(خطبة) منزلة التوكل على الله في الدين

خالد الشايع
1444/11/05 - 2023/05/25 18:04PM

                1

الخطبة الأولى   منزلة التوكل على الله في الدين   6/11/1444
الحمد لله الذي فقه من أراد به خيرا في الدين وشرع أحكام الحلال والحرام في كتابه المبين وأعز العلم ورفع أهله الذين اتقوه وكانوا به عالمين ، أحمده حمدا يفوق حمد الحامدين ، وأشكره على نعمه التي لا تحصى وإياه استعين ، واستغفره وأتوب إليه وأتوكل عليه إنه يحب المتوكلين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أرسى قواعد الشرع وبينها أحسن تبيين ، صلى الله عليه .......

أما بعد فيا أيها المؤمنون :اتقوا الله ربكم فإنه أهل أن يتقى ، واشكروه علن نعمه التي  تعد ولا تحصى ، فقد تأذن بالزيادة للشاكرين ، وتوبوا إليه فإننا خطاؤن وهو الغفور الرحيم .

معاشر المسلمين :

إن الخلق مهما تباينت اتجاهاتهم ، وتفرقت مذاهبهم وتباعدت دياناتهم ، إلا أنهم مفطورون على الفقر والاحتياج إلى غيرهم ، ولهذا تجد أن غنيهم وفقيرهم وإن تفاوتت طبقاتهم لهم ما يركنون إليه ويستعينون به ويستشيرونه في أمورهم ولو انعزل أحدهم عن الناس لضاقت عليه الدنيا بأسرها ، لأنه خالف الفطرة التي فطر عليها .

عباد الله : لقد أفلح وأنجح من كان اعتماده وتوكله على الله ، وكان لجوؤه وافتقاره إلى الله عز وجل ، ولقد خاب وخسر من كان لجوؤه وتوكله على مخلوق ضعيف مثله .

إن التوكل لاينافي الأخذ بالأسباب ، بل إن الإعراض عن الأخذ بالأسباب تواكل وقدح في العقل ولهذا قرن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  بين التوكل والأخذ بالأسباب وبين ذلك عمليا في حياته ، فمن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يلبس لامة الحرب ويظاهر بين درعين ، وكان يطلب الرزق من مظانه وكان ينهى عن الاتكال المفضي إلى ترك العمل وتجاهل الأسباب .

معاشر المسلمين : إن الناظر في أحوال الخلق يرى أنهم أصناف متعددة في باب التوكل فصنف اتكل على ربه وعلم أن مقاليد الخلق بيده فهو متعلق بالله يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه ، وعلم أن الأخذ بالأسباب من تمام التوكل وهؤلاء هم المتوكلون حقا .وصنف آخر : وهم الذين ادعوا التوكل وهو منهم براء فهم يتركون العمل باسم التوكل ، وما ذاك إلا أنهم تكاسلوا عن فعل السبب ، وهؤلاء في الحقيقة هم المتواكلون ، المخالفون للهدي المحمدي ، وفيهم قال عمر لما رأى بعد الصلاة قوما قابعين في المسجد بدعوى التوكل على الله فعلاهم بدرته وقال: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لاتمطر ذهبا ولا فضة وإن الله يقول { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} .

وصنف ثالث : وهم الذي ركنوا إلى الأسباب ، واعتمدوا عليها ، وأعرضوا عن التوكل فهم في حقيقة الأمر قد اعتقدوا وإن لم يلفظوا بذلك اعتقدوا أن الأسباب هي التي تفعل وتؤثر بنفسها وهؤلاء هم المشركون بربهم ، الذين خطئوا طريق الحق والهدى ، وما ذاك إلا أنهم نظروا إلى الأسباب فغلوا فيها وتعلقوا بها ونسوا بل أعرضوا عن مسببها سبحانه وتعالى     .

عباد الله : إن التوكل على الله هو دواء القلوب المريضة ، وهو الطمأنينة والراحة الدائمتان بل هو نسيان القلق والحرص اللذين هما داء كثير من الخلق في هذا الزمن ،  وأخبر سبحانه أنه لا يضيع من توكل عليه بل هو ناصره ومؤيده ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) ، وأنه كافٍ من توكل عليه ( أليس الله بكاف عبده) ( وكفى بالله وكيلا) .

أيها المؤمنون : إن التوكل هو شعار المؤمنين وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلين ، فهذا نبي الله شعيب لما كاده قومه وهموا بإخراجه قال (  عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) وأخبر عن نبيه نوح أنه نصح قومه وواجههم بالحق متوكلا على الله (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ) وهكذا نبي الله موسى كان يوصي قومه بالتوكل مبينا لهم أن التوكل هو عامل النصر على عدوهم (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) وهذا نبي الله داود لما هدده قومه بغضب الألهة عليه وأنها ستصيبه بالسوء أعلن في وجوههم  أنه متوكل على الله متحديا لآلهتهم  (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) وهذا نبي الله يعقوب لما فقد أحب أولاده إليه يوسف عليه السلام ثم طلبوا منه أخاه الآخر ليؤذن لهم بالميرة  ، خاطبهم بخطاب يبين عظيم توكله على ربه سبحانه (وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)

معاشر المؤمنين : إن المتوكل حقا هو من يعلم أن الله ناصره ومؤيده ، وأنه هو رازقه دون من سواه فيركن إليه فبه يعتصم وعليه يتوكل ، كما كان حال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم  أخرج أحمد وغيره من حديث أنس رضى الله عنه قال    كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  إذا غزا قال  :  اللهم أنت عضدي و أنت نصيري بك أحول و بك أصول و بك أقاتل )  . ‌ اللهم إنا نسألك التوفيق لمحابك من الأعمال ، وصدق التوكل عليك ، وحسن الظن بك.أقول قولي ......

 
الخطبة الثانية
الحمد لله عليه يتوكل المتوكلون ، وإليه يفزع الخائفون، لا إله إلا هو الإله الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتوكلين من خلق الله أجمعين صلى الله عليه ....

أما بعد : فيا أيها الناس اتقوا ربكم وعليه توكلوا إن كنتم مؤمنين ، واعلموا أن التوكل عمل قلبي فيجب تفريغ القلب من التوكل على غير الله فلنقطع آمالنا في الناس ولنعلقها برب الناس ، فالناس أسباب والله هو المسبب فهو خالق الأسباب جميعا ، فمن  تعلق بالسبب قطع به ومن توكل على المسبب أذن في نجاح السبب .

أيها المؤمنون : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ...) ومن تأمل سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم  رأى فيها صدق التوكل والثقة بالله تعالى وتفيض الأمر إليه .

أخرج البخاري ومسلم من حديث جابر رضى الله عنه قال غزونا مع  رسول الله غزوة قبل نجدنا رسول الله في واد كثير العضاه فنزل رسول الله تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها قال وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر قال فقال رسول الله إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده فقال لي من يمنعك مني قال قلت الله ثم قال في الثانية من يمنعك مني قال قلت الله قال فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله ).

وفي رواية فسقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال من يمنعك مني قال كن خير آخذ. ففي هذه القصة تفويض الأمر إلى العزيز العليم واليقين التام أن ما قدرة الله كائن لا محالة ، وكذلك إذا تأملت حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم  حال الهجرة من مكة ظهر لك ذلك جليا.

 أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس عن أبي بكر رضي الله عنه قال قلت للنبي وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)

الله أكبر ..أين الجبناء الذين يحسبون كل صيحة عليهم !!

أين ضعفاء اليقين الذين حفيت أقدامهم في طلب الدنيا ، وهم يحسبون أن رزق الله يجلبه حرص حريص ، فأضاعوا الدين لجلب الدنيا قال الإمام أحمد : صدق التوكل على الله أن يتوكل على الله ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء ، فإذا كان كذلك ، كان الله يرزقه وكان متوكلا"

أيها المؤمنون : إن التوكل على الله زاد المتقين ، وأنس الخائفين ، والمعين على طاعة رب العالمين .  أخرج مسلم في صحيحه من حديث عن أبي هريرة عن النبي قال يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير ) يعني في التوكل على الله

اللهم اجعلنا ممن توكل عليك فكفيته ، واستهداك فهديته واستنصرك فنصرته

اللهم أنج المستضعفين ...............

المرفقات

1685027054_التوكل على الله.doc

المشاهدات 1609 | التعليقات 0