خطبة مبكية عن الطلاق والجحيم الذي لا يطاق للشيخ العلامة محمدالشنقيطي حفظه الله
محمد مرسى
الأولينَ والآخرينَ ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبَّينا محمداً عبدُهُ ورسولُه المصطفى الأمينُ ، صلَّى اللهُ عليهِ
وعلَى آلِ بيِته الطيبينَ الطاهرينَ ، وعلَى جميعِ أصحابِهِ البررةِ الغُرَّ المحجلينَ ، وعلَى جميعِ مَن سارَ
علَى نهجِهم واهْتدَى بهدْيهم إلَى يومِ الدينِ .. أمَّا بعدُ :
فيا عباد الله ، اتقوا الله حقيقةَ التقوَى ، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوثقَى ، واعْلموا أنَّ أجسادَنا
على النارِ لا تقوَى ، وأكثروا مِن ذكرِ الموتِ والبِلَى وقُرِبْ المصيرِ إلَى اللهِ-جلا وعلا- .
عباد الله .. كلمةٌ مِنَ الكلماتِ أبكتْ عيونَ الأزواجِ والزوجاتِ ، وروَّعَتْ قلوبَ الأبناءِ والبناتِ ، يا لَها
مِن كلمةٍ صغيرةٍ ولكنَّها جليلةٌ عظميةٌ خطيرةٌ ، الطلاقُ ، الوداعُ والفِراقُ والجحيمُ والألمُ الذي لايُطاقُ ،
كمْ هدمَ مِن بيوتٍ للمسلمينَ ، كمْ فرَّقَ مِن شملٍ للبناتِ والبنينَ ، كمْ قطَّعَ مِن أواصرَ للأرحامِ والُمحبينَ
والأقربينَ ، يا لَها مِن ساعةٍ حزينةٍ ، يا لَها مِن ساعةٍ عصيبةٍ أليمةٍ ، يومَ سمعَتِ المرأةُ طلاَقها ،
فكفكفَتْ دموعَها وودَّعَتْ زوجَها ، ووقفَتْ علَى بابِ بيِتها ؛ لتلقيَ آخرَ النظراتِ على بيتٍ مليءٍ
بالذكرياتِ ، يا لَها مِن مصيبةٍ عظيمةٍ ، هُدِمَتْ بها بيوتُ المسلمينَ وفُرِّقَ بها شملُ البناتِ والبنينَ .
الزواجُ نعمةٌ من نعمِ اللهِ ، ومنةُ مِن أجلِّ مِنَنِ اللهِ ، جعلَهُ اللهُ آيةً شاهدةً بوحدانيتِهِ ، دالةً علَى عظمِتهِ
وألوهيتِهِ ، لكنَّهُ إنَّما يكونُ نعمةً حقيقيةً إذا ترسَّمَ كلا الزوجينِ هدْيَ الكتابِ والسنةِ ، وسار علَى طريقِ
الشريعةِ والملَّةِ ، عندَها تَّضرَبُ السعادةُ أطْنابَها في رحاب ذلك البيتِ المسلمِ المباركِ ، ولكن ما إن
يتنكَّبِ الزوجانِ أو يتنكبْ واحدٌ منهما عن صراطِ اللهِ حتَّى تُفتحَ أبوابُ المشاكلِ ، عندَها تَعْظُمُ الخلافاتُ
والنـزاعاتُ ، ويدخلُ الزوجُ إلى بيتِهِ حزيناً كسيراً ، وتخرجُ المرأةُ مِن بيتِها حزينةً أليمةً مهانةً ذليلةً ،
عندَها تعظمُ الشقاقُ ويَعظمُ الخلافُ والنـزاعُ ، فيفرح الأعداءُ ، ويشمتُ الحُسَّادُ والأعداءُ ، عندَها-عبادَ
اللهِ- يتفرَّقُ شملُ المؤمنينَ وتُقطَّعُ أواصرُ المحبينَ .
كُثرَ الطلاقُ اليومَ ... حينمَا فقدْنا زوجاً يرعَى الذِّمَمَ ، حينمَا فقدْنا الأخلاقَ والشِّيمَ ، زوجٌ ينالُ زوجَتهُ
اليومَ فيأخذُها مِنْ بيتِ أبيها عزيزةً كريمةً ضاحكةً مسرورةً ، ويرُدُّها بعدَ أيامٍ قليلةٍ حزينةً باكيةً مُطلَّقةً ذليلةً .
كُثرَ الطلاقُ اليومَ ... حينمَا استخفَّ الأزواجُ بالحقوقِ والواجباتِ ، وضيَّعوا الأماناتِ والمسئولياتِ ،
سهرٌ إلَى ساعاتٍ متأخرةٍ ، وضياعٌ لحقوقِ الزوجاتِ ، والأبناءِ والبناتِ ، يُضْحِكَ الغريبَ ويُبكي القريبَ ،
يؤنسُ الغريبَ ويُوحِشُ الحبيبَ .
كُثرَ الطلاقُ اليومَ ... حينمَا كُثَر النمَّامونَ ، وكُثرَ الحسَّادُ والواشونَ .
كُثرَ الطلاقُ اليومَ ... حينمَا فقدْنا زوجاً يغفرُ الزلَّةَ ويستُر العورةَ والهنَّةَ ، حينمَا فقدْنا زوجاً يخافُ اللهَ
ويتقي اللهَ ويرعَى حدودَ اللهِ ويحفظُ العهودَ والأيامَ التي خَلتْ والذكرياتِ الجميلةَ التي مضتْ .
كُثرَ الطلاقُ اليومَ ... حينمَا فقدْنا الصالحاتِ القانتاتٍ الحافظاتٍ للغيبِ بما حفظَ اللهُ ، حينمَا أصبحتِ
المرأةُ طليقةَ اللسانِ طليقةَ العِنانِ ، تخرجُ متَى شاءَت ، وتدخلُ متَى أرادَت ، خرَّاجةً ولاجَةً إلَى
الأسواقِ إلَى المنتدياتِ واللقاءاتِ ، مُضيعةً حقوقَ الأزواجِ والبناتِ ، يا لَها مِن مصيبةٍ عظيمةٍ .
كُثرَ الطلاقُ اليومَ ... حينمَا كُثَر الحسَّادُ والنَّمامونَ والواشونَ والمفرِّقونَ .
كُثرَ الطلاقُ اليومَ ... حينَما تَدخَّل الآباءُ والأمَّهاتُ في شؤونِ الأزواجِ والزوجاتِ ، الأبُ يتابعُ ابنَهُ في
كلٍّ صغيرٍ وكبيرٍ ، وفي كلٍّ جليلٍ وحقيرٍ ، والأمُّ تتدخَّلُ في شؤونِ بنتِها في كلٍّ صغيرٍ وكبيرٍ وجليلٍ وحقيرٍ
حتَّى ينتهي الأمرُ إلَى الطلاقِ والفِراقِ ، ألْم يعلما أنَّهُ مَنْ أَفسدَ زوجةً علَى زوجِها أوْ أفسدَ زوجاً علَى
زوجتِهِ لعنَةُ اللهُ .
كُثرَ الطلاقُ اليومَ ... - عبادَ اللهِ - لمَّا كثُرتِ المسكراتُ والمخدراتُ فذهبتِ العقولُ وزالتِ الأفهامُ ،
وتدنَّتِ الأخلاقُ ، وأصبحَ الناسُ في جحيمٍ وألمٍ لا يُطاقُ .
كُثَر الطلاقُ لمَّا كثُرتِ النِّعُم وبطرَ الناسُ الفضلَ منَ اللهِ والكرمَ ، وأصبحَ الغنيُّ ثرياً يتزوجُ اليومَ ويُطلِّقُ
في الغدِ القريبِ ، ولمْ يعلمْ أنَّ اللهَ سائُلهُ ، وأنَّ اللهَ محاسبُهُ ، وأنَّ اللهَ موقفُهُ بينَ يديهِ في يومٍ لا ينفعُ
فيه مالٌ ولا بنونَ ولا عشيرةَ ولا أقربونَ .
يا مَن يريدُ الطلاقَ .. الطلاقُ الوداعُ والفِراقُ ، الطلاقُ جحيمٌ لا يُطاقُ ، الطلاقُ يُبَدِّدُ شملَ البناتِ والبنينَ
، ويُقطَّعُ أواصرَ الأرحامِ والأقربينَ .
الطلاقُ - عباد اللهِ - مصيبةٌ عظيمةٌ ، فيا مَن يريدُ الطلاقَ اصبرْ فإنَّ الصبرَ جميلٌ وعواقُبهُ حميدةٌ منَ
اللهِ العظيمِ الجليلِ .
يا مَن يريدُ الطلاقَ .. إن كانتْ زوجتُكَ ساءَتكَ اليومَ فقدْ سرَّتْكَ أياماً ، وإن كانتْ أحزنتْكَ هذا العامَ فقدْ
سرَّتْكَ أعواماً .
يا مَن يريدُ الطلاقَ .. انظرْ إلَى عواقبهِ الأليمةِ ونهاياتِهِ العظيمةِ ، انظرْ لعواقبهِ علَى الأبناءِ والبناتِ ،
انظرْ إلَى عواقبهِ علَى الذريةِ الضعيفةِ ، فكمْ بُدِّدَ شملُها ، وتفرَّقَ قلبُها ، بسببِ ما جناهُ الطلاقُ عليها .
يا مَن يريدُ الطلاقَ .. صبرٌ جميلٌ فإن كانتِ المرأةُ ساءَتكَ فلعلَّ الله أن يخرجَ منها ذريةً صالحةً تَقَرُّ بها
عيُنكَ قالَ ابنُ عباسٍ في قوله-تعاَلى- : { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ
خَيْراً كَثِيراً} [ النساء ، آية : 19 ] قال : هوَ الولدُ الصالحُ . المرأةُ تكونُ عندَ زوجٍ تؤذيهِ وتسبُّه
وتُهينُهُ وتُؤلِمُهُ فيصبرُ لوجهِ الله ويحتسبُ أجرَهُ عندَ اللهِ ، ويعلمُ أنَّ معَهُ اللهُ فما هيَ إلا أعوامٌ حتَّى يُقرَّ
اللهُ عينَهُ بذريةٍ صالحةٍ ، وما يدريكَ فلعلَّ هذهِ المرأةَ التي تكونُ عليكَ اليومَ جحيماً لعلَّها أن تكـونَ بعدَ
أيامٍ سلاماً ونعيماً ، وما يدريكَ فلعلَّها تحفظُكَ في آخرِ عمرِكَ ، صبرٌ فإنَّ الصبرَ عواقُبهُ حميدةٌ ، وإنَّ معَ
العسْرِ يُسراً .
عبادَ اللهَ .. اتقوا الله في الأزواجِ والزوجاتِ ، ويا معاشرَ الأزواجِ تريَّثوا فيما أنتمْ قادمونَ عليه ، إذا
أردتَ الطلاقَ فاستشرِ العلماءَ ، وراجعِ الحكماءَ ، والتمسْ أهلَ الفضلِ والصُّلحاءَ واسْألْهم عمَّا أنتَ
فيهِ وخذْ كلمةً منهمْ تثِّبُتكَ ونصحيةً تقوِّيكَ . إذا أردتَ الطلاقَ فاستْخرِ الله وأنزلْ حوائجَكَ بالله ، فإن كنتَ
مريداً للطلاقِ فخذْ بسنةِ حبيبِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- طِّلقْها طلقةً واحدةً في طُهْرٍ لْم تُجامعْها فيهِ ،
لاتطِّلقْها وهيَ حائضٌ فتلكَ حدودُ اللهِ : { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ الطلاق ، آية : 1 ]
، وإذا طلقَتها فطلقْها طلقةً واحدةً لا تزيد ، جاءَ رجلٌ إلَى ابنَ عباسٍ فقالَ : يا ابْنَ عباسٍ طلقتُ امرأتي
مِائةَ تطليقةً . قالَ-رضي الله عنه- ثلاثٌ حَرُمَتْ بهنَّ عليكَ ، وسبعٌ وتسعونَ اتخذتَ بها كتابَ اللهِ هُزُواً .
اللهمَّ أصلحْ نياتِنا ، اللهمَّ أصلحْ أزواجَنا وذرياتِنا وخذْ بنواصِينا إلَى ما يُرضيكَ عنَّا .
أقولُ قول هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكمْ ولسائرِ المسلمينَ مِن كل ذنبٍ فاستغفروه إنَّه هوَ الغفورُ
الرحيمُ .
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ الذي نزَّلَ علَى عبدِهِ الفرقانَ ؛ ليكونَ للعالمينَ نذيراً ، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ
لَه إنَّهُ كانَ بعبادِهِ خبيراً بصيراً ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ أرسلَهُ بينَ يَدَيْ الساعةِ
بشيراً ونذيراً وداعياً إلَى اللهِ بإذنهِ وسراجاً منيراً صلى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمِ تسليماً كثيراً .
أمَّا بعدُ : فيا عبادَ اللهِ أوصيكمُ ونفسي بتقوَى الله-عزَّ وجلَّ- .
عبادَ اللهِ ... إنَّ اللهَ شرَّفَ المدينةَ وكرَّمَها وعظَّمَ شأنَها وطيَّبَها ، طيبةُ الطيبةِ مثوَى رسولِ اللهِ-صلى
الله عليه وسلم- ، ودارُ المهاجرينَ والأنصارِ ، دارُ الصفوةِ والخِيرةِ والأبرارِ ، يا لَها مِن دارٍ إذا دخلَها
المؤمنُ تحرَّكتْ في قلِبهِ الذكرياتُ مِن أخبارِ الصحابةِ والصحابياتِ ، هُنا كانَ مسجدُهُ ، وهُنا كانَ منبرُهُ
، وهُنا كانَ مُصَلاهُ ، يا لَها مِن دارٍ تُنبيكَ عن ملاحمِ الصفوةِ الأبرارِ ، هذا أحدٌ جبلٌ يُحبُّنا ونحبُّهُ علَى
سهِلهِ مَلْحَمَةٌ مِن ملاحمِ الإسلامِ ويومٌ مِن أيامِهِ الجليلةِ العِظامِ ساَلتْ علَى ذلكَ السهلِ دماءُ الشهداءِ ،
وفاضَتْ بجوارِهِ أرواحُ السعداءِ .
هذا بقيعُ الغرقدِ كمْ ضمَّ في جَنَبَاتِهِ منَ الصَّحْبِ الكرامِ ، عشرةُ آلافٍ مِن أصحابِ النبيِّ عليه أفضلُ
الصلاةِ وأزكَى السلامِ ، كمْ ضمَّ بينَ جوانحِهِ منَ الأبرارِ والأخيارِ والعلماءِ الأعلامِ .
دارٌ وأيُّ دارٍ أيُّ دارٍ سكنتموها ، وأيُّ مَحَلَّةٍ نزلْتموها ، إنَّ لهَا عليكم حقاً كبيراً ، دارٌ أحبَّها رسولُ اللهِ-
صلى الله عليه وسلم- ودعا رَّبهُ أن يُحبَّبَها إلَى قلبِهِ ، قالَ فيها-عليه الصلاةُ والسلامُ- : (( اللهمَّ حبِّبْ
إلينا المدينةَ كحبِّنا إلَى مكةَ أو أشدَّ )) قالَ فيها-عليهِ الصلاةُ والسلامُ- : (( اللهمَّ إنَّ عبدَكَ وخليلَكَ
إبراهيمَ قدْ دعاكَ لمكةَ وإني أدعوكَ للمدينةِ : اللهمَّ اجْعلْ معَ البركةِ بركتَينِ ، اللهمَّ اجْعلْ معَ البركةَ
بركتَينَ )) .
دارٌ كانَ إذا أقبلَ عليها-صلى الله عليه وسلم- منَ السفرِ فبدتْ معالِمُها وبدا جبلُ أحدٍ مِن بعيدٍ أمامَ
عينيهِ ضربَ دابَتُه وأسرعَ إليها-صلواتُ ربي وسلامُهُ عليهِ- أيُّ دارٍ سكنتموها ؟
فيا عبادَ اللهِ .. الله يعلمُ كمْ مِن قلوبٍ حنَّتْ وتمنَّتْ ركعةً في مسجدِ رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-
تمنَّتْ ألفَ صلاةٍ في مسجدِهِ تمنَّتْ عُمْرَةً في هذا المسجدِ الطيبِ المباركِ .
فيا عبادَ اللهِ .. إنَّ لهذهِ الدارِ حقوقاً عظيِمةً طوَبى لِمَنْ حَفِظَ فيها حقَّ الجِوَارِ ، طوَبى لمنْ خافَ رَّبهُ ذا
العزةِ والجلالِ الواحدَّ القهَّارَ ، طوَبى لمنْ حَفِظَ فيها الحُرُماتِ وابْتعدَ عنِ الفواحشِ والمنكراتِ ؛ وها أنتمُ
اليومَ- عبادَ اللهِ- سكانُ طيبةَ الطيبةِ قدْ حلَّ عليكمْ ضيفٌ كريمٌ ، ضيفٌ ما وطِئَ الأرضَ أحبَّ ولا أكرمَ
علَى اللهِ منهُ ، حجاجُ بيتِ اللهِ الحرامِ ، ضيوفٌ علَى أهلِ طيبةَ الطيبةِ فافتحوا قلوبَكم ، وافتحوا صدورَكم
ودورَكم ، وخذوهم فإنَّهم ضيفٌ كريمٌ ، ضيفٌ يحبُّكم وتُحبونَهُ ، ويجلُّكم وتجلٌّونَهُ ، فاظْهِروا للهِ ما يُرضيهِ
عنكمْ ، ذكِّروا ناسيَهم ونِّبهوا غافلَهم وأطعموا جائعَهم ، واستْروا عاريَهم : { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ} [ البقرة ، آية : 195 ].
صلُّوا وسلِّموا علَى خيرِ الأنامِ عليهِ منَ الله أفضلُ الصلاةِ وأزكَى السلامِ ، فقدْ أمرَكُم اللهُ بذلكَ حيثُ
يقولُ ذو الجلالِ والإكرامِ : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [ الأحزاب ، آية : 56 ] وقالَ-صلى الله عليه وسلم- : (( مَن صلَّى عليَّ مرَّة
صلَّى اللهُ عليهِ بها عشْراً )) اليومُ يومُ الجمعةِ يومُ الصلاةِ والسلامِ علَى خيرِ خلقِ اللهِ ، وإنَّ صلاتَكم
معروضةٌ عليه-صلى الله عليه وسلم تسليماً- ، وزادَهُ تشريفاً وتكريماً ، اللهمَّ ارْضَ عنِ الخلفاءِ
الراشدينَ ... اللهم آمين .
المشاهدات 3609 | التعليقات 4
خطبةٌ جميلةٌ حقًّا من لسانِ عالمٍ أديبٍ أريبٍ فقيهٍ محدِّثٍ ...
وموضوعٌ حقيق بالطرق وأن يتناول في خطب الجمعة ويناقش في المحاضرات والندوات ، ويعرض في اللقاءات والمنتديات .
فتمزق البيوت مما تبكي له عيون المؤمنين الصادقين وتضيق له صدورهم همًّا وحزنًا لما يعلمونه من سيئ آثاره ووخيم نتائجه ، التي يتجرع مرارتها أضعف الناس : النساء والأطفال .
فالمرأة تغدو في أعين المجتمع مطلقة ثيبًا أم ولد ...
والأبناء قد يصبحون أيتامًا وأبوهم وأمهم على قيد الحياة .
هذا عدا ما يتملك قلوبهم الصغيرة من تنازع كفة الميل والرغبة ، فإن هم آثروا أباهم وذهبوا معه تركوا أمهم الحنون تتجرع مرارة فقدهم وتكتوي بحرارة غيابهم ، وإن هم فضلوا دفء الأمومة ورغبوا في رقتها لم يكسبوا جَادَّ التربية والتعليم ، وخسروا كثيرًا من صفات الرجولة ونسوا ملامحها ، وفقدوا عائلهم والمنفق عليهم ومربيهم ، وربما طوحت بهم أيدي الفقر والحاجة ليسألوا الناس أعطوهم أو منعوهم .
ومن وراء ذلك تتأثر أسرتان تغضب كل منهما لابنها ، وبدلاً من التقارب بالنسب ، يحل التباعد بالطلاق .
فويح الطلاق ما أمرَّهُ وأشنعه !!
وويح المطلق ما أقصر نظره وأقسى قلبه !!
كم من مرة اتصل بي رجل كنت أعرفه كالأسد لا يطأطئ رأسه ، فإذا هو يرتجف وترعد فرائصه مغرورقة عيناه بالدموع ، متلعثمًا في حديثه ، قد نشبت كلماته في لهاته ، يلتمس عندي الحل ، فقد طلق في حال غضبة عمرية زوجته !!
لا أملك إلا أن أسارع وأعطيه رقم من أعرف من أهل الفتوى ، فيعيد : يا شيخ ، أنا كنت غضبان ولا أدري . فأقول : لست مفتيًا ، ومثل هذه الأمور حلها في المحاكم وخبرها عند القضاة والفصل فيها للمفتي ، فيرجع ويتوسل : ماذا أفعل ؟ فلا أزيد على أن قول في نفسي : يداك أوكتا وفوك نفخ .
فعلت ما فعلت لتبرز رجولتك وتفرد عضلاتك على زوجتك ، وتوضح لها أن الحبل في يدك ، وما علمت أن الشيطان هو الذي جر لسانك وأفزع قلبك واستخف عقلك حتى كسرت ظهرك بيدك ، وهدمت بنيانك بمعولك ، وفرقت بنيك وأيتمت أطفالك .
فما أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك ، وطاوعت ما أملاه عليك غضبك ؟!
ومع هذا فيبقى الطلاق في حدود ضيقة ووقائع قليلة هو الحل الأنسب والعلاج الأنجع ، ولكن متى ؟!
هذا هو السؤال الذي يجب على المفكر في طلاق زوجته أن يعيده على نفسه ويُمِرَّهُ بخاطره مرارًا وتكرارًا ، فإذا ما توصل بعد عميق تفكير ودقيق تأمل وطول استشارة وصادق استخارة إلى أنه هو الحل ، فلا يظلمن نفسه بتعدي حدود الله وليجعله على السنة كما أمر بذلك أعلم الناس وأفقههم وأحكمهم وأعقلهم ، فلعلها أن تتبين بعد ذلك أمورٌ وتتغير موازين ، وكما قال العليم الخبير : " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا "
فويح الطلاق ما أمرَّهُ وأشنعه !!
وويح المطلق ما أقصر نظره وأقسى قلبه !!
وقد يكون أحيانا حلا للمشاكل وفرجا لأحد الطرفين وخاصة النساء ...
أعرف بعض النساء لو طلقها زوجها أصبحت في جنة نسبة إلى ما تعيشه معه من جحيم ...
فالشيخ محمد أهل لطرق هذه المواضيع، فهو إذا تكلم في الأمور الاجتماعية وظلم الأسرة أو الوالدين، دغدع العواطف وأذرف الدموع من العيون
فنرجو من الله أن يعود الى منبر جامع قباء.
أبو عمر
بارك الله فيك وفي شيخنا الحبيب
تعديل التعليق