ولعل الله أن يخرج منها ذريةً صالحةً تَقَرّ بها عينُك. اتقوا الله يا معاشر الأزواج تريّثوا فيما أنتم قادمون عليه، إذا أردت الطلاق فاعلم أن الله عزّ وجل دعا الأزواج مع الشقاق والخصام وصعوبة الوفاق بإحضار حكماً من أهله وحكماً من أهلها يريدا إصلاحا، فتعاون معهما، ودع الأمر إليهما بعد التوكّل على الله تعالى، فإن أشارا بالطلاق وإلا فلا تفعل. يا أهل الزوج والزوجة كونوا محضر خير، لا تكونوا معاول شرّ تعينوا الشيطان وتفْرحُوه، ألمُ الطلاقِ صعيب، وعاقبته وخيمة، فهو دمار بيْت، تداركوا الأمور، أعينوا الأزواج على الوفاق، أعيدوا الأمور إلى نصابها، حاربوا الشر والخطأ والطلاق، وفّقوا ولا تفرقوا، جمّعوا ولا تشتّتوا، وبقليل من الصفح والتنازل تصلح الأمور بتوفيق الله..