خطبة مَاذَا بَعْدَ رَمَضَان.! للشيخ علي بن دغيم المقاطي
بندر المقاطي
1435/10/04 - 2014/07/31 15:35PM
مَاذَا بَعْدَ رَمَضَان.!
5/10/1435هـ
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
أَمَّا بَعْدُ:
فيا عباد الله أوصيكم ونفسي أولاً بتقوى الله عز وجل وطاعته )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (.
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(.
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(.
أيها المسلمون:
فهذا هو شهر رمضان قد رحل في أيام مرت مر السحاب، بالأمس القريب كنا نتلقى التهاني بقدومه، واليوم نتلقى التهاني بعيد الفطر المبارك، ترقبناه بكل فرح وخشوع، وودعناه بالأسى والدموع وتلك سنة الله في خلقه )وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً(.
مضى هذا الشهر المبارك فسلام الله عليه، سلام الله على شهر الصيام والقيام، سلام الله على شهر القرآن والغفران، كان مضمارًا يتنافس فيه المتنافسون، فكم من أكف ضارعة رفعت ودموع ساخنة ذرفت وعبرات حرّى قد سكبت، وحق لها ذلك في موسم المتاجرة مع الله سبحانه. لقد ظل المسلمون شهراً كاملاً ينالون من نفحات ربهم ما بين ساجد وقائم وراكع لله، وتالٍ لآيات الله، وخاشعٍ لجبروت الله، وسرعان ما انقضت الأيام وكأنها أوراق الخريف عصفت بها الريح على أمر قد قدر وإلى الله المصير.
ثم ماذا بعد رمضان؟ أين أثر رمضان في النفوس؟ هل أثرت التقوى المنشودة في رمضان على أعمالنا وأخلاقنا وسلوكنا؟ أم أننا ودعنا الأعمال الصالحة بوداع رمضان؟! واغتررنا بأعمالنا الصالحة التي أديناها في ذاك الشهر العظيم؟!
إنه ليس من صفات المسلمين أن يتركوا طاعة الجبار مع غروب شمس رمضان بل المؤمنون الصادقون بعد رمضان على حالين: حال الوجل والخوف والشفقة من أن تدفع أعمالهم الصالحة فلا تقبل، فهم يرجون الله ويدعونه ويسألونه أن يتقبل منهم أعمالهم كما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تسأل عن قوله تعالى: )وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ( يا رسول الله: هل هم الذين يزنون ويشربون الخمر ويسرقون؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم) [ أخرجه أحمد والترمذي]...
الله أكبر.. ما أعظم حال المؤمنين!! يؤدون الطاعة تلو الطاعة ويخافون عدم القبول! ولهذا نقل أن بعض السلف كانوا يدعون الله بعد رمضان ستة أشهر أن يتقبله الله منهم، قال علي رضي الله عنه (كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل ألم تسمعوا قوله تعالى: )إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ( وقال فضالة بن عبيد: ( لو أني أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها).
وأما الحال الثانية للمؤمنين الصادقين بعد رمضان: فهي الاستمرار في الطاعة والمداومة على الخيرات وتلاوة القرآن، إنهم لم يكونوا يعبدون رمضان، بل كانوا يعبدون رب رمضان، ورب رمضان هو رب الشهور كلها، فليت شعري ما بالنا نكون في رمضان أوابين خاشعين ساجدين راكعين تالين للقرآن ثم بعد رمضان نعود إلى المعصية ونهدم كل بناء جميل بنيناه في رمضان )وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً (.
لقد كان الواحد منا يقرأ القرآن، عدة مرات، ختمة تلو ختمة في رمضان، أفلم نكن نتدبر آيات القرآن ونحن نقرأها )أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(.
ألم نقرأ قول الله تعالى: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(؟!
ألم نتدبر قول الله تعالى )قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.
ألم نستمع في دروس المساجد لوصف السيدة عائشة رضي الله عنها عبادة النبي صلى االله عليه وسلم حيث قالت: ( كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه )؟ أخرجه البخاري.
ألم ننصت لقول زاهد البصرة الحسن البصري رحمه الله وهو يقول (لا يكون لعمل المؤمن أجل دون الموت)؟ وقرأ قوله تعالى )وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ( ولما سئل بشر الحافي عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون فيه فإذا انسلخ رمضان تركوا، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان0 لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو من أن يترك قيام الليل بعد أن اعتاده فقال له: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل) فإذا كان هذا في قيام الليل وهو من السنن والفضائل فما بالك بمن يهجر الصلاة بعد رمضان؟! أو يهجر المساجد والجماعة؟! فما بالك بمن ينهمك في المعاصي والكبائر والقبائح وينسى طاعة الله بعد رمضان؟!
أيها المؤمنون:
إن من علامة قبول الحسنة، الحسنة بعدها. ومن علامة قبول الله للعبد في رمضان أن يستمر في طاعته دائم التوبة لله، دائم الاستغفار والذكر، دائم التلاوة لكتاب الله عز وجل، دائم الحضور في المساجد، دائم المحبة للمسلمين.. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قد قال: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة)
فما بالنا ونحن أهل التفريط والتقصير.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون(.
بارك الله لي ولكم بالقرآن وبسنة النبي الكريم، ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فيقول الملك الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(.
إنه على أرباب الأسر وأولياء الأمور كما كانوا في رمضان حريصين على أسرهم وأبنائهم في الصيام والعبادة والبعد عن الذنوب والخطايا أن يتقوا الله عز وجل في مسئولياتهم بعد رمضان كذلك، ويحافظوا على أماناتهم بمتابعتهم وتربيتهم والعناية بهم، وأن يجعلوا من شهر الخيرات الفائت نقطة انطلاق وتصحيح لتربية الأبناء وتوجيههم الوجهة الصالحة وليستمروا على حثهم على حفظ القرآن الكريم وتلاوته وتدبره.
ونداء ملؤه المودة والإشفاق إلى الذين عزموا على العودة إلى المعاصي بعد رمضان أن يتقوا الله عز وجل فالعمر قصير والآجال محدودة فكفى مخادعة للنفس وانزلاقاً في طرق الغي والضلال وعبثاً بشعائر الإسلام، وإلى متى الاسترسال في الغفلة؟ فنعلنها توبة صادقة نصوحا لا رجعة فيها أبداً إلى الذنوب والمعاصي فهذا إن شاء الله من علامة القبول.
أحبتي في الله:
قال نبينا صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر كله )، وسئل الشيخ بن باز رحمه الله: هل يجوز صيام ستة من شوال قبل صيام ما علينا من قضاء رمضان؟
فأجاب رحمه الله: أن العلماء اختلفوا في ذلك والصواب أن المشروع تقديم القضاء على صوم الست وغيرها من صيام النفل لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان ثم اتبعه ستآ من شوال كان كصيام الدهر ) أخرجه مسلم في صحيحه، ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان وإنما أتبعها بعض رمضان ولأن القضاء فرض وصيام الست تطوع والفرض أولى بالاهتمام والعناية وبالله التوفيق، انتهى كلامه رحمه الله.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ولا فرق بين أن يصوم الإنسان هذه الأيام الستة بعد العيد مباشرة أو يؤخرها بعد ذلك ولا فرق أن يصومها تباعها أو يفرقها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ذلك ولم يقيده انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
عباد الله:
ومما يسر الخاطر نجد من المؤمنين من يسارع في الخيرات ويسابق في الأعمال الصالحة ويبدأ بصيام الست من بعد أيام العيد فهنيئآ له المسابقة، قال تعالى: )والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم (.
عباد الله:
هذا وصلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبدالله اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن باقي العشرة المبشرين بالجنة وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين من الكفرة واليهود والملحدين اللهم انصر المجاهدين المسلمين في كل مكان يا حي يا قيوم اللهم انصر من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا اللهم انصرهم نصرآ مؤزرآ يارب السماوات والأراضين. اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في بورما وانصرهم في سوريا وغزة، اللهم وعجل بفرجهم وعجل بنصرهم اللهم ارحم ضعفهم واجبر كسرهم وتقبل شهداءهم واشف جرحاهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم ياحي ياقيوم اللهم عليك بطاغية الشام فإنه قد عاث في الأرض فسادآ اللهم عليك به وأعوانه وجنوده فإنهم لا يعجزونك اللهم اخذهم اخذ عزيز مقتدر اللهم أهلكهم بأيديهم واقذف الرعب في قلوبهم وخالف بين كلمتهم وقتلهم شر قتله واشف صدور قوم مؤمنين اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا اللهم اجعل دباباتهم في نحورهم وطائراتهم فوق رؤسهم ياقوي ياقهار.
اللهم احفظ إمامنا وولي عهده بحفظك، واكلأهما برعايتك، ووفقهما لما تحب وترضى، واخذ بناصيتهما للبر والتقوى وارزقهما البطانة الناصحة الصالحة التي تعينهما على الخير وتدلهما عليه ياحي يا قيوم.
واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وحكامنا وعلماءنا وأمننا بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرآ عليه ياسميع الدعاء اللهم تقبل منا رمضان واجعله شاهدا لنا لا علينا.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم اهد شباب المسلمين وردهم إليك ردا جميلا واهد اللهم فتياتهم ونساءهم وشيبهم برحمتك ياأرحم الراحمين اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم واجعلها روضة من رياض الجنة ولاتجعلها حفرة من حفر النيران اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين اللهم اغفر لنا ولوالدينااللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون.
المرفقات
خطبة مَاذَا بَعْدَ رَمَضَان.! للشيخ علي بن دغيم المقاطي.doc
خطبة مَاذَا بَعْدَ رَمَضَان.! للشيخ علي بن دغيم المقاطي.doc