خطبة مختصرة ( أحكام قراءة الفاتحة وبيان بعض الأخطاء الشائعة في قراءتها)
أبو عبد السلام الروقي
الحمد لله الذي جعل فاتحة كتابه الفاتحة، والصلاة والسلام على رسوله المخصوص بإنزال السبع الواضحة، وعلى آله وصحبه السابقين بالإخلاص والإحسان في الأعمال الصالحة.
أما بعد:
فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحمُ إلا أهلها، ولا يُثيبُ إلا عليها؛ فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل.
(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
أيها المصلون: فإن مما يقض المضجع ويدمي القلب ويحزن له الفؤاد، ما يقع فيه بعض المسلمين في صلاتهم من الخطأ في قراءة الفاتحة، والجهل ببعض أحكامها مما يترتب على ذلك بطلان الصلاة من صحتها.
فإن مما يعاب على المؤمن الذي يرجو الله واليوم الآخر أن يظل سنين طويلة، يردد فيها هذه السورة العظيمة، عشرات المرات في اليوم والليلة، ومع ذلك لا يحسن قراءتها ويجهل أحكامها!!
وسنتكلم في هذه الخطبة بحول الله تعالى، عن بعض أحكامها، وإيراد بعض الأخطاء الشائعة في قراءتها.
وأما ما يتعلق بتفسيرها ومعانيها ومقاصدها وفضائلها، فلا يسع المقام لذلك كله، ولأجله سنفرد لها خطبة مستقلة بمشيئة الله تعالى.
أيها المصلون: إن الفاتحة أعظم سورة في القرآن، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أُوتيه النبي ﷺ، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد ابن أبي المعلى رضي الله عنه قال: كُنْتُ أُصَلِّي في المَسْجِدِ، فَدَعانِي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فقالَ: ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]؟ ثُمَّ قالَ لِي: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ السُّوَرِ في القُرْآنِ قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ. ثُمَّ أخَذَ بيَدِي، فَلَمَّا أرادَ أنْ يَخْرُجَ، قُلتُ له: ألَمْ تَقُلْ: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ سُورَةٍ في القُرْآنِ؟ قالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هي السَّبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ.
وقد قسمها الله بينه وبين عبده نصفين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: قالَ اللَّهُ تَعالَى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ العَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ}، قالَ اللَّهُ تَعالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإذا قالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قالَ اللَّهُ تَعالَى: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وإذا قالَ: {مالِكِ يَومِ الدِّينِ}، قالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وقالَ مَرَّةً فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، فإذا قالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قالَ: هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ: {اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ} قالَ: هذا لِعَبْدِي ولِعَبْدِي ما سَأَلَ. رواه مسلم.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى: أن الفاتحة ركن من أركان الصلاة بالنسبة للإمام والمنفرد، وهذا مذهب الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فلا تصح الصلاة إلا بها، فإن تركها عمدا أو سهوا بطلت صلاته.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (مَن صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فيها بأُمِّ القُرْآنِ فَهي خِداجٌ ثَلاثًا غَيْرُ تَمامٍ)
وفي الحديث الآخر عند البخاري: (لَا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ).
لذلك يجب على من لا يحسن الفاتحة، أن يتعلمها لأنها واجبة في الصلاة، فلزمه تحصيلها إذا أمكنه؛ كشروطها، فإن لم يتعلم الفاتحة مع القدرة عليها؛ لم تصح صلاته، لتركه الفرض وهو قادر عليه، وهذا متفق عليه بين الفقهاء.
ومن ترك ترتيب قراءة الفاتحة، أو أبدل حرفا بحرف مع صحة لسانه، أو لحن لحنا يُخل المعنى لم تصح قراءته ولا صلاته.
وذلك لأن من ترك حرفا من الفاتحة –وكذلك من ترك تشديدة فهي بمنزلة حرف؛ فإن الحرف المشدد قائم مقام حرفين- لم يُعتد بها، لأنه لم يقرأها، وإنما قرأ بعضها، وإسقاط آية من الفاتحة من باب أولى.
رزقني الله وإياكم الفقه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بهما.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه كان للأوابين غفورا.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وأخلصوا له في السر والنجوى
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ﴾
أيها المصلون: إن مما يجب في قراءة الفاتحة صون اللسان في قراءتها عن اللحون الجلية، وأعني بالجلية التي تبطل الصلاة، وأن يأتي بها على الوجه الصحيح، لأننا مأمورون بقراءة القرآن كما أُنزل.
فمن الأخطاء الشائعة في قراءتها يا عباد الله وهذا من باب العد لا الحصر:
كسر دال (الحمد لله) فيقول: (الحمدِ لله) والصحيح ضمها.
ومن الأخطاء الشائعة أيضا
كسر لام (العالمين) فيقول: (العالِمين)، والصحيح فتحها.
ومن الأخطاء الشائعة أيضا
تخفيف ياء (إياك) فيقول (إياك)، والصحيح تشديدها.
ومن الأخطاء الشائعة أيضا
إشباع ضمة (نعبد) فيتولد حرفا زائدا وهو حرف الواو.
ومن الأخطاء الشائعة أيضا
فتح ألف (اهدنا) فيقول (أَهدنا)، والصحيح كسرها عند الابتداء بها.
ومن الأخطاء الشائعة أيضا
إسكان تاء (أنعمت) فيقول: (أنعمت عليهم)، وأما ضمها أو كسرها فلحن قبيح، فيقول: (أنعمتُ) أو (أنعمتِ)، والصحيح فتحها.
ومن الأخطاء الشائعة أيضا
فتح راء (غيرِ) فيقول: (غيرَ المغضوب عليهم)، والصحيح كسرها.
ومن الأخطاء الشائعة أيضا
إبدال حرف اللام في (ولا الضالين) بحرف الراء فيقول: (ورا الضالين).
فاتقوا الله عباد الله في صلاتكم وقراءتكم واقرؤا الفاتحة كما أنزلت من غير تحريف ولا تمطيط ولا عبث.
هذا وصلوا وسلموا على أحمد الهادي شفيع الورى طرا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الآل والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وعم بالأمن والرخاء أوطان المسلمين
اللهم وفِّق إمامَنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا، وارحم موتانا وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
المرفقات
1715532394_خطبة مسائل في أحكام الفاتحة - نسخة.docx