خطبة مرحبا يا رمضان + فضل الصدقة مختصرة
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى :
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أما بعد :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
أيها المسلمون : لو قِيلَ لَكَ: أنَّ ضَيفاً كَريماً عِندَهُ مِنَ المَالِ الكَثيرِ، والخَيرِ والوَفيرِ، سَيَزورُكَ في بَيتِكَ بَعدَ أُسبوعٍ، ومَعَهُ مِن الهَدايا والخَيرِ لَكَ ولأهلِكَ جَميعاً، بَلْ حتى لِجِيرانِكَ وأَهلِ مَدينَتِكَ، فَكيفَ سَيَكونُ استِعدَادُكَ أَنتَ وأهلُ بيِتكَ لِهذا الضَّيفِ؟، وكَيفَ سَيَكونُ تَنظيفُ البَيتِ وتَرتِيبُهُ؟، وما هِيَ أَنواعُ الضِّيافةِ التي سَتُقَدِّمونَهَا لَهُ؟، وكَيفَ هِيَ السَّعادةُ والوُجوهُ البَاسِمةُ التي سَتَكونُ في استِقبالِهِ؟.
والآنَ .. أَخبِروني عَنْ ضَيفٍ أَرسَلَهُ أَكرَمُ الأكرمينَ، وَجاءَ بالخِيرِ مِن أرحمِ الرَّاحمينَ، فِيهِ فَلاحُ الدِّينِ والدُّنيا، وفِيهِ الفَوزُ بالمَراتِبِ العُليا، يَأتي ومَعَهُ أحسنُ البُشَاراتِ، ويَدخلُ ومَعَهُ أَفضلُ الحَسَناتِ، يَقولُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ)، فيَا مَرحباً بِضَيفنِا العَزيزِ، مَرحباً بِشَهرِ رَمضانَ.
جَاءَكمْ ضَيفٌ بالأنباءِ السَّعيدةِ، والأجورِ الأكيدةِ، فَنَهارُه مَغفرةٌ بالصِّيامِ، ولَيلُهُ مَغفرةٌ بالقِيامِ، كَما قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ، إيمَانًا واحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ)، ضَيفٌ يأتينَا مَرَّةً في كُلِّ عَامٍ، لِيُكَفِّرَ مَا كَانَ مِنَ الذُّنوبِ والآثامِ، كَمَا جَاءَ في الحَديثِ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الغُفرانِ.
كَيفَ سَيَكونُ استقبَالُنا لِهَذا الضَّيفِ الثَّمينِ، إذا عَلِمْنَا أنَّ اللهَ قَد أَخفى فِيهِ أَجرَ العَاملينَ، وَجَعلَ الفَرحَةَ فِيهِ فَرحَتينِ، يَقُولُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قال اللهُ تعالى: إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ)، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الخَيرِ والفَرحِ.
كَيفَ هُوَ فَرحُنا بِهَذا الضَّيفِ، إذا عَلِمنا أنَّه لا ينسى حُسنَ ضِيافَتِنَا لَهُ بِالصِّيامِ، وأنَّهُ يَأتي يَومَ القِيامةِ شَفِيعاً لِمنَ صَامَ وَقَامَ، ولَا يَتركُ مَن أَكرَمَهُ بالعَمَلِ الصَّالحِ حتى يُدخِلَهُ دَارَ السَّلامِ، جَاءَ في الحَديثِ: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتهُ النَّومَ بِالَّليْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ)، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الصَّومِ والقُرآنِ. نسأل الله تعالى أن يبلغنا شهر رمضان .
أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، فَاستغفروه إنَّهُ هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ حَمدًا يَليقُ بجَلالِ وَجهِهِ وعَظيمِ سُلطانِه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَه، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه وأَتباعِه، أمَا بَعدُ:
جاءكم شهر فيه زيادة الحسنات إذا علمنا عظم أجر الصدقة وتفريج كربة المحتاجين بتسديد ديونهم ومد يد العون لهم عبر المنصات الحكومية الرسمية؛ وكذلك لا ننسى أجر تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا ) .فيا مرحبا بشهرالصدقة والأجور العظيمة .
فَهَنيئاً لَكُم هذا الضَّيفَ، الذي قَد جَعَلَ اللهُ تَعَالى للدُّعاءِ فِيهِ مَنزِلةً عَجيبةً، وَجَعلَ الاستِجابةَ فِيهِ أَكِيدةً قَريبةً، ولِذلكَ تَقرأُ بِينَ آياتِ صِيامِ رَمَضانَ، قَولَهُ تَعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وَقالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ)، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الدُّعاءِ.
وإذا كُنَّا نُنَظِّفَ بُيُوتَنَا لاستِقبَالِ الضُّيوفِ ونُرَتِّبَ لَهم المَكانَ، فلا بُدَّ أن نُطَّهِرَ قُلوبَنا وألسِنَتنا وأسمَاعَنا لاستِقبالِ رَمضانَ، فَأيامُ الصِّيامِ، لَيسَتْ كَغيرِها من الأيامِ، قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الأخلاقِ.
أيُّها الأحبَّةُ .. أَرسلَ اللهُ لَكُم ضَيفاً مُباركاً بِالخَيراتِ، فَأحسِنوا استِقبَالَهُ وإكرامَهُ بالاجتِهادِ في الطَّاعات ؛ لتنالوا الفوز بالجنان .
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد .....