خطبة : ( مطرنا بفضل الله ورحمته )

عبدالله البصري
1442/04/11 - 2020/11/26 14:20PM
مطرنا بفضل الله ورحمته  12 / 4 / 1442
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ ، اِتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَاستَغفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيهِ ، وَعَلِّقُوا القُلُوبَ بِهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ ، وَثِقُوا بِوَعدِهِ وَفَوِّضُوا الأُمُورَ إِلَيهِ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في الأُسبُوعِ المَاضِي دَعَا وَليُّ الأَمرِ إِلى إِقَامَةِ صُلاةِ الاستِسقَاءِ ، وَحَضَرَ الصَّلاةَ مِن عِبَادِ اللهِ مَن حَضَرَهَا وَاستَبشَرَ بها مَنِ استَبشَرَ ، وَتَرَكَهَا مِنَ النَّاسِ مَن تَرَكَهَا بِلا عُذرٍ وَمَا أَكثَرَهُم ، وَفي هَذَا الأُسبُوعِ جَعَلَ بَعضُ مَن لَهُمُ اشتِغَالٌ بِمُتَابَعَةِ أَحوَالِ الجَوِّ وَتَقَلُّبَاتِهِ ، يُبَشِّرُونَ بِغَيثٍ سَيَعُمٌّ أَجزَاءً وَاسِعَةً مِن بِلادِنَا ، وَيَشمَلُ كَثِيرًا مِنَ المَنَاطِقِ والجِهاتِ ، بِنَاءً عَلَى مَا قَرَأَتهُ وَسَائِلُ الرَّصدِ لَدَيهِم ، مِن وُجُودِ مُنخَفَضٍ جَوِّيٍ ، وَتَزَايُدِ نِسبَةِ الرُّطُوبَةِ في العُلُوِّ ، وَالتِقَاءِ رِيَاحٍ دَافِئَةٍ مِن جِهَةٍ بِأُخرَى بَارِدَةٍ مِن جِهَةٍ ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ كَثِيرُونَ وَاستَبشَرُوا بِهِ ، وَحُقَّ لَهُم أَن يَفرَحُوا وَيَستَبشِرُوا ، وَلَكِنَّ الغَرِيبَ العَجِيبَ ، أَنَّهُم جَعَلُوهُ كَالوَاقِعِ الَّذِي لا شَكَّ في حُصُولِهِ وَلا رَيبَ ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم يَنقُلُهُ لِلآخَرِ مُبَشِّرًا بِهِ ، وَصَارَ كَثِيرُونَ يَنشُرُونَهُ في تَغرِيدَاتِهِم وَرَسَائِلِهِم نَشرَ المُوقِنِ بِهِ ، وَالحَقُّ أَنَّ في هَذَا مَا فِيهِ ، مِمَّا قَد يُكَدِّرُ صَفوَ التَّوحِيدِ ، حِينَ لا يَقُومُ النَّاسُ لِصَلاةِ الاستِسقَاءِ وَهِيَ اتِّصَالٌ بِالخَالِقِ الرَّازِقِ الَّذِي بِيَدِهِ كُلُّ شَيءٍ ، قِيَامَهُم لأَخبَارٍ بَشَرِيَّةٍ عَابِرَةٍ ، تَحتَمِلُ الصِّدقَ وَالكَذِبَ وَالحُدُوثَ وَعَدَمَهُ ، مَعَ أَنَّ نُزُولَ الغَيثِ وَاحِدٌ مِن خَمسَةِ أُمُورٍ غَيبِيَّةٍ لا يَعلَمُهَا إِلاَّ اللهُ ، قَالَ – تَعَالى - : " إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا في الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ نُزُولَ الغَيثِ مِمَّا اختَصَّ اللهُ بِهِ مِنَ العِلمِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ العَبدَ الَّذِي أَسلَمَ قَلبَهُ لِرَبِّهِ ، لا يَفرَحُ كَثِيرًا لأَنَّ خَبِيرًا بِالطَّقسِ بَشَّرَ بِحَالَةٍ أَو وَعَدَ بِأُخرَى ، وَلا يَحزَنُ لأَنَّ خَبِيرًا آخَرَ استَبعَدَ نُزُولَ الغَيثِ في مَوسِمٍ مِنَ المَوَاسِمِ ، وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقُ القَلبِ بِرَبِّهِ ، دَائِمُ التَّطَلُّعِ إِلى مَا عِندَهُ ، كَثِيرُ الثَّنَاءِ عَلَيهِ بما هُوَ أَهلُهُ ، لاهِجٌ بِذِكرِ صِفَاتِهِ وَحَمدِهِ وَشُكرِهِ ، مُبَالِغُ في دُعَائِهِ وَسُؤَالِهِ الخَيرَ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيهِ ، وَاستَغَاثَتِهِ وَالانطِرَاحِ بَينَ يَدَيهِ ، وَأَمَّا إِخبَارُ الخُبَرَاءِ بِنُزُولِ المَطَرِ ، أَو تَوَقُّعُهُم لَهُ في المُستَقبَلِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقتَضِيهِ الآلاتُ الَّتي تُقَاسُ بها أَحوَالُ الجَوِّ ، فَلا يُشَكِّكُهُ فِيمَا لَدَيهِ مِن عِلمٍ يَقِينيٍّ بِأَنَّ نُزُولَ الغَيثِ لا يَعلَمُهُ إِلاَّ اللهُ ، وَحَتى وَإِنْ نَزَلَ مَرَّةً أَو أَكثَرَ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ الخُبَرَاءُ ، فَإِنَّ هَذَا لَيسَ مِن عِلمِ الغَيبِ في شَيءٍ ، لأَنَّ القَائِلَ بِهِ استَنَدَ إِلى أَمرٍ مَحسُوسٍ ، وَاستَنتَجَهُ بِآلاتٍ دَقِيقَةٍ تُرَاقِبُ حَالاتِ الجَوِّ ، وَهِيَ في حَقِيقَةِ الأَمرِ لا تُحدِثُ في مَلَكُوتِ اللهِ شَيئًا لم يُرِدْهُ اللهُ ، وَلَكِنَّهَا تَتَتَبَّعُ سُنَنَهُ في الكَونِ ، وَتُنبِئُ بما تَقتَضِيهِ تِلكَ السُّنَنُ المُحكَمَةُ ، الَّتي لا تَتَغَيَّرُ وَلا تَتَبَدَّلُ وَلا تَتَحَوَّلُ ، وَلا تَتَخَلَّفُ نَتَائِجُهَا إِذَا وُجِدَت أَسبَابُهَا ، وَهِيَ في الغَالِبِ مَحصُورَةٌ في سَاعَاتٍ مُعَيِّنَةٍ ، وَتُخطِئُ أَحيَانًا كَمَا تُصِيبُ أَحيَانًا أُخرَى ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْنَكُنْ بما عِندَ اللهِ أَوثَقَ مِنَّا بما في أَيدِينَا ، وَلْنَحذَرْ مِن نِسبَةٍ شَيءٍ لِغَيرِ خَالِقِهِ - سُبحَانَهُ - فَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صَلاةَ الصُّبحِ بِالحُدَيبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَت مِنَ الليلَةِ ، فَلَمَّا انصَرَفَ أَقبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : " هَل تَدرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُم ؟ " قَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ . قَالَ : " أَصبَحَ مِن عِبَادِي مُؤمِنٌ بي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَن قَالَ : مُطِرنَا بِفَضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ ، فَذَلِكَ مُؤمِنٌ بي وَكَافِرٌ بِالكَوكَبِ ، وَأَمَّا مَن قَالَ : بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا ، فَذَلِكَ كَافِرٌ بي وَمُؤمِنٌ بِالكَوكَبِ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا في الأَرضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ . وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَليُّ الحَمِيدُ . وَمِن آيَاتِهِ خَلقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمعِهِم إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ . وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ "
 
 
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاذكُرُوهُ وَلا تَنسَوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ العِلمَ التَّجرِيبيَّ الصَّحِيحَ ، لا يُعَارِضُ النَّصَّ الشَّرعِيَّ الصَّرِيحَ ، وَلَكِنَّ المَقصُودَ أَنَّ المُسلِمَ يَجِبُ أَن يَكُونَ فِيمَا عِندَ اللهِ أَشَدَّ مِنهُ يَقِينًا بما يَقُولُهُ البَشَرُ الضَّعفَاءُ ، وَإِن كَانُوا فِيهِ مُستَنِدِينَ إِلى عِلمٍ وَخِبرَةٍ ، وَمِنَ اليَقِينِ الَّذِي يَجِبُ أَن يَكُونَ عَلَيهِ المُسلِمُ وَيَعَضَّ عَلَيهِ بِالنَّوَاجِذِ ، أَنَّ ثَمَّ أَسبَابًا شَرعِيَّةً لا تَتَخَلَّفُ نَتَائِجُهَا بِأَمرِ اللهِ وَتَقدِيرِهِ ، وَمِن أَعظَمِهَا دُعَاءُ المَرءِ رَبَّهُ وَاستِسقَاؤُهُ ، وَسُؤَالُهُ الغَيثَ وَاستِنزَالُ رَحمَتِهِ ، سَوَاءٌ مَعَ المُسلِمِينَ في صَلاةِ الاستِسقَاءِ ، أَو في أَوقَاتِ الإِجَابَةِ وَأَحوَالِهَا المُختَلِفَةِ ، كَالسُّجُودِ وَدُبُرِ الصَّلاةِ ، أَو بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ ، أَو حِينَ يَجلِسُ الإِمَامُ عَلَى المِنبَرِ لِلخُطبَةِ ، أَو في آخِرِ سَاعَةٍ مِن يَومِ الجُمُعَةِ ، أَو في جَوفِ الليلِ وَوَقتِ الأَسحَارِ ، أَو عِندَ شُعُورِهِ بِالحَاجَةِ المَاسَّةِ وَاشتِدَادِ الكَربِ ، مَعَ كَثرَةِ الاستِغفَارِ قَبلَ ذَلِكَ وَفي أَثنَائِهِ وَبَعدَهُ ، وَصِدقِ التَّوبَةِ وَعِظَمِ الإِنَابَةِ ، فَاللهُ –تَعَالى - لا يُخلِفُ المِيعَادَ ، وَقَد قَالَ – تعالى - وَهُوَ أَصدَقُ القَائِلِينَ : " اُدعُوني أَستَجِبْ لَكُم " وَقَالَ - سُبحَانَهُ - : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا - : " أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ " وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - عَن هُودٍ - عَلَيهِ السَّلامُ - وَقَومِهِ : " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثم تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلا تَتَولَّوا مُجرِمِينَ " وَقَالَ عَن نُوحٍ - عَلَيهِ السَّلامُ - وَقَومِهِ : " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا "
المشاهدات 1405 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا