خطبة مسجد قباء 15 صفر 1442هـ
المساجد الثلاثة
خطبة الجمعة من مسجد قباء 15 صفر 1442هـ لفضيلة الشيخ : عبد الرحمن المغامسي
نص الخطبة:
الخطبة الأولى:
أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل، وأثني عليه الخير كله لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، واصلي وأسلم على خاتم رسله وأنبيائه وإمام أوليائه وأصفيائه نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى فإن تقوى الله خير زاد، (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ) [البقرة: 197]، أيها المسلمون: لقد أمرنا الله تعالى باتباع ملة إبراهيم -عليه السلام-: (قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) [آل عمران: 95]، فمن إبراهيم؟ وما ملته؟ إنه إبراهيم -عليه السلام- الذي أثنى عليه ربه في القرآن ثناءً عظيمًا، وذكر له من الصفات والأفعال ما استحق بها أن يكون خليلًا، أمر بالتوحيد، وتبرأ من الشرك والمشركين. إنه إبراهيم أبو الأنبياء الخليل -عليه السلام-، أفضل أولي العزم من الرسل بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم-، خصه الله بأعلى مراتب المحبة، قال تعالى: (وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلًا) [النساء: 125]، وأول من يكسى من الخلائق يوم القيامة، كان صديقًّا نبيّا، أثنى عليه ربه فقال: (إِذۡ جَآءَ رَبَّهُۥ بِقَلۡبٍ سَلِيمٍ) [الصافات: 84]، وخصّه بالإيمان فقال: (إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) [الصافات: 111]، وسلّم عليه ربه فقال: (سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ) [الصافات: 109]، مكرم الضيفان قال تعالى: (هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ضَيۡفِ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ) [الذاريات: 24]، مكسر الأوثان قال تعالى: (فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمۡ فَقَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ * مَا لَكُمۡ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيۡهِمۡ ضَرۡبَۢا بِٱلۡيَمِينِ) [الصافات: 91-93]، جعلت النار له بردًا وسلامًا حين نصر الله -عز وجل- نبيه ووليه إبراهيم -عليه السلام- على أعداءه قال تعالى: (قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدًا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ) [الأنبياء: 69]، كان قانتًا لله راجيًا عفوه ورضاه: (إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) [النحل: 120].
عباد الله: إن ملة إبراهيم هي حقيقة الهدى: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِۧمَ حَنِيفًاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) [البقرة: 135]، إنها الدين القيم والصراط المستقيم: (قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسۡتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) [الأنعام: 161]، ولا يرغب عن هذه الملة إلا سفيه جاهل: (وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ) [البقرة: 130]، قال ابن القيم -رحمه الله-: "فالسفيه من رغب عن ملته إلى الشرك، والرشيد من تبرأ من الشرك قولًا وعملًا وحالًا، فكان قوله توحيدًا، وعمله توحيدًا، وحاله توحيدًا، ودعوته إلى التوحيد" انتهى.
ولقد أمر الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يتبع هذه الملة في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) [النحل: 127]، إنه منهجٌ لم يأتي نبيٌّ بأكمل منه ولا أبين ولا أوضح ولا أتم. قال تعالى: (قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسۡتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) [الأنعام: 161]، ولذا كان من دعاه -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين" [رواه مسلم].
وقد مدح الله من أخلص دينه لله واتبع ملة إبراهيم -عليه السلام-، فقال تعالى: (وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنً وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلًا) [النساء: 125].
إخوة الإسلام: باتباع ملة إبراهيم -عليه السلام- ينال المرء شرف الانتساب إليه، ومن دنس دينه بالشرك فلا يمكن أن يكون من أتباعه، فملته هي الملة المائلة عن طريق الشرك، المستقيمة على طريق التوحيد، الحنيفية السمحة، أحب الأديان إلى الله التي ألتزمت ما جاءها من عند مولاها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة" [رواه البخاري]، ويقول سبحانه: (إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) [آل عمران: 68]، آمنوا بكل ما جاءهم من عند الله، متبعين لا مبتدعين، يتأولون القرآن والسنة بأفعالهم لا بأقوالهم، وذلك بتطبيقه في حياتهم واقعًا عمليًّا.
إن الإسلام هو الدين الذي كان عليه الأنبياء -وإن اختلفت شرائعهم- فدينهم واحدٌ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الأنبياء إخوة لعلّات، أمهاتهم شتّى، ودينهم واحد" [رواه البخاري]، وكل دينٍ سوى الإسلام باطلٌ مردودٌ يوم القيامة ولن يقبل؛ لقوله تعالى: (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ) [آل عمران: 85]، ولقد برأ الله خليله إبراهيم -عليه السلام- من الشرك وأهله، وجعله حنيفًا مسلمًا قال سبحانه: (مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصۡرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسۡلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) [آل عمران: 67]، وقال تعالى: (قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٌ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ) [الممتحنة: 4]، فملة إبراهيم هي دين الإسلام، وهي صراط الله المستقيم الذي لا عوج فيه، وملته الحنيفية السمحة التي لا ضيق فيها ولا حرج، فاتبعوا -عباد الله- ملة إبراهيم حنيفًا، وكونوا من أولياء وأنصار دينه حقًّا، ولا تبغوا عن هذا الدين وهذه الملة بدلًا، واعبدوا الله مخلصين له الدين.
عباد الله: هذا إبراهيم فاعلموا، وهذه ملته فالزموا، واعلموا أن الصوارف عنها في هذا الزمن كثيرة فاثبتوا، فاللهم ارزقنا عليها الثبات، واجعل عليها الحياة والممات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إخوة الإسلام: جاءت الشريعة بالأمر بحفظ النفس البشرية، والمنع من كل ما يؤذيها أو يؤدي إلى ضررها وموتها، قال تعالى: (وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمًا) [النساء: 29]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، وأمرت الشريعة كذلك بحفظ الصحة، وقطع الأسباب المؤدية إلى الأمراض وانتشار الأوبئة، ولذلك فالتزموا بما أُمِرتم به من الجهات المسؤولة بتطبيق الإجراءات الاحترازية تجاه هذا المرض، وراعوا التعليمات التي أصدرتها وزارة الشؤون الإسلامية بشأن الإجراءات الاحترازية للمسجد والمصلين، واشكروا دولتكم وادعوا لها بمزيدٍ من الحفظ والتوفيق والتسديد لها ولولاة أمرها والقائمين على الصحة والأمن. فكم بذلوا من جهودٍ للمواطن والمقيم فهي جهودٌ تذكر فتشكر. واحذروا الشائعات ونشرها بين الناس. وخذوا المعلومات من مصادرها الموثوقة، وليحذر المسلم من أن يكون سببًا في ترويع الناس ونشر الهلع واليأس بينهم، وكن أيها المسلم على يقين أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله لك، فسلّم لله تعالى كل أمرك، وتوكل عليه، وجانب التسخط والهلع من هذه الأمراض، وإن أصابك شيء فاصبر واحتسب، وآمن بالقضاء والقدر، وارض بالمصيبة، واعلم يقينًا أن الله وحده الشافي: (وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يَمۡسَسۡكَ بِخَيۡرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام: 17].
عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عنا، اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، اللهم أحينا وأمتنا على التوحيد والسنة، اللهم اشف مرضانا وعافي مبتلانا، اللهم كما أنزلت هذا الداء بقدرتك فارفعه برحمتك يا ذا الجلال والإكرام، تحصنا بذي العزة والجبروت واعتصمنا بذي الملك والملكوت وتوكلنا على الحي الذي لا يموت، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل، اللهم وفق عبدك خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما فيه خير العباد والبلاد.
(سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِينَ * وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [الصافات: 180-182].
المساجد الثلاثة
الخطبة بصيغة WORD و PDF
المرفقات
https://khutabaa.com/forums/رد/365566/attachment/%d9%85%d9%84%d8%a9-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-2
https://khutabaa.com/forums/رد/365566/attachment/%d9%85%d9%84%d8%a9-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-2
https://khutabaa.com/forums/رد/365566/attachment/%d9%85%d9%84%d8%a9-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-3
https://khutabaa.com/forums/رد/365566/attachment/%d9%85%d9%84%d8%a9-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-3
تعديل التعليق