خطبة مختصرة : الاضطرار في الدعاء وفقده في الاستسقاء

عبدالله الجارالله
1432/02/10 - 2011/01/14 10:29AM
هذه خطبة مختصره من خطبة للفضيلة الشيخ ابراهيم الحقيل (نستسقي فلا نسقى..لماذا؟ )



الاضطرار في الدعاء وفقده في الاستسقاء 10/2/1432هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه، وعلقوا به قلوبكم، واعلموا أن اضطراركم إليه لا ينفك عنكم في فرحكم وحزنكم، وصحتكم ومرضكم، وأمنكم وخوفكم، وغناكم وفقركم،: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).

أيها الناس: من رحمة الله تعالى بخلقه، ولطفه بعباده، أنه لم يعاملهم في الدنيا على وفق أعمالهم وإلا لأهلكهم، ولكنه عاملهم بمقتضى اضطرارهم إليه، وافتقارهم له، فوسعهم برحمته، وشملهم بحلمه، وأغدق عليهم من رزقه.
والإنسان - أي إنسانٍ مؤمنًا كان أم كافرًا، - فهو مفطورٌ عند الشدائد على الاضطرار إلى الله تعالى، فيلجأ إليه في شدته، ويعود إلى حقيقة فطرته ويزول عنه استكباره وتمرده، وتأملوا في نهاية فرعون الذي قال: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى) عادت إليه فطرته عند الاضطرار (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) لكن هذا الإيمان لم ينفعه؛ لأنه وقع بعد فوات الأوان؛ فكان من أهل النار
يا لعظيم رحمة الله تعالى بعباده حين ألجأهم إليه عند الاضطرار، وجعل ذلك من فطرته التي فطرهم عليها وإلا لضاعوا. فإذا ما عظم كربهم، واشتد بلاؤهم، وأيقنوا بالهلاك انساقوا بفطرتهم إلى ربهم مضطرين فكشف ضرهم، وأجاب دعاءهم، ولو كانوا من قبل عصاةً أو مشركين.
إن لجوء العباد إلى ربهم في كربهم، وإن كشفه سبحانه لضرهم لدليلٌ على ربوبيته وألوهيته -عز وجل-، ودعاؤهم في تلك الحال يسمى عبادة الاضطرار؛ لأنهم ما أخلصوا له الدعاء إلا حال اضطرارهم، وفي تعداد أدلة الربوبية والألوهية في القرآن الكريم ذكر الله تعالى منها: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) .
وحوادث المضطرين في تاريخ البشرية كثيرةٌ، فحين تقطعت بهم الحبال، وحيل بينهم وبين الأسباب، تذكروا حبل الله تعالى الممدود إليهم فتعلقوا به فلم يخيبوا، منهم الأنبياء، ومنهم المؤمنون، ومنهم كفارٌ أقروا بافتقارهم إلى ربهم حال كربهم، وأعلنوا اضطرارهم إليه ساعة عسرتهم، فاستجاب الله تعالى دعوتهم.
وأفضل الأنبياء الخليلان دعيا دعاء المضطر فاستجيب لهما، أما إبراهيم -عليه السلام- فحين ألقي في النار (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) ، وأما محمدٌ –صلى الله عليه وسلم- ففي بدرٍ استغاث فأجيب: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) ، قال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: "حسبي الله ونعم الوكيل؛ قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمدٌ حين قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). ودعا دعاء المضطر نوحٌ -عليه السلام- حين كُذِّب وأوذي (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) فجاء الجواب : (وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ). وغيرها من قصص رسل الله تعالى دعوا دعاء المضطرين فاستجيب لهم.
وأما عموم المؤمنين فأخبارهم في دعاء الاضطرار لا تكاد تحصى من كثرتها منها قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انحدرت عليهم الصخرةٌ، فدعوا الله مضطرين إليه ، ففرج الله تعالى عنهم وغيرها من القصص الموجودة في كتب السير والتراجم ، بل لو قيل: إنه ما من مؤمنٍ إلا وقد ألجأته ضرورةٌ إلى الدعاء فتوجه لله تعالى مستغيثًا به، بقلبٍ فقيرٍ مضطر فاستجيب له لما كان ذلك بعيدًا.
وأما إجابة المضطرين من الكفار فجاء ذكرها في القرآن: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)
قال القرطبي -رحمه الله تعالى-: "ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجاء ينشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عما سواه) ا هـ

وقد استقرّ عند العلماء أن المضطر لا يوصي غيره بالدعاء له، بل يدعو هو لنفسه؛ لأنه مرجو الإجابة أكثر من غيره، قال عبيد الله بن أبى صالحٍ: "دخل عليّ طاوسٌ يعودني، فقلت له: ادع الله لي -يا أبا عبد الرحمن-. قال: ادع لنفسك، فإنه يجيب المضطر إذا دعاه(
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً) [الإسراء: 67].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن التقوى سببٌ للقطر والزرع والرزق والبركة: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
عباد الله: إن الاستغاثة بالله تعالى، وطلب السقيا منه هي من دعوات الاضطرار؛ لأنه لا حياة للأحياء بلا ماءٍ، ففي عدمه هلاكهم، وفي نقصه عطشهم وقذرهم، وموت زرعهم، ونفوق نعمهم، وتلف أموالهم، فتكون حالهم مع قلة الماء حال المكروب المضطر.
فكان الناس إلى عهدٍ قريبٍ إذا أعلن عن صلاة الاستسقاء أخذتهم رعدة الخشوع، وزاد إيمانهم بالله تعالى، وعظمت رغبتهم فيه، وخرجوا للصلاة منكسرين خاضعين بقلوبٍ مضطرةٍ مفتقرةٍ إلى الله تعالى، راجيةٍ ما عنده، طامعةٍ في كرمه، فلا يعودون من مصلاهم إلا وهم موقنون أن الغيث يسبقهم إلى مزارعهم ودورهم!! فلماذا نستسقي نحن ولا نسقى؟! ولماذا نعاود الاستسقاء كراتٍ ومراتٍ ولا نسقى أيضًا؟!
إن من أهم أسباب ذلك فقد الشعور بالاضطرار، نعم إنه انعدام الإحساس باضطرارنا للاستسقاء، فالجموع من البشر تخرج لدنياها كل صباحٍ، لكنها في صبيحة الاستسقاء تستثقل الميل إلى المصلى، وكأنها ترى أن هذا الأمر لا يعنيها؛ حتى إن المصليات على قلتها لا يحضرها إلا القليل من الناس.
وربما أن كثيرًا ممن حضروها ما حضروا بقلوبٍ مضطرةٍ مفتقرةٍ إلى الله تعالى، تدعو دعاء المضطر، لكن لو أن الناس فقدوا الماء من بيوتهم شهرًا أو شهرين، وظنوا أنه لا يعود إليهم إلا باستسقائهم لرأيتم المساجد لا تسع الناس، ولأبصرتم الاضطرار والافتقار والخشوع لله تعالى في وجوههم فلماذا لا نرى ذلك قبل فقدان الماء ؟.
ما أحوجنا -عباد الله- إلى الشعور بافتقارنا إلى الله تعالى، واضطرارنا إليه، وحاجتنا إلى مدده وعونه في كل شيءٍ، وعلى رأس ذلك -بعد الثبات على الإيمان- حاجتنا إلى سبب بقائنا وحياتنا وهو الماء، وعدم غرورنا بما يصلنا في بيوتنا منه؛ فإن الجفاف يضر بالزرع والضرع والهواء، ويؤثر في معايش الناس، ويكون سببًا في القلة والحاجة.
وهاهو ولي أمرنا يدعونا إلى صلاة الاستسقاء يوم الاثنين المقبل فلنوري الله من أنفسنا خيرا فما أحوجنا -ونحن نستسقي- أن نجأر إلى ربنا سبحانه مضطرين مفتقرين ملحين منكسرين، نستحضر عجزنا وضعفنا وقلة حيلتنا، مع استحضارنا لعظمة ربنا وقدرته ورحمته وكرمه؛ فإننا إن فعلنا ذلك أفاض علينا رحمته، وأغدق علينا رزقه، وكشف ضرنا، فأمطرت سماؤنا، وأنبتت أرضنا، وبورك لنا في زرعنا وضرعنا ورزقنا: (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) ويقول سبحانه ( (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدرارا اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب ولا هدم ولا غرق
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وِالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ، لَكَ ذَاكِرِينَ، إِلَيْكَ مُخْبِتِينَ أَوَّاهِينَ مُنِيبِينَ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ تَوْبَتَنَا، وَاغْسِلْ حَوْبَتَنَا، وَأَجِبْ دَعْوَتَنَا، وَثَـبِّتْ حُجَّتَنَا، وأهد قُلُوبَنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قُلُوبِنَا، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ، الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَ فِي رِضَاكَ، وَارْزُقْهُمَ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَحُثُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنَ السُّوءِ وَالشَّرِّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

المشاهدات 6139 | التعليقات 2


نسأل الله أن يعاملنا بما هو أهله وألا يؤاخذنا بما فعلنا ، إنه جواد كريم .


جزاك الله خيرا

ونسأل الله أن يرحمنا برحمته





ترفع للإستفادة منها