خطبة مناسبة لخطباء البلد الحرام جمعة 17 / 12
عبدالرحمن اللهيبي
1433/12/16 - 2012/11/01 20:28PM
هذه خطبة قديمة للشيخ صلاح البدير مع إضافات واختصار وتصرف بعنوان (ماذا بعد الحج)
احتوت ثلاث رسائل :
1- رسالة لمن حج بيت الله الحرام
2- رسالة لمن اشتغل بالأعمال الصالحة في الأيام الفاضلة
3- رسالة لمن فرط في أفضل أيام الدنيا
إليكم الخطبة :
الحمد لله الذي عمّت رحمته كل خير ووسعت، وتمّت نعمته على العباد وعظمت، نحمده على نعمٍ توالت علينا واتسعت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما ابتهلت الوفود بالمشاعر العظام ودعت. أمّا بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أربحُ بضاعة، واحذروا معصيته فقد خاب عبد فرط في أمر الله وأضاعه، يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
أيّها المسلمون، إنَّ عبادةَ العبد لربّه هي رمزُ خضوعِه ودليلُ صِدقِه وعنوان انقيادِه. العبوديّة هي أشرفُ المقامات وأسمى الغايات من نالها فقد نال أعلى المراتب وأرفع الدرجات.
أيها المسلمون، في الأيام الخالية قضى الحجاج عبادة من أعظم العبادات، وقربة من أجل القربات، تجردوا لله فيها من المخيط عند الميقات، وهلت دموع التوبة منهم في صعيد عرفات ، خجلاً منهم ووجلا من الهفوات والعثرات، وضجت بالافتقار إلى الله كلُ الأصواتِ بجميع اللغات، وازدلفت الأرواح إلى مزدلفةَ للبيات، وزحفت الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات، والطوافِ بالكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمروة، في رحلة من أروع الرحلات، وسياحة اتسمت بالعبودية لرب البريات, عادوا بعدَ ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضلِه, قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ
نعم خيرٌ من الدنيا وأغراضها التي ما هي إلا طَيف خيال، مصيره الزوالُ والارتحال، الدنيا متاعٌ قليل، عرضةٌ للآفات، ومآله للفَوات. فهنيئًا للحجّاج حجُّهم، وهنيئا لمن لم يحج واشتغل بالعبادة في الأيام الخالية فهنيئا للجميع عبادَتُهم واجتهادُهم، وهنيئًا لهم قولُ رسول الهدى فيما يرويه عن ربِّه جلّ وعلا: ((إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقرّبت إليه ذراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيتُه هرولة)) فهلا استشعرت يا عبدالله كم اقتربت من ربك في الأيام الخالية .. وبضِعفه قد اقترب الله منك بفضله وعطائه .. وكرمه ونواله.
فيا من حج بيت الله الحرام، ويا من اشتغل بالعبادة في الأيام العظام: اشكروا الله على ما أولاكم، واحمدوه على ما حباكم وأعطاكم، فقد تتابع عليكم برُّه، واتصل بكم خيره، وعم بكم عطاؤه، وكمُلت عليكم فواضله، فما حججتم إلا بأمره وفضله .. ولا عبدتم وتقربتم إلا باصطفائه لكم واختياره فالفضل كله لله وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ، وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
يا مَن حجَجتم البيتَ العتيق، وجئتُم من كلِّ فجٍّ عميق، ولبّيتم من كلِّ طرف سَحيق، ها أنتم وقد كمُل حجُكم وتمّ تفثكم، بعد أن وقفتم على هاتيكَ المشاعر، وأدّيتم تلك الشعائر، فاحذَروا من العودة إلى التلوُّث بالمحرّمات والتلفُّع بالسيئات والتِحاف الخطيئات, وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثًا ، هي امرأة حمقاء خرقاء ، تجْهَدُ صباحَ مساء في معالجة صوفها، حتى إذا صار خيطًا سويًّا ومحكَمًا قويًّا عادت عليه تحلُّ شُعيراتِه، وتنقُض حياكته، وتجعله بعد الاكتمال منكوثًا، وبعد الصّلاح محلولاً، ولم تجنِ من صنيعها إلاّ الإرهاقَ والمشاقّ، فإيّاكم أن تكونوا مثلَها، فتهدِموا ما بنَيتم، وتبدِّدوا ما جمَعتم، وتنقُضوا ما أحكمتم وتمسحوا ما كتبتم.
حجَّاج البيت العتيق، لقد فتَحتم في حياتِكم صفحةً بيضاء نقيّة، ولبستم بعد حجّكم ثيابًا طاهرة نقيّة، فاحذر أيها الحاج من العودة إلى تسويد الصحائف بالمعاصي والمنكرات حذار حذار من الذنوب المخزية والمعاصي المردية ، والأعمال المشينة , فما أحسنَ الحسنة تتبعُها الحسنة، وما أقبحَ السيئة بعدَ الحسنة .
أيّها المسلمون، إنّ للحجِّ المبرور أمارة ولقبوله منارة، سئل الحسنُ البصريّ رحمه الله تعالى: ما الحجّ المبرور؟ فقال: "أن تعودَ زاهدًا في الدّنيا، راغبًا في الآخرة".
فليكن حجُّكم حاجزًا لكم عن مواقع الهلَكَات، ومانعًا لكم من المزالِق المتلِفات، وباعثًا لكم إلى المزيد من الخيرات وفِعل الصالحات. واعلموا أنّ المؤمن ليس له منتَهى من صالح العمَل إلاّ حلول الأجل (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )).
أيها المسلمون، إن الحاج منذ أن يُلبي وحتى يقضي حجه وينتهي فإن كل أعمال حجه ومناسكه تعرفه بالله، تذكره بحقوق ربه وخصائص ألوهيته جل في علاه، وأنه لا يستحق العبادة أحد سواه، تعرفه شعائر الحج وتذكره بأن الله هو الأحد الذي تُسلَم النفس إليه، ويوجَّه الوجه إليه، وأنه الصمد الذي له وحده تصمد الخلائقُ في طلب الحاجات، والعياذ به من المكروهات، والاستغاثة به عند الكربات، فكيف يهون على الحاج بعد ذلك أن يصرف حقًا من حقوق الله من الدعاء والاستعانة والذبح والنذر إلى غيره؟!؟
أيُّ حجٍّ لمن عاد وهو يفعل شيئًا من ذلك الشركِ الصريح والعمل القبيح ، أي حج لمن يأتي المشعوذين والسحرة ، ويتبرك بالأشجار ، ويتمسح بالأحجار ، ويعلق التمائمَ والحروز , ويتمسح بالأضرحة والقبور؟
أين أثرُ الحج فيمن عاد بعد حجه مضيعًا للصلاة ، مانعًا للزكاة ، آكلاً للربا والرِشا ، متعاطيًا للمخدرات والمسكرات ، قاطعًا للأرحام ، والغًا في الموبقات والآثام , واقعا في أعراض الأنام ؟
من لبى لله في الحج كيف يتحاكم بعد ذلك إلى غير شريعته، أو ينقاد لغير حكمه، أو يرضى بغير رسالته؟! من لبى لله في الحج فليلبِّ له في كل مكان وزمان بالاستجابة لأمره أنى توجهت ركائبه، وحيث استقلت مضاربه، لا يتردد في ذلك ولا يتخير، ولا يتمنع ولا يضجر، وإنما يَذُل ويخضع، ويُطيع ويسمع فلا والذي نفسي بيده لا يثبت الإسلام إلا على قدم التسليم والاستسلام. يا من حج بيت الله العتيق، ليكن حجكم أول فتوحِكم، وتباشير فجركم، وإشراق صبحكم، وبداية مولدكم، وعنوانَ صدقِ إرادتكم، تقبل الله حجكم وسعيكم، وأعاد الله علينا وعليكم هذه الأيام المباركة أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، والأمة الإسلامية في عزة وكرامة، ونصر وتمكين، ورفعة وسؤدد... أقول قولي هذا
الحمد لله الذي أكرم مَن إلى جنابه أوى، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له داوى بإنعامِه من يئس من أسقامه الدّوا، وأشهد أنّ سيدنا محمّدًا عبده ورسوله، من اتّبعه كان على الخير والهدى، ومَن عصاه كان في الغواية والردى، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
ويا من تقربت في الأيام الخالية بين ذكر وصيام وقيام ورفادة ، إلزم طريق الخير والاستقامة، وداوم العمل فلست بدار إقامة، واحذر العجب والرياء فربّ عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية .
عباد الله، أنتم في الدنيا أغراضُ المنايا، وأوطان البلايا، أنتم الأخلافُ بعد الأسلاف، وستكونون الأسلافَ قبل الأخلاف، فاغتنِموا زمنَكم، وجاهدوا أنفسَكم، فإنّ المجاهدة بضاعة العُبَّاد ورأسُ مال الزُهَّاد ومدارُ صلاح النفوس .
اللهمَّ تقبَّل من الحجّاج حجَّهم وسعيَهم، اللهمّ اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، اللهمّ تقبّل مساعيَهم وزكِّها، وارفع درجاتهم وأعلِها، اللهم بلّغهم من الآمال منتهاها، ومِنَ الخيرات أقصاها، اللهمّ اجعل سفرهم سعيدًا، وعودَهم إلى بلادهم حميدًا، اللهمّ هوِّن عليهم الأسفار، اللهم آمنهم من جميع الأخطار، اللهمّ وأعدهم إلى أوطانهم وأهليهم سالمين غانمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
احتوت ثلاث رسائل :
1- رسالة لمن حج بيت الله الحرام
2- رسالة لمن اشتغل بالأعمال الصالحة في الأيام الفاضلة
3- رسالة لمن فرط في أفضل أيام الدنيا
إليكم الخطبة :
الحمد لله الذي عمّت رحمته كل خير ووسعت، وتمّت نعمته على العباد وعظمت، نحمده على نعمٍ توالت علينا واتسعت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما ابتهلت الوفود بالمشاعر العظام ودعت. أمّا بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أربحُ بضاعة، واحذروا معصيته فقد خاب عبد فرط في أمر الله وأضاعه، يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
أيّها المسلمون، إنَّ عبادةَ العبد لربّه هي رمزُ خضوعِه ودليلُ صِدقِه وعنوان انقيادِه. العبوديّة هي أشرفُ المقامات وأسمى الغايات من نالها فقد نال أعلى المراتب وأرفع الدرجات.
أيها المسلمون، في الأيام الخالية قضى الحجاج عبادة من أعظم العبادات، وقربة من أجل القربات، تجردوا لله فيها من المخيط عند الميقات، وهلت دموع التوبة منهم في صعيد عرفات ، خجلاً منهم ووجلا من الهفوات والعثرات، وضجت بالافتقار إلى الله كلُ الأصواتِ بجميع اللغات، وازدلفت الأرواح إلى مزدلفةَ للبيات، وزحفت الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات، والطوافِ بالكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمروة، في رحلة من أروع الرحلات، وسياحة اتسمت بالعبودية لرب البريات, عادوا بعدَ ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضلِه, قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ
نعم خيرٌ من الدنيا وأغراضها التي ما هي إلا طَيف خيال، مصيره الزوالُ والارتحال، الدنيا متاعٌ قليل، عرضةٌ للآفات، ومآله للفَوات. فهنيئًا للحجّاج حجُّهم، وهنيئا لمن لم يحج واشتغل بالعبادة في الأيام الخالية فهنيئا للجميع عبادَتُهم واجتهادُهم، وهنيئًا لهم قولُ رسول الهدى فيما يرويه عن ربِّه جلّ وعلا: ((إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقرّبت إليه ذراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيتُه هرولة)) فهلا استشعرت يا عبدالله كم اقتربت من ربك في الأيام الخالية .. وبضِعفه قد اقترب الله منك بفضله وعطائه .. وكرمه ونواله.
فيا من حج بيت الله الحرام، ويا من اشتغل بالعبادة في الأيام العظام: اشكروا الله على ما أولاكم، واحمدوه على ما حباكم وأعطاكم، فقد تتابع عليكم برُّه، واتصل بكم خيره، وعم بكم عطاؤه، وكمُلت عليكم فواضله، فما حججتم إلا بأمره وفضله .. ولا عبدتم وتقربتم إلا باصطفائه لكم واختياره فالفضل كله لله وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ، وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
يا مَن حجَجتم البيتَ العتيق، وجئتُم من كلِّ فجٍّ عميق، ولبّيتم من كلِّ طرف سَحيق، ها أنتم وقد كمُل حجُكم وتمّ تفثكم، بعد أن وقفتم على هاتيكَ المشاعر، وأدّيتم تلك الشعائر، فاحذَروا من العودة إلى التلوُّث بالمحرّمات والتلفُّع بالسيئات والتِحاف الخطيئات, وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثًا ، هي امرأة حمقاء خرقاء ، تجْهَدُ صباحَ مساء في معالجة صوفها، حتى إذا صار خيطًا سويًّا ومحكَمًا قويًّا عادت عليه تحلُّ شُعيراتِه، وتنقُض حياكته، وتجعله بعد الاكتمال منكوثًا، وبعد الصّلاح محلولاً، ولم تجنِ من صنيعها إلاّ الإرهاقَ والمشاقّ، فإيّاكم أن تكونوا مثلَها، فتهدِموا ما بنَيتم، وتبدِّدوا ما جمَعتم، وتنقُضوا ما أحكمتم وتمسحوا ما كتبتم.
حجَّاج البيت العتيق، لقد فتَحتم في حياتِكم صفحةً بيضاء نقيّة، ولبستم بعد حجّكم ثيابًا طاهرة نقيّة، فاحذر أيها الحاج من العودة إلى تسويد الصحائف بالمعاصي والمنكرات حذار حذار من الذنوب المخزية والمعاصي المردية ، والأعمال المشينة , فما أحسنَ الحسنة تتبعُها الحسنة، وما أقبحَ السيئة بعدَ الحسنة .
أيّها المسلمون، إنّ للحجِّ المبرور أمارة ولقبوله منارة، سئل الحسنُ البصريّ رحمه الله تعالى: ما الحجّ المبرور؟ فقال: "أن تعودَ زاهدًا في الدّنيا، راغبًا في الآخرة".
فليكن حجُّكم حاجزًا لكم عن مواقع الهلَكَات، ومانعًا لكم من المزالِق المتلِفات، وباعثًا لكم إلى المزيد من الخيرات وفِعل الصالحات. واعلموا أنّ المؤمن ليس له منتَهى من صالح العمَل إلاّ حلول الأجل (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )).
أيها المسلمون، إن الحاج منذ أن يُلبي وحتى يقضي حجه وينتهي فإن كل أعمال حجه ومناسكه تعرفه بالله، تذكره بحقوق ربه وخصائص ألوهيته جل في علاه، وأنه لا يستحق العبادة أحد سواه، تعرفه شعائر الحج وتذكره بأن الله هو الأحد الذي تُسلَم النفس إليه، ويوجَّه الوجه إليه، وأنه الصمد الذي له وحده تصمد الخلائقُ في طلب الحاجات، والعياذ به من المكروهات، والاستغاثة به عند الكربات، فكيف يهون على الحاج بعد ذلك أن يصرف حقًا من حقوق الله من الدعاء والاستعانة والذبح والنذر إلى غيره؟!؟
أيُّ حجٍّ لمن عاد وهو يفعل شيئًا من ذلك الشركِ الصريح والعمل القبيح ، أي حج لمن يأتي المشعوذين والسحرة ، ويتبرك بالأشجار ، ويتمسح بالأحجار ، ويعلق التمائمَ والحروز , ويتمسح بالأضرحة والقبور؟
أين أثرُ الحج فيمن عاد بعد حجه مضيعًا للصلاة ، مانعًا للزكاة ، آكلاً للربا والرِشا ، متعاطيًا للمخدرات والمسكرات ، قاطعًا للأرحام ، والغًا في الموبقات والآثام , واقعا في أعراض الأنام ؟
يا من حج البيت العتيق، يا من امتنعتم عن محظورات الإحرام أثناء حجِ بيت الله الحرام، تركت الطيب ولبس المخيط لله العظيم فاعلم أن هناك محظورات على الدوام، وطول الدهر والأعوام، فاحذروا إتيانها وقربانها،فكما تركت محظورات الإحرام امتثالا واستجابة لأمر الله فاترك ما حرم الله عليك مما هو أكبر وأعظم فإن الآمر واحد والرب واحديقول جل وعلا: تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ
أيها المسلمون، من لبى لله في الحج مستجيبًا لندائه كيف يلبي بعد ذلك لدعوة أو مبدأ أو مذهب أو طريقة تعارض دين الله الذي لا يُقبل من أحد دينٌ سواه؟!من لبى لله في الحج كيف يتحاكم بعد ذلك إلى غير شريعته، أو ينقاد لغير حكمه، أو يرضى بغير رسالته؟! من لبى لله في الحج فليلبِّ له في كل مكان وزمان بالاستجابة لأمره أنى توجهت ركائبه، وحيث استقلت مضاربه، لا يتردد في ذلك ولا يتخير، ولا يتمنع ولا يضجر، وإنما يَذُل ويخضع، ويُطيع ويسمع فلا والذي نفسي بيده لا يثبت الإسلام إلا على قدم التسليم والاستسلام. يا من حج بيت الله العتيق، ليكن حجكم أول فتوحِكم، وتباشير فجركم، وإشراق صبحكم، وبداية مولدكم، وعنوانَ صدقِ إرادتكم، تقبل الله حجكم وسعيكم، وأعاد الله علينا وعليكم هذه الأيام المباركة أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، والأمة الإسلامية في عزة وكرامة، ونصر وتمكين، ورفعة وسؤدد... أقول قولي هذا
الحمد لله الذي أكرم مَن إلى جنابه أوى، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له داوى بإنعامِه من يئس من أسقامه الدّوا، وأشهد أنّ سيدنا محمّدًا عبده ورسوله، من اتّبعه كان على الخير والهدى، ومَن عصاه كان في الغواية والردى، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عبد الله ، يا من مضت عليه أفضل أيام الدنيا ولم يقضها إلا في المعاصي والآثام، يا من ذهبت عليه مواسم الخيرات والرحمات وهو منشغل بالملاهي والمنكرات، أما رأيت قوافل الحجاج والعابدين؟! أما رأيت تجردَ المحرمين، وأكفّ الراغبين، ودموعَ التائبين؟! أما سمعت صوت الملبين المكبرين المهللين؟! فما لك قد مرّت عليك خير أيام الدنيا على الإطلاق وأنت في الهوى قد شُد عليك الوثاق؟!.فلم تكن بين ركب الحجيج الملبين, ولم تكن بين الذاكرين الصائمين.
يا من راح في المعاصي وغدا، يقول: سأتوب اليوم أو غدًا، يا من أصبح قلبه في الهوى مبددًا، وأمسى بالشهوات محبوسًا مقيدًا، تذكر ليلة تبيت في القبر مفردًا، وبادر بالمتاب ما دمت في زمن الإنظار، واستدرك فائتًا قبل أن لا تُقال العثار، وأقلع عن الذنوب والأوزار، واعلم أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.ويا من تقربت في الأيام الخالية بين ذكر وصيام وقيام ورفادة ، إلزم طريق الخير والاستقامة، وداوم العمل فلست بدار إقامة، واحذر العجب والرياء فربّ عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية .
عباد الله، أنتم في الدنيا أغراضُ المنايا، وأوطان البلايا، أنتم الأخلافُ بعد الأسلاف، وستكونون الأسلافَ قبل الأخلاف، فاغتنِموا زمنَكم، وجاهدوا أنفسَكم، فإنّ المجاهدة بضاعة العُبَّاد ورأسُ مال الزُهَّاد ومدارُ صلاح النفوس .
اللهمَّ تقبَّل من الحجّاج حجَّهم وسعيَهم، اللهمّ اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، اللهمّ تقبّل مساعيَهم وزكِّها، وارفع درجاتهم وأعلِها، اللهم بلّغهم من الآمال منتهاها، ومِنَ الخيرات أقصاها، اللهمّ اجعل سفرهم سعيدًا، وعودَهم إلى بلادهم حميدًا، اللهمّ هوِّن عليهم الأسفار، اللهم آمنهم من جميع الأخطار، اللهمّ وأعدهم إلى أوطانهم وأهليهم سالمين غانمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
المرفقات
ماذا بعد الحج البدير.doc
ماذا بعد الحج البدير.doc
فهد مصلح
خطبة جميلة ورسائل مهمة 00 لا حرمك الله الأجر شيخنا أبا معاذ00
تعديل التعليق