خطبة : ( ماذا سيخسر الناس بموتي ؟ )

عبدالله البصري
1432/03/15 - 2011/02/18 03:46AM
ماذا سيخسر الناس بموتي ؟ 15 / 3 / 1432



الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَضَى اللهُ أَن يَكُونَ لِكُلِّ بِدَايَةٍ نِهَايَةٌ ، وَأَن يَعقُبَ الحَيَاةَ مَوتٌ وَفَنَاءٌ ، وَأَن يَكُونَ بَعدَ القَرَارِ مُضِيٌّ وَرَحِيلٌ ، وَإِذَا كَانَت حَقَائِقُ الأَشخَاصِ وَمَكَانَتُهُم في مُجتَمَعَاتِهِم إِنَّمَا تَتَّضِحُ في الغَالِبِ بَعدَ رَحِيلِهِم ، فَإِنَّ ثَمَّةَ سُؤَالاً يَحسُنُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وَقَد عَاشَ في هَذِهِ الدُّنيَا مَا عَاشَ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ أَن يَسأَلَهُ نَفسَهُ ، لِيَتَبَيَّنَ بِهِ أَثرَهُ فِيمَن حَولَهُ ، قَبلَ أَن يَأتِيَهُ رَسُولُ رَبِّهِ يَومًا مَا ، فَيُوَافِيَ بما عَمِلَ ، وَيُرتَهَنَ في قَبرِهِ بما قَدَّمَ ، ثُمَّ يَكُونَ بَعدَ ذَلِكَ فَوزُهُ بِدَارِ النَّعِيمِ إِنْ هُوَ أَبلَى وَأَحسَنَ ، أَو خَسَارَتُهُ في الجَحِيمِ إِنْ أَسَاءَ وَقَصَّرَ . ذَلِكُمُ السُّؤَالُ هُوَ : مَاذَا سَيَخسَرُ النَّاسُ بِمَوتي ؟!
نَعَم ، مَاذَا سَيَخسَرُ النَّاسُ بِمَوتي ؟!
إِنَّهُ سُؤَالٌ قَد يَتَرَاءَى لِسَامِعِهِ أَنَّهُ عَرِيضٌ وَكَبِيرٌ ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ يَتَسَاءَلُ : وَمَاذَا يُمكِنُ لِفَردٍ لا يُمَثِّلُ في هَذَا الكَونِ الضَّخمِ سِوَى ذَرَّةٍ أَو هَبَاءَةٍ أَن يَفعَلَ ؟!
وَهَل يُتَصَوَّرُ أَن يَخسَرَ النَّاسُ بِمَوتِ فَردٍ وَاحِدٍ شَيئًا ؟!
هَكَذَا يُفَكِّرُ الكَثِيرُونَ ، وَهَكَذَا يَقتُلُونَ أَنفُسَهُم وَهُم أَحيَاءٌ ، غَيرَ أَنَّ مَن أَنعَمَ النَّظَرَ فِيمَا حَولَهُ وَأَطَالَ التَّأَمُّلَ ، عَلِمَ أَنَّهُ لا بُدَّ أَن يَكُونَ لَهُ أَثَرٌ في هَذَا العَالَمِ يَقِلُّ أَو يَكثُرُ ، وَأَنَّ هَذِهِ الحَرَكَةَ الدَّائِبَةَ في الكَونِ وَالصَّخَبَ المُرتَفِعَ في الحَيَاةِ ، مَا هُوَ إِلاَّ تَجَمُّعُ هَذِهِ النُّقَطِ مِنَ النَّاسِ نُقطَةً مَعَ الأُخرَى ، حَتَّى صَارَ مِنهَا ذَلِكُمُ الغَيثُ الهَادِرُ وَالسَّيلُ الجَرَّارُ . وَلَو أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ احتَقَرَ نَفسَهُ وَطامَنَ مِن ذَاتِهِ ، وَاستَصغَرَ شَأنَهُ وَلم يَتَصَوَّرْ أَنَّ لَهُ ذَاكَ التَّأثِيرَ في الكَونِ ، لَتَوَقَّفَتِ الحَيَاةُ حِينَئِذٍ وَتَعَطَّلَتِ المَصَالِحُ ، وَلأَصبَحَتِ البُيُوتُ قُبُورًا لا حَيَاةَ فِيهَا ، وَلَصَارَ النَّاسُ جَمَادَاتٍ لا تَضُرُّ وَلا تَنفَعُ . وإِنَّنَا ـ نَحنُ المُسلِمِينَ ـ خَيرُ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ ، أَخرَجَنَا اللهُ ـ تَعَالى ـ لِتَقوِيمِ العِوَجِ وَإِصلاحِ الفَسَادِ ، وَبَعَثَنَا المَولى ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ لِهِدَايَةِ العِبَادِ ، وَأَرسَلَنَا لِتَخلِيصِهِم مِن رِقِّ العِبَادِ إِلى عِبَادَةِ رَبِّ العِبَادِ ، وَنَقلِهِم مِن جَورِ الأَديَانِ إِلى عَدلِ الإِسلامِ ، وَإِخرَاجِهِم مِن ضِيقِ الدُّنيَا وَظُلُمَاتِ الجَهلِ إِلى سَعَةِ الآخِرَةِ وَنُورِ العِلمِ والدِّينِ " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ " وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مَن عَاشَ هَذِهِ الخَيرِيَّةَ وَأَرَادَ أَن يَحيَا عَظِيمًا وَيَمُوتَ كَرِيمًا ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ أَن يَسأَلَ نَفسَهُ : مَاذَا سَيَخسَرُ النَّاسُ بِمَوتي ؟ ؟! هَل سَيَخسَرُونَ عَالِمًا يَنشُرُ العِلمَ وَيَبُثُّ المَعرِفَةَ وَيُفَقِّهُ النَّاسَ في الدِّينِ ؟
هَل سَيَخسَرُونَ دَاعِيَةً حَكِيمًا وَوَاعِظًا مُؤَثِّرًا وَنَاصِحًا مُخلِصًا ؟
هَل سَيَخسَرُونَ جَوَادًا مُنفِقًا مَالَهُ في طُرُقِ الإِصلاحِ وَدَعمِ مَشرُوعَاتِ الخَيرِ وَأَعمَالِ البِرِّ ؟
هَل سَيَخسَرُونَ مُؤْثِرًا عَلَى نَفسِهِ بَاذِلاً وَقتَهُ وَجُهدَهُ في نَفعِ الأُمَّةِ وَقَضَاءِ الحَاجَاتِ وَتَفرِيجِ الكُرُبَاتِ ؟
هَل سَيَخسَرُونَ إِمَامًا لِلمُتَّقِينَ آمِرًا بِالمَعرُوفِ نَاهِيًا عَنِ المُنكَرِ حَافِظًا لِحُدُودِ اللهِ ؟
هَل سَيَخسَرُونَ قَوَّامًا لِلَّيلِ صَوَّامًا لِلنَّهَارِ يَحفَظُ اللهُ بِبَرَكَتِهِ بَيتَهُ وَمَن حَولَهُ ؟!
اللهُ أَعلَمُ مَاذَا سَيَخسَرُ النَّاسُ بِمَوتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وَ" قَد عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشرَبَهُم "
" وَلِكُلٍّ وِجهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا "
غَيرَ أَنَّ مِنَ المُؤَكَّدِ وَلِشَدِيدِ الأَسَفِ أَنَّ في المُجتَمَعِ أَقوَامًا لَن يَخسَرَ النَّاسُ بِمَوتِهِم شَيئًا ، وَلَن يُقِيمُوا لِرَحِيلِهِم وَزنًا ، لَن تَذَرِفَ لِفَقدِهِم عُيُونٌ ، وَلَن تُسكَبَ عَلَى وَدَاعِهِم عَبَرَاتٌ ، وَلَن تَجِفَ لَنَبَأِ وَفَاتِهِم قُلُوبٌ وَلَن تَتَحَرَّكَ بِهِ أَفئِدَةٌ ، وَلَن يَحزَنَ النَّاسُ بَعدَ دَفنِهِم لأَنَّهُم لَن يَرَوهُم عَلَى وَجهِ الأَرضِ مَرَّةً أُخرَى ؛ لأَنَّ حَيَاتَهُم وَمَوتَهُم سَوَاءٌ ، بَل إِنَّ ثَمَّةَ أُنَاسًا سَيَكسَبُ الآخَرُونَ بِمَوتِهِم بَعضَ المَكَاسِبِ ، وَمَن ثَمَّ فَسَيَفرَحُونَ بِمَوتِهِم بَاطِنًا وَإِن لم يُعلِنُوا ذَلِكَ ظَاهِرًا ، إِذْ سَيَفقِدُونَ مُفسِدِينَ في الأَرضِ ، يُؤتُونَ مِن أَنفُسِهِم الفِتنَةَ مَتى مَا سُئِلُوهَا ، إِن وَجَدُوا مُغتَابًا شَارَكُوهُ ، أَو نَمَّامًا أَيَّدُوهُ ، أَو حَاسِدًا أَوقَدُوهُ ، أَو صَاحِبَ شَرٍّ دَعَمُوهُ وسَانَدُوهُ ، يُؤذُونَ الجِيرَانَ ، وَلا يَصِلُونَ الأَرحَامَ ، وَيَغُشُّونَ النَّاسَ وَلا يُوفُونَ المَكَايِيِلَ ، هُم مَعَ زَوجَاتِهِم غَلِيظُونَ جَبَّارُونَ ، وَعَلَى النَّاسِ مُتَفَيهِقُونَ مُتَكَبِّرُونَ ، وَلِلأَموَالِ جَمَّاعُونَ وَللخَيرِ مَنَّاعُونَ ، إِنْ تَوَلىَّ أَحَدُهُم سَعَى في الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَت لِلنَّاسِ عِندَهُ حَاجَةٌ أَو مُعَامَلَةٌ شَقَّ عَلَيهِم ، وَإِن كَانَ عَلَى مَالٍ عَامٍّ لم يَألُ مَا نَهَبَ مِنهُ وَحَازَهُ لِنَفسِهِ ، فَسُبحَانَ مَن جَعَلَ بَينَ النَّاسِ كَمَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ !! أَقوَامٌ طَهُرَت قُلُوبُهُم فَسَمَت هِمَمُهُم ، وَزَكَت نُفُوسُهُم فَصَلَحَت أَعمَالُهُم ، فَهُم كَالنَّحلِ لا يَأكُلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَلا يُخرِجُ إِلاَّ طَيِّبًا ، وَآخَرُونَ أَظلَمَت قُلُوبُهُم فَسَفُلَت إِرَادَاتُهُم ، وَخَبُثَت نُفُوسُهُم فَانحَطَّت أَعمَالُهُم ، فَهُم كَالَذُّبَابِ لا يَحُومُ إِلاَّ عَلَى المَزَابِلِ وَلا يَقَعُ إِلاَّ عَلَى الجُرُوحِ . وَإِذَا أَرَدتَ أَن تَرَى الفَرقَ بَينَ هَؤُلاءِ وَأُولَئِكَ ، فَإِنَّكَ لَن تَحتَاجَ إِلى كَبِيرِ تَأَمُّلٍ ، بَلِ انظُرْ إِلى مَن حَولَكَ مُنذُ أَن يُصبِحُوا إِلى أَن يُمسُوا ، فِيمَ يَقضُونَ أَوقَاتَهُم ؟ وَبِمَ يَشتَغِلُونَ ؟ وَفِيمَ يَكُونُ ذَهَابُهُم وَمِجِيئُهُم ؟ مَاذَا يَقرَؤُونَ وَإِلى أَيِّ شَيءٍ يَنظُرُونَ ؟ وَفِيمَ يُفَكِّرُونَ وَإِلامَ يَهدِفُونَ ؟ وَعَلامَ يَجتَمِعُونَ وَعَمَّ يَتَفَرَّقُونَ ؟ إِنَّكَ إِن نَظَرتَ بِعَينِ البَصِيرَةِ وَقَلَّبتَ النَّظَرَ ، وَجَدتَ فَرقًا بَينَ الثَّرَى وَالثُّرَيَّا ، بَينَ قَومٍ هَمُّهُم اللهُ وَالدَّارُ الآخِرَةُ ، وَآخَرِينَ هَمُّهُمُ الدُّنيَا الدَّنِيَّةُ وَالمُتَعُ الرَّخِيصَةُ ، الأَوَّلُونَ مُنتَهَى غَايَتُهُم الجَنَّةُ ، وأَسمَى مَطَالِبُهُم مُجَاوَرَةُ الحَبِيبِ في الفِردَوسِ الأَعلَى ، مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَالآخَرُونَ هَمُّهُمُ الدُّنيَا وَتَقَلُّدُ مَنَاصِبِهَا وَنَيلُ زِينَتِهَا وَزَخَارِفِهَا ، وَمِن ثَمَّ فَتَرَى السَّابِقِينَ يَجتَمِعُونَ في مَجَالِسِ ذِكرٍ وَتِلاوَةِ قُرآنٍ أَو تَعَلُّمِ عِلمٍ ، وَالآخَرُونَ عَلَى غَيرِ ذَلِكَ ، في مَجَالِس لَغوٍ لا يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ إِلاَّ قَلِيلاً ، وَاجتِمَاعَاتِ فَخرٍ وَمُفَاخَرَةٍ وَمُكَاثَرَةٍ ، وَعَلَى مِثلِ هَذَا فَقِسِ النَّاسَ في سَائِرِ أُمُورِهِم ، فَثَمَّةَ مَن يَسعَى لإِصلاحِ مُجتَمَعِهِ في دِينِهِ وَدُنيَاهِ ، وَهُنَاكَ مَن هُوَ مِعوَلُ هَدمٍ وَخَرَابٍ ، وَفي النَّاسِ مَن يَجمَعُ المَالَ مِن حَلالٍ وَيُنفِقُهُ فِيمَا يُرضِيَ اللهَ ، وَهُنَاكَ مَن يَجمَعُهُ مِن حَرَامٍ وَيُنفِقُهُ في سَبِيلِ الشَّيطَانِ ، وَفِيهِم مَن هُوَ شَاكِرٌ ذَاكِرٌ صَابِرٌ ، وَفِيهِم مَن هُوَ طَعَّانٌ لَعَّانٌ فَاحِشٌ بَذِيءٌ ، وَتَرَى مَن يُحَافِظُ عَلَى صَلَوَاتِهِ وَيَتَزَوَّدُ مِنَ النَّوَافِلِ ، وَمَن لا يَأتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُم كُسَالى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُم كَارِهُونَ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " أَم حَسِبَ الَّذِينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحيَاهُم وَمَمَاتُهُم سَاءَ مَا يَحكُمُونَ . وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ بِالحَقِّ وَلِتُجزَى كُلُّ نَفسٍ بما كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ "



الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تعالى ـ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوَا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "

أَيُّهَا المُسلِمُ الكَرِيمُ ، أَن يَخسَرَ النَّاسُ بِمَوتِكَ كَثِيرًا ، أَو يَأسَفُون عَلَى رَحِيلِكَ طَوَيلاً ، فَلَيسَ مَعنى ذَلِكَ أَن تَكُونَ رَئِيسَ دَولَةٍ أَو وَزَيرًا أَو كَبِيرًا ، أَو صَاحِبَ جَاهٍ عَرِيضٍ في قَومِكَ أَو مَكَانَةٍ عَالِيَةٍ في وَطَنِكَ ، أَو ذَا مَنصِبٍ مَرمُوقٍ بَينَ أَقرَانِكَ وَأَخدَانِكَ ، أَو مَالِكًا لأَموَالٍ طَائِلَةٍ مُستَولِيًا عَلَى ثَرَوَاتٍ وَاسِعَةٍ ، فَكَم مِن غَنِيٍّ لم يَذُقْ أَهلُهُ وَأَبنَاؤُهُ لِلحَيَاةِ طَعمًا إِلاَّ بِمَوتِهِ وَتَصَرُّفِهِم فِيمَا وَرَاءَهُ !
وَكَم مِن دَائِرَةٍ أَو مُؤَسَّسَةٍ لم تَنجَحْ إِلاَّ بِفِرَاقِ مُدِيرِهَا !
بَلْ وَكَم مِن شَعبٍ لم يَتَحَرَّرْ وَيَعِيشَ عِيشَةَ الكَرَامَةِ إِلاَّ بِرَحِيلِ رَئِيسِهِ ، وَهَا نَحنُ نَرَى هَذِهِ الأَيَّامَ بَعضَ شُعُوبِ عَالَمِنَا العَرَبيِّ تَحتَفِلُ عَلَى فِرَاقِ رُؤَسَائِهَا وَحَلِّ حُكُومَاتِهَا ، وَتُعلِنُ الفَرحَ بِرَحِيلِهِم في مَيَادِينِهَا وَشَوَارِعِهَا ، وَتَحظُرُ عَلَى وُزَرَاءَ وَمَسؤُولِينَ سَابِقِينَ السَّفَرَ وَتُجَمِّدُ أَرصِدَتَهُم ، في حِينِ نَرَى تِلكَ الشُّعُوبَ تَبكِي وَهيَ تُشَيِّعُ عَالِمًا رَبَّانِيًا ، وَتَتَفَطَّرُ قُلُوبُهَا حُزنًا وَهِيَ تُوَدِّعُ دَاعِيَةً مُجَاهِدًا ، وَتَتَبَادَلُ التَّعَازِيَ وَهِيَ تُفَارِقُ مُحسِنًا بَرًّا رَحِيمًا ، إِنَّهَا مَحَبَّةُ اللهِ لِلعَبدِ الطَّائِعِ البَارِّ المُحسِنِ في السَّمَاءِ ، تَنَزِلُ في قُلُوبِ العِبَادِ في الأَرضِ ، فَيَكُونُ لَهُ مِنَ القَبُولِ مَا يُغبَطُ عَلَيهِ ، وَمِثلُهَا بُغضُهُ ـ تَعَالى ـ لِلعَاصِي وَالظَّالِمِ الطَّاغِي ، تَتَنَادَى بها مَلائِكَةُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ تُملأُ بها قُلُوبُ الخَلقِ ، فَيُبغِضُهُ كُلُّ شَيءٍ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ . قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي في السَّمَاءِ فَيَقُولُ : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرضِ . وَإِذَا أَبغَضَ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَيَقُولُ : إِنِّي أُبغِضُ فُلانًا فَأَبغِضْهُ . فَيُبغِضُهُ جِبرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي في أَهلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُبغِضُ فُلانًا فَأَبغِضُوهُ . قَالَ : فَيُبغِضُونَهُ . ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ البَغضَاءُ في الأَرضِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ عَن فِرعَونَ وَقَومِهِ : " فَمَا بَكَت عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ " فَاحرِصُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى نَفعِ إِخوَانِكُمُ المُسلِمِينَ وَالإِحسَانِ إِلَيهِم بما تَستَطِيعُونَهُ مِن مَالٍ أَو عِلمٍ أَو دَعوَةٍ للخَيرِ ، فَإِنَّهُ مَا استُمِيلَتِ القُلُوبُ بِمِثلِ الإِحسَانِ .
أَحسِنْ إِلى النَّاسِ تَستَعبِدْ قُلُوبَهُمُ *** فَطَالَمَا استَعبَدَ الإِنسَانَ إِحسَانُ
فَمَن لم يَستَطِعْ فَلْيَتَحَلَّ بِالخُلُقِ الحَسَنِ وَلْيَلِنْ في مُعَامَلَتِهِ وَلتَطِبْ كَلِمَتُهُ ، فَمَن لم يَستَطِعْ فَلْيَكُفَّ شَرَّهُ ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ .


اللَّهُمَّ زَيِّنَا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجعَلْنَا هُدَاةً مُهتَدِينَ ، اللَّهُمَّ وَاجعَلْ لَنَا لِسَانَ صِدقٍ في الآخِرِينَ ، وَلا تُخزِنَا يَومَ يُبعَثُونَ يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ .
المشاهدات 5524 | التعليقات 7

( أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت:
من مات مرابطاً في سبيل الله،
ومن علّم علماً أجري له عمله ما عمل به،
ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت،
ورجل ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له )
[ صحيح الجامع ] .


عن أنس بن مالك رضي الله عنه

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:


( سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته:

من عَلّم علماً،
أو أجرى نهراً،
أو حفر بئراً،
أو غرس نخلاً،
أو بنى مسجداً،
أو ورّث مصحفاً،
أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته ) حسنه الألباني

مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

جزاك الله خيرا وبارك فيك ونفع بعلمك الاسلام والمسلمين


جزيت خيراً على ما دبجه يراعك ...


سلمت ووفّقت وسدّدت


بارك الله لك في علمك وعملك


أحسن الله إليك كما أحسنت إلى كثيرٍ من خلقه

ورزقنا وإياك الإخلاص وحُسن المتابعة


ماشاء الله تبارك الله

ماهذا الإبداع وفقك الله


سجلي إعجابي


جزاكم الله خيرًا ـ إخوتي الكرام ـ وشكر المولى لكم مروركم وثناءكم العاطر ، وتقبل دعاءكم الخالص ، وجعلنا جميعًا من المتعاونين على البر والتقوى ، ورزقنا الإخلاص والمتابعة ، وتجاوز عن زللنا وتقصيرنا ، وستر عن الناس عيوبنا .