خطبة مختصرة عن ( الصدقة في رمضان ) موافقة للتعميم ومستفادة من خطباء الملتقى
أنشر تؤجر
-
إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَلَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا , { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوااللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِاللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
عباد الله : إننا في شهرٍ أيامه غنائم ولياليه عظائم ، فما أحرى المرء إلى أن يستغل أيام شهره ولحظاتَ عمره , ويتقي الله ربه .
تتعدد في رمضان أبوابُ الطاعات , وتتنوع القربات , بيد أن ثمة قربةً كان المصطفى ﷺ يزيد إقباله عليها في رمضان .
إنها عبادةٌ ينتفع بها صاحبها وغيره , فنفعها متعدٍ وأثرها عظيم , ويعظُم أثرها حين تكثر الحاجة لها .
إنها عبادة الإنفاق والسخاء , والجودِ والعطاء , وما أحوجنا إلى ذلك لاسيما ونحن في شهر مضاعفة الحسنات .
أيها الصائمون : المالُ مالُ الله ، فاللهُ هو الذي رزقكَ إياه وأكرمكَ به ، فالبيتُ الذي يظلُّك ، والسيارةُ التي تقلُّك ، والرصيدُ الذي في حسابِك ،والطعامُ الذي يملأُ ثلاجتَك ، كلُّ ذلك إنما هو رزقُ الرزاق ، وكرمُ الكريم ، ملَّكَكَ إياه فضلاً منه ونعمةً ، قال سبحانه :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوانِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ). وقال سبحانه :( وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِيآتَاكُمْ ).
وإن من التوفيق لصاحب الأموال أن يعان على البذل والإنفاق , والتقديم من ماله لينير دربه في دنياه وفي قبره وفي أخراه, وقد قيل: الفقراءنعمةٌ من الله على الأغنياء.
عباد الله : وكل ناظر في السيرة تبهره أخبار جود المصطفى عليه السلام وإنفاقه , حتى حدّث عنه أبو ذر ﭬ قائلاً : كنت أمشي مع رسول اللهق في حرّة المدينة ونحن ننظر إلى أُحُدٍ , فقال لي : أبا ذر , أترى أُحداً , ما أحب أن أٌحداً ذاك عندي ذهبٌ , أُمسي ثالثةً وعندي منه دينارٌ إلاديناراً أرصده لدين , إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا " رواه مسلم .
ولعمري فلم يكن ذلك كلاماً , بل طبقه واقعاً ملموساً .
صلى بأصحابه مرّةً , ولما فرغ من الصلاة قام مسرعاً ففزع القوم لقيامه ، ثم عاد قريباً , فقالوا ما شأنك ؟ قال : ذكرت شيئاً من تبرٍ عندنافكرهت أن أحبسه فتصدق به.
وعلى هذا الدرب سار أصحابه, فضربوا أروع الأمثلة في الجود والبذل.
كان منهم أبو طلحة , الذي تصدق ببستانه وأحبِّ أمواله إليه بسماعه آية في القرآن , هي قوله :( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ).
كان منهم عائشة التي جاءها من معاوية مائة ألف درهم, فما قامت حتى أنفقتها كُلَّها للفقراء ونسيت نفسها
كان منهم أبو الدحداح الذي أخرج حائطه وفيه ستمائة نخلة حين نزلت :( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً ) ومضى ليخرج زوجته وأبناءهمن الحائط ويقول: يا أم الدحداح , اخرجي من الحائط فقد أقرضته ربي عز وجلّ , فأخذت ما في اكمام أبناءها وأخرجت ما في أفواههم ،وقالت معينةً له : ربح البيع ربح البيع .
عباد الله : لقد جاءت النصوصُ المتكاثرة التي تبيُّن فضيلةَ البذلِ والجود, وهي التي جعلت الصالحين يُرخِصون المال لنيلها ؛ فبالإنفاق تُكفَّرُالسيئات, وفي الحديث " والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفئ الماء النار"
وفي عرصات القيامة يوم أن يبحث المرء عما يستظل به من لهب الشمس وحرّها تأتي الصدقات التي أنفقها لتظله, وفي الحديث " المرء فيظل صدقته يوم القيامة"
وحين يبحث المرء عن بركة المال فإنها في الإنفاق , فكم تزكي المال وتزيدُ في الرزق , وفي الحديث القدسي " يا ابن آدم أنفق أنفق عليك"،وقال تعالى :( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) وسل كل جوادٍمنفقٍ ينبيك عن عاجل الخلف , ولا غرو فهو يتعامل مع الكريم الذي يضاعف لمن أنفق في دنياه ويعظم أجره في أخراه .
ويكفي المنفقينَ للإنفاق حادياً وله داعياً أن الصدقة برهان , وأنها تقع في يد الرحمن فيربيها حتى تكون أمثال الجبال, وأنه يكافيء عليهاأضعاف ما كانت :( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ).
أُقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
الْحَمْدُ للهِ رب العالمين ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نبينا محمد ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين .
أما بعد : أيها الصائمون : شهرُ رمضانُ هو شهرُ الجودِ والإحسان ، ففي هذا الشهر تتطهرُ القلوبُ بالقرآن ، وتزكو النفوسُ بالصيامِ ،وتجودُ اليدُ بالخيرِ، وتسمحُ النفسُ بالعطاءِ .
وهكذا كان نبيُّنا عليه الصلاة والسلام جواداً كريماً ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما :" كانَ رَسولُاللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أجْوَدَ النَّاسِ ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُالقُرْآنَ ، فَلَرَسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ ".
ولذا قال الشافعي: "أحبُّ للرّجل الزّيادة بالجود في رمضان، اقتداءً برسول اللّه r، ولحاجة النّاس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهمبالصّوم والصّلاة عن مكاسبهم"
فدونكم أبوابُ الخيرِ وسبلُ الإحسان ، من الزكاةِ الواجبةِ على أموالِكم ، إلى الصدقةِ المستحبةِ من إطعامِ الطعام ، وقضاءِ حاجاتِ الضعفاء .
وقد توفرت ولله الحمد في بلادِنا المباركةِ المعطاءِة ، العديدُ من المنصّاتِ الرسمية ، والجمعياتِ الخيريةِ المعتمدة ، كمنصةِ إحسان ، فهي منأحسن الرق وأوثقها ، وأسرعها لوصول الصدقات ويمكن أن تشارك ولو باليسير ؛ فجودوا جاد الله عليكم ؛( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍتَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ).
عباد الله : سَتَمْضِي أيَّامُ شَهْرِكُمْ سِرَاعًا ، وسَتَمُرُّ لَيَالِيهِ تِبَاعًا ، وسَيَكُونُ مِنْ شَأْنِ المُوَفَّقينَ فيها : تحصِيلُ وافِرِ الأجُور، والسَّعَادةُ في الدُّنياوفي يَومِ النُّشور.. فاسْتَبِقُوا الخَيْرَات، وتدَارَكوا الأيَّامَ المُبَارَكَات: بالبَاقِيَاتِ الصَّالحات. وقد صحَّ عن المصطفى أنه قال: (رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدركَهُرمضانُ فلم يُغفَرْ له).
جعلنا الله وإياكم ووالدينا والمسلمين من المقبولين والمغفورين والعتقاء..
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى الْمُسَاهَمَةِ فِي أَبْوَابِ الْخَيْرِ, اللهمَّ إنا نسألُكَ فِعْلَ الخيراتِ وتَرْكَ المنكراتِ وحُبَّ المساكينِ ، وأن تَغفرَ لناوتَرحمَنا وإذا أردتَ فتنةً في قومٍ فتوفَّنا غيرَ مفتونين، اللهم إنا نسألُك حُبَّكَ وحُبَّ من يُحبُّكَ وحُبَّ عملٍ يُقرِبُ إلى حُبِّكَ
اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةًلَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا, وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا, اَللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْوُلَاةَ أُمورِنَا, اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وعبادَكَ الصالحينَ ، اللَّهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ , اللَّهُمَّ ارْفَعْ عنَّا الغَلَا والوَبَاوجَنِّبْنَا الرِّبَا والزِّنَا والزَّلَازِلَ والفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَن, اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أَجْمَعينَ والحمدُ للهِ ربِّالعالمينَ .