خُطْبَةُ مَا بَعْدِ الْحَجِّ لعام 1433هـ , الكاتب : محمد بن مبارك الشرافي

فهد موفي الودعاني
1433/12/15 - 2012/10/31 13:59PM
خُطْبَةُ مَا بَعْدِ الْحَجِّ لعام 1433هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَات ، وَبِرَحْمَتِهِ تَنْدَفِعُ الْمَكْرُوهَات ، أَحْمَدُ رَبِّي عَلَى نِعْمَتِهِ ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى طَاعَتِه ، وَأْشَهْدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ، وَمَنِ اسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ , وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة !
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّنَا نَحْمَدُ اللهَ عَلَى وَاسِعِ فَضْلِهِ , وَجَزِيلِ عَطَائِهِ , وَعَظِيمِ هِبَاتِهِ ,,, مَنَّ عَلَيْنَا بِالإِسْلامِ وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالإِيمَان , وَأَعَانَنَا عَلَى الطَّاعَات , وَوَفَّقَنَا لِسُلُوكِ طَرِيقِ الْخَيْرَات , فَكَمْ مِنْ طَاعَةٍ بِحَمْدِ اللهِ قَدْ أُدِّيَتْ , وَكَمْ مِنْ فَرِيضَةٍ قَدْ قُضِيَتْ , وَكَمْ مِنْ خَيْرٍ بُذِلَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْمُنْصَرِمَةِ , فَأَسْأَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقْبَلَ مِنَّا وَمِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ يَرُدَّ الْجَمِيعَ إِلَى أَهَالِيهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ غَانِمِينَ سَالِمِين !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : انْتَهَى مَوْسِمُ الْحَجِّ , وَانْقَضَتْ قَبْلَهُ خَيْرُ أَيَّامِ الْعَامِ , وَفِي ذَلِكَ عِظَةٌ وَعِبَرَةٌ لِمِنِ اعْتَبَر ! إِنَّ انْقِضَاءَ هَذَا الْمَوْسِمِ عِبْرَةٌ لَنَا بِانْقِضَاءِ آجَالِنَا وَانْتِهَاءِ أَعْمَارِنَا ! فَلْنَسْتِعِدَّ لِلَقَاءِ اللهِ , وَمُوَافَاةِ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِينَا , وَلْنَتَأَهْبَ لِمُفَارِقَةِ الأَهْلِ وَالأَحْبَابِ , وَالْبُعْدِ عَنِ الأَصْدَقَاءِ وَالأَصْحَاب , قَالَ اللهُ تَعَالَى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ , وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ , وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : إِنَّ الطَّاعَاتِ لَهَا مَوَاسِمُ وأوقاتٌ تَشْرُفُ فِيها وَيَعْظُمُ أَجْرُهَا , وَقَدْ مَرَّتِ الْعَشْرُ ثُمَّ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ , فَمَنْ كَانَ اسْتَغَلَّهَا غَنِمَ وفَرِح , ومَنْ أهْمَلَهَا وَسَوَّفَ فَاتَتْهُ ولَمْ يَرْبَح , وَرُبَّمَا تَمَنَّى رُجُوعَهَا لِيَسْتَغِلَّها وَلَكنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ !! فَمَنْ يَدْرِي ؟ فَرُبَّمَا لا تعودُ إِلَّا وَقَدْ وُسِّدَّ الترابَ , أَوْ أصابَهُ مَرَضٌ , أَوْ ابْتُلِيَ بِأَمْرٍ يَصْرِفُهُ عِنِ الْعَبَادَاتِ , وَيَشْغَلُه عَنِ الْمُسَارَعَةِ لِلْخَيْرَات , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِك) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ العِبَادَةَ , لَهَا أثرٌ فِي الْقَلْبِ بِالارْتِيَاح , وَأَثَرٌ فِي النَّفْسِ بِالانْشِرَاح , وَنُورٌ فِي الصَّدْرِ , وَضِيَاءٌ فِي الْحَشْرِ ! قَالَ اللهُ تَعَالَى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ , فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً , وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
فَهَذَا وَعْدٌ صَادِقٌ مِنْ رَبٍّ كريمٍ ,بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ الذِي يْعَمْلُ الصَّالِحَاتِ - سَوَاءً أَكَانَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً - أَنَّ لَهُ حَيَاةً طَيَّبَةً , وَعِيشَةً هَنِيَةً فِي الدُّنْيَا , وَأَنَّ لَهُ الْجَزَاءَ الْوَافِرَ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ , فَأَيْنَ مَنْ يَعْمَل ؟ وأَيْنَ مَنْ يُقْبِل ؟ فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ لَذَّةُ الدُّنيَا وَأُنْسُها , فَهَلَّا عَرَفْنَا الطَّرِيقَ , وهَلَّا أَقَبَلْنا عَلَى الْعَمَلِ وَجَعَلْنَاهُ الرَّفِيقَ ؟ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : واللهِ لَوْلا الليْلُ ما أحببْتُ الْحَيَاةَ ! يَعْنِي بِذَلِكَ : أنَّهُ يَخْلُو بِرَبِّه فَيُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ فَيَأْنَسُ بِاللهِ ويَجِدُ طَعْمَاً لِلْحَيَاة !!! قَالَ اللهُ تَعَالَى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا , وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ , جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
فَيَا مَنْ غَابَتْ عَنْهُ الأَفْرَاح , وفَارَقَهُ الهناءُ وخَسِرَ الأَرْبَاح , تَعالَ إلى لَذَّةِ الدُّنْيَا وَسَعَادَتِهَا ! تَعَالَ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ ! تعالِ لِلَذَّةِ الصَّلَاةِ وَقُلْ كَمَا قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا بِلَالُ أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّنَا حِينَ نَعْبُدُ وَنُصَلِّي وَنَسْجُدُ , نَعْبُدُ رَبَّاً عَظِيمَاً وَإِلَهَا كَبِيرَاً مَا قَدَرْنَاهُ حَقَّ قَدْرِهِ وَمَا عَرَفْنَاهُ حَقَّ مَعْرِفَتِه ! فَتَأَمَّلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ شَيْئَاً مِنْ عَظَمَةِ اللهِ تَتَجَلَّى فِي أَيَّامِنَا الْمُنْصَرِمَة , فهؤلاءِ الحَجَّاجُ الذينَ جَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق , جَاءُوا مِنْ أَقْطَارِ الدُّنْيَا وَأَطْرَافِ الأَرْضِ , جَاءُوا مُلَبِّينَ مُكَبِّرِينَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ! فَوَاللهِ لَوْ دَعَاهُمْ مَلِكٌ أَوْ وَزِيرٌ أَوْ غَنِيٌّ أَوْ أَمِيرٌ , لَمَا جَاءُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الأَعْدادِ وبِمِثْلِ هَذَا الإِقْبَالِ , وَ بِمِثْلِ هَذِهِ التَضْحِيَة !!!
إِنَّهم أَتَوْا لهذهِ الدِّيارِ وقدْ بَذَلُوا الغَاليَ وَالنَّفِيس , جَاءُوا بِقلوبٍ يَمْلَؤُهَا الشَّوْقُ , وَعيونٍ اغْرَوْرَقَتْ بِالدُّمُوعِ , جَاءَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ وَرُبَّمَا قَدْ بَاعَ أَثَاثَ بَيْتِهِ وَتَركَ أَوْلادَهُ يَفْتَرِشُونَ الأَرْضَ , أَوْ رُبَّمَا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ شُهُورَاً وَدُهُورَاً لِيُوَفِرَ أُجْرَةَ المَجِيءِ إِلَى هَهُنا , فَلِماذا كلُّ هَذَا ؟ ومَا الذي حَمَلَهُم على ما يَفْعلونَ , ومَنِ الذي دَعاَهم لِمَا يَعْمَلُون ؟ الجواب : ... إِنَّهُ الله !
قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)
فَيَا مَنْ ابْتَعَدَّتَ عَنِ الله ! وَيَا مَنْ هَرَبَ مِنْ مَوَلاه ! وَيَا من أَسْرَفَتَ ! أَنْقِذْ نَفْسَكَ وَأَطِعْ رَبَّكَ وَإِلَّا فَوَاللهِ لَنْ تَجِدَ لَكَ مَكَانَاً مَعَ عِبَادِ اللهِ , فَاللهُ غَنِيٌّ عَنَّا وَلَوْ كَانَ سُبْحَانَهُ فِي حَاجَةٍ – وَحَاشَاهُ - فَعِبَادُهُ كُثِيرٌ , كَثِيرٌ مُقْبِلُونَ عَلَيْهِ ! كَثِيرٌ يُطِيعُونَهُ فَيَمْتَثِلُونَ أَمْرَهُ وَيَجْتَنِبُونَ نَهْيَهُ وَهُمْ فَرِحِينَ مَسْرُورِينَ ! فَهَيَّا تَعَالَ مَعَهُمْ وَأَقْبِلْ عَلَى رَبَّكَ وَاهْرُبْ مِن الشَّيْطَانِ عَدُوِّك !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : مَاذَا بَعَدَ هَذَا الْمَوْسِم ؟ ؟ ؟
اعْتَادَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْجِدِّ فِي مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ ثُمَّ الدَّعَةِ والْخُمُولِ بَعْدَ ذَلِكَ , بَلْ رُبَّمَا خَلَّطَ وَقَارَفَ بَعْضَ الْمَعَاصِي بِحُجِّةِ أَنَّهُ قَدَّمَ وَقَدَّمَ !!! وَهَذَا أَمْرٌ لا يَنْبَغِي , بَل الْمُؤْمِنُ لا يَزَالُ مُسْتَمِرَاً فِي طَاعِةِ اللهِ , حَتَّى يَكَونَ الْجَنَّةُ مُنْتَهَاه , ثُمَّ إِنَّ الأَعْمَالَ بِالخَوَاتِيمِ , فَاحْذَرْ تَسْلَمْ , وَجِدَّ تَغْنَمْ !!! واسْتَمِعْ لِهَذَا الحَدِيثِ : عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ , فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ , وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) مُتَّفَقٌ عَلِيْهِ
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ , والصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ , نَبِيِّنَا مَحَمِّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ نِعَمَ اللهِ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ البِلادِ كَثِيرَةٌ , فَمِنْ نِعْمِةِ إِيمَانٍ وَإِسْلام , إِلى نِعْمَةِ أَمْنٍ وَسَلام , وَمِن نِعْمَةَ عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ قَامَتْ عَلَيْهَا الدَّوْلَةُ , وَنَشَأَ عَلَيْهَا الصِّغَارُ وَشَابَ عَلَيْهَا الكِبَارُ , إِلى نِعْمَةِ رَخَاءٍ فِي الاقْتَصَادِ , وَرَغَدِ عَيْشٍ فِي البِلَاد !!! وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ إِلى غَيْرِ بَلَدِنَا مِنْ بُلْدَانِ العَالمَ , لِيَرَى الفَّرْقَ وَيَعْرِفَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ خَيْر ! وَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ , وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) فَنَشْكُرُ اللهَ عَلَى نِعَمِهِ وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِه !
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَإِنَّ مِمَّا يُذْكَرُ فَيُشْهَرُ , وَيُظْهَرُ فَيُشْكَرُ : مَا تَقَومُ بِهِ دَوْلَتُنَا - أَيَّدَهَا اللهِ - مِنْ خِدْمَةٍ لِبَيْتِ اللهِ وَلِلطَّائِفِينِ وَالزَّائِرِينَ لِحَرَمِ اللهِ !
لَقَدْ قَامَتِ الدَّوْلَةُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْخَدَمَاتِ في مُخْتَلِفِ الْمَجَالاتِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الأُمُورِ الْخَدَمِيَّةِ التِي ازْدَانَتْ بِهَا الْمَشَاعِرُ , أَوْ فِي التَّوْسِعَةِ الْعَظِيمَةِ التِي خُدِمَتْ بِهَا مَنْطِقَةُ الْجَمَرَاتِ , أَوِ الْقِطَارَاتِ الْمُتَتَابِعَةِ التِي فَكَّتْ كَثِيرَاً مِنَ الازْدِحَامَاتِ , وَأَرَاحَتْ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ مِنْ عَنَاءِ الْمَشْيِ وَالتَّنَقُّلات , إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الخَدَمَات !
وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ مَا تَقُومُ بِهِ الدَّوْلَةُ , مُمَثَّلَةً فِي وَزَارَةِ الشُّؤُونِ الإِسْلامِيِّةِ وَالأَوْقَافِ وَالدَّعْوَةِ وَالإِرْشَادِ , حَيْثُ حَشَدَتْ كَوْكَبَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَوْ مِنْ طُلَّا



بِ الْعِلْمِ وَالْمَشايِخِ وَانْتَدَبَتْهُمْ لِلتَّفَرُّغِ التَّامِ لِقُرَابَةِ شَهْرٍ أَوْ يَزِيدُ مِنْ أَجْلِ التَّوْعِيَةِ وَالإِرْشَادِ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ , وَقَدْ وَفَرَتْ لَهُمُ مَا يُعِينُهُمْ عَلَى مُهِمَّتِهِمْ مِنَ الْمَرَاكِزِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي مَكَّةَ وَمَشْعَرِ مِنَى وَعَرَفَات , وَزَوَّدَتْهُم بِالْكُتِبِ وَالأَشْرَطَةِ بَلُغَاتٍ مُخْتَلِفِةٍ وَمَا يَسُمَّى بِالسِّي دِي هَاتَ أو الأَقْرَاصِ الْمُدْمَجَةِ , بَلْ وَجَلَبَتِ الْمُتَرجِمِينَ الْمَوْثُوقِينَ بِاللَّغُاتِ الْحَيَّةِ مِنْ أَجْلِ سُهُولَةِ إِيصَالِ الْعِلْمِ إِلَى غَيْرِ النَّاطِقِينَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ! وَقَدْ حَصَلَ بِحَمْدِ اللهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَصَلاحٌ كَبِيرٌ , وَاسْتَفَادَ جُمُوعُ الْحَجِيجِ , وَرَجَعُوا إِلَى بِلادِهِمْ حَامِلِينَ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ , وَالْعَقِيدَةَ السَّلِيمَةَ , وَانْقَمَعَ كَثِيرٌ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ التِي انْتَشَرَتْ عِنْدَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ الأَعْمَى ! فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ وَتَفَضَّلَ وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ وَأَنْ يُوَفِّقَ وَلاةَ أَمْرِنَا لِخِدْمَةِ دِينِهِ وَإِصْلاحِ عِبَادِهِ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه !

اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا , وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا , وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلِ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اَللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا , وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا !
الله آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمورِنَا , اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وعبادَكَ الصالحينَ , اللَّهُمَّ إنِّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ , اللَّهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ , اللَّهُمَّ ارْفَعْ عنَّا الغَلَا والوَبَا , وجَنِّبْنَا الرِّبَا والزِّنَا والزَّلَازِلَ والفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَن .
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَارًا , فَأَرْسِلِ السماءَ عَلينا مِدْرَارا , اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغيثَ ، ولا تجعلْنَا مِنَ القَانطِيِن اللَّهُمَّ سُقْيَا رحمةٍ لَا سُقْيَا عذابٍ ، ولا بَلاءٍ ، ولا هَدْمٍ ولا غَرَق , اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْع ، وأَدِرَّ لَنَا الضَّرْع واسْقِنَا مِنْ بركاتِ السماءِ ، وأَخْرِجْ لَنَا مِنْ بَرِكاتِ الأَرْض .
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أَجْمَعينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .
المرفقات

خُطْبَةُ مَا بَعْدِ الْحَجِّ لعام 1433هـ.doc

خُطْبَةُ مَا بَعْدِ الْحَجِّ لعام 1433هـ.doc

المشاهدات 3468 | التعليقات 2

جزاكما الله كل خير ونفع بكما


جزاك الله خير على هذا الطرح الرائع





:):):):):):):):):):):):):):)