خطبة مؤثرة بعنوان (نصائح لاغتنام شهر المرابح) للشخ صلاح البدير
عبدالرحمن اللهيبي
1433/09/01 - 2012/07/20 08:20AM
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أفضل زاد، وأحسن عاقبةً في معاد، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
واعلموا أن الدنيا حلوةٌ خضرة، جميلة نضرة، نعيمٌ إلا أنه عديم، ومحمود إلا أنه مفقود، المستقِرُّ فيها يزول، والمقيم عنها منقول، وكلُّ عبد فيها مسؤول، من تعلّق بهذه الدنيا انشغل بشغل لا يفرغ عَنَاه، وأملٍ لا يبلغ منتهاه، وحرصٍ لا يُدرك مداه، أيامُها تسير في خبَب، وشهورها تتتابع في عجب، وزمانها انحدر من صبَب، الدنيا كلُّها قليل، وما بقي منها وربي إلا القليل، والناس يتقلبون فيها بين مؤمن وكافر، وتقي وفاجر، وناجٍ وخاسر، وسالم وعاثر، فطوبى لمن حفظ نفسه وأولاده، ونساءه وقِعاده، من موجبات السخط والذم، ووسائل الشر والهدم، وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرٰطٍ مّسْتَقِيمٍ
أيها المسلمون، أتاكم شهرُ المرابحِ بظلاله ونواله ، وجماله وجلاله، وبهائه وعطائه , زائرٌ زاهر، وشهر عاطر، فضله ظاهر، بالخيرات زاخر، لا تُعدَّ نفحاتُه، ولا تحصى خيراته، ولا تستقصى بركاته، نشر فينا الهدى والخير ، فلا ترى في المساجد إلا عابداً يركع، وقارئا يرتّل ويخشع، يرقُّ قلبه ويدمع، بآيات تجلو الصدى، وتُذهب الظما، وتزيل العشى، فاحمدوا الله أن بلَّغكم، واشكروه على أن أخَّركم إلى رمضان ومكَّنكم، فكم من طامع بلوغَ هذا الشهر فما بلغه، كم مؤمِّل إدراكَه فما أدركه، فاجأه الموت فأهلكه.
أيها المسلمون، بلغناه وكم حبيب لنا فقدناه، أدركناه وكم قريب لنا أضجعناه، صُمناه وكم عزيز علينا دفناه. إخواني، رحيلُ من رحل عنا نذيرٌ لنا ، وهذا الموت منا قد دنا، والرحيل قرُب ولا زاد عندنا، فالعمل العمل قبل أن لا توبةً تُنال، ولا عثرة تُقال، ولا يُفدى أحد بمال، فأقبلوا على ربكم، وأروا الله خيراً من أنفسكم، فبالجد فاز من فاز، وبالعزم جاز من جاز، واعلموا أن من دام كسله خاب أمله، وتحقَّق فشله، تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره. أخرجه مسلم
أيها المسلمون، هذا شهر القبول والسعود، هذا شهر العتق والجود، هذا إبَّانُ الترقي والصعود، فيا خسارة أهل الغفلة والرقود ويا ندامة أهل الإعراض والصدود، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي يرويه عن ربه عز وجل قال: ((إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني مشياً أتيته هرولة)) أخرجه البخاري.
يا عبد الله، هذا أوان الجد إن كنت مجداً، هذا زمان التعبّد إن كنت مستعداً، هذا نسيم القبول هبّ، هذا سيل الخير صبّ، هذا الشيطان صفد وكبّ، هذا باب الخير مفتوحٌ لمن أحب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا كانت أول ليلة من رمضان صفّدت الشياطينُ ومردةُ الجن، وغلِّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة)).
فيا عباد الله : هذا زمان التوبة والإياب، هذا شهر الإقبال على الكريم الوهاب، فأسرعوا اليوم بالمتاب، فقد قرب الاغتراب، في دار الأجداث والتراب.
يا من ألف الذنوب وأجرمَا، يا من غدا على زلاته متندمَا، تُب فدونَك المنى والمغنمَا، والله يحب أن يجود ويرحمَا، وينيل التائبين فضلَه تكرماً، فطوبى لمن غسل في هذا الشهر أدران ذنوبه بتوبة، ورجع عن خطاياه قبل فوْت الأوبة , قل لي بربك من للم يتب في هذا الشهر متى يتوب ومن لم يربح في هذا شهر المرابح ففي أي وقت يربح
يا أسير المعاصي، يا سجين المخازي، هذا شهر يُفَكّ فيه العاني، ويعتق فيه الجاني، ويُتجاوَز فيه عن العاصي، فبادر الفرصة، وحاذر الفوتة، ولا تكن ممن أعرض أبى، وصم أذنه وانجفى ,وخرج رمضان ولم ينل فيه الرحمة والغفران والمنى، هذا رسول الله صَعَدَ المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين)) فقيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين!! فقال : ((إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، قلت: آمين)) .
أيها المسلمون، احذروا ما أعدّه لكم أهلُ الأهواء والانحلال، ودعاة الفساد والضلال، من برامج مضلة، ومشاهد مخِلّة، والله إنهم لقومٌ فاسقون لا يبالون ذماً، وآمِنون لا يُعاقَبون يوماً، ومجرمون لا يراعون فطراً ولا صوماً، عدواناً وظلما، جرَّعوا المسلمين مسموم الشراب، من نظر حرام وسمع حرام , وما زادهم غير تتبيب، فتهييجٍ وتشبيب، وتدمير وتخريب، فيا من رضي لنفسه سوء المصير، وارتكب أسباب الخسارة والحرمان والتحقير، أخسر بها من صفقة، وأقبح بها من رفقة.
يا مطلقي البصر في مشاهد البور ومحرمات المنظور، ها أنتم اليوم في خير الشهور، فحذار حذار من انتهاك حرمتِه، وتدنيس شرفه، وانتقاص مكانته، يقول رسول الهدى : ((من لم يدع قول الزور والعملَ به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) أخرجه البخاري.
يا من يقضي وقت الأسحار في اللهو والعار والغفلة والشنار، وكلَّ يوم يقوم عن مثل جيفة حمار، عجباً كيف تجتنب الطريق الواضح، وتسلك مسالك الردى والقبائح؟! ما بال سمعِك عليه ستور؟! ما بال بصرِك لا يرى النور؟! وأنت في إعراض ودبور، وغفلة وغرور، وما أنت في ذلك بمعذور. فبادر لحظاتِ الأعمار، واحذر رقدات الأغمار .
أيها الصائمون، إن أولى ما قُضِيت فيه الأوقات وصُرفت فيه الساعات مدارسةُ الآيات وتدبّر البينات والعظات، وقد كان جبريل عليه السلام يَلقى رسول الله في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. متفق عليه.
القرآن يا مسلمون شفاءٌ لما في الصدور، وحَكَم عدل عند مشتبهات الأمور، قصصٌ باهرة، ومواعظُ زاجرة، وحكم زاهرة، وأدلة على التوحيد ظاهرة. أندى على الأكباد من قطر الندى، وألذّ في الأجفان من سِنَةِ الكرى، وهو الروح للجسد ، ولولا الروح لمات الجسد، فأقبِلوا على القرآن ، واستخرجوا دُرَره، وراجعوا كتبَ التفسير والتأويل، ولا تقنعوا من تلاوته بالقليل، اقرؤوه وحكِّموه في كل صغير وجليل، فالسعيد من صرف همتَه إليه، شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ .
وكن ـ يا عبد الله ـ كالحالِّ المرتحل، كلما ختمه عاد على أوله يقرأ ويرتِّل، يقول رسول الهدى : ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعتُه الطعام والشهوة فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النومَ بالليل فشفِّعني فيه، فيشفعان))
أيها المسلمون، هذا شهر الإنفاق، والبذل والإشفاق، فيا أهل اليسار والغنى ، تذكروا الأكباد الجائعة، أهلَ الخصاصة والخماصة، الذين أصابتم البوائق الفالقة، والقوارع الباخعة، ممن يعانون عُدما، ويعالجون سقَما، أعينوهم وعلجوهم وأغنوهم، وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ وأغيثوا الجائع والمضطر، وأنفقوا وأوسعوا، ولا توكوا فيوكي الله عليكم، ولا تحصوا فيحصي الله عليكم، قال : ((أفضل الصدقة صدقة في رمضان)) , وكان رسول الله أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام.
أيها المسلمون إنه يجب عليكم متابعة نسائكم وأهليكم فيجب على المرأة المسلمة إذا شهدت العشاء والتراويح أن تجتنب العطور والبخور، وما يثير الفتنة من ملابس الزينة المزخرفة وغيرها، والتي تستميل نفوس ضعاف الإيمان، وتفتن من في قلبه مرضٌ. وعليها أن تجتنب الخلوة بالسائق لما في ذلك من النتائج التي لا تُحمد عقباها، ولا يُعرف منتهاها، فعن زينب الثقفية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تتطيّب تلك الليلة))، وفي رواية: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسَّ طيباًً)) رواهما مسلم، وصلاتهن في قعر بيوتهن خيرٌ لهن، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن)) أخرجه أبو داود، وعن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله أنه قال: ((خير مساجد النساء قعر بيوتهن)) أخرجه أحمد
أقول قولي....
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، إن مما يؤسِف الناظر ويُحزن الخاطر ظاهرةً مقيتة وعادة قبيحة سرت في صفوف بعض المسلمين، ألا وهي ظاهرة الإسراف في المآكل والمشارب في شهر رمضان، زيادة على قدر الحاجة، نهمٌ مُستعِرّ، وشرهٌ مضرٌّ، بِطنةٌ مورثة للأسقام، مفسدة للأفهام، وبطر وأشر، حمل الكثير إلى رمي ما زاد من الأكل والزاد في النفايات مع المهملات والقاذورات، في حين أن هناك أكباداً جائعة وأُسرًا ضائعة تبحث عما يسدّ جوعَها ويُسَكِّن ظمأها.
فاتقوا الله عباد الله، فما هكذا تُشكر النعم، وتستدفَع النقم، وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
أيها المسلمون، لكل صائم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة، تفتح لها أبواب الإجابة، فعن [عبد الله بن] عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله في: ((إن للصائم عند فطره لدعوة ما تردّ)) .
فاستكثروا من الدعوات الطيبات في شهر النفحات والبركات، لكم ولأنفسكم ولأهليكم وذويكم، ولجميع المسلمين المستضعفين،
اللهم أنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
واعلموا أن الدنيا حلوةٌ خضرة، جميلة نضرة، نعيمٌ إلا أنه عديم، ومحمود إلا أنه مفقود، المستقِرُّ فيها يزول، والمقيم عنها منقول، وكلُّ عبد فيها مسؤول، من تعلّق بهذه الدنيا انشغل بشغل لا يفرغ عَنَاه، وأملٍ لا يبلغ منتهاه، وحرصٍ لا يُدرك مداه، أيامُها تسير في خبَب، وشهورها تتتابع في عجب، وزمانها انحدر من صبَب، الدنيا كلُّها قليل، وما بقي منها وربي إلا القليل، والناس يتقلبون فيها بين مؤمن وكافر، وتقي وفاجر، وناجٍ وخاسر، وسالم وعاثر، فطوبى لمن حفظ نفسه وأولاده، ونساءه وقِعاده، من موجبات السخط والذم، ووسائل الشر والهدم، وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرٰطٍ مّسْتَقِيمٍ
أيها المسلمون، أتاكم شهرُ المرابحِ بظلاله ونواله ، وجماله وجلاله، وبهائه وعطائه , زائرٌ زاهر، وشهر عاطر، فضله ظاهر، بالخيرات زاخر، لا تُعدَّ نفحاتُه، ولا تحصى خيراته، ولا تستقصى بركاته، نشر فينا الهدى والخير ، فلا ترى في المساجد إلا عابداً يركع، وقارئا يرتّل ويخشع، يرقُّ قلبه ويدمع، بآيات تجلو الصدى، وتُذهب الظما، وتزيل العشى، فاحمدوا الله أن بلَّغكم، واشكروه على أن أخَّركم إلى رمضان ومكَّنكم، فكم من طامع بلوغَ هذا الشهر فما بلغه، كم مؤمِّل إدراكَه فما أدركه، فاجأه الموت فأهلكه.
أيها المسلمون، بلغناه وكم حبيب لنا فقدناه، أدركناه وكم قريب لنا أضجعناه، صُمناه وكم عزيز علينا دفناه. إخواني، رحيلُ من رحل عنا نذيرٌ لنا ، وهذا الموت منا قد دنا، والرحيل قرُب ولا زاد عندنا، فالعمل العمل قبل أن لا توبةً تُنال، ولا عثرة تُقال، ولا يُفدى أحد بمال، فأقبلوا على ربكم، وأروا الله خيراً من أنفسكم، فبالجد فاز من فاز، وبالعزم جاز من جاز، واعلموا أن من دام كسله خاب أمله، وتحقَّق فشله، تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره. أخرجه مسلم
أيها المسلمون، هذا شهر القبول والسعود، هذا شهر العتق والجود، هذا إبَّانُ الترقي والصعود، فيا خسارة أهل الغفلة والرقود ويا ندامة أهل الإعراض والصدود، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي يرويه عن ربه عز وجل قال: ((إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني مشياً أتيته هرولة)) أخرجه البخاري.
يا عبد الله، هذا أوان الجد إن كنت مجداً، هذا زمان التعبّد إن كنت مستعداً، هذا نسيم القبول هبّ، هذا سيل الخير صبّ، هذا الشيطان صفد وكبّ، هذا باب الخير مفتوحٌ لمن أحب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا كانت أول ليلة من رمضان صفّدت الشياطينُ ومردةُ الجن، وغلِّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة)).
فيا عباد الله : هذا زمان التوبة والإياب، هذا شهر الإقبال على الكريم الوهاب، فأسرعوا اليوم بالمتاب، فقد قرب الاغتراب، في دار الأجداث والتراب.
يا من ألف الذنوب وأجرمَا، يا من غدا على زلاته متندمَا، تُب فدونَك المنى والمغنمَا، والله يحب أن يجود ويرحمَا، وينيل التائبين فضلَه تكرماً، فطوبى لمن غسل في هذا الشهر أدران ذنوبه بتوبة، ورجع عن خطاياه قبل فوْت الأوبة , قل لي بربك من للم يتب في هذا الشهر متى يتوب ومن لم يربح في هذا شهر المرابح ففي أي وقت يربح
يا أسير المعاصي، يا سجين المخازي، هذا شهر يُفَكّ فيه العاني، ويعتق فيه الجاني، ويُتجاوَز فيه عن العاصي، فبادر الفرصة، وحاذر الفوتة، ولا تكن ممن أعرض أبى، وصم أذنه وانجفى ,وخرج رمضان ولم ينل فيه الرحمة والغفران والمنى، هذا رسول الله صَعَدَ المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين)) فقيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين!! فقال : ((إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، قلت: آمين)) .
أيها المسلمون، احذروا ما أعدّه لكم أهلُ الأهواء والانحلال، ودعاة الفساد والضلال، من برامج مضلة، ومشاهد مخِلّة، والله إنهم لقومٌ فاسقون لا يبالون ذماً، وآمِنون لا يُعاقَبون يوماً، ومجرمون لا يراعون فطراً ولا صوماً، عدواناً وظلما، جرَّعوا المسلمين مسموم الشراب، من نظر حرام وسمع حرام , وما زادهم غير تتبيب، فتهييجٍ وتشبيب، وتدمير وتخريب، فيا من رضي لنفسه سوء المصير، وارتكب أسباب الخسارة والحرمان والتحقير، أخسر بها من صفقة، وأقبح بها من رفقة.
يا مطلقي البصر في مشاهد البور ومحرمات المنظور، ها أنتم اليوم في خير الشهور، فحذار حذار من انتهاك حرمتِه، وتدنيس شرفه، وانتقاص مكانته، يقول رسول الهدى : ((من لم يدع قول الزور والعملَ به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) أخرجه البخاري.
يا من يقضي وقت الأسحار في اللهو والعار والغفلة والشنار، وكلَّ يوم يقوم عن مثل جيفة حمار، عجباً كيف تجتنب الطريق الواضح، وتسلك مسالك الردى والقبائح؟! ما بال سمعِك عليه ستور؟! ما بال بصرِك لا يرى النور؟! وأنت في إعراض ودبور، وغفلة وغرور، وما أنت في ذلك بمعذور. فبادر لحظاتِ الأعمار، واحذر رقدات الأغمار .
أيها الصائمون، إن أولى ما قُضِيت فيه الأوقات وصُرفت فيه الساعات مدارسةُ الآيات وتدبّر البينات والعظات، وقد كان جبريل عليه السلام يَلقى رسول الله في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. متفق عليه.
القرآن يا مسلمون شفاءٌ لما في الصدور، وحَكَم عدل عند مشتبهات الأمور، قصصٌ باهرة، ومواعظُ زاجرة، وحكم زاهرة، وأدلة على التوحيد ظاهرة. أندى على الأكباد من قطر الندى، وألذّ في الأجفان من سِنَةِ الكرى، وهو الروح للجسد ، ولولا الروح لمات الجسد، فأقبِلوا على القرآن ، واستخرجوا دُرَره، وراجعوا كتبَ التفسير والتأويل، ولا تقنعوا من تلاوته بالقليل، اقرؤوه وحكِّموه في كل صغير وجليل، فالسعيد من صرف همتَه إليه، شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ .
وكن ـ يا عبد الله ـ كالحالِّ المرتحل، كلما ختمه عاد على أوله يقرأ ويرتِّل، يقول رسول الهدى : ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعتُه الطعام والشهوة فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النومَ بالليل فشفِّعني فيه، فيشفعان))
أيها المسلمون، هذا شهر الإنفاق، والبذل والإشفاق، فيا أهل اليسار والغنى ، تذكروا الأكباد الجائعة، أهلَ الخصاصة والخماصة، الذين أصابتم البوائق الفالقة، والقوارع الباخعة، ممن يعانون عُدما، ويعالجون سقَما، أعينوهم وعلجوهم وأغنوهم، وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ وأغيثوا الجائع والمضطر، وأنفقوا وأوسعوا، ولا توكوا فيوكي الله عليكم، ولا تحصوا فيحصي الله عليكم، قال : ((أفضل الصدقة صدقة في رمضان)) , وكان رسول الله أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام.
أيها المسلمون إنه يجب عليكم متابعة نسائكم وأهليكم فيجب على المرأة المسلمة إذا شهدت العشاء والتراويح أن تجتنب العطور والبخور، وما يثير الفتنة من ملابس الزينة المزخرفة وغيرها، والتي تستميل نفوس ضعاف الإيمان، وتفتن من في قلبه مرضٌ. وعليها أن تجتنب الخلوة بالسائق لما في ذلك من النتائج التي لا تُحمد عقباها، ولا يُعرف منتهاها، فعن زينب الثقفية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تتطيّب تلك الليلة))، وفي رواية: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسَّ طيباًً)) رواهما مسلم، وصلاتهن في قعر بيوتهن خيرٌ لهن، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن)) أخرجه أبو داود، وعن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله أنه قال: ((خير مساجد النساء قعر بيوتهن)) أخرجه أحمد
أقول قولي....
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، إن مما يؤسِف الناظر ويُحزن الخاطر ظاهرةً مقيتة وعادة قبيحة سرت في صفوف بعض المسلمين، ألا وهي ظاهرة الإسراف في المآكل والمشارب في شهر رمضان، زيادة على قدر الحاجة، نهمٌ مُستعِرّ، وشرهٌ مضرٌّ، بِطنةٌ مورثة للأسقام، مفسدة للأفهام، وبطر وأشر، حمل الكثير إلى رمي ما زاد من الأكل والزاد في النفايات مع المهملات والقاذورات، في حين أن هناك أكباداً جائعة وأُسرًا ضائعة تبحث عما يسدّ جوعَها ويُسَكِّن ظمأها.
فاتقوا الله عباد الله، فما هكذا تُشكر النعم، وتستدفَع النقم، وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
أيها المسلمون، لكل صائم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة، تفتح لها أبواب الإجابة، فعن [عبد الله بن] عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله في: ((إن للصائم عند فطره لدعوة ما تردّ)) .
فاستكثروا من الدعوات الطيبات في شهر النفحات والبركات، لكم ولأنفسكم ولأهليكم وذويكم، ولجميع المسلمين المستضعفين،
اللهم أنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
المشاهدات 3753 | التعليقات 2
أجزل الله لك الأجر والمثوبة شيخنا الكريم ابو معاذ على نقل الخطب الرائعة وانتقائها
فهد مصلح
جزاك الله خير يا أبا معاذ
تعديل التعليق