خطبة مختصرة جُمعت بتصرف عن مداومة العمل الصالح وإن قل
عبدالرحمن اللهيبي
الحمد لله الذي عمّت رحمته كل خير ووسعت، وتمّت نعمته على العباد وعظمت، نحمده على نعمٍ توالت علينا واتسعت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما ابتهلت الألسن بالألسن بالثناء ودعت. أمّا بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أربحُ بضاعة، واحذروا معصيته فقد خاب عبد فرط في أمر الله وأضاعه، يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
أيّها المسلمون، إنَّ عبادةَ العبد لربّه هي رمزُ خضوعِه ودليلُ صِدقِه وعنوانُ انقيادِه. فالعبوديّةُ هي أشرفُ المقامات وأسمى الغايات فهنيئا لمن نالها فمن نالها فقد نال أعلى المراتب وأرفعَ الدرجات.
عباد الله: هنيئا للجميع عبادَتُهم واجتهادُهم، هنيئًا لهم قولُ رسول الهدى r فيما يرويه عن ربِّه جلّ وعلا: ((إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقرّبت إليه ذراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيتُه هرولة)) فهلا استشعرت يا عبدالله كم اقتربت من ربك في رمضان .. وبضِعْفه قد اقترب الله منك بفضله وعطائه .. وكرمه ونواله , فلا تبتعد عن ربك بعد ان اقتربت منه فكل خير ترجوه في الدنيا والآخرة تجده في القرب من الله
فيا من اجتهد بالعبادة في رمضان: اشكروا الله على ما أولاكم، واحمدوه على ما حباكم وأعطاكم، فقد تتابع عليكم في تلك الليالي الفاضلة برُّه، واتصل بكم خيره، وعم بكم عطاؤه، فما تقربتم إلا بأمره وفضله .. ولا عبدتم إلا باصطفائه لكم واختياره , هو من هداكم لطاعته ثم هو يثيبكم عليها فالفضل كله لله وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ، وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
فبالله عليك يا من أمسكَ عن المُفطِّرات في رمضان وراقبَ المعبودَا .. يا من أمضى الليل تسبيحًا وتلاوةً وركوعًا وسجودًا .. يا من بذل المال تعبُّدًا وإحسانًا وجُودًا .. يا من جاهدَ النفسَ وصانَها عن الذنوب وعلا بها نُجودًا: لا تكُن ممن عملَ صالحًا ثم انقطع .. لا تكُن ممن أعطَى قليلاً ثم امتنَع ..لا تكُن ممن اقترب من ربه ثم نكس ورجَع
وأي مصيبة وخذلان .. فيما سيناله العبد من خسارة وحرمان إذا ابتعد عن ربه الكريم المنان
يا عبد الله يا من كنتَ إلى الخير ساعيًا .. وعن الشرِّ نائيًا .. وللقرآن تاليًا .. ومن المساجِد دانيًا .. وفي الليل قائمًا وداعيًا .. الله الله .. لا تعُد بعد رمضانَ عاصيًا .. وعن الفرائض ساهيًا. لا تكُن ممن رجعَ على قفاه .. ونقضَ ما أحكمَت يداه .. وهدمَ ما شيَّده وبناه.
فبئس العبد من يعبُد ربَّه في رمضان، فإذا انقضى تسربلَ بالتفريط والعصيان ، وأطاعَ المردة والشيطان.
يا عبد الله! الثباتَ الثبات ، والعزيمةَ العزيمةَ ؛ والصبر الصبر على العمل , فالحياة قصيرة وسلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة .. " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه ربُّه ليس بينه وبينه ترجُمان، فينظُر أيمنَ منه فلا يرَى إلا ما قدَّم، وينظُر أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظُر بين يدَيه فلا يرى إلا النارَ تلقاءَ وجهه، فاتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ، فمن لم يجِد فبكلمةٍ طيبةٍ».
اللهم ارزُقنا الاستِقامة على الطاعات، والمُسارعةَ إلى الخيرات، والثبات على الحقِّ حتى الممات، يا سميعُ يا رحيمُ يا كريمُ يا مُجيبَ الدعوات.
الحمد لله الذي شرَّفَنا بالكتاب والسنَّة، وجعلَنا من خير أمَّة، أحمدُه على نعمه الجمَّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تكون لمن اعتصمَ بها خيرَ عصمة، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه أرسلَه ربُّه للعالمين رحمة، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه صلاةً وسلامًا دائمَين مُمتدَّين مُتلازمَين إلى يوم الدين.
أما بعد،
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَضَت أَيَّامٌ وليالي مُضِيَئَةٌ مُبَارَكَةٌ ، وَلَّت بِخَيرَاتِهَا ونفحاتها وَبَرَكَاتِهَا ، اجتهد فيها من اجتهد وأبرم ، وَسَبَقَ مَن سَبَقَ ممَّن سَارَعَ وَتَقَدَّمَ ، وَتَأَخَّرَ مَن تَأَخَّرَ ممَّن تَبَاطَأَ وَأَحجَمَ ، وَهَكَذَا هِيَ مَوَاسِمُ الفَضِل والبركات ، تَمُرُّ كَلَمحِ البَصَرِ أَو هِيَ أَعجَلُ ، يَتَزَوَّدُ مِنهَا من وُفق فَيَنَالُ بِفَضلِ رَبِّهِ أجرا كبيرا وثوابا عظيما ، وَيَتَقَاعَسُ مُفَرِّطٌ فَيَحرِمُ نَفسَهُ مَا لَو قَدَّمَهُ لَوَجدَهُ عِندَ رَبِّهِ وَافِيًا .
قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَن يَعمَلْ سُوَءًا يُجزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا . وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيرًا " وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ قَالَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا ، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنْ فاتت أيامُ رمضانَ المباركات فإن بَينَ أَيدِيكُم عَلَى مَدَى أَيَّامِ العَامِ أَعمَالاً جَلِيلَةً ، وأُجُورَهَا عند الله عَظِيمَةٌ ، فإِنَّ أَبوَابَ الخَيرِ عديدةٌ ، وطرقَ البرِ كثيرة, وربنا ـ سُبحَانَهُ ـ جَوَادٌ كَرِيمٌ ، يُعطِي الكَثِيرَ مِنَ الأَجرِ عَلَى قَلِيلِ العَمَلِ ، فأقبلوا على ربكم بحسن العمل , فدنياكم هذه زائلة ، وأعماركم فانية, وأنتم على ربكم مقبلون لا محالة فاجتنبوا المعاصيَ والموبقات، واحذروا التمادي في الاغترار بالشهوات ..ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم
أيها المسلمون:
صيامُ الستِّ من شوال سُنَّةٌ ثابتةٌ ؛ فعن أبي أيوب الأنصاريِّ - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صامَ رمضانَ ثم أتبعَه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر»؛ أخرجه مسلم. فصوموا لربكم تقربا رجاء ثوابه وتحريا لسنة بيه وأصحابه
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيِّدنا محمدٍ بشيرِ الرحمةِ والثواب، وارضَ اللهم عن جميع الآلِ والأصحاب، وعنَّا معهم يا كريمُ يا وهَّاب.
اللهم أعزَّ الإسلام وانصُر المُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصُر جنودَنا المُرابطين على القوم المُعتدين يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه وسدد ونائِبَيه لما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحَم موتانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على من عادانا يا رب العالمين.
اللهم اجعل دعاءَنا مسموعًا، ونداءَنا مرفوعًا يا سميعُ يا قريبُ يا مُجيبُ.