خطبة: معالم في تربية الأولاد .
د. عبدالعزيز الشهراني
أيها المسلمون: لقد حثَّ الإسلامُ على تربيةِ الأولاد، ومحاولة وقايتهم من النارِ فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } ، وقال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} وقال عز وجل : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ } ومدح عبادُ الرحمن بأنَّهم يقولون : { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} ومن السنة يقولُ- صلى الله عليه وسلم-: (( الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأةُ راعيةً في بيتِ زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها)) البخاري ومسلم.
عباد الله: لتحقيق التربية الصالحة لأولادنا نحتاجُ إلى بيانِ معالم تربوية عدة: منها: القدوةُ الحسنة : وهي من أقوى وسائلُ التربية تأثيراً؛ وذلك لأنَّ الولدَ ينظرُ إلى مربيهِ وماذا يعملهُ, ويستفيدُ من فعله أكثر من قوله، فالولدُ إذا رأى مربيهِ ينهاهُ عن شيءٍ ثم يفعلهُ، كيف ينتهي الولد عن هذا؟ والواجبُ أن يكونَ المربي قدوةً لمن يربيهم، فمثلا: إذا أذَّنَ المؤذنُ فاسكت للترديد مع المُؤذن، وبسرعةٍ توضأ، وخذهم معكَ للصلاة، وإذا كلمَّ أحدهم في الهاتفِ فلا تقُل لهم قولوا إني غيرُ موجودٍ، فتعودهم على الكذب . فإذا كان المربي قدوةً صالحةً لمن يُربي، أنتجت تربيته إنتاجاً سليماً صالحاً، وأمَّا إن كان بالعكس، ويُخالفُ قوله فعله فلن يستفيدَ المُتربي منه شيئاً إلا التناقض. ومنها: المراقبة والملاحظة : فينبغي ألا يغفلَ الوالدُ عن ولدهِ، بل يلاحظهُ ويراقبهُ دون أن يشعر الولدُ، سواءً كان الولدُ ابناً أو بنتاً، وليس المقصود هو التجسس ولكن المقصود هو حمايته من الانزلاق – لا قدر الله – والمحافظة عليه من مصادر الشيطان . ومنها التحذير : فيحذرهُ من المعاصي على مختلفِ أنواعها التي يمكنُ أن يقعَ فيها، ويحذِّرهُ من الشرِّ وأهله، وأسبابِ الوقوع فيه، وأساليبُ أهلهِ في إيقاع غيرهم فيه .ومنها التلقين : بأن يُلقنهُ مثلاً السورِ من القرآن، وبعضَ الأحاديثِ والأدعية والأذكار، وماذا يقول لوالديهِ إذا رآهما؟ وماذا يقولُ للضيفِ إذا قدم وهكذا؟ ومنها التعويد : بأن يعودَهُ على الخير؛ فيعودُهُ أنَّ يُبكر إلى الصلاة، ويعودهُ على أنَّ يقرأُ القرآن يومياً وهكذا. ومنها الترغيبُ والترهيب : بأن يُشجعه أحياناً بالكلمة الطيبة، وبالهدية أحياناً، وقد يلجأُ إلى ترهيبهِ وإخافتهِ من فعل شيءٍ أو ترك شيء ومنها الموعظة : فيعظهُ بأسلوبٍ جيد، كأن يبدأَ بالاستعطاف؛ يا بُني ويا بنتي، وربَّما يقصُّ عليه قصةً فيها عبرةٌ وعظة، وربَّما يستعملُ معه السؤالُ والجواب؛ كأن يقولَ ألا تريدُ الجنة، ألا تخافُ من النار، ويمكنهُ أن يغتنمَ المناسبات، ويستفيدَ من المواقف، كأن يرى زحاماً شديداً فيذكرهُ بالقيامةِ، أو يراهُ فرحاً بنتيجةِ الامتحان فيقولُ له مثلاً : وإن شاء الله ستفرحُ في الآخرة أيضاً مادُمت تُطيعُ الله، وهكذا، وينبغي الاقتصادُ في الموعظة وعدمُ الإكثارُ منها لئلا يملَّ الولد ومنها القراءة : سواءً تقرأ عليهِ وعلى الأسرةِ شيئاً مفيداً من مثل سيرةَ الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وسيرةَ السلف الصالح، أو بعضَ القصصِ المُفيدةِ ونحو ذلك، أو هو يقرأُ بتشجيعٍ منك، وتوفيرٌ للكتب ومنها زرعُ مراقبةِ الله في نفسه : حتى يشعرَ أنَّ عليه رقيباً في كل أحواله، وبهذا يعملُ العمل الجميل ولو لم ترهُ، ويتجنبُ العمل القبيح ولو لم تره ومنها العقوبة : فقد يلجأُ إليها المُربي بعد أن يستنفدَ التوجيه والإرشاد والوعظ والهجر، وهذا الضربُ يراعى فيه التدرجُ من الأخفِ إلى الأشد، وأن لا يُعامل الولد دائماً بالعقوبة، وألا يعاقبَ من أولِ زلة، ثم إذا استقام الولدُ على الطريق فليلزم أن يتلطفُ معهُ المربي، وألا يستمرُ على غضبه عليه.
فاتقوا الله عباد الله واجتهدوا في تربية أولادكم كما أمركم الله بذلك, واعلموا أن أولادكم أمانة في أعناقكم سيسألكم الله عنها يوم القيامة, نسأل الله أن يصلح أولادنا وأولاد المسلمين يا رب العالمين .
عباد الله : لانحراف الأولاد أسباب كثيرة من أهمها : الإهمالُ في تربيةِ الولد أو التقصيرِ فيها ، أو الخطأ في طريقة التربية . فإمَّا إن يُهملَ الوالدان تربيةَ ولدهما ويتخليان عن ذلك، أو التقصيرُ في تربيتهِ أو يُخطئا في طريقةِ التربية، كأن يحتقراهُ أو يُهيناه، أو يتعرضُ للدلال الزائد فيسبب له فقدان الرجولةِ، وضعفُ الثقةِ بالنفس، أو يرى المفاضلةَ بينه وبين أخوته، مما يُولدُ عندهُ الحسدَ والكراهية، والانطواءَ والعقدُ النفسية ومنها النزاعُ بين الوالدين وكثرةُ الشجار بينهما ممَّا يُضايقُ الولد، لأنَّهُ لم يجد في البيت الراحةُ النفسية، والحنان العاطفي ومنها الطلاقُ : لأنَّ تَساعُدَ الوالدان في التربيةِ له دورٌ عظيم، أمَّا إذا انفردَ أحدُ الطرفين بذلك صعُب نجاحهُ وان لم يكن مستحيلاً، ومثلُ الطلاق اليتم. وقد يكون اليتمُ أشدَّ من الطلاق، لأنَّ في الطلاقِ قد يوجدُ عنده والدهُ وهو أكثرُ هيبةً من أُمهِ، أمَّا اليتيمُ فلا. ولا يعني وجودَ الطلاق أو اليتم، بالضرورةِ انحرافُ الولد، لا، فكم من عالمٍ من عُلماءِ المسلمين نشأ يتيماً، وإنَّما المقصودُ أنَّها قد تكون سبباً في الانحراف ومنها الفقر: فأحياناً قد يكونُ سبباً للانحراف، لأنَّ الوالدَ مشغولٌ بلقمةِ العيش، وأيضاً الولدُ قد ينحرفُ بسبب بحثهِ عن المالِ، كأن يسرق مثلاً ومنها رفقاءُ السُوء : وهم من أقوى أسبابَ الانحراف. ومنها البطالةُ والفراغ: وهذتا يكثر في مثل أوقاتنا هذه في الإجازة الصيفية، وهذا يضرهُ ضرراً كبيراً، إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
ومنها مظاهرُ الفتنةِ والإغراء :سواءً في الأفلامِ أو المجلات ، أو شبكات الإنترنت والهواتف الذكية التي بأيديهم ، أو حتى في الواقع كالأسواق والمجمعات ، وهذه أيضاً من الأسبابِ القويةِ للانحراف. نسأل الله أن يهدينا ويهدي أولادنا والمسلمين أجمعين .