خطبة : ( ما حالك مع الصلاة في رمضان )

عبدالله البصري
1440/09/12 - 2019/05/17 00:32AM
ما حالك مع الصلاة في رمضان      12 / 9 / 1440
 
 
الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حُصُولُ التَّقوَى مِن أَجَلِّ الغَايَاتِ الَّتي لأَجلِهَا شُرِعَ الصِّيَامُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " وَحَقِيقَةُ هَذِهِ التَّقوَى أَن يَصُونَ العَبدُ جَوَارِحَهُ عَن مَعصِيَةِ اللهِ وَيُلزِمَهَا طَاعَتَهُ ، وَمَن صَدَقَ في مَحَبَّتِهِ لِرَبِّهِ - سُبحَانَهُ – وَفي مَحَبَّتِهِ لِرَسُولِهِ ، أَوجَبَت لَهُ تِلكَ المَحَبَّةُ مَحَبَّةَ مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيهِ وَالاهتِمَامَ بِهِ ، وَبُغضَ مَا حَرَّمَهُ عَلَيهِ وَالابتِعَادَ عَنهُ ، وَقَدَّمَ تِلكَ المَحَبَّةَ عَلَى مَا تُحِبُّهُ نَفسُهُ وَتَشتَهِيهِ ، وَتَلَقَّى الأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ الشَّرعِيَّةَ بِالرِّضَا وَالتَّسلِيمِ التَّامِّ ، وَمَن أَخَلَّ بِشَيءٍ مِمَّا أُمِرَ بِهِ فَتَرَكَهُ ، أَو تَهَاوَنَ بِشَيءٍ مِمَّا نُهِيَ عَنهُ فَأَتَاهُ ، فَقَد نَقَصَ مِن إِيمَانِهِ الوَاجِبِ بِحَسَبِ ذَلِكَ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا " وَقَالَ - تَعَالى - : " قُلْ إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحبِبكُمُ اللهُ وَيَغفِرْ لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ تَقتَضِي فِعلَ الوَاجِبَاتِ وَتَركَ المُحَرَّمَاتِ ، وَعَدَمَ الإِخلالِ بِشَيءٍ مِنهَا لِمُجَرَّدِ اتِّبَاعِ هَوَى النَّفسِ أَو إِيثَارِ شَهَوَاتِهَا ، وَصَدَقَ القَائِلُ :
تَعصِى الإِلَهَ وَأَنتَ تَزعُمُ حُبَّهُ
هَذَا مُحَالٌ في القِيَاسِ شَنِيعُ
لَو كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأَطَعتَهُ
إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطِيعُ
وَلَمَّا كَانَ نَبِيُّنَا – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - هُوَ أَشَدَّ النَّاسِ حُبًّا للهِ ، كَانَ لا يَجِدُ شَيئًا هُوَ أَلَذَّ لِرُوحِهِ وَلا أَهدَأَ لِنَفسِهِ مِن عِبَادَةِ رَبِّهِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " وَجُعِلَت قُرَّةُ عَينِي في الصَّلاةِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الصَّحِيحَينِ عَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : قَامَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَوَرَّمَت قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ : قَد غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟! قَالَ : " أَفَلا أَكُونُ عَبدًا شَكوُرًا "
وَاليَومَ – أَيُّهَا الصَّائِمُونَ – لا يَدرِي مَن يَرَى حَالَ بَعضِ الصَّائِمِينَ ، أَهُم يَصُومُونَ طَاعَةً للهِ وَحُبًّا لَهُ وَاستِسلامًا وَتَسلِيمًا ، أَم مُجَارَاةً لِمَن حَولَهُم وَحِيَاءً مِنهُم وَتَقلِيدًا ؟! وَالأَغلَبُ إِن شَاءَ اللهُ إِذَا أَحسَنَّا الظَّنَّ بِهِم أَنَّهُم يَصُومُونَ طَاعَةً للهِ ، وَيُرِيدُونَ مَا عِندَهُ مِنَ الثَّوَابِ ، لَكِنَّ مِمَّا يُلحَظُ عَلَى بَعضِهِم هَدَاهُمُ اللهُ ، وَهُوَ مِمَّا يُنكَرُ وَلا يُقَرُّ ، مَا يُرى مِنَ التَّهَاوُنِ المُستَمِرِّ مِنهُم في بَعضِ الصَّلَوَاتِ تَمَاشِيًا مَعَ هَوَى أَنفُسِهِم ، وَهَذَا المُنكَرُ العَظِيمُ الَّذِي يَقعَونَ فِيهِ ، لَيسَ في رَمَضَانَ فَحَسبُ ، بَل هُوَ طُولَ العَامِ وَلِلأَسَفِ ، لَكِنَّهُم بَدَلاً مِن تَركِ صَلاةِ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ في غَيرِ رَمَضَانَ ، فَإِنَّهُم يَترُكُونَ صَلاةَ الظُّهرِ في رَمَضَانَ ، وَقَد يُلحِقُونَ بِهَا صَلاةَ العَصرِ أَيضًا ، وَالسَّبَبُ في ذَلِكَ هُوَ تَغيُّرُ وَقتِ نَومِهِم ، فَهُم لم يَزِيدُوا عَلَى أَن نَقَلُوا التَّركَ مِن صَلاةٍ إِلى أُخرَى بِحَسَبِ مَا تَشتَهِيهِ نُفُوسُهُم وَيَغلِبُ عَلَيهَا مِنَ النَّومِ ، وَفي هَذَا – أَيُّهَا الإِخوَةُ – نَقصٌ وَاضِحٌ في جَانِبٍ عَظِيمٍ ، هُوَ لُبُّ الإِسلامِ وَرُوحُهُ ، وَهُوَ مَنَاطُ الإِيمَانِ وَعَلَيهِ مَدَارُهُ ، أَلا وَهُوَ الاستِسلامُ للهِ وَالانقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ ، وَالخُضُوعُ لِمُرَادِهِ وَنَبذُ هَوَى النَّفسِ . وَالمُسلِمُ الَّذِي أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ ، وَأَخلَصَ عَمَلَهُ للهِ ، وَأَرَادَ مَا عِندَ اللهِ ، وَخَافَ اللهَ وَرَجَا اللهَ ، يَدُورُ مَعَ الأَمرِ وَالنَّهيِ حَيثُ دَارَ ، وَلا يَتَرَدَّدُ وَلا يَتَلَكَّأُ ، وَلا يَبحَثُ لِنَفسِهِ عَن عُذرٍ البَتَّةَ ، وَلَيسَتِ الأَحوَالُ الدُّنيَوِيَّةُ المُختَلِفَةُ ، أَو تَغَيُّرُ الأَزمِنَةِ وَاختِلافُ الأَوقَاتِ ، هِيَ الَّتي تُملِي عَلَيهِ فِعلَ أَمرٍ مِن أَوَامِرِ رَبِّهِ أَو تَركَهُ وَالتَّهَاوُنَ بِهِ ، وَلَيسَ مِزَاجُهُ أَو هَوَى نَفسِهِ ، أَو نَشَاطُهَا أَو كَسَلُهَا ، أَو إِقبَالُهَا أَو إِدبَارُهَا ، هُوَ الَّذِي يُحَرِّكُهُ لِلعَمَلِ أَوِ التَّركِ ، وَلَكِنَّهُ رِضَاهُ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالإِسلامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا رَسُولاً ، وَهَذَا الرِّضَا في حَقِيقَتِهِ ، لا يَجتَمِعُ أَبَدًا مَعَ اتِّبَاعِ هَوَى النَّفسِ وَالسَّيرِ عَلَى مَا تَشتَهِي ، وَالَّذِي هُوَ نَوعٌ مِنَ الضَّلالِ وَعَدَمِ إِخلاصِ التَّوحِيدِ للهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ "
إِنَّ حَالَ المُسلِمِ الحَيِّ القَلبِ – أَيُّهَا الإِخوَةُ – هِيَ تَتَبُّعُ مَا يُرضِي اللهَ وَالعَمَلُ بِهِ دُونَ تَرَدُّدٍ وَلا تَلَكُّؤٍ ، وَالاستِكثَارُ مِمَّا يُقَرِّبُ إِلَيهِ دُونَ كَسَلٍ وَلا تَأَخُّرٍ وَلا تَبَاطُؤٍ ، وَهُوَ في مَوَاسِمِ الخَيرِ كَرَمَضَانَ ، أَحرَصُ عَلَى ذَلِكَ وَأَصبَرُ عَلَيهِ ، خَاصَّةً وَهُوَ يَرَى المُسلِمِينَ عَن يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ حَرِيصِينَ عَلَى الخَيرِ مُستَكثِرِينَ مِنهُ ، يَتَزَوَّدُونَ مِنَ الصَّالِحَاتِ ، وَيُنَوِّعُونَ القُرُبَاتِ ، فَمَا أَجمَلَ حَالَ المُسلِمِينَ وَاللهُ – تَعَالى - غَايَتُهُم وَمَقصِدُ قُلُوبِهِم ، يَتَّجِهُونَ إِلَيهِ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ ، لا يَتَحَوَّلُونَ عَنهُ وَلا يَقصِدُونَ إِلاَّ وَجهَهُ ، يَرجُونَ رِضَاهُ وَرَحمَتَهُ ، ويَبتَغُونَ فَضلاً مِنهُ وَرِضوَانًا وَيَطمَعُونَ في جَنَّتِهِ ، تَعرِفُهُمُ المَسَاجِدُ في الصَّلَوَاتِ الخَمسِ ، لا يَترُكُونَ مِنهَا صَلاةً وَلا يَتَأَخَّرُونَ عَن أُخرَى ، حَرِيصِينَ عَلَى نَوَافِلِهَا ، يُؤَدُّونَ الرَّوَاتِبَ قَبلَهَا وَبَعدَهَا ، وَيَركَعُونَ في الضُّحَى مَا تَيَسَّرَ لَهُم مِن رَكَعَاتٍ ، وَلا تَفُوتُهُم صَلاةُ القِيَامِ مَعَ الإِمَامِ ، فَمِثلُ أُولَئِكَ يَجِدُونَ أَثَرَ حِرصِهِم عَلَى صَلاتِهِم تَوفِيقًا في سَائِرِ العِبَادَاتِ ، وَعَونًا لَهُم عَلَى الطَّاعَاتِ ، وَإِقبَالاً مِن نُفُوسِهِم عَلَى الصَّالِحَاتِ ، وَبَرَكَةً في الأَعمَارِ وَالأَوقَاتِ ، فَتَرَى لَهُم نَصِيبًا مِن قِرَاءَةِ كِتَابِ اللهِ ، وَمُسَاهَمَةً في تَفطِيرِ الصَّائِمِينَ وَحَظًّا مِنَ الصَّدَقَاتِ ، وَحِرصًا عَلَى الذِّكرِ وَالدُّعَاءِ وَالاستِغفَارِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكرُ اللهِ أَكبَرُ " وَقَالَ – تَعَالى - : " وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ " وَهَكَذَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَمَن أَرَادَ أَن يَسلَمَ لَهُ شَهرُهُ ، بَل مَن أَرَادَ أَن يَصلُحَ عُمُرُهُ ، فَلْيُصلِحْ أَمرَ صَلاتِهِ ، وَلْتَكُنْ هِيَ هَمَّهُ ، وَلْيَحذَرْ مِنَ الغَفلَةِ عَنهَا لأَيِّ سَبَبٍ كَانَ ، وَلا يُلهِيَنَّهُ عَنهَا مَالٌ وَلا وَلَدٌ وَلا لَذَّةٌ وَلا مَتَاعٌ ، وَلا يُقَدِّمَنَّ عَلَيهَا عَمَلاً وَلا رَاحَةً وَلا نَومًا وَلا شَهوَةً ، فَإِنَّ صَلاحَهَا هُوَ صَلاحُ الدِّينِ وَالدُّنيَا وَالأُخرَى ، وَهِيَ أَوَّلُ الفَلاحِ وَخَاتِمَتُهُ ، وَبِدَايَةُ الصَّلاحِ وَنِهَايَتُهُ ، وَمَدخَلُ التَّوفِيقِ وَمَخرَجُهُ ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللهُ – تَعَالى - صِفَاتِ المُؤمِنِينَ المُفلِحِينَ فَقَالَ : " قَد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ " كَانَت أَوَّلُ صِفَاتِهِم " الَّذِينَ هُم في صَلاتِهِم خَاشِعُونَ " وَآخِرُهَا " وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلَوَاتِهِم يُحَافِظُونَ " وَلَمَّا ذَكَرَ صِفَاتِ الإِنسَانِ السَّوِيِّ ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا . إِلاَّ المُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم دَائِمُونَ " ثم خَتَمَ بِالصَّلاةِ فَقَالَ : " وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيهِ العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ الصَّلاةُ ، فَإِن صَلَحَت صَلَحَ سَائِرُ عَمَلِهِ ، وَإِن فَسَدَت فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَحرِصْ عَلَى إِسلامِ وُجُوهِنَا لِمَا يُرِيدُهُ رَبُّنَا مِنَّا ، وَلْنَقتَدِ بِالمُسَابِقِينَ إِلى الخَيرَاتِ ، وَلْنُنَافِسْ في الطَّاعَاتِ ، وَلْنَحذَرْ هَوَى النُّفُوسِ أَو مُصَاحَبَةَ الغَافِلِينَ ، فَقَد قَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – وَهُوَ إِمَامُ الصَّالِحِينَ : " وَاصبِرْ نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا " اللَّهُمَّ اجعَلْنَا مُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّاتِنَا رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءَنَا ... وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ .
 
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرجًا " وَاعلَمُوا أَنَّ ثَمَّةَ عَمَلاً صَالِحًا جَلِيلاً ، قَرَنَهُ اللهُ بِالصَّلاةِ في كِتَابِهِ في كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ ، وَهُوَ مِن أَسبَابِ الفَلاحِ وَالصَّلاحِ وَزَكَاءِ النُّفُوسِ وَطَهَارَتِهَا ، وَتَركُهُ مِن أَسبَابِ العَذَابِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، تِلكُم هِيَ الزَّكَاةُ ، الَّتي هِيَ الرُّكنُ الثَّالِثُ مِن أَركَانِ الإِسلامِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعبُدُوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ " وَعَنِ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " بُنِيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالحَجِّ ، وَصَومِ رَمَضَانَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ – تَعَالى - : " خُذْ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم بِهَا " وَقَالَ – تَعَالى - : " وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَومَ يُحمَى عَلَيهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم هَذَا مَا كَنَزتُم لأَنفُسِكُم فَذُوقُوا مَا كُنتُم تَكنِزُونَ " وَعَن عَبدِاللهِ بنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُما – قَالَ : أَقبَلَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ : " يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ ، خَمسٌ إِذَا ابتُلِيتُم بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللهِ أَن تُدرِكُوهُنَّ " وَذَكَرَ الحَدِيثَ إِلى أَن قَالَ : " وَلم يَمنَعُوا زَكَاةَ أَموَالِهِم إِلاَّ مُنِعُوا القَطرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَولا البَهَائِمُ لم يُمطَرُوا " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَالطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَد اعتَادَ كَثِيرٌ مِنَ المُسلِمِينَ أَن يُخرِجُوا زَكَوَاتِهِم في رَمَضَانَ ، تَحَرِّيًّا لِفَضِيلَةِ الوَقتِ ، وَكَفًّا لِلنَّاسِ عَنِ السُّؤَالِ في شَهرِ الخَيرِ ، أَلا فَاحرِصُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى إِخرَاجِ زَكَاةِ أَموَالِكُم ، وَطِيبُوا بِهَا نَفسًا ، وَتَحَرَّوا إِخرَاجَهَا عَلَى الوَجهِ الشَّرعِيِّ المَأمُورِ بِهِ ، وَتَلَمَّسُوا أَهلَهَا المُستَحِقِّينَ لَهَا ، وَلا تُحَابُوا بِهَا قَرِيبًا أَو صَدِيقًا ، وَمَن أَعطَى زَكَاتَهُ لِلمُؤَسَّسَاتِ الَّتي عَيَّنَهَا وَليُّ الأَمرِ لأَخذِ الزَّكَاةِ مِن أَصحَابِهَا وَتَوزِيعِهَا عَلَى مُستَحِقِّيهَا ، سَوَاءٌ مِنهَا الرَّسمِيَّةُ أَوِ الخَيرِيَّةُ كَجَمعِيَّاتِ البِرِّ ، فَقَد بَرِئَت ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ .
المرفقات

حالك-مع-الصلاة-في-رمضان

حالك-مع-الصلاة-في-رمضان

حالك-مع-الصلاة-في-رمضان-2

حالك-مع-الصلاة-في-رمضان-2

المشاهدات 1203 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا