خطبة مختصرة ترقق القلوب عن العشر الآواخر

عبدالرحمن سعود بخاري
1435/09/21 - 2014/07/18 06:03AM
الْحَمْدُ للهِ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ, وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا, الحمد لله خالق الزمان, ومسير الأكوان, ومكورِ الليلِ على النهار ومكورِ النهارِ على الليل, نحمده فقد تجلت قدرته في كل شيء, ووصلت نعمته إلى كل حي, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن نبينا وسيدنا محمد عبدالله ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه, فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه ما اتصلت عين بنظر ووعت أذن بخبر. .أما بعد..

عباد الله: الصيام شعيرةٌ من الشعائر الإسلامية العظيمة، وعبادة من العبادات التي لها أكبرُ الأثرِ في حياة المسلم روحيًّا وخلقيًّا واجتماعيًّا؛ وسبب ذلك أنَّ شهر رمضان موسمٌ عظيم من مواسم الخير؛ تصفو فيه النفوس، وتقترب القلوب من خالقها.

فليس الصيام جوعًا أو عطشًا فقط، بل هو إمساك عن الأهواء، وسيطرة على الانفعالات، وتوجيه للحاجات، إن الصيام مسرة وفرح وابتهاج، فلا فحش في القول، ولا غضب على أحد، بل سيطرة على النفس، ومبادلة الإساءة بالإحسان، ولذا فإن الصيام الحقيقي هو صيام عن الرذائل الخلقية.

أيها المؤمنون: إن رمضان مدرسة سيتخرج منها أناس قد فازوا بما علمهم رمضان من جميل الأخلاق: من صبر وحلم وكرم، وبر وصلة رحم، وخوف ورجاء, وذكر ودعاء وسجود، وتوبة واستغفار وتهذيب للغرائز، ودعوة وتربية، وجهاد ومراقبةٍ لله وحياءٍ منه سبحانه وتعالى، ونحوها من الفضائل والمكارم.

أيها المسلمون: أوشكنا أن نودع هذا الشهر الكريم, فمنا من هو ظالم لنفسه, لم يزده شهر الكرم والرحمة إلا خسارا, ومنا من هو مقتصد, ومنا من هو سابق بالخيرات بإذن الله, قد شعر برَوح رمضان وروحانيته, قد جافت جنوبه المضاجع لم يكن إلا ساجدا ذاكرا عابدا, علموا أن الدنيا فانية, وأن أعمالهم هي الباقية, فرخصت الدنيا في أعينهم, وأصبحت الجنة الخالدة مناهم ورجاءهم, قد صاموا وقاموا لاتقاء حر يوم القيامة وطول قيامه.

فاللهم اجعلنا منهم, ولا تجعلنا أشقياء ولا محرومين ولا عن باب رحمتك مطرودين.

عباد الله: أقبلت العشر الأواخر, فمن فرط في ما مضى من رمضان, ماذا ينتظر, أما له في ما مضى من الأيام عبرة, هل ينتظر أن يقول يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله, أو يقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين, أو يقول لو أن فرصة أخرى فأكون من المحسنين,,

ألا يكفي عصيانا, ألا يكفي اتباعا للهوى, ألا يكفي ضياعا وغفلة وتفريطا, أما آن للنفس أن تتوب وتسابق الصالحين, أما آن..

أيها الناس: لو كان حب الخير وتمنيه وحده يكفي لما أتعب الصالحون أنفسهم, ولكان اليهود مع موسى, ولكان النصارى مع عيسى, ولكن هيهات هيهات..

إنما لا بد أن يكون مع المحبة اتباع وطاعة وعمل وسَيْرٌ على نهج الصالحين وإن لم يبلغ في كثرة العمل مثلهم, قال تعالى ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)))

عباد الله: هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حبيب الله وخليله, أشرف الأنبياء والمرسلين, قد غُفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها, فيعتكف فيها, ويحي لياليها, ويوقظ أهله, ويجَدُّ ويشدُّ مئزره, عليه الصلاة والسلام.

أوليس لنا فيه أسوة, أوليس لنا في صحابته وتابعيهم قدوة..

نفعني الله وإياكم بما سمعنا, وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدالله ورسوله, وصفيه وخليله, فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين..
أما بعد..
عباد الله: إن ليلة القدر ليست ثابتة في يوم معين, على الراجح من أقوال العلماء, فهي متنقلة فيها, وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (التَمِسُوها -أي ليلة القدر- في تِسْعٍ بَقِينَ- فلا أحد يعلم كم سيبقى من رمضان, هل الشهر كامل أم ناقص - التَمِسُوها في تِسْعٍ بَقِينَ أو في سَبْعِ بَقِينَ أو في خَمْسٍ بَقِينَ أو في ثَلَاثِ بقين أَواخِرِ ليلةٍ)) رواه ابن حبان في صحيحه والترمذي وقال حديث حسن صحيح,

وعلى هذا الحديثِ الصحيحِ الثابت قد تكون ليلة القدر في الأشفاع أو الأوتار, فلو كان الشهر تسعة وعشرين يوما, فتسع بقين ستكون في لية إحدى وعشرين, ولوكان الشهر ثلاثين يوما فتسع بقين, سيكون يوم اثنين وعشرين, ولا أحد يعلم منا هل الشهر كامل أم ناقص.

وقد سألت أمَنا أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا فقَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟"، قَالَ: “قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا, اللهم اعف عنا.

هذه الليلة هي فرصة العمر..من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.. ليلة خير من ألف شهر, فالدقيقة الواحدة من ليلة القدر خير من شهر ونصف تقريباً, دقيقة خير من شهر ونصف..

فيا فوز وهناء المشمرين المجدين, وخسارة وعزاء المقصرين المتكاسلين.

وأخيرا لمن أحب أن يقتدي بالصالحين, ويعتكفَ في هذا المسجد, فيكون وقتُه كله عبادةً, فحياه الله وبياه, وضاعف أجره في دنياه وأخراه.
والتهجد في هذا المسجد سيكون, في الساعة الواحدة ليلاً.

عباد الله أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله, فمن صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا..
فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم دمر أعداءك أعداء الدين, اللهم انتقم من الظلمة المجرمين يا رب العالمين.
اللهم انصر عبادك المؤمنين المجاهدين في كل مكان, اللهم كن لإخواننا في غزة وسوريا وجميع بقاع المسلمين, اللهم ارحمهم وراحم ضعفهم فليس لهم رب سواك ولا مولى إلاك.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللهم تقبل منا واقبلنا ولا اللهم لا تجعلنا ممن كان حظه من الصيام والقيام الجوع والعطش والتعب, الله ضاعف لنا الحسنات, وكفر عنا الذنوب والسيئات,,
اللهم بمنك وكرمك وإحسانك بدل سئآتنا حسنات, اللهم بدل سئآتنا حسنات برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَلاتَنَا وَصِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا، واجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً يَا رَبَّ الْعَالَمِيْنَ.
اللهم اجعلنا من عتقائك في هذا الشهر الكريم
اللهم إنا نسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..


.......................
استفدت من مقدمة موضوع: (رمضان وبناء القيم) خطب مختارة

ا
المشاهدات 2327 | التعليقات 0