خطبة مختصرة لعيد الأضحى

عبدالرحمن اللهيبي
1434/12/08 - 2013/10/13 23:52PM
هذه خطبة واحدة ومختصرة لعيد الأضحى جمعتها ونسقتها لمن أراد أن يخطب بها أو يفيد منها


الحمد لله على ما منَّ به علينا من مواسم الخيرات وما تفضل به من جزيل العطايا والهبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مسبغ النعم ودافع النقم وفارج الكربات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أكمل الخلق وأفضل البريات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان ما دامت الأرض والسماوات. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ، وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهِ؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)
إخوة الإسلام، يومك هذا يوم عظيم، هُوَ أَفْضَلُ الأَيَّام عند الله كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ، وَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ, هو عيد الأضحى, كلما جاء هذا اليوم تألقت صفحة من تأريخ الإسلام ووقفة من وقفات سيد الأنام r، تمثلت في خطبة الوداع الجامعة, حيث كانت من أهم معالم رحلة الحج النبوية، لما احتوته من المعاني الجامعة والمبادئ البليغة والحقوق العظيمة التي خاطب بها رسول الله r المسلمين في حجة الوداع والتي لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها , لقد أعلن رسول الله r تلك المبادئ التي لم تكن شعارات يزايد بها أو يتاجر فيها، بل كانت هي مبادئه منذ فجر الدعوة يوم كان وحيدًا مضطهدًا، وهي مبادئه يوم كان أتباعه قلة مستضعفون ,لم تتغير في القلة والكثرة ولا في الحرب والسلم، لم تذبل مع الأيام ولم تمت مع تعاقب الأجيال وإنما هي راسخة تتجدد في الأقوال والأعمال , مبادئ وُقِّعت عبارتها بدموع الوداع، ومن أجل ذلك سميت بخطبة الوداع، كان أبرز ما فيها التحذير من الشرك ذلك الداء الوبيل الذي يفتك بالإنسانية ويحطم روابطها ويقطع صلتها برب الأرباب ويذهب بها في أودية سحيقة تتنازعها الأهواء وتأسرها الشهوات ، ومن ثم فالمعنى الأصيل الذي تدور عليه أحكام الحج بل تقوم عليه أحكام الدين كلها هي وحدانية الله تبارك وتعالى.
وفي خطبة الوداع يقول الرسول r: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) إن الإنسان لا يهنأ له عيش ولا يهدأ له روع، ولا تطمئن له نفس إلا إذا كان آمنًا على روحه وبدنه لا يخشى الاعتداء عليهما.
وفي ظل شريعة الإسلام يتحقق الأمن وتشيع الطمأنينة، ينظر الرسول r إلى الكعبة ويقول: ((ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك))
حقا إنها مبادئ خالدة لحقوق الإنسان لا يبلغها منهج وضعي ولا قانون بشري، فلصيانة الدماء يقول تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ ، ولصيانة الأموال يقول تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ، ولصيانة الأعراض يقول تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ، هذا لغير المحصن، أما المحصن فعقوبته الرجم حتى الموت، فلا حصانة لفوضى أخلاقية واختلاط للأنساب والقذف بأبناء في تعاسة وشقاء لا يعرفون أبا ولا أما .
وقال r في خطبة الوداع: ((ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع)) وبهذا تسقط جميع الفوارق الجاهلية ، فلا أحمر ولا أسود ولا أبيض، ولا نسب ولا مال ولا جاه، يرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة، يتفاضل على أساسه الناس إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ .
لقد كانت العصبيات القبلية قبل البعثة النبوية عميقة الجذور قوية البنيان فاستطاع رسول الله r أن يجتث التمييز العنصري بكل صوره وأشكاله من أرض كانت تحيي ذكره وتهتف بحمده وتفاخر على أساسه فقال: ((كلكم لآدم، وآدم من تراب إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، ليس لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى)).
ها هي حضارات حديثة تزعم التقدم والرقي والمساواة بينما شعور التمييز العنصري يتنفس بقوة في مختلف مجالاتها السياسية والاقتصادية والإعلامية، ومن المخزي أن هذه الحضارات توسم بأنها حضارات مدنية وتقدمية.
وحين كادت أن تتسلل إلى الصف المسلم في غزوة بني المصطلق بذرة غريبة في مجتمع طاهر قال الرسول r الذي كان يرعى المسيرة: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)) لم يرضَ رسول الله r أن تظهر في المجتمع المسلم بوادر التمييز العنصري ولو كان في الألفاظ فقط ، فهذا أبو ذر يعير رجلا بأمه ويناديه: يا ابن السوداء، فيغضب رسول الله r ويقول: ((أعيرته بأمه، إنك أمرؤ فيك جاهلية)) .
وهكذا عباد الله حارب الإسلام العصبيات الجاهلية على أساس النسب والدم والعرق، فقال r: ((ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية)) ويقول أيضًا: ((من دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثا جهنم)).
وفي أعقاب الزمن ينبري أقوام من بني جلدتنا لإحياء العصبيات الجاهلية ويهتفون بها ويرفعون شعارتها باسم القومية والوطنية ورسول الله r يقول: ((دعوها فإنها منتنة)).
وفي خطبة الوداع يقول : ((وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب؛ فإنه موضوع كله)) لم يحرم الله الربا إلا لعظيم ضرره وكثرة مفاسده، فهو يفسد ضمير الفرد، ويشيع الطمع والشره والأنانية، ويميت روح التكافل الاجتماعي، ويورث العداوة والبغضاء ، ويزرع الأحقاد والشحناء ، ولهذا أعلن الله تعالى الحرب على آكليه ومروجيه، حرب في الدنيا: غلاء في الأسعار، أزمات مالية، أمراض نفسية، أما في الآخرة فعذاب أليم يقول الله تعالى: ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَوااْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ)) ، ويعتبر النظام الربوي مسئولاً عن كثير من الأزمات والاقتصادية والاختناقات المالية على مستوى الأفراد والجماعات والدول.
وفي خطبة الوداع يقول r : ((اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله)) وفي أمتنا اليوم من يتباكى على حال المرأة، فنصبوا أنفسهم مدافعين عن حقوقها، منصفين لأوضاعها المهضومة، فهي كما يزعمون نصف مهمل وطاقة مهدرة ورئة معطلة، ولو عاش هؤلاء الإسلام حقيقة لنطق لهم بأجلى بيان وتحدث بأوضح أسلوب عن الأثر العظيم الذي تركته المرأة في زمن أشرق بنور النبوة، فقد كانت المرأة تهز المهد بيمينها وتهز العالم بشمالها عندما تقوم بوظيفتها في رعاية أبنائها فتنشئ قادة وعلماء ومفكرين وأبطالاً ميامين تفخر بهم الأمة والآن يسعون بكل طاقتهم لإخراجها من بيتها وسلبها من رعاية الجيل البشري الثمين.
وفي خطبة الوداع يقول r : ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وسنتي)) فالذي خلق الإنسان أعلم بما يصلحه ويحقق سعادته، ألا وهو الاعتصام بالكتاب والسنة؛ ففيهما العصمة من الخطأ، والأمن من الضلال .
إخوة الإسلام، خطبة الوداع نداء يوجه إلى الأمة الإسلامية بمناسبة الحج لتحقق الأمة المراجعة المطلوبة والاستقامة على الطريق والاستجابة لنداء سيد المرسلين r
أيّها المسلمون، ابتهِجوا بعيدكم، ولا تكدِّروا جمالَه وجلالَه وصفاءَه وبهاءَه بالمعاصِي والآثام واللهوِ الحرام, وضحوا تقبل الله ضحاياكم وكلوا منها واهدوا وتصدقوا واعلموا أن وقت ذبح الأضاحي يبدأ بعد صلاة العيد ويستمر إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر, وأكثروا يا مسلمون من التكبير المطلق والمقيد في أدبار الصلوات , وصلوا أرحامكم , وتعاهدوا جيرانكم وأحسنوا إلى خدمكم وأجرائكم, احترموا الكبير واعطفوا على الصغير وارحموا البائس الفقير, واستوصوا بالنساء خيرا
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين....
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ،
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، واصرف عنهم بطانة السوء يا رب العالمين .
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم عليك بمن حارب دينك وصد عن سبيلك وعادى أولياءك ، اللهم مزقهم كل ممزق ، اللهم فرق جمعهم ، وشتت شملهم ، اللهم لا ترفع لهم راية ، واجعلهم لمن خلفهم آية يا رب العالمين .
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ،
اللهم اغفرلنا ولوالدينا وذرياتنا وزوجاتنا اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم أتم على الحجاج حجهم وتقبل يا ربنا أعمالهم وردهم إلى أهلهم كيوم ولدتهم أمهاتهم
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

المشاهدات 2779 | التعليقات 0